الصندوق الأسود

لغز الرحلة 990.. هل كان البطوطي كبش فداء لبوينغ في إسقاط الطائرة المصرية؟

تطرق الحلقة لحادث سقوط الطائرة المصرية (الرحلة 990) في المحيط الأطلسي. ويكشف عن نتائج التحقيقات فيها وكيف أنها أثارت من الأسئلة أكثر مما قدمته من أجوبة بشأن السبب الحقيق للحادثة.

كيف سقطت طائرة مصر للطيران -في رحلتها 990- بالمحيط الأطلسي عام 1999؟ وهل كان إسقاطها متعمدا أم لخلل فني فيها؟ ولماذا كلفت مصر الولايات المتحدة بقيادة التحقيق في الحادثة ولم تتولها هي؟ وكيف ألصِقت تهمة إسقاطها بمساعد الطيار وتم إهمال الخلل الفني في نظام الطائرة؟

هذه الأسئلة وغيرها تطرقت للإجابة عنها حلقة (2019/4/7) من برنامج "الصندوق الأسود" الاستقصائي التي تتبعت خيوط قصة الطائرة المصرية (الرحلة 990) طوال أربع سنوات؛ بدءا من لحظة إقلاعها فجر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 1999 ثم سقوطها في المحيط الأطلسي بعد أقل من ساعة من الإقلاع، وانتهاء بنتائج التحقيق وما يراه بشأنها خبراء الطيران والمحامون القانونيون عن عائلات الضحايا.

شكوك وشبهات
فقد بدأ معد البرنامج الاستقصائي العملَ عليه عام 2014 بعد نشر تشكيك في معلومات التحقيق الأميركي في الحادثة الذي أغلق عام 2002، وكذلك إثر حصوله على تسجيلات قمرة قيادة الطائرة المفقودة، مما كشف أن نتائج التحقيقات الأميركية في الحادثة أثارت من الأسئلة أكثر مما قدمته من أجوبة بشأن السبب الحقيقي للسقوط، خاصة أن شهود العيان بمنطقته نفوا رؤيتهم لأي صواريخ او مقاتلات استهدفت الطائرة.

وتبدأ القصة في صباح 31 أكتوبر/تشرين الأول 1999 حيث استيقظ المصريون على خبر مقتل 289 مصريا (منهم 33 عسكريا كانوا يتدربون في أميركا) جراء سقوط طائرة بوينغ 767 تابعة لشركة مصر للطيران، كانت في رحلتها من نيويورك إلى القاهرة ثم اختفت فجأة من شاشات الرادار لتسقط على بعد 60 ميلا بحريا من جزيرة نانتوكيت بالمحيط الأطلسي، ثم عثر على حطامها بعد انشطارها نصفين.

فور إعلان نبأ سقوط الطائرة؛ كلفت الحكومة المصرية المجلس الوطني الأميركي لسلامة النقل بالتحقيق في الحادث، ونظرا لوجود أميركيين في الطائرة واحتمال وجود شبهة عمل جنائي فقد كان موظفو مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (أف بي آي) من أوائل من وصلوا إلى موقع الحادثة، وقد طلب المجلس من مكتب التحقيقات قيادة التحقيق بعد العثور على تسجيلات القمرة في النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الموالي.

العبارة المبهمة
كان من المفترض أن يتولى قيادة الطائرة طاقمان، وكان في الاحتياطي مساعد الطيار جميل البطوطي الذي تولى القيادة من المساعد عادل أنور بعد 20 دقيقة فقط من الإقلاع، ثم بعد يومين فقط من حادثة السقوط –وقبل تحليل أي بيانات أو العثور على تسجيلات- خرجت تسريبات للإعلام الأميركي باتهام البطوطي بإسقاط الطائرة.

وفي 19 أبريل/نيسان 2001 نشر المجلس الوطني الأميركي لسلامة النقل المسودة الأولى لتقريره بشأن السقوط الذي توصل فيه إلى أن السبب المحتمل هو تصرفات البطوطي، وتمحور الاتهام حول قول البطوطي بعد توقف الطيار الآلي عن العمل الساعة 1:49 دقيقة: "توكلت على الله" (كررها 9 مرات)، وقد ترجمها المحققون الأميركيون "اعتمدت على الله" رابطين بين ما هو تعبير إسلامي عادي و"العزم على ارتكاب عمل إرهابي تقربا إلى الله".

وقد طلب معد البرنامج هذه التسجيلات من المجلس لكنه رفض توفيرها، ثم تمكن من الحصول عليها نهاية 2017 لتبرز لديه شكوك تجاه التحقيق الأميركي، حيث أقلعت الطائرة في تمام 1:20 فجرا ومرت 20 دقيقة دون مشاكل، ثم جرى حديث عادي بين أفراد الطاقم، وبعد 27 دقيقة تسلم البطوطي قيادة الطائرة من القائد الذي ذهب لينام، وبعد تسلمه لها بـ10 ثوان تلفظ بعبارة "توكلت على الله".

وتوصل البرنامج -من خلال الاستماع لتسجيلات قمرة القيادة (مدتها 31 دقيقة و45 ثانية) وتحليلها فنيا- إلى أنها لم تتضمن ما يدل على حدوث توتر أو خلاف بين أفراد الطاقم؛ وأن توقف الطيار الآلي –وهو النظام المعني بقيادة الطائرة آليا- كان سببا لاتهام البطوطي، خاصة أن جمال عرام –وهو أحد ملاحي هذه الطائرة سابقا- أكد للمحققين أنه "لم يكن مرتاحا لأداء الطيار الآلي". كما أثارت الشكوكَ طريقة تعاطي المحققين الأميركيين مع ما سموها "العبارة المبهمة" في تسجيلات الطائرة.

اتهام ضمني
ولعل ذلك ما جعل وزارة الطيران المدني المصرية تطعن حينها في نتائج تقرير المجلس الأميركي وفقا لتحقيق خاص أجرته في الحادثة، قائلة إنه "استخدم بشكل انتقائي بعض الحقائق وبعض الاستنتاجات المفترضة لدعم نظرية سبق الجزم بها". كما أن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي قال في تحقيقه "إن الحادث لم يكن جنائيا ولا إرهابيا"، ولكن المكتب لم ينشر هذه النتيجة إلا في عام 2010.

ومما يزيد ضعف الرواية الأميركية؛ أن مجلس سلامة النقل قبِل تفسيرات فنية تتعلق بالطائرة قدمتها له شركة بيونغ المصنعة لها، رغم أنه سبق أن صرح -قبل يومين من تحطم طائرة مصر- بأن بوينغ حجبت تقريرا مهمًّا كان سيفسر أسباب تحطم طائرة أميركية 1996. كما اتهمت مذكرة سرية لشركة مصر للطيران (صدرت في ديسمبر/كانون الأول 2000) بشكل ضمني شركة بيونغ بالمسؤولية عن حادثة سقوط طائرة رحلتها 990.

وفي يناير 2014 أقرت إدارة الطيران المدني الفدرالية في أميركا بوجود خلل في ذيل بوينغ 767، وبذلك خلصت إلى ما يعتقد الخبراء أنه كان سبب سقوط الطائرة المصرية، وذلك قبل أن يتم حظر تحليق هذا الطراز من بوينغ مطلع عام 2019 بعد حادثيْ سقوط متتاليين. وهو ما يؤكد وفق هؤلاء الخبراء أن البطوطي لم يسقط الطائرة وإنما حاول إنقاذها، وأنه لا شيء سيُظهر الحقيقة سوى فتح التحقيق مجددا في الحادثة.