إنجازات وإخفاقات الشراكة الأوروبية المتوسطية
من أوروبا

إنجازات وإخفاقات الشراكة الأوروبية المتوسطية

تناقش الحلقة الشراكة الأوروبية المتوسطية بعد عشر سنوات من إطلاقها، ماذا تحقق من وعودها بجعل حوض المتوسط منطقة سلام وازدهار? وهل أعطى الجانب الأوروبي كل ما لديه؟

– إنجازات إعلان برشلونة
– إعلان برشلونة بين الشراكة السياسية والاقتصادية
– مستوى التعاون على صعيد المجتمع المدني


undefinedأحمد كامل: أهلا بكم إلى حلقة جديدة من برنامج من أوروبا، عشر سنوات مضت على توقيع إعلان برشلونة الأوروبي المتوسطي الذي وعد بتحويل البحر الأبيض المتوسط إلى بحرية سلام ورفاه وديمقراطية، المتوقع كان أن ينقل شمال البحر إلى جنوبه هذه القيم والمكتسبات، فما الذي أُنجز؟ فالتحقيق التالي يحاول الإجابة.

إنجازات إعلان برشلونة

[تقرير مسجل]

في برشلونة بإسبانيا في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995 أُعلن عن توقيع إعلان برشلونة الذي مهد لعقد سلسلة من الشركات بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية فيما أصبح يُطلق عليه بمسلسل برشلونة وتعكس المبادرة المشتركة لسبعة وعشرين شريكا محاولة فريدة من نوعها لخلق روابط وثيقة بين دول حوض المتوسط من أجل دعم سلام واستقرار وتنمية دائمة في المنطقة التي تعد ذات أهمية استراتيجية لأوروبا بحسب الوثائق الرسمية الأوروبية، إذ تسعى شراكة الأورومتوسطية إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تتعلق الأولى بشراكة أمنية وسياسية من أجل خلق منطقة سلام واستقرار تستند على المبادئ العامة لحقوق الإنسان والديمقراطية والثانية بشراكة اقتصادية ومالية لإقامة منطقة ازدهار مشترك من خلال وضع أسس منطقة حرة تضم جميع دول الاتحاد الأوروبي وشركائهم من دول البحر الأبيض المتوسط الأخرى، أما الثالثة فتخص شراكة ثقافية واجتماعية وإنسانية لتحسين التفاهم والحوار بين شعوب المنطقة وتطوير مجتمع مدني حر ومزدهر وقد تم دمج هذه الأهداف الثلاثة في سياسة شاملة واحدة لإدراك جميع الشركاء بأن القضايا الثقافية والاقتصادية والأمنية والمالية لا يمكن تناولها تناولا فعّالا بمعزل عن بعضها البعض وللشراكة الأورومتوسطية مساران الأول رسمي يهدف عبر اتفاقيات الشراكة والحوار الثقافي والاقتصادي والسياسي إلى تأسيس منطقة تجارة حرة أورومتوسطية بحلول عام 2010، أما الثاني فهو شعبي ويرتكز بشكل رئيسي على مجموعة من المنتديات والشبكات والبرامج والمشروعات المشتركة إذ تم تأسيس عدد من قنوات الاتصال بين البرلمانات ومنظمات المجتمع المدني وذلك بهدف بناء الثقة بين شعوب ضفتي المتوسط وتتمثل الأداة المالية الرئيسية للشراكة الأورومتوسطية في برنامج ميدا الذي يساهم في تطبيق السياسات المتفق عليها بين الشركاء والتي تتعلق بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ويخصص برنامج ميدا منح لدعم هذه الإصلاحات تُدفع من ميزانية البرنامج التي تقدر بحوالي ستة مليارات يورو لسنوات 2000 و2006 ويركز برنامج ميدا بشكل أساسي على دعم التحول الاقتصادي عبر الدفع من أجل تطبيق مبادئ التجارة الحرة التي تتبناها منظمة التجارة العالمية والتي تتلخص في رفع وتيرة التنافس والتركيز على النمو الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص. ويسعى برنامج ميدا أيضا إلى تعزيز التوازن داخل المجتمع عبر إجراءات مناسبة في مجال السياسة الاجتماعية، كما يقدم بنك الاستثمار الأوروبي قروضا ومساعدات مالية لدول جنوب المتوسط يصل مجموعها لسنوات 2000 و2007 حوالي سبعة مليارات يورو، الدول العربية المتوسطية مصر وتونس والمغرب والجزائر ولبنان والأردن وفلسطين وقعت جميعها اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي، فيما تنتظر سوريا ضوءا سياسيا أخضر لتلتحق بشقيقاتها. وقد اختلف مسلسل المفاوضات التي جرت بين الاتحاد الأوروبي مع كل دولة عربية على حدا لإزالة العقبات والصعوبات الهائلة في بعض الحالات واختصار المدة الزمنية للاستفادة من ثمار الشراكة، كما تختلف الاتفاقيات التي تم توقيعها أو الجاري التفاوض بشأنها بين الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية في بعض معالمها رغم الحفاظ على الجوهر والمضمون، إذ تتعلق هذه الاختلافات مثلا بحجم المساعدات الموجهة إلى بعض القطاعات والمدة الزمنية المقررة لإلغاء الرسوم والحواجز الجمركية.

