الصندوق الأسود

مذبحة الألتراس.. مؤامرة مخابراتية أم تقصير أمني؟

يحاول فيلم “مذبحة الألتراس” البحث في حقيقة ما جرى بعد مجزرة بورسعيد التي قتل فيها 72 شخصا، وكيف تم التعامل مع القضية، مستعينا بما استطاع الحصول عليه من أوراق وشهادات.

في الأول من فبراير/شباط 2012، وعقب انتهاء مباراة لكرة القدم بين فريقي الأهلي ونادي المصري فوجئ الجميع بآلاف المشجعين من أنصار النادي المصري يقتحمون الملعب ويهاجمون مدرج ألتراس أهلاوي.

لم يستوعب الجميع الحدث إلا بعد نصف ساعة تقريبا بعدما سقط عشرات الضحايا من مشجعي النادي الأهلي في ما عرف بعدها بمذبحة بورسعيد أو مذبحة الألتراس.

وثائقي "مذبحة الألتراس" -الذي بثته الجزيرة مساء الخميس (29/1/2015) ضمن برنامج "الصندوق الأسود"- حاول البحث في حقيقة ما جرى بعد المجزرة من تحقيقات وإجراءات، وكيف تم التعامل مع القضية، مستعينا بما استطاع الحصول عليه من أوراق القضية ومن شهود العيان وبعض المتهمين والمحامين.

أول الخيوط
ويبدأ الفيلم خيوط البحث بمتهم صدر عليه حكم غيابي بالإعدام، واللافت أنه من عناصر ألتراس أهلاوي المعتدى عليهم، فكيف يُحكم بالإعدام على شخص تشير الدلائل على أنه من مشجعي النادي المتضرر، وهو ما يثير الشك في كيفية تعامل الأمن مع القضية.

كما كشف الفيلم عن مراسلات بين النيابة العامة تؤكد فيها نيابة بورسعيد صعوبة نقل المتهمين لعرضهم على شهود العيان في نيابة الإسماعيلية، وهو ما جعل النيابة العامة تعتمد في تحقيقاتها على شهود العيان بعرض الصور الفوتوغرافية للمتهمين عليهم، وليس بالتعرف عليهم في طابور عرض على الشهود كما هو معمول به.

وبالتالي تم اعتماد شهادات شهود الإثبات على هذه الصور كأدلة إدانة للمتهمين، بينما لم تأخذ النيابة بشواهد أخرى تدين أشخاصا آخرين، حيث ضم ملف القضية شهادات وبلاغات عن وجود بلطجية مؤجرين "لتأديب جماهير ألتراس أهلاوي"، ورغم هذا لم توجه النيابة العامة أي اتهام لأي شخص ورد اسمه في الاعترافات. 

ممر الموت
وبالرجوع إلى أحداث المباراة فقد كانت اللحظة الحاسمة مع هجوم جمهور المصري على المدرج الشرقي، حيث هرب المئات من جمهور الأهلي تجاه الممر الذي يقودهم إلى البوابة التي دخلوا منها والتي ظلت مفتوحة طوال المباراة، حيث فوجئوا بأن البوابة مغلقة. ومع إضافة ضيق الممر والسلالم الحجرية فإن أدق وصف لهذا بأنه كان ممر الموت.

غير أنه لا يمكن الاستناد إلى أن التدافع هو السبب الوحيد للوفاة، فقد أظهرت صور واضحة استخدام المهاجمين الكراسي الحديدية المخصصة لأفراد الأمن المركزي في الملعب لضرب جمهور الأهلي، إضافة إلى الألعاب النارية (الشماريخ) داخل الممر والتي أدت إلى حالات اختناق فيه.

إذن.. لماذا تم التغاضي عن أطراف أخرى والتمسك بالمتهمين الذين ألقي القبض عليهم في أعقاب المذبحة بساعتين؟ هل كان ذلك بدافع الرغبة في إغلاق القضية سريعا أم أن هناك تفاصيل أخرى كان يراد لها ألا تظهر؟

وبالبحث تبين أن المشرف على هذه التحريات كان ضابطا برتبة عقيد يدعى محمد خالد نمنم وكيل إدارة البحث الجنائي في بورسعيد، وهو ما شكل مفاجأة غريبة، حيث إنه كان مكلفا برئاسة الخدمات السرية في المدرج الشرقي، فكيف يكلف ضابط بإجراء التحريات في الوقت الذي كان مكلفا فيه بحماية مدرج الضحايا؟

وفقا لشهادة نمنم في المحكمة، فقد أصيب بحجر من جمهور المصري عقب المباراة وذهب للعلاج من إصابته، وعندما عاد كان مكلفا بمهمة القبض على المتهمين في الجريمة التي وقعت منذ ساعات وكان مسؤولا عن حماية ضحاياها.

أصابع الاتهام
ومن بين تسعة قادة أمنيين تم تقديمهم كمتهمين في القضية أدين فقط مدير الأمن اللواء عصام سمك والعقيد محمد سعد، بينما بُرّئ الباقون رغم أنهم جميعا شاركوا في تأمين المباراة.

غير أن الغريب أنه لم يتم ذكر اسم الحاكم العسكري لبورسعيد اللواء عادل الغضبان الذي ورد اسمه في اجتماعات الخطة الأمنية للمباراة.

وبعد طلبات المحامين حضر الغضبان للإدلاء بشهادته أمام المحكمة مؤكدا أن مهمته لم تكن تأمين جمهور الأهلي وأنه سمع أنباء اقتحام الملعب من الراديو، وتحرك شخصيا مع قواته لمحاولة فتح البوابة المغلقة التي يحتشد خلفها مئات من جمهور الأهلي، وأنه تمكن مع جنوده من إسقاط البوابة، لكن كل شهود العيان من ألتراس أهلاوي أنكروا تماما رؤيتهم الحاكم العسكري، وأكدوا أن البوابة سقطت من قوة التدافع.

مثلت شهادة الحاكم العسكري بتناقضاتها أول تساؤل حول المسؤولية التي يتحملها المجلس العسكري الذي كان يتولى إدارة شؤون البلاد وقتها، ولماذا لم يتم توجيه أي اتهام إليه؟ ولماذا تم التغاضي عن هذه التناقضات في الشهادات والتفاصيل؟

مؤامرة أم تقصير؟
في فبراير/شباط 2014 وفي مقابلة تلفزيونية خرج وزير الداخلية السابق -الذي كان على رأس الوزارة وقت المذبحة- بتصريحات اعترف فيها بتحمل أطراف أخرى في الأجهزة الأمنية جزءا من مسؤولية المجزرة.

كانت أجهزة الأمن وقتها تخضع لسلطة المجلس العسكري بالمجمل، أما الأمن الوطني وأجهزة المعلومات فقد كانت تخضع بعد الثورة لسلطة المخابرات الحربية، وهو ما أقر به مدير مباحث أمن الدولة اللواء حسن عبد الرحمن في اعترافاته أثناء محاكمته بأن تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية كان يتم تحت رئاسة وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع منذ ثالث أيام الثورة الموافق ليوم 28 يناير/كانون الثاني 2011.

اتخذت القضية مسارا وضحت فيه أوجه القصور منذ البداية، وتجمعت في القضية كل الأسباب التي لا يمكن معها إلا أن يتم نقضها.

وبعد عامين من المذبحة -في 6 فبراير/شباط 2014- قبلت محكمة النقض الطعن المقدم من أطراف القضية لتعيد المحاكمة إلى نقطة الصفر من جديد.