الثمن الاجتماعي لانضمام تركيا للاتحاد الأوربي
من أوروبا

ثمن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

تناقش الحلقة الثمن الاجتماعي والثقافي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فهل المجتمع التركي مستعد لدفع هذا الثمن؟ ولماذا تبدو التغيرات السياسية والاقتصادية أسهل تحقيقا من التغيرات الاجتماعية؟

– الثمن الثقافي والاجتماعي لحلم تركيا الأوروبي
– تمسك الأتراك بعاداتهم وتقاليدهم والانضمام لأوروبا

– الجوانب المختلفة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي

– ضم تركيا بين العضوية الكاملة والشراكة المتميزة


undefinedأحمد كامل: أهلا بكم إلى حلقة جديدة من برنامج من أوروبا أقدمها لكم من العاصمة التركية أنقرة، كثيرة هي التغيرات السياسية والقانونية والاقتصادية المؤلمة المطلوبة من تركيا أوروبياً، لكن التغيرات الاجتماعية قد تكون الأكثر إيلاما. التحقيق التالي من إعداد الزميل يوسف الشريف يُسلط الضوء على الثمن الثقافي والاجتماعي لحلم تركيا الأوروبي.

الثمن الثقافي والاجتماعي لحلم تركيا الأوروبي

[تقرير مسجل]

يوسف الشريف: منذ عام 2000 عمل البرلمان التركي ليل نهار من أجل إقرار ما يلزم من إصلاحات دستورية وقانونية اشترطها الاتحاد الأوروبي في إطار ما يُسمى بمعايير كوبنهاغن السياسية، الأمر ما كان ليحتاج إلا لإرادة سياسية من أجل صياغة وإقرار هذه الإصلاحات، إلا أن ما تم إقراره منذ ذلك الحين وحتى الآن لم يُطبق منه على الأرض سوى القليل، في البداية تعذّرت الحكومة التركية بالبيروقراطية التي تعاند التغيير، لكن وبعد فترة بدت الصورة أوضح، فحُجة البيروقراطية لم تكن إلا ستاراً للعقلية التركية الشعبية التي ترفض الامتثال أحيانا لما يخالف طبائعها وعاداتها من قوانين أوروبية والأمثلة على ذلك كثيرة، الكوكوريتش تكاد تكون الأكلة الأكثر شعبية في تركيا، لكن هذه الوجبة المكونة من أحشاء الطيور مهددة بالانقراض لأن معايير الاتحاد الأوروبي الصحية تُحرمها وهنا يبدأ الاختيار الصعب بين ما اعتاد عليه الأتراك وما يُقره الاتحاد الأوروبي.

بائع الكوكريتش: لا أتخيل تركيا بدون الكوكريتش وحتى لو دخلنا الاتحاد الأوروبي فلن تكون تركيا هي التي انضمت إلى الاتحاد بدون الكوكريتش.

يوسف الشريف: اليمين التركي المحافظ يكاد يُشكل غالبية السكان في تركيا والعادات والتقاليد لها احترامها خصوصا في الأناضول التركي الواسع، إذ لا تزال الأسر المحافظة على روابطها القوية من الأجداد إلى الأبناء في احترام انعكس على الكثير من القوانين الاجتماعية والرسمية وبعض هذه العائلات وإن دعمت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي إلا أنها تخشى من آثار ذلك على وحدة الأسرة والروابط التي تجمعها.

متى اوزكان– رب أسرة محافظة: بالطبع نحن نريد أن ننضم إلى الاتحاد الأوروبي ونرى في هذا المشروع ضمانا لمستقبل أطفالنا، لكن ما نخشاه هو أن تغزونا الثقافة الغربية مع الاتحاد الأوروبي، فأنا كرب أسرة لا أسمح لأولادي أن يخرجوا عن طوعي أو إرادتي أو أن يتخذوا من الحرية الأوروبية حُجة كي يعيشوا كيفما شاؤوا.