محي الدين الجمل – عضو المجلس الاجتماعي الاقتصادي بلندن: تبادل السلع.. أنا على المستوى الزراعي بأعتبر أنه تبادل السلع الزراعية بين لبنان وأوروبا كان حصة لبنان فيها إيجابية كبيرة ونحن الحقيقة استفدنا من تسهيلات أوروبية أعطونا إياها بعملية الكميات من حيث الكميات أو تواريخ التصدير. الاتحاد الأوروبي أخطأ عندما تواصل مع الدولة بعيد عن هيئة المجتمع الأهلي ونحن أخطأنا عندما لم ندرس فعلا شو هو مجال الاستفادة اليوم من الشراكة الأوروبية، لبنان أنا حتى اليوم بأقول غير مهيئة للاستفادة من أي اتفاقية موقعة لا مع الاتحاد الأوروبي ولا مع.. لأنه نحنا بالوزارات المعنية بهاي الملف عمليا لا نمارس عملية حاجة البنية التحتية للمجتمع الأهلي اللبناني.

محمد اشتيه – المجلس الفلسطيني للتنمية والأعمار: كون أن فلسطين لا زالت تحت الاحتلال ومعابرها التجارية ومخارجها التجارية تسيطر عليها إسرائيل بشكل مباشر فهذا الأمر عنى بشكل أن الأراضي الفلسطينية لم تتمتع بجميع الامتيازات الممنوحة من قبل الاتحاد الأوروبي للأعضاء المشاركين في اتفاقية الشراكة.

– وبعد مرور حوالي عشر سنوات على انطلاق مسلسل برشلونة فإنه ليس صعبا تحديد مكاسب وخسارة الطرفين خاصة الجانب العربي، فموازين القوى التي جرت وتجري في إطارها مفاوضات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية تميل بشكل حاسم لصالح الاتحاد الأوروبي الذي يفوض كطرف موحد بينما تجد كل دولة عربية نفسها وحيدة على طاولة المفاوضات، كما أن هذا المسلسل قد انطلق في ظل نظام عالمي نتج عن حرب أضعفت العرب، اقتصاديا يبلغ حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي عشرة آلاف مليار دولار أما اقتصاد الدول العربية المتوسطية فلا يتجاوز الثلاثمائة المليار، إضافة إلى ضعف قدرة وكفاءة الطرف العربي في الاستفادة من المكاسب التي تتيحها اتفاقيات الشراكة إلى أقصى حد ممكن وتفادي أو تقليص الخسائر المحتملة، فإزالة التعريفات الجمركية مثلا سيؤدي إلى مواجهة غير متكافئة بين الشركات العربية والشركات الأوروبية تفتح سوقا واسعة أمام الدول الأوروبية قد يؤدي إلى اختلال في الموازين التجارية للبلدان العربية وما ينتج عن ذلك من نقص في دَخْل موازنات العامة المخصصة للإنفاق على مشاريع التنمية، كما أن الأسواق الأوروبية ستظل عمليا مغلقة أمام المنتجات الزراعية للدول العربية ضمن نطاق تحدده السياسة الزراعية للاتحاد الأوروبي، إضافة إلى كون الشراكة الأورومتوسطية ميزت بين حرية التبادل التجاري التي أزيلت كافة الحواجز أمامها وحرية انتقال الأشخاص التي قُلصت كثير للحد من الهجرة.

