الكتاب خير جليس

لبنان والعروبة

لبنان والعروبة.. كتاب يبحث في تشكل الهوية العربية في لبنان الحديث بمعناها السياسي, وطبيعة علاقته مع الجوار العربي في إطار الانفلات من مشروع الانتداب الفرنسي.

مقدم الحلقة:

خالد الحروب

ضيوف الحلقة:

رغيد الصلح: مؤلف الكتاب
معن بشور: الأمين العام للمؤتمر القومي العربي

تاريخ الحلقة:

02/11/2003

– الأطروحة الأساسية للكتاب والهدف منه
– الخلافات الأساسية بين التيار القومي اللبناني والتيار اللبناني العروبي

– تأثير الانتداب الفرنسي على التوجه العروبي للبنان

– أثر المعاهدات الفرنسية مع سوريا ولبنان على الصراع بين التيارات اللبنانية

– انعكاسات الحرب العالمية الثانية على هوية لبنان العروبية

– مدى تأثير العامل الخارجي على توجهات العروبة في لبنان

– لبنان المستقل وتطور علاقاته مع الدول العربية


undefinedخالد الحروب: أعزائي المشاهدين، أهلاً وسهلاً بكم.

الهوية العربية في لبنان الحديث بمعناها السياسي وطبيعة علاقته مع الجوار العربي في إطار الانفلات من مشروعات الانتداب الفرنسي هي موضوع كتاب اليوم، الذي عنوانه "لبنان والعروبة" الصادر حديثاً هنا في لندن، الكتاب من تأليف (الباحث والكتاب اللبناني) رغيد الصلح.

كغيره من الكيانات العربية التي كانت قيد التشكل السياسي عشية عهد الاستقلالات واجه لبنان الأسئلة الصعبة إزاء الانتماء السياسي وعمق العلاقة مع المحيط العربي من ناحية ومع المستعمر الفرنسي من ناحيةٍ ثانية.

وباكراً جداً تطورت تيارات عدة بعضها دعا إلى لبنان كبير مستقل فرنسي الولاء والتبعية السياسية بل وحتى اللغة، وبعضها الآخر دعا إلى لبنان مندمج مع سوريا يشكلان معاً دولة واحدة، وتيارٌ آخر دعا إلى التوسط بين الدعوتين وطالب بلبنان مستقل عن فرنسا وعن سوريا ولكن وجهته عربية وانتماؤه عربي.

هذه التيارات تصارعت في خضم تغيرات وحروب عالمية وإقليمية منذ الربع الأول من القرن العشرين على الأقل، وبرزت أسماء وأحزاب وتحالفات وانشقاقات ودساتير كانت عروبة لبنان السياسية والسجال حولها يأخذان نصيب الأسد من نقاشاتها.

كتاب اليوم يتناول هذه المسائل ويحاول أن يعالجها، وسنرى إن وُفِّق أم لا، كما سنلحظ أين يقف منها، وهذا في سياق استضافتنا (مؤلف الكتاب) الدكتور رغيد الصلح، الذي يعمل مستشاراً سياسياً للجنة غرب آسيا (الأسكوا) التابعة للأمم المتحدة ومقرها في بيروت، كما نستضيف أيضاً ونرحب بالأستاذ معن بشور (الأمين العام للمؤتمر القومي العربي) فأهلاً وسهلاً بهما، أهلاً وسهلاً.

د. رغيد الصلح: أهلاً وسهلاً.