يوسف الشريف: دور المرأة التركية لا يزال الجزء الأكبر منه محصورا في البيت على الرغم من زيادة عدد المعاملات والمتعلمات منهن، فالعادات والتقاليد التركية لا تزال في أساسها شرقية وهي كغيرها ستمر من امتحان صعب على طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

مينا اوزكان– ربة أسرة محافظة: أخشى على ابنتي من الحرية التي سيجلبها الاتحاد الأوروبي، فأنا لا أتصور ابنتي قد تزوجت رجلا غريبا دون إذني أو علمي، مثلا بحجة أن قوانين الاتحاد الأوروبي تسمح لها بذلك، أعتقد أننا بحاجة إلى وقت طويل لنتكيف مع عادات أوروبا وأعتقد أيضا أننا لن نتأقلم مع بعضها أبدا.

يوسف الشريف: مسألة العادات والتقاليد والعلاقة بين أفراد الأسرة هي من أهم العقبات التي تواجه المجتمع التركي في التأقلم مع نظيره الأوروبي، لاسة اللاجارد صحفي دانماركي عاش في تركيا تسع سنوات وتزوج منها وأخذ عن الأتراك شيئا من عاداتهم التي لا يعارضها الاتحاد الأوروبي مثل إعداد القهوة التركية وهو يدرك تماما أسرار هذه المشكلة الاجتماعية.

تمسك الأتراك بعاداتهم وتقاليدهم والانضمام لأوروبا

"
الأسرة في تركيا هي التي تشّكل نواة المجتمع وهذا يعطي لرب الأسرة منصبا قياديا وحقا في التحكم، وهذا الأمر مرفوض أوروبيا
"
لاسة اللاجارد

لاسة اللاجارد – صحفي دانماركي: لا أعلم إذا ما كان يجب على الأتراك ترك عاداتهم وتقاليدهم إن هم أرادوا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن المشكلة تكمن في أن الأسرة في تركيا هي التي تشكل نواة المجتمع وهذا يُعطي لرب الأسرة منصبا قياديا وحقا في التحكم فيها. هذا مرفوض أوروبياً لأن الفرد هو ليس الأسرة هو نواة المجتمع الأوروبي والحفاظ على حرية الفرد من المقدسات، فمثلا ما يجري هنا في تركيا من زواج الأقارب تحت ضغط الوالدين يُعتبر جريمة في أوروبا.

يوسف الشريف: بعض العادات والتقاليد في تركيا تُعتبر تهديدا لحقوق الإنسان من وجهة النظر الأوروبية، فالقوانين التركية ولفترة قريبة كانت تتهاون في معاقبة جرائم الشرف وتُفرق في معاقبة الزاني والزانية فتُجرم المرأة وتُبرئ الرجل وذلك استجابة لمطالب مجتمع ذكوري شرقي، إذ لا تزال حقوق المرأة في تركيا بحاجة إلى تغيير في العقلية والنظرة إلى المرأة ولن تنتهي بسن القوانين فقط.

مواطنة تركية: إحصاءاتنا تشير إلى أن 70% من النساء في تركيا يتعرضن للقسوة أو الضرب، نصف هؤلاء من المتعلمات بل إن النسبة ترتفع مع ارتفاع مستوى التعليم بين الزوجين، فهناك أساتذة جامعة يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن وهذا يوضّح أن المسألة لا يمكن حلها بفرض قوانين الاتحاد الأوروبي فحسب ولكن يجب أن يُغير المجتمع التركي من نظرته للمرأة التي يراها إنسانا غير كامل.

"
رغم أن نظاما علمانيا صارما يحكم تركيا منذ عام 1923 فإن ذلك لم يغير من حقيقة أن 99% من الشعب التركي هم مسلمون، وهذا أكثر ما يخيف الأوروبيين
"
تقرير مسجل

يوسف الشريف: أكثر ما يخيف الأوروبيين ويزيد من رفض شريحة كبيرة منهم لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو التركيبة الدينية للأتراك، فعلى الرغم من أن نظاما علمانيا صارما يحكم تركيا منذ عام 1923 إلا أن ذلك لم يُغير من حقيقة أن 99% من الشعب التركي هم مسلمون، بل إن السياسة في تركيا شهدت وصول إسلاميين إلى الحكم ولم تسلم تركيا من نمو جماعات إسلامية متطرفة كان لبعضهم منها نشاط مسلح مثل حزب الله الكردي وإن كان الاتحاد الأوروبي يراهن على أن نموذج حزب العدالة والتنمية الحاكم والذي جاء من جذور إسلامية قد يساعد على القضاء على ما تُسميه بالتشدد والتطرف الديني، إلا أن البعض يرون العكس في تركيا ويقولون بأن وجود الحزب في السلطة قد أدى إلى عودة الإسلاميين إلى الساحة من جديد وبشكل أقوى تحت مظلة الحزب الحاكم. الشعور القومي المتضخم في تركيا قد يُشكل أيضا حاجزا اجتماعيا ونفسيا أمام انضمام الأتراك للاتحاد الأوروبي، إذ أن تمسك الأتراك بنموذج الدولة الوطنية ذات اللغة الموحدة والثقافة الموحدة يجب أن يتحطم على شواطئ الاتحاد الأوروبي الذي يُشدد على سماح تنوع الثقافات واللغات واللهجات داخل الدولة الواحدة ومن هنا ينبع الاختلاف في وجهات النظر بين تركيا والاتحاد الأوروبي حول كيفية حل القضية الكردية في تركيا التي تشكل إحدى أهم العقبات أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ولكن ومع كل هذه العقبات النفسية والاجتماعية والثقافية الموجودة أمام تركيا فإن ذلك لا يمنع البعض من العمل من أجل التأقلم مع الاتحاد الأوروبي وعاداته وثقافته ونمط حياته حتى لو بدت هذه المحاولات بدائية للغاية.

الجوانب المختلفة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي

أحمد كامل: شكرا للزميل يوسف الشريف ولتسليط المزيد من الضوء حول هذا الموضوع أستضيف السيد أرمين لاشيت عضو البرلمان الأوروبي والسيد دانيال غروس مدير المركز الأوروبي للدراسات السياسية وأبدأ بالسيد النائب لأسأله هل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو عملية سياسية اقتصادية قانونية محضة أم أن هناك جوانب ثقافية واجتماعية للموضوع؟

أرمين لاشيت- عضو البرلمان الأوروبي: بالطبع إنه ليس مشروعا سياسيا واقتصاديا وحسب إنه مشروع اجتماعي وثقافي أيضا، لكنني لا أعتقد أن الجانب الاجتماعي والثقافي سيكون عائقا أمام تركيا، فأغلبية الأتراك يقبلون المبادئ الأوروبية، يريدون أن يكونوا أوروبيين في حياتهم الاجتماعية والثقافية ولذلك لا يمكن اعتبار هذا الجانب حجة ضد انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

أحمد كامل: ما هي التغيرات الاجتماعية والثقافية المطلوبة من تركيا لتدخل الاتحاد الأوروبي؟

"
يجب على تركيا إن أرادت أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي قبول شروط العضوية التي وضعت في كوبنهاغن
"
أرمين لاشيت

أرمين لاشيت: أوروبا لا تطلب من تركيا القيام بتغيرات اجتماعية وثقافية، إنها تطلب قبول شروط العضوية التي وُضعت في كوبنهاغن وهي سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والاستقرار الاقتصادي ويجب على تركيا إن أرادت أن تصبح عضوا أن تقبل عشرين ألف قانون أوروبي وتطبقها في مجتمعها، التغيرات الثقافية ليست ضرورية لكن احترام حقوق الإنسان ضروري.