العربي الجعيدي – جامعة الرباط أكدال – المغرب: نحن أمام منطق لا علاقة له بالسياسة التفضيلية، فنحن أمام منطق تعامل اقتصادي يشهد توسع وعولمة أوروبا في الوقت نفسه، لذا فنحن في الجنوب نخسر حصصنا في الأسواق العالمية وسنواجه صعوبات في الحفاظ على مكتسباتنا. وموازاة لهذا الوضع لا وجود لمساعدات لوضع قواعد واضحة كما أن أوروبا لا تأخذ بعين الاعتبار أن التحول يخص الآن كل ما يتعلق بالتنازل عن الحماية الجمركية.

– ولا يعكس المشروع الأورومتوسطي عدم التكافؤ الكبير في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية المتوسطية فقط ولكن أيضا عدم تأكيده بشكل كاف على جانب الحريات الشخصية، فرغم احتواء اتفاقيات الشراكة على بنود تشدد على ضرورة احترام حقوق الإنسان وإرساء دولة الحق والقانون، إلا أن هذه المبادئ غالبا ما يتم التغاضي عنها لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية.

جاك ولد عودية – اقتصادي بفرنسا:لا تشدد أوروبا كثيرا في الخارج على المبادئ الديمقراطية رغم أنها أفضل من غيرها من الدول في هذا المجال، فإلقاء الدروس في الديمقراطية يحتاج إلى التأكيد على ضرورة التعامل بالمبادئ الديمقراطية وإعادة النظر في طريقة تعاملنا مع هذه الدول خاصة وأن أوروبا تتساهل في تعاملها مع أنظمة لا تقدم كل الضمانات الديمقراطية وهو ما يشكل تناقضا مع قيمنا.

– ومع توسع الاتحاد الأوروبي نحو الشرق واقتراب ذكرى الاحتفال بمرور عشرة سنوات على توقيع إعلان برشلونة بدأ التفكير في إعادة النظر في مسلسل أنفق عليه الاتحاد الأوروبي مليارات دون أن يحقق النتائج المرجوة.

كريستيان لوفلير – المفوضية الأوروبية: نرغب في العمل مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية ومع شركائنا في المنطقة لندرس كيف تستطيع سلطات هذه الدول تطبيق نتائج تقرير التنمية البشرية وذلك بموازاة مع الأولويات المتعلقة بالتحديث والإصلاح الذي نحتاج إليه وتحتاج إليه هذه الدول التي نتعامل معها.

– وتسعى المؤسسات الأوروبية إلى تعزيز التعاون الأوروبي المتوسطي عبر برنامج نقاطه الأساسية تشجيع الديمقراطية بالتركيز على التعليم والتنمية الاقتصادية والإصلاح الاجتماعي وحقوق المرأة والبيئة والهجرة ومكافحة ما يطلق عليه بالإرهاب. وأكد الاتحاد الأوروبي أنه سيعمل على رفع المساعدات بنسبة 50% مقابل تعميم التعليم الأساسي بدخول سنة 2015 للقضاء التام على الأمية. سياسة الجوار هي أيضا إحدى الوصفات التي ابتدعها الاتحاد الأوروبي لتفعيل العلاقات مع الدول المحيطة به، بما فيها الدول العربية. وترتكز سياسة الجوار الأوروبية على الحوار مع الدول الشريكة وتطبيق سياسات تؤدي إلى تقريب دول الجوار من مكتسبات الاتحاد الأوروبي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أحمد كامل: ولمعرفة وجهة النظر الأوروبية استضيف كلا من السيدين فرانسوا كزافيي دي دونيا وزير الدولة البلجيكية المكلف بالعلاقات مع دول المتوسط والسيد ينييك بوليه المكلف بتنظيم الندوة الدولية للعلاقات الأوروبية المتوسطية، أهلا بضيفي ولأبدأ مع السيد الوزير لأسأله كيف ترون العلاقات أو الشراكة الأوروبية المتوسطية عشرة سنوات بعد إعلان برشلونة؟

"
هناك نحو ستة بلدان وقّعت اتفاقية شراكة وشرعت في تنفيذها، أما البلدان الأخرى فتنتظر مصادقة على اتفاقات سبق وأن وُقعت حتى يتسنى لها التنفيذ
"
     فرانسوا كزافيي