الأطروحة الأساسية للكتاب والهدف منه

خالد الحروب: إذا بدأنا معك دكتور رغيد بالسؤال الابتدائي والاستهلالي ما هي الأطروحة الأساسية والمركزية في هذا الكتاب؟ ما هي الرسالة التي تريد أن تنقلها للقارئ؟

د. رغيد الصلح: الحقيقة أود أن أرجع إلى يعني حوافز كتابة هذا الكتاب، هذا الكتاب أصلاً هو أطروحة للدكتوراه التي قدمتها وكتبتها منذ حوالي عشرين عاماً، ثم لم ينشر سابقاً كما هو واضح وبديهي، تأجَّل نشره فأضفت إليه بعض الإضافات، ولكن في الأساس كُتِبَت الأطروحة في وقت كان لبنان يتعرض فيه لأهوال يعني لحرب والاقتتال والصراعات المحلية والدولية، يعني كان هنالك أمر مستمر يعني يثير القلق والأسئلة في ذهني إنه ما هي أسباب المشاكل والحروب والصراعات الدامية التي مر بها لبنان على امتداد العصور، حتى الحرب الأهلية أو الحرب الأخيرة، حاولت أن أبحث عن بعض هذه الأسباب، ولست أزعم إنني أجبت على كل هذه.. أو وجدت يعني كل هذه الأسباب.

ولكن أعتقد أن من الأسباب الرئيسية والمهمة التي لعبت دوراً في إثارة الأزمات والمشاكل في لبنان وأعاقت التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، أي التطور على كل صعيد هو وجود نزعة إقصائية على مستوى النخب السياسية، لبنان أساساً كانت فيه -ولا تزال- نزعتان قويتان هي النزعة القومية اللبنانية التي تؤكِّد على الولاء للدولة اللبنانية بحدودها الراهنة وبمقوماتها الراهنة، ونزعة أخرى لا تستهين ولا تستخف بالدولة اللبنانية ولا بـ.. يعني بالواقع كما هو، ولا تريد ربما تجاوزه أو تخطيه ولكنها تنشد في نفس الوقت إقامة نوع من الكيان العربي الواسع الذي يضم لبنان وغير لبنان والنزعتان موجودتان في لبنان.

كنت ألاحظ يعني من خلال البحث الذي أجريته ويعني التأمل في الوضع اللبناني أن هنالك نزعة إقصائية موجودة لدى الجانبين، موجودة لدى النخب الحاكمة التي كانت موجودة في السلطة وموجودة عند النخب المضادة أيضاً، وتعبر عن نفسها بأشكال مختلفة يعني النزعة التي تُمسك بيدها مقاليد السلطة تحاول إقصاء الآخرين، هذه النزعة الإقصائية أخذاً بعين الاعتبار إنه الجانبين يملك.. يمتلكان..

خالد الحروب [مقاطعاً]: رغيد، مسألة العروبة يعني.. لفظة حتى العروبة اللي في العنوان، لأنها هذه هي اللافتة للنظر، لعين القارئ أو المتابع، أين موقعها من كل هذا السجال؟ هل هي العروبة السياسية، العروبة الثقافية، ما الذي تقصده؟

د. رغيد الصلح: أنا.. أنا أقصد يعني أعلم أنه هنالك الكثيرون يتحدثون عن العروبية.. عن العروبة الثقافية فحسب، ولكنني أذهب إلى أبعد من ذلك، أتحدث عن العروبة السياسية يعني ليس فقط العروبة الثقافية بمعنى الإعجاب بالأدب العربي وباللغة العربية ويعني الحرص على استخدام اللغة وعلى كونها لغة رسمية للبلاد، لألم أقصد هذا فحسب، إنما تحدثت أيضاً عن العروبة السياسية، لأن العروبة السياسية هي يعني التي تنظر..

خالد الحروب [مقاطعاً]: تحدد المسار أو الوجهة.

د. رغيد الصلح: ولأنها ذات يعني تأييد كانت إلى فترات طويلة تلقى تأييداً شعبياً قوياً بين اللبنانيين.