أحمد كامل: سيد دانيال غروس مدير مركز الدراسات السياسية الأوروبية هل المجتمع التركي مختلف جذريا عن المجتمع الأوروبي؟

دانيال غروس- مدير مركز الأوروبي للدراسات الأوروبية: المجتمع التركي بالطبع مختلف عن باقي المجتمعات الأوروبية ولكن علينا ألا ننسى أننا في أوروبا لدينا اختلافات بين مجتمع وآخر ولكننا كلنا في النهاية أوروبيون، لتركيا تاريخ خاص بها وحتى أوضاعها الاقتصادية متأخرة قليلا عن معظم الدول الأوروبية، إذا رجعت إلى الوراء ونظرت إلى دول كإيطاليا مثلا أو إسبانيا أو اليونان قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، حيث كان معظم اقتصادها يعتمد على القطاع الزراعي، كانت أيضا مختلفة وعدد أفراد العائلة كبيرة ودورها مهم لأن الزراعة تعتمد عادة على الأيدي العاملة ولكن عندما تغيرت طبيعة الاقتصاد إلى الصناعة وانتشر التعليم أكثر تحولوا إلى المجتمعات التي نعرفها اليوم وهي مجتمعات قد تكون منفتحة أكثر وأوروبية أكثر لأن مستوى التعليم ارتفع وهذه تغيرات طبيعية والتغير يتطلب وقتا.

أحمد كامل: هناك واحد وثلاثين نقطة في المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، أربعة منها سوف تكون صعبة كما هو متوقع الزراعة والتعليم والعدالة وحقوق الإنسان، التغيرات في الزراعة سوف تكون الأكبر لأن عدد المزارعين كبير في تركيا وسوف ينعكس ذلك على المجتمع وعلى الأسرة، كيف سوف ينعكس ذلك؟

دانيال غروس: الثقافة والتقاليد قد تبدو هي الملف الأصعب ولكن قناعتي هي أن هذه الأمور يمكن حلُّها، فأولا لدينا الآن عدد من الدول الأوروبية لديها اقتصاد مشابه لتركيا مثل رومانيا وبلغاريا وإلى حدٍ ما بولندا، فالزراعة عندهم تشغل عدد كبير من الأيدي العاملة ولكننا نعرف عندما ننظر إلى دول مثل إيطاليا أو إسبانيا قبل عشرين عاما كانت في مثل وضع تركيا اليوم، إذاً نحن نعرف إذا ما تورط تركيا اقتصادها خلال الخمسة عشرة عاما القادمة فإن عدد المزارعين سينخفض ولكنهم سيجدون عملا في المدينة في الصناعة والخدمات وهذه القطاعات أجورها أفضل من القطاع الزراعي.

أحمد كامل: القطاع الآخر الصعب هو قطاع التعليم والمطالب الأوروبية يمكن أن تُحدث صدمة أو تغيير في العقلية حتى التركية.

دانيال غروس: التعليم بالفعل مشكلة كبيرة في تركيا، ليس فقط لأن الاتحاد الأوروبي يطلب من تركيا أن تُدخل تغيير في هذا المجال، فالاتحاد لدية تدخلات بسيطة في هذا الموضوع وهذا ينطبق على كل أعضاء الاتحاد، فكل دولة حرة في سياستها التعليمية ولكن المشكلة في تركيا أن لديها نظاما تعليميا ضعيف، فلديهم عدد كبير من الطلاب يعرفون القراءة والكتابة وكثيرون غيرهم يكتفون بالتعليم الابتدائي ولا يصلون إلى الجامعة وهذا يختلف عما هو حصل في باقي الدول الأوروبية، فهم لديهم نظام تعليم قوي ولهذا يستطيعون أن يُنافسوا في هذا السوق، إذاً إذا أرادت تركيا أن تتطور فعليها تغيير نظام التعليم، ليس لأن الاتحاد الأوروبي يطلب منها ذلك ولكن لمصلحة تركيا نفسها وتسهيلا لها لدخول الاتحاد الأوروبي.