فرانسوا كزافيي دي دونيا – وزير الدولة البلجيكي المكلف بالعلاقات مع دول المتوسط: لا أعتقد أن الأمور جرت بالسرعة والعمق اللذين كنا نأمل ومع ذلك فإن النتائج التي أُحرزت كانت مثيرة بل كانت مهمة، فهناك نحو ستة بلدان وقّعوا اتفاقية شراكة وشرعوا في تنفيذها، أما البلدان الأخرى فتنتظر مصادقة على اتفاقات سبق وأن وُقعت حتى يتسنى دخول هذه الاتفاقات إلى حيز التنفيذ، أعتقد أن الحوارات التي جرت بمناسبة صياغة الاتفاقات قد مكنت من إشاعة جو من الثقة بين الاتحاد الأوروبي ومختلف الدول التي جرت معها المفاوضات، لقد ولد تدريجيا شعور بالشراكة ومع ذلك فإن اتفاقات التبادل الحر لم تسفر بعد عن نتائج كثيرة. والحقيقة أن هذا ليس خطأ أوروبا فقط إذ هو أيضا ناجم عن كون دول البحر الأبيض المتوسط لم تُنفذ اتفاقات الشراكة التي تم توقيعها، أعتقد أيضا أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني قد أعاق كثيرا الحوارات ذات الطابع السياسي. وفي المقابل كان هناك تبادل مهم على مستوى المجتمع المدني مكَّن من التقريب بين المثقفين وبين صناع القرار وهذا أمر يجب أن لا نغفله خاصة أنه تمت الإشهار في فالانس فبل ثلاثة سنوات إلى أن التقدم لن يتحقق إلا بشكل تدريجي، ففي فالانس تمت مراجعة الطريقة التي اعتمدت في برشلونة لجعلها أكثر أداء كما تم الحرص على مراعاة رغبات البلدان المكونة للشراكة.

إعلان برشلونة بين الشراكة السياسية والاقتصادية

أحمد كامل: ولكن علينا أن نعرف وأسأل السيد بوليه هل هذه الشراكة هي شراكة سياسية أم اقتصادية بالدرجة الأولى؟

ينييك بوليه – مكلف بتنظيم الندوة الدولية للعلاقات الأوروبية المتوسطية: بالنسبة لنا فإن قيمة شراكة الأورومتوسطية تتحدد من خلال الأبعاد الثلاثية أو المقومات الثلاثية التي تقوم عليها هذه الشركة، المقوم السياسي والديمقراطي والمقوم الاقتصادي ومقوم التبادل الثقافي والمجتمع المدني ونعتقد أنه يجب المحافظة على هذه المقومات والعمل بها بشكل منسجم بحيث لا يطغى أحدها على الآخرين. ونحن لدينا هاجس دائم وهو الخوف من أن يتم اختزال الشراكة في بعدها الاقتصادي فقط فبوصفنا منظمات تدافع عن حقوق الإنسان وتسعى إلى ترقية حقوق الإنسان فإننا حريصون على أن تقوم علاقات سياسية متوازنة بين أوروبا وباقي دول حوض المتوسط ونخشى دائما أن تُبنى المصالح الاقتصادية على حساب حقوق الإنسان. ونحن نعي أن هذه القضية مرتبطة بالسياق الدولي وأن أحداثا كثيرة تؤثر فيها كتوسع الاتحاد الأوروبي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر وكالمشروع الأميركي الجديد لإقامة الشرق الأوسط الكبير وهو مشروع لا يخلو من ثغرات يمكن أن تُسهم أوروبا في سدها، فهذا المشروع مثلا يقوم على مقوم أو بعد واحد هو البعد الأمني ونحن نرى أن التركيز على القضائية الأمنية خطير لأن من شأنه أن يؤدي إلى إهمال القضايا الأساسية والمشاكل الحقيقية المستعجلة التي يتعين أن تعالج في إطار الشراكة بين أوروبا ودول حوض المتوسط وتأتي على رأس هذه المشاكل قضايا الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وغيرها من المشاكل الاجتماعي فدول حوض المتوسط تعاني بشكل خاص من مشاكل اجتماعية مستعصية وملحة ناتجة عن تضافر عوامل عدة.

أحمد كامل: برغم التركيز على الجانب الاقتصادي في هذه الشراكة المتوسطيون في الجانب الآخر من المتوسط يقولون أن حجم المساعدات ضعيف جدا.

فرانسوا كزافيي دي دونيا: أعتقد أنه لا يمكن أن نصف العون بأنه غير ذي فائدة، ففي الفترة من 2000 إلى 2006 هناك نحو ثمانية مليارات دولار على شكل قروض ممنوحة من البنك الأوروبي للاستثمار وما ينبغي قوله أن التنمية لا ترتبط فقط بالمال والنقود ولذلك فهناك بعدان آخران أساسيان تلزم مراعاتهم إلى جانب البعد الاقتصادي، تجدر الإشارة أيضا إلى أن البعد الاقتصادي لا يمكن أن يؤتي ثماره إلا إذا تم تنفيذه مع عدد من الإصلاحات ولا فائدة في تدفق الأموال على بلدان لم تقم بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية لتفعيل الأسواق وتحقيق العدالة في توزيع الثروة ومعنى هذا أنه على أوروبا أن تبذل جهودا إضافية على المستويين التقني والمالي ولكن أيضا على مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن على الدول المجاورة للمتوسط جنوبا أو شرقا أن تنفذ الإصلاحات المنصوص عليها في الاتفاقات وإذا كان التقدم الاقتصادي الذي كان منتظرا لم يتحقق في بعض الدول فذلك لأن هذه الدول لم تقم بما يلزم من إصلاحات، فعلى سبيل المثال لم تتم بالسرعة المرجوة خصخصة بعض المؤسسات العمومية غير الفعالة ولم تجرِ الإصلاحات الضرورية في الأنظمة المصرفية والتي بدونها لا يمكن أن تكون الاستثمارات مجدية. وبطبيعة الحال وكما أشار إلى ذلك السيد بوليه فإن الإصلاحات الاقتصادية لا يمكن أن تحقق فائدتها إلا إذا كانت مصحوبة بإصلاحات سياسية في اتجاه توسيع المشاركة الديمقراطية.

أحمد كامل: هناك بعض الدول المتوسط والكثير من الأوساط المتوسطية تنتقد بشدة أن هذه الشراكة لا تتضمن شيئا حيويا بالنسبة للمتوسطيين وهي نقل التكنولوجيا.

فرانسوا كزافيي دي دونيا: إن القرارات التي اتخذت في فالانس لدفع قرارات برشلونة تضمنت توسيع الشراكة مع الدول المتوسطية بحيث تستفيد هذه الدول من برنامج (كلمة بلغة أجنبية) الذي هو برنامج للتعاون الجامعي، هناك أيضا إمكانات للتعاون في المجال التكنولوجي تنطلق من ضرورة العمل على تحويل التكنولوجيا، لكن التقنيات لن تجدي كثيرا إلا في نظام اقتصادي متطور ولذا ينبغي أن نُدخل إصلاحات جوهرية على الأنظمة الاقتصادية بحيث تتطور في اتجاه اقتصادي اجتماعي حر وفي اتجاه خصخصة جميع الخدمات التي لا تعتبر حيوية، فالخدمات الحيوية يجب أن تظل مؤمنة من الدولة إذاً أعتقد أنه من السهل إن نقول إن قرارات برشلونة لم تؤتي ثمارها كما كان مخططا لها بالنظر إلى النقص في التمويلات والحقيقة أن عذر النقص في التمويلات يُستخدم غالبا للتغطية على نواقص أخرى تتعلق بعدم القيام بالإصلاحات الضرورية لاستخدام التمويلات بطريقة مثمرة.

أحمد كامل: وزير الدولة البلجيكية المكلف بالعلاقات مع دول المتوسط شكرا لك، نتوقف لحظة للإعلان ثم نعود لنواصل هذه الحلقة الخاصة من برنامج من أوروبا حول العلاقات بين أوروبا ودول المتوسط.

[فاصل إعلاني]

مستوى التعاون على صعيد المجتمع المدني

أحمد كامل: أهلا بكم من جديد في هذه الحلقة من برنامج من أوروبا والتي نناقش فيها الشراكة الأوروبية المتوسطية عشر سنوات بعد إعلان برشلونة الأوروبي المتوسطي ولأتوجه بالسؤال للسيد بوليه المكلف بتنظيم الندوة الدولية للعلاقات الأوروبية المتوسطية والذي يركز خاصة على الجانب الديمقراطي وجانب حقوق الإنسان في هذه الشراكة لأسأله هل فعلا تم تقديم مساعدة جدية للمجتمع المدني في دول جنوب المتوسط خلال هذه السنوات العشرة؟

"
المجتمع المدني في دول الحوض الجنوبي للمتوسط تطورت وتجلى هذا التطور بظهور المنظمات، وفي الوقت الراهن أصبحت هناك حركة تبادل بين منظمات بدول حوض المتوسط
"
        ينييك بوليه

ينييك بوليه: أعتقد أن هذا الأمر يعتبر أحد الآثار الإيجابية لقرارات برشلونة فالمجتمع المدني في دول الحوض الجنوبي للمتوسط قد تطورت فعلا وتجلى هذا التطور في ظهور المزيد من المنظمات وفي الوقت الراهن أصبحت هناك حركة تبادل حقيقي بين منظمات في دول حوضي المتوسط ولكن هذا الأمر للأسف لا يكفي وأعتقد أن واحدا من أبرز المعوقات التي نواجهها في هذا المجال يتمثل في نقص الوسائل، فعلى سبيل المثال أعلم أنه على مستوى منظمات الشباب ما يزال التبادل ناقصا جدا بين دول ضفتي المتوسط ويلزم أن نوسع ونعمق هذا التبادل ونحن نطالب بتوفير المزيد من الوسائل لدفع هذا التعاون، لكنني سأُركز على نقطة مهمة لا يمكن أن يتم تعاون حقيقي في غيابها وهي سهولة التحرك ولهذا أعتقد أنه يلزم على المستوى الأوروبي التخفيف وتسهيل بعض الإجراءات المتعلقة بفضاء شنغين فتعميق الفضاء بين المنظمات يقتضي سهولة تحرك الأشخاص العاملين في هذه المنظمات من ضفة المتوسط إلى الضفة الأخرى وهذا نداء أُوجهه خاصة إلى الأوروبيين لتسهيل حركة أعضاء منظمات الجنوب إلى أوروبا وداخلها ونحن نعلن أن الحصول على تأشيرة لزيارة أوروبا أمر صعب في الغالب وفي المقابل نعتقد أنه في دول الحوض الجنوبي للمتوسط يوجد مشكل حقيقي يتعلق بحرية التنظيم وحرية التعبير وفي الكثير من الحالات لا توجد في هذه البلدان دول قانون ولذلك يوجهه المجتمع المدني مشاكل حقيقية.

أحمد كامل: هل يمكن أن يتم تطور للمجتمع المدني في دول المتوسط جنوب المتوسط وشرق المتوسط دون أن يحصل تغيير في النظام السياسي دمقرطة الأنظمة السياسية في هذه الدول؟

ينييك بوليه: لا أقصد أن هناك تقدما لكن لابد من إصلاح سياسي هام في هذه الدول، نلاحظ أن الحياة السياسية في كثير من الدول مشلولة بسبب تغيرات هي في الأساس شكلية أو ظاهرية لإرضاء المطالب الأوروبية. لن أذكر بلدا على وجه التحديد لكننا نشهد دولا كثيرة تتمتع بديمقراطية شكلية، لذا من الضروري القيام بإصلاحات في تلك الدول وذلك بالسماح لكل القوى السياسية الموجودة بالمشاركة في الحياة السياسية وتوفير مناخ ملائم لإجراء انتخابات شفافة يسمح فيها لكل شخص بالتعبير عن رأيه والمشاركة في تلك الانتخابات دون أن يكون تحت مظلة الحكومات الموجودة أو الأنظمة التي تتدخل في المسار السياسي لمنع تلك القوى السياسية من التعبير عن رأيها وفي هذه الحالة لابد من نضال لأنه فعلا نضال ولا يجب أن نخطئ على الصعيد الأوروبي لدعم قوى التقدم والقوى الديمقراطية في تلك الدول.

أحمد كامل: أسال الوزير هل فعلت أوروبا ما يكفي لدعم تغيير ديمقراطي حقيقي في دول المتوسط جنوب المتوسط وشرق المتوسط؟

فرانسوا كزافيي دي دونيا: على مستوى النوايا فإنه من الواضح أن هناك توازنا بين البعدين الاقتصادي والسياسي والبعد الثالث المتعلق بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، أما على مستوى التطبيق فمن الواضح كما أشار إلى ذلك السيد بوليه أنه ما يزال هناك الكثير مما يلزم إنجازه وأعتقد أن أوروبا يجب أن تواصل ضغطها في اتجاه أن تقوم جميع دول حوض المتوسط بالإصلاحات الديمقراطية اللازمة. من البديهي أننا لا يمكن أن نطالب بإنجاز هذه الإصلاحات بين عشية وضحاها فالأمر يتطلب وقتا ولكن في الوقت ذاته ينبغي ألا تقبل أوروبا ألا تُنجَز هذه الإصلاحات أو أن يستغرق إنجازها وقتا طويلا بحيث نموت جميعا قبل أن نرى نتائجها. من الواضح أيضا أن الحوار السياسي سيظل صعبا جدا مادامت هناك نزاعات مسلحة وخلافات سياسية في المنطقة كما هو الشأن في العراق وفلسطين ولا شك أن حل هذين النزاعين يشكل شرطا أساسيا لإرساء الحوار السياسي ونشر الديمقراطية في المنطقة ولابد في هذا السياق من الإشادة بالانتخابات التي جرت في فلسطين في ظروف مقبولة وكذلك نجاح السلطات في العراق في إجراء الاقتراع رغم جو الإرهاب السائد هناك وطبعا هناك نواقص شابت هذه الانتخابات نتيجة تردي الأوضاع الأمنية ولكن مجرد تنظيم هذه الانتخابات يعد خطوة إلى الإمام وكذلك إقدام بعض دول الخليج على بعض الإصلاحات الديمقراطية.

أحمد كامل: ذكرتم العراق هل توافقون على أن ينضم العراق إلى الشراكة الأوروبية المتوسطية لأنه غير مشمول بالحوار مع دول الخليج العربي وهناك سابقة الأردن ليس دولة متوسطية ولكنه عضو في الشراكة الأوروبية المتوسطية؟

فرانسوا كزافيي دي دونيا: أعتقد أن أوروبا يجب عليها أن توسع سياستها في مجال الشراكة لتشمل كل دول الشرق الأوسط بما فيها العراق وأعتقد أن هذه الشراكة يجب أيضا ألا تقتصر على دول حوض المتوسط. ولا ننسى أن أوروبا قد أطلقت مؤخرا سياسة الشراكة مع الجيران في حوض المتوسط والشرق الأوسط والتي تقوم على روح قرارات برشلونة. وأنا أعتقد أنه يجب أن نمنح عناية خاصة للتعاون والحوار مع دول الخليج عموما ومع دول كالعراق واليمن وسلطانة عمان والمملكة العربية السعودية، بعبارة واحدة يجب أن نتعامل مع دول المشرق بالأهمية ذاتها التي نتعامل بها مع دول المغرب.

أحمد كامل: المجتمع المدني في الجانب الآخر الجانب العربي من هذه الشراكة يستغرب أن الأوروبيين لا يستغلون القبول المجتمع العربي يقبل أي نصيحة أو طلب بدمقرطة المنطقة من الأوروبيين أكثر بكثير من الأميركيين ومع ذلك الأوروبيون لا يستغلون هذه الميزة التي يحظون بها.

ينييك بوليه: نعم بالفعل من المهم أن يحدد المجتمع الأوروبي وطبقاته السياسية اليمينية منها واليسارية أن تحدد خياراتها بالنسبة لديمقراطية دول الشرق الأوسط وأن تُفضل عملا ديمقراطيا أهم على المصالح الاقتصادية. إننا في أوروبا نتردد في بعض الأحيان في تسمية الأشياء بمسمياتها، علينا أن نقول إنه توجد انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في دول البحر الأبيض المتوسط، علينا أن نقول إن الإصلاحات الديمقراطية بطيئة وبالتالي يجب أن يكون المسعى الأوروبي أكثر صرامة وبالنسبة لعقود الشراكة الموقعة مع دول حوض المتوسط البند المتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان وحماية حقوق الإنسان والديمقراطية يجب أن يكون في مقدمة أولويات تلك العقود وبأن تكون مطالب أكثر تدعو شركاء الضفة الجنوبية من حوض المتوسط إلى احترام ذلك البند.

أحمد كامل: السيد فرانسوا كزافيي دي دونيا وزير الدولة البلجيكية المكلف بالعلاقات مع دول المتوسط شكرا جزيلا لك، السيد ينييك بوليه المكلف بتنظيم الندوة الدولية للعلاقات الأوروبية المتوسطية شكرا لك، شكرا لكم، بهذا تنتهي حلقة هذا الأسبوع من برنامج من أوروبا نلتقي في الأسبوع المقبل.