خالد الحروب: نعم، إذا سألنا الأستاذ معن بشور أيضاً نفس.. استكمالاً لهذا السؤال: ما الذي تراه جديد في هذا الكتاب؟ هذا موضوع يبدو كأنه كلاسيكي وتقليدي من كثر ما بُحِثَ وطرح، مسألة العروبة في لبنان وربما نظيرتها مثلاً في سوريا.. عفواً في مصر، الدعوات بين الخصوصية القومية مثلاً اللبنانية القومية، المصرية التي تعود مثلاً إلى حضارة الفراعنة وكذا، وبين النزاع وبين نزاع القومية العربية، ما هو الجديد في هذا الكتاب علماً.. أخذاً بالاعتبار هذا تقادم الموضوع والكثير الذي كُتب فيه؟

معن بشور: يعني أعتقد أن الكتاب تنبع أهميته من عدة مجالات:

أولاً: الكتاب من حيث الصياغة يشمل على أمرين بالغي الأهمية معاً، الجانب التوثيقي، فالكتاب يوثِّق بشكل دقيق مرحلة هامة ومرحلة تأسيسية في حياة لبنان وفي حياة الفكرة العربية نفسها في لبنان وفي المنطقة، وأيضاً هذا التوثيق لم يكن على حساب التحليل الدقيق، وتكتسب أهمية الكتاب بأن الكاتب بذاته ينتمي فكرياً إلى خط فكريٍّ وسياسيٍّ معروف هو الخط العروبي الديمقراطي من جهة، وينتمي إلى بيئة عائلية ساهمت مساهمة كبيرة في صياغة هذه المرحلة، فبالتالي هذا الكتاب وكأنه مكتوب من داخل تلك الأحداث وليس فقط من خلال قراءة الوثائق وقراءة ما هو موجود في كتب وفي محفوظات وفي مكتبات عامة، وبالتالي الكتاب مفيد جداً، وأتمنى لو يُتَرجَم للعربية لكي نلمس أننا أمام أسلوبٍ جديد في الكتابة، لا تكون فيه الموضوعية غائبة لمصلحة الرأي الذاتي، ولا يكون فيه.. فيه أيضاً توثيق جافاً بعيداً عن المعايشة الحقيقية والتي كما وصفها المؤرخ المعروف كمال الصليبي إن هذا الكتاب يكشف ديناميَّات السياسة اللبنانية وإلى حد ما السياسة العربية في مرحلة معينة.

ثانياً: الكتاب تناول مرحلة -كما قلت- مرحلة تأسيسية.. تأسيسية للبنان كدولة، ومرحلة تأسيسية حتى للعروبة، وبالتالي في الكتاب.. من يقرأ الكتاب يلاحظ أن العروبة ليست كما طُرِحَت في لبنان، ليست فكرة أيديولوجية بحتة أو فكرة تحمل نزعة إطلاقية نزعة إقصائية، بل إنها فكرة قادرة على تفهم خصوصيات، وبهذا المعنى فطرح الكتاب اليوم ونشره اليوم أهميته تتعدى لبنان، لتشمل المنطقة العربية كلها، حيث هناك مشكلة في كل كيان عربي تقريباً هناك مشكلة ما مع العروبة أو للعروبة في هذا الكيان خصوصاً في ظل هجمة نلاحظها تستهدف عروبة العديد من الكيانات بأسماء مختلفة وبصيغ مختلفة.

فالتجربة اللبنانية بهذا المعنى -كما عبر عنها الكتاب- تؤسس لنوع من عروبة قادرة على أن تفهم الهواجس سواء كانت دينية أو كانت عرقية أو كانت إثنية، هواجس مكونات أو.. مكونات مجتمعنا العربي أو مكوِّنات الكيانات العربية وبالتالي تتصرف كإطارٍ جامع، وليس فقط كفريقٍ في الحياة العربية السياسية، وبهذا المعنى أيضاً يكتسب الكتاب أهمية يعني عميقة، ويعني لا شك أن هذه إيجابيات هامة في الكتاب، لكن أيضاً الكتاب أعتقد أنه -وهذا سنأتي إليه بعد- كان مطلوباً منه ربما أن يسلط الأضواء على جوانب أخرى في تلك المرحلة وأترك المجال لـ..