أحمد كامل: أعود إلى السيد أرمين لاشيت عضو البرلمان الأوروبي وأسأله بالنسبة لملف حقوق الإنسان هناك الكثير من الكلام عن انتهاكات تركية متأصلة لحقوق الإنسان ومطالب أوروبية مناقضة تماما لهذا السلوك التركي، ماذا تطلبون في هذا المجال؟

أرمين لاشيت: المسألة بسيطة جداً، كل معايير حقوق الإنسان المحترمة في أوروبا يجب أن تُحترم في تركيا، ليس من المقبول وضع الناس في السجون بسبب آرائهم السياسية يجب وضع سياسة تجاه الأقليات، حقوق الأقليات يجب أن تُحترم، مثلا الأكراد يجب أن يتمكنوا من التحدث بلغتهم وهذه مسألة واضحة ولا يجب أن يُعامل المتظاهرون في اسطنبول بأسلوب الدول البوليسية، هذا لا يتوافق مع المعايير الأوروبية وهو أمر غير مقبول.

أحمد كامل: ما قامت به الحكومة التركية الحالية ألا يكفي في هذا المجال؟

أرمين لاشيت: بالطبع الحكومة التركية قامت بالعديد من التغييرات وهناك تحسن في مجال حقوق الإنسان، مثل احترام حقوق الأقليات الدينية، هناك تحسن لكنها المرة الأولى التي نبدأ فيها مفاوضات انضمام إلى الاتحاد الأوروبي مع دولة قبل أن التأكد من الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، هذا وضع خاص لتركيا حيث قررنا في ديسمبر الماضي فتح مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قبل أن تُتم احترام معايير كوبنهاغن، هذا يحصل لأول مرة.

أحمد كامل: فيما يتعلق بحقوق الأقليات ما تطلبونه يمس كيان الدولة التركية ويمس العقلية التركية بالعمق.

أرمين لاشيت: نحن لا نخلق مشاكل داخل تركيا، المبادئ الأوروبية واضحة، فالكثير من المشكلات حلُّها بقبول حقوق الأقليات في أوروبا نفسها، خبرتنا تبرهن بأن منح الحقوق الثقافية واللغوية للأقليات أمر جيد، نحن لا نريد تدمير الدولة التركية، يجب على تركيا نفسها أن تقرر هل تريد أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي أم لا؟ برأيي من الأفضل لتركيا ألا تصبح عضوا لكن الأمر لا يعود لي إنه يعود إلى تركيا.

أحمد كامل: هل تعتقدون أن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي خطر على تركيا؟

"
من الأفضل لتركيا ألا تصبح عضوا في الاتحاد، فتوسيع الاتحاد ليصل إلى حدود العراق أمر غير مقبول في الوقت الحاضر
"
لاشيت

أرمين لاشيت: لا أعتقد أن الأمر يشكل خطرا على تركيا، إنه يمثل مصلحة لها، معاملة الأقليات وفق المعايير الأوروبية أمر جيد لتركيا ولأي بلد آخر وأنا أرى أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع استيعاب دولة بهذا الحجم، نحن لدينا مشاكل بدُولنا الخمس والعشرين وستنضم إلينا بلغاريا ورومانيا لنصبح سبعا وعشرين دولة، أعتقد أن التوسع لضم هذا العدد الكبير من الدول يُشكل مشكلة كبيرة، توسيع الاتحاد الأوروبي ليصل إلى حدود العراق أمر غير مقبول في الوقت الحاضر.

دانيال غروس: وهناك أيضا وجهة نظر أوروبية أخرى تقول إن من الأفضل أن تكون لدينا تركيا قوية هي مَنفذنا للعراق وإيران وسوريا، فوضع تركيا وهي عضو مستقر ومزدهر ومتطور وديمقراطي في الاتحاد أفضل من تركيا خارج الاتحاد ولديها العديد من المشاكل التي تتخبط فيها وهي ليست مشاكل اقتصادية فقط ولكن سياسية أيضا ونعرف أنه إذا كانت تركيا غير مستقرة فهذا يعني بالتأكيد مزيدا من المشاكل لأوروبا ولن تكون لنا حدود مشتركة مع العراق وإيران وهذا أمر غير مفيد لأوروبا، إذاً هناك آراء أوروبية متعددة حول هذا الأمر وكثيرون يقولون ربما ستكون تركيا عامل استقرار على حدودنا الشرقية وآخرون يقولون لا، لا نريد هذه الحدود.

ضم تركيا بين العضوية الكاملة والشراكة المتميزة

أرمين لاشيت: تركيا دولة مستقرة منذ أربعين عاما وهي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي ولدينا دول مستقرة حول منطقة الاتحاد الأوروبي وهي ليست داخل الاتحاد الأوروبي أيضا وإلا كان يتوجب علينا ضم آخرين من خارج الاتحاد الأوروبي وهذا ليس ممكنا، لهذا نحن بحاجة إلى خطط مشابهة للمتبعة في الدول المجاورة للاتحاد الأوروبي ونحن نطور سياسات كهذه تلائم دولا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي مثل مولديفيا وأوكرانيا ودول أخرى وهذه دعوة إلى دول مثل سوريا ومصر وتونس وهي دول قريبة جدا من الاتحاد الأوروبي ولكنها لا تستطيع أن تصبح عضوا في الاتحاد، لماذا يجب معاملتهم بصورة أفضل من تركيا؟ فهم جيراننا ونتطلع إلى علاقات جيدة معهم.

"
هناك وجهة نظر أوروبية تقول من الأفضل أن تكون لدينا تركيا قوية فهي منفذنا للعراق وإيران وسوريا
"
دانيال غروس

دانيال غروس: ولكن مثل هذه العلاقات ستشكل خطوة إلى الوراء بالنسبة لتركيا لأن تركيا الآن هي بالفعل مندمجة مع الاتحاد الجمركي الأوروبي ولديها تعاون وثيق مع قطاعات أخرى مثل القطاع العسكري ولهذا إذا قلنا لتركيا الآن نحن لا نريدكِ عضوا ولكننا نمنحكِ بعض الامتيازات كشريك فهذا معناه إننا نقول لها لوقت طويل كنا نقول لكم إذا أصبحتم دولة ديمقراطية فستصبحون عضوا في الاتحاد الأوروبي، الآن وقد أصبحت تركيا تقريبا دولة ديمقراطية بالكامل نقول لهم دعونا نُعِد التفكير في مسألة دخولكم للاتحاد وسنُقدم لكم شيئا يدعى الشريك المتميز ولكن عندما تنظروا إلى التفاصيل فإنه عَرْض أقل بكثير مما لديهم الآن فعلا.

أرمين لاشيت: لست متأكدا متى ستبدأ المفاوضات في أكتوبر، في تركيا يرى المجتمع كل يوم أن 70% من قوانينهم في المستقبل ستقر في بروكسل أعتقد أن هذا سيدفع الكثير من الأتراك القوميين أكثر من الأوروبيين أنفسهم إلى القول لا نريد حلولا كهذه، نريد تقرير أمورنا بأنفسنا، نريد أن نتماشى مع أوروبا لاسيما أننا لدينا الكثير من القيم المشتركة وبالرغم من ذلك لا نريد أن نصبح أعضاء كاملي العضوية في الاتحاد، هذا هو مستقبل الشعب التركي.

أحمد كامل: سيد أرمين لاشيت عضو البرلمان الأوروبي شكرا لك نعود إلى هذا الموضوع بعد فاصل قصير، أعزائي المشاهدين نعود إليكم بعد فاصل قصير ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

أحمد كامل: أهلا بكم من جديد في هذه الحلقة من برنامج من أوروبا، موضوع هذه الحلقة هو الثمن الاجتماعي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ومدى استعداد تركيا لدفع هذا الثمن وأعود إلى السيد أرمين لاشيت عضو البرلمان الأوروبي لأسأله متى سوف تقول تركيا يكفي لا نستطيع تقبُّل المزيد من الشروط وسوف نترك هذا الحلم الأوروبي؟

أرمين لاشيت: لا أدرى متى ولكن هذا سؤال يوجه للجيران هنا وسنرى المواقف المختلفة، لدينا حوار مفتوح في تركيا وسنقرر الأفضل لبلدنا عضوية متميزة أم عضوية كاملة.

دانيال غروس: ليس فقط تركيا فلدينا الآن دول عديدة تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي وعشر دول جديدة انضمت إلينا هذا العام ودولتان ستنضمان خلال العامين المقبلين وكل هذه الدول عندما بدأت مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد كانت تقول هذه شروط صعبة جدا وعلينا التخلي عن أولوياتنا الوطنية ونُغلق مفاعلاتنا النووية ونُقلص قطاعنا الزراعي ونبيع مصارفنا إلى الأجانب، لا نستطيع بعد الآن أن نحمي صناعاتنا، كلهم في البداية قالوا هذا صعب، صعب جدا لا نريد أن نذهب إلى هذا الحد في الاستسلام لشروطكم ولكن عندما نمضي قُدما في المفاوضات وترى هذه الدول ما يطلبه الاتحاد الأوروبي منها وهو يطلب أشياء ليست مستحيلة التحقيق ولكنها أشياء تصب في مصلحتهم وفي مصلحة تطورهم الاقتصادي والاجتماعي ولهذا أنا متأكد مع تطور المفاوضات فإن المجتمع التركي سيرى أن ما يُطلب منه ليس معناها التخلي عن تركيا، عن دولتهم، بل جعلها أقوى وأكثر ديمقراطية وجعل اقتصادها أكثر انفتاحا.

أحمد كامل: الوضع مختلف بالنسبة لتركيا لأن هناك مشكلة ثقافية، هذه المشكلة الثقافية لم تكن موجودة بالنسبة للدول العشر التي انضمت للاتحاد الأوروبي.

دانيال غروس: هناك دائما مشكلة اختلاف العقليات وإذا رجعت للوراء ونظرت إلى تاريخ الاتحاد الأوروبي عندما توسع وضمّ إسبانيا والبرتغال قالوا نحن بروتستانت وهؤلاء الكاثوليك الآتين من جنوب أوروبا لن ينسجموا معنا ومع ثقافتنا الأوروبية ولكنهم انضموا ولم تحدث مشاكل تُذكر وحدث الشيء نفسه مع أوروبا ودول البلطيق وقال كثيرون من جنوب أوروبا إن البلغار والرومان أرثوذكس، أي لديهم مذهب مسيحي يختلف عن الباقيين والتاريخ مختلف وهم لم يشتركون معنا في حروبنا الدينية ولكن ماذا نرى الآن؟ هذه الدول دخلت في طريق الإصلاح والازدهار، لهذا أعتقد أن الاختلافات مع الثقافة التركية وهي موجودة لكنها لن تُعيق انضمامها، نعم تركيا مختلفة ولكن كل دولة أوروبية في الاتحاد هي إلى حد ما مختلفة وتركيا تصبح عصرية بسرعة كبيرة وفي النهاية أعتقد أنهم سينسجمون معنا.

أحمد كامل: هل..

أرمين لاشيت [مقاطعاً]: لا أعتقد أن لدينا الحوار نفسه، عندما حدث التوسع ودخلت إسبانيا والبرتغال ولم يعترض أحد من الكاثوليك لأن كثيرا من الدول المؤسسة كانت كاثوليكية ولم يكن ذلك مشكلة فقد قَبِلَ كل عضو أن إسبانيا هي جزء من أوروبا وجزء من الاتحاد الأوروبي ولكن الآن هناك حوار تركيا والنخبة التركية والذين يعيشون في اسطنبول هم أوروبيون ويعيشون كالأوروبيين ويريدون أن يكونوا أوروبيين وليس هناك شك في أن هذه مدينة أوروبية ولكن اسطنبول ليست كل تركيا والسؤال هو كيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن يستوعب ستين أو سبعين أو ثمانين مليونا في الاتحاد الأوروبي وهذا هو السبب.

أحمد كامل: السيد دانيال غروس هل تعتقد بأن المجتمع التركي واع لمتطلبات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من الناحية الاجتماعية والثقافية؟

دانيال غروس: ليس هناك بلد على استعداد للخضوع لما تتطلبه شروط العضوية في الاتحاد، كل دولة تكتشف هذا خطوة فخطوة والإجراءات المتبعة أنه عندما تكون العضوية بعيدة المنال فإن الناس يحلمون أن يصبحوا كالأوروبيين أغنياء وعندما تبدأ المفاوضات يبدؤون بالقول حسنا علينا تغيير هذا الأمر أو ذاك وهذا صعب جدا ولكنه ضروري وردة الفعل كانت على المدى القصير أنه من الأفضل ألا نفعل كل ما يُطلب منا ولكن عندما يبدؤون بتنفيذ الإصلاحات يكتشفون أنها في صالح مجتمعهم وتحديث هذه المجتمعات، لهذا فعندما يمضون قُدما في الإصلاحات فهم في النهاية يوافقون عليها وكل ما واصلوا التغييرات المطلوبة اكتشفوا أنها أمور جيدة وفي النهاية تراهم راضون عن النتيجة التي وصلوا إليها.

أحمد كامل: هل أوروبا أيضا مستعدة لانضمام تركيا؟

"
أوروبا ليست مستعدة لانضمام تركيا في الاتحاد، ولم تكن مستعدة لانضمام الدول العشرة من أوروبا الشرقية لأن قادتنا لم يهيئوا اقتصادنا ولا سوق العمل لهذه التغييرات
"
غروس

دانيال غروس: هذه أكبر مشكلة، فأوروبا اليوم ليست مستعدة لذلك ولكن أوروبا لم تكن مستعدة لانضمام الدول العشرة التي انضمت مؤخراً من أوروبا الشرقية لأن قادتنا لم يهيؤوا اقتصادنا ولا سوق العمل لهذه التغييرات وهناك أيضا مسألة، ما هي عقلية الناس وماذا يدور في أذهانهم؟ في ألمانيا وفرنسا الناس يفكرون بأوروبا الصغيرة التي تشكلت في الستينات والسبعينات ولديهم صعوبة ذهنية في تقبُّل توسيع خريطة الاتحاد وعلينا منحهم بعض الوقت لهضم مسألة أن أوروبا تتوسع.

أحمد كامل: (Ok) السيد لاشيت النائب في البرلمان الأوروبي ما الذي يخيفكم في الثقافة وفي المجتمع التركي؟

أرمين لاشيت: ليس هناك خوف بشأن شيء محدد في تركيا، السؤال يدور حول هل هناك خوف من التوسع لضم عدد كبير من الأقطار؟ هذا هو السؤال في أوروبا وليس حول شيء محدد في تركيا وحتى في ألمانيا لدينا الملايين من الأتراك يعيشون مع الألمان في سلام وهم مُدمجون في المجتمع الألماني ولا أحد يخافهم وأعتقد أن المستقبل هو في التعاون مع تركيا وليس الخوف منها وإقامة علاقات حَسَنة مع هذا القطر داخل الاتحاد أو خارجه.

أحمد كامل: السيد دانيال غروس مدير المركز الأوروبي للدراسات السياسية شكراً لك، السيد أرمين لاشيت عضو البرلمان الأوروبي شكراً لك، شكراً لضيفي أعزائي المشاهدين بهذا تنتهي حلقة هذا الأسبوع من برنامج من أوروبا نلتقي في الأسبوع المقبل.