الخلافات الأساسية بين التيار القومي اللبناني والتيار اللبناني العروبي

خالد الحروب: نعم، سوف نأتي لهذه، رغيد إذا بدأنا في المقدمة، حتى أيضاً نضع المشاهد في صورة الوضع اللبناني السياسي الثقافي الطائفي الصراعي، في الحقبة التي أنت تركز عليها، إذا بدأنا مثلاً بفترة بداية الثلاثينات.. مطلع الثلاثينات مثلاً، وأنت تقول أنه كان هناك تياران، تيار مثلاً القومية اللبنانية التي تريد لبنان للبنانيين، لبنان القومي بالمغزى حتى الإثني والطائفي والديني ومتحالف مع فرنسا، وهناك التيار المختلف تيار الدستوريين، أيضاً لبناني ولكنه منفتح على العرب، نريدك أن تضعنا بصورة أكثر تفصيلية حتى نبدأ من هنا، كيف كان الوضع؟ ما هي مفردات هذه الصورة؟ وما هي مناطق الخلاف الأساسية بين هذين التيارين؟

د. رغيد الصلح: لأ، عفواً بس تصحيح بسيط إن الدستوريين أيضاً كانوا قوميين لبنانين.

خالد الحروب: كانوا قوميين لبنانيين، ولكن..

د. رغيد الصلح: كما كان مؤيدي الرئيس.. أول رئيس.

خالد الحروب: إميل إده.

د. رغيد الصلح: رئيس ماروني منتخب في لبنان، إميل إده، كانوا أيضاً قوميين لبنانيين، والقوميون اللبنانيين لم يكونوا بالضرورة معادين للعروبة يعني، أو إنهم يرفضون التعاون مع.. التعامل مع الدول العربية، لم يكن هذا هو الموضوع، ربما كان منهم بالعكس يريدون التعاون مع الدول، لكن على أساس أنها دول جوار وليس هنالك أي رابط أو أي يعني مسوِّغ لإقامة علاقات خاصة، يعني يريدون إقامة علاقات مع تركيا، مع اليونان، مع.. مع أي بلد على أساس علاقات الجوار فقط، لكن كان هنالك تمايزات بين داخل التيار القومي اللبناني كما كان.. هنالك تيار يركز على أنه من أجل حماية لبنان أمام المطامع أو المشاريع الدمج والاندماج والتوحيد الموجودة في المنطقة.. يجب على لبنان أن يبقى على.. باستمرار متحالفاً أو يقبل الحماية الأجنبية والفرنسية آنذاك تحديداً.

التيار الآخر يعني لم يكن يقلل من أهمية أو من.. كانت لديه أيضاً مخاوف، ولكن كان يعتقد أن هذه المخاوف ممكن المخاوف من مشاريع التوحيد والدمج عن طريق التأكيد على فكرة التعاون في إطار الأسرة العربية، وهذا الأمر نجده ليس في لبنان أو في المنطقة العربية فقط، يعني نجده موجود، يعني نجده عند الكثيرين في الدول الصغيرة في.. التي انضمت إلى تكتلات إقليمية، لا بل ساهمت في إقامتها، إقامتها، يعني في أوروبا مثلاً دول (بيني لوكس) التي هي دول صغيرة سعت إلى قيام السوق الأوروبية المشتركة من أجل احتواء النزاعات إما التوحيدية القسرية أو الاستبدادية التي كانت موجودة عند ألمانيا، أو فرنسا، أو الدول الأوروبية الكبرى أو روسيا حتى، في أميركا اللاتينية نجد أن مثلاً هنالك سوق مشتركة في أميركا اللاتينية من أبرز المتحمسين لإلها دول صغيرة من أجل احتواء يعني مشاريع الأشقاء الكبار، فهؤلاء القوميين اللبنانيين الذين كانوا يؤمنون بالتعاون مع.. أو يدعون إلى التعاون كانوا يعتقدون أن ذلك المستوى من التعاون يمكن أن يؤمِّن للبنان من جهة استقلاله، ومن جهة.. من جهة أخرى يقيم حداً من التعاون مع الدول العربية.

خالد الحروب: نعم، أسأل الأستاذ معن، القارئ للكتاب خاصة المقدمة والفصل الأول، وفي توصيف التيار الذي ربما إذا وصفناه -بين قوسين- الأكثر تشدداً إزاء القومية اللبنانية والتمسك بها، وأن نريد أيضاً لبنان مسيحي، ولبنان ماروني وكاثوليكي، وإنه هذه.. هذه لبنان هذه سمته الأساسية، يخرج بانطباع أنه فيه عداء للقومية العربية، الآن هناك انطباع آخر عند خصوم القومية.. عند خصوم القومية العربية بأن القومية العربية نشأت في لبنان، وقادها أيضاً المسيحيون اللبنانيون، المسيحيون اللبنانيون حتى يخلصوا من مثلاً الدعاوى العثمانية والخلافة الإسلامية وغير ذلك طرحوا أطروحة القومية العربية كنوع من المخرج من هذا الضغط العثماني، فنحن هنا بين اتهامين أنهم أعداء شرسين للقومية العربية، واتهام آخر يقول أنهم هم الذي أنشئوا القومية العربية، ما رأيك معن؟

معن بشور: يعني هذه النقطة حقيقة أعتقد أن الكتاب كان يجب أن يعالجها بدقة أكثر، أعتقد أن القوميين اللبنانيين أو القوميين العرب في لبنان كانوا مجموعات ربما فكرية وعقائدية محدودة التأثير، لكن القطاع الأكبر من السياسيين والقادة اللبنانيين لا ينطبق عليهم هذا الوصف بدقة، فكرة القومية العربية أو فكرة القومية العربية هي -إلى حد كبير- تعبير عن مصالح سياسية، لذلك من كان متحمساً لفكرة القومية العربية بفترة من الفترات، لأنها شكل من أشكال الاستقلال عن الخلافة العثمانية وعن الدولة العثمانية، تحوَّل هو أو تحوَّل تلاميذه فيما بعد إلى أعداء للعروبة التي استعانوا بها في فترة من الفترات في مواجهة الدولة العثمانية، تجد مثلاً لو أخذنا معظم السياسيين اللبنانيين من الصعب تصنيفهم على أساس قومي عربي أو قومي لبناني، لأنك تجد أن بعض الرموز التي اعتبرت بفترة من الفترات أنها تمثل تيار الانغلاق أو تيار العداء للعروبة كانت رموز عروبية بارزة، أعطي مثل الرئيس كميل شمعون، الرئيس الراحل كميل شمعون، كما يقول الكتاب كان يُعتبر في فترة من الفترات فتى العروبة الأغر، وفي فترة أخرى وكأنه معادي للعروبة، وحقيقة هو لم يكن معادي كان معادٍ لخطٍ سياسي عربي مثَّله الرئيس جمال عبد الناصر في فترة من الفترات، ثم مثلته امتدادات هذه الحركة، وهو كان على صلة جيدة بقوة عربية أخرى كالعراق في زمن.

خالد الحروب: قومية التوجه.

معن بشور: يعني كالعراق في زمن نوري السعيد، بمعنى في لبنان يتداخل السياسي مع العقائدي إلى حد كبير، وأحياناً كثيرة تؤخذ العقائدية كنوع من غطاء لمصالح سياسية ولخلافات سياسية، وكما ذكر الدكتور رغيد الدستوريون من الناحية الفكرية ومن الناحية..، لم يكونوا بعيدين عن أنصار الرئيس الراحل إميل إده، لكن الخلاف الذي نشب بين الرئيس بشارة الخوري والرئيس إميل إده على رئاسة الجمهورية، والذي أدى إلى فوز أحدهما بفارق صوت بسبب تدخل -آنذاك- المندوب السامي الفرنسي.

خالد الحروب: الفرنسي

معن بشور: جعل الرئيس بشارة الخوري يتجه أكثر باتجاه يعني التحالف مع ما يُعتبر عروبياً، مثلاً حميد فرنجية الذي سقط في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 52 في وجه كميل شمعون، وكان في ذلك الوقت يوحي وكأنه هو يمثل التيار المنكفئ على العروبة، تحول بعد سنوات قليلة إلى أحد قادة التيار العربي المناهض للأحلاف وللمشاريع الاستعمارية، أريد أن أثبِّت هذه النقطة حتى لا نضيع كثيراً، أنا أعتقد في.. يعني ربما يكون الكتاب حاول أن يوحي وكأن الصراع هو بجانب مهم إنه هو.. هو هذا الجانب، أنا أعتقد أن الصراع في لبنان له جوانب عديدة، الموضوع العروبة واللبنانية بهذا المعنى لم تكن دائماً.

وبالمقابل بالتيارات القومية العربية هناك من جاء يتهم العروبيون.. العروبيين الأوائل بأنهم فرطوا في عروبتهم وقَبِلُوا بالكيان اللبناني، وحين جاءت قامت الوحدة بين سوريا ومصر، وهذا ما أشار إليه الكتاب، لم يخرج صوت واحد من السياسيين المحسوبين على التيار القومي العربي يدعو إلى انضمام لبنان إلى الجمهورية العربية المتحدة، على العكس من ذلك كانوا دائماً يؤكدون رغم علاقتهم الوثيقة بالجمهورية العربية المتحدة وبالرئيس عبد الناصر، لكننا نريد أن يبقى لبنان مستقل، واليوم بعد ثلاثين سنة من وجود سوريا في لبنان..

خالد الحروب: إذا انتقلنا إلى إذا سمحت..

معن بشور: لم.. لم يدعُ أحد إلى وحدة مثلاً بين لبنان وسوريا.


تأثير الانتداب الفرنسي على التوجه العروبي للبنان

خالد الحروب: نعم، إذا انتقلنا إلى الفصل الذي يليه رغيد، ونحن نتكلم الآن في عهد الانتداب الفرنسي، فالسلطة السياسية والمرجعية النهائية والسيادة عملياً للانتداب الفرنسي، أين كانت تقف فرنسا من هذه التيارات وهذه الأفكار إزاء فكرة العروبة في لبنان والتوجه العربي للبنان إلى غير ذلك؟ ما هو الموقف الفرنسي؟ وفرع باء من السؤال: كيف كان يتأثر هذا الموقف بالتغيرات التي تحدث في داخل فرنسا؟ إذا جاءت مثلاً حكومة يسار مثلاً سيطرت على الحكم هل هذا كان ينعكس على الوضع في المشرق وعلى سياستها إزاء الدول التي تسيطر عليها؟

د. رفيد الصلح: ممكن أبدأ بملاحظة عن السؤال الذي طرحته أنفاً.

خالد الحروب: تفضل.

د. رغيد الصلح: حول موضوع موقف المسيحيين اللبنانيين من العروبة وكيف تغير، أنا أعتقد أنه إذا أسقطنا (الـ) التعريف عن السؤال يعني إذا سألنا عن موقف مسيحيين لبنانيين، لأنه كان هنالك مسيحيين لبنانيين مع الفكرة العربية، واستمروا على ذلك، والبعض منهم ذهب إلى دمشق وقاتل ضد الجيوش.. الجيش الفرنسي.. القوات الفرنسية عندما دخلت دمشق وأسقطت حكومة فيصل، والبعض منهم كانت له آراء مختلفة، وكما إلى حدٍ ما كان هنالك مسلمون أيضاً ساهموا يعني انحازوا إلى جانب الفرنسيين، وكانوا ضد حكومة فيصل في دمشق.

ولكن أما في.. فيما يختص بموقف فرنسا من هذه الصراعات، فرنسا كانت ضد الفكرة العربية بشكل عام، يعني ضد فكرة قيام كيان عربي واسع وضد.. بالطبع ضد يعني تحرر المنطقة من الاستعمارين الفرنسي والبريطاني.

معن بشور: رغم أن العلاقة بين لبنان وسوريا في زمن الانتداب الفرنسي.

د. رغيد الصلح: كانت..

معن بشور: كانت أقوى مما هي اليوم رغم الوجود السوري في لبنان.

د. رغيد الصلح: طبعاً.

معن بشور: على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى، على كل هذه المستويات، وكان عملياً هناك دولة واحدة لها حاكم واحد هو المندوب السامي الفرنسي.

د. رغيد الصلح: صحيح، وكانت عاصمتها..

خالد الحروب: هذه ملاحظة مهمة والله.

د. رغيد الصلح: كانت عاصمتها بيروت أصلاً.

معن بشور: أيوه.

د. رغيد الصلح: الحقيقة أنه يعني هنالك..

خالد الحروب: ملاحظة مهمة وخطيرة يعني..

د. رغيد الصلح: طبعاً.

خالد الحروب: يعني لتحقيق الوحدة القومية العربية يجب استحضار مندوب سامي من…

د. رغيد الصلح: لأنه فعلاً هذه المسألة يعني إذا نحنا خرجنا من الإطار العربي نجد أن الاستعمار أحياناً يوحِّد من أجل أن.. أن..

معن بشور: يحكم.

د. رغيد الصلح: يحكم ويستعمر كما حصل في الهند إلى حدٍ ما، وأحياناً يفرق لكي.. لكي يستعمر، فهذه مسألة يعني هنالك تنوعات فيها.

خالد الحروب: نعم، لكن استكمالاً إذن فهمنا موقف.. الموقف الفرنسي بشكل عام كما يظهر في الكتاب بشكل واضح إنه معادي للفكرة العربية، وكان يعتقد إنه لبنان هي قاعدة للنفوذ الفرنسي الاستراتيجي.

د. رغيد الصلح: إنه.. إنه..

خالد الحروب: كيف كان.. هل.. ما هو التغيير الآن إزاء هذه السياسة المرتبط بأي تغير في داخل فرنسا نفسها؟

د. رغيد الصلح: الفكرة بس أنه كان داخل.. أن المشروع الفرنسي في المنطقة كان مشروع توحيد سوريا، وكان هنالك ما يعني مفكرون لبنانيون أو سوريون يتحدثون عن الوحدة السورية أكثر مما يتحدث عنها يعني اللبنانيين، لكن صارت.. حصلت تغيرات كما قلت في فرنسا، انتصر اليسار الفرنسي في الانتخابات، شكلت حكومة اشتراكية في فرنسا، وهذه الحكومة كانت أميل إلى التفاهم -هذا عام 1936- ميَّالة إلى التفاهم مع الوطنيين السوريين وليس اللبنانيين، يعني لبنان كان يعتبر في كافة الحالات هو يعني مثل أرض فرنسية، تقريباً كما هو الأمر في الجزائر، يعني هنالك استعداد للتنازل أمام السوريين، في.. في المغرب العربي أمام المغرب وتونس، ولكن ليس الجزائر، في لبنان، ليس لبنان سوف يبقى كذلك، فحصلت معاهدة الحقيقة أو اتفاق بين الحكومة الاشتراكية في فرنسا، التي كان يقودها (ليون جرون) وبين الكتلة الوطنية في سوريا، على أساس استقلال سوريا عام 1936، أما في لبنان حصلت معاهدة، ولكن ليس مع القوميين العرب، ليس مع العروبيين، يعني السياسة الفرنسية بقيت حتى عام 1943 سياسة إقصائية بالكامل.

خالد الحروب: نعم، على كل حال هذا.. هذا الآن نقطة مفصلية تاريخية، اللي هي المعاهدة الفرنسية السورية، والمعاهدة الفرنسية -أيضاً- اللبنانية، والآن دخلنا عهد المعاهدات.

معن بشور: لم تطبق على كل حال..

خالد الحروب: سوف أسألك -معن- يعني بالتفصيل عن هذا بعد.. بعد فاصل قصير عن أثر هذه الانعكاسات، هاي المعاهدتان على الصراع السياسي في لبنان، بين التيارين المختلفين، هل قَوي هذا التيار؟ أو هل قَوي تيار القومية اللبنانية مثلاً كنتيجة لتوقيع المعاهدة مع سوريا؟ ثم توقيع المعاهدة مع.. مع لبنان؟ أم بالعكس، أم التيار الآخر؟ وعملية الإقصاء التي حصلت للقوميين العرب، التي ذكرها رغيد.

[فاصل إعلاني]


أثر المعاهدات الفرنسية مع سوريا ولبنان على الصراع بين التيارات اللبنانية

خالد الحروب: كنت سألتك أستاذ معن حول أثر المعاهدتان.. المعاهدتين الفرنسية السورية، والفرنسية اللبنانية على الصراع بين التيارات المختلفة داخل لبنان.

معن بشور: يعني بدون شك هاتان المعاهدتان..

خالد الحروب: سنة 1936 أيضاً حتى..

معن بشور: 36، جاءتا في غمرة تحولات إقليمية ودولية هامة، وكانتا مرتبطتين أيضاً بمعاهدات مماثلة جرت في مصر، وأيضاً بثورة كبيرة كانت في فلسطين، وهنا أريد أن أؤكد أن لبنان كان دائماً ساحته انعكاس لتطورات في المنطقة العربية، يعني سنة 25 قامت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، كان من نتائجها أن الانتداب الفرنسي أقرَّ بدستور للبنان، رغم أنه لم يكن في لبنان آنذاك ثورة، كان هناك مطلب بقيام دستور، لكن الثورة في سوريا أعطت في لبنان دستور، كما هي حال كثير من تقوم مقاومة فتضطر السلطات المستعمرة أن تقدم بعض التنازلات، لا شك أن مجيء هاتان المعاهدتان.. أو.. أو هاتين المعاهدتين، وما رافقهما من ظروف دولية، قد أعطى نفساً للتيار الوطني في لبنان وفي سوريا، وبدأ هذا التيار يصبح أكثر فعالية في الحياة السياسية في سوريا

خالد الحروب: ما.. ما هو التيار الوطني؟ لأنه إحنا الآن (…) التيار الاستقلالي..

معن بشور: هون التيار الاستقلالي يا أخي، التيار الاستقلالي ذو الجذور القومية العربية، ممثلاً برياض الصلح في لبنان بالدرجة الأولى، وممثلاً بالكتلة الوطنية في سوريا في ذلك الحين، وكان هناك وكان عملياً رياض الصلح يعتبر من قادة الكتلة الوطنية في سوريا، وأيضاً كان أمين سر الكتلة الوطنية ابن عم رياض الصلح المرحوم عفيف الصلح، يعني كان هناك تداخل عائلي وشخصي ورفاقي بين النضال ضد الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان، ومن الطبيعي كان أن تنعكس أي تطور في هذا الموضوع، أعتقد أن الفرنسيين والإنجليز قد بدءوا يحسون بخطر صعود ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، وبالتالي بدءوا يشعرون بالحاجة إلى نوع من التنازلات أمام الحركات الاستقلالية في المنطقة، طبعاً علينا أن نستثني فلسطين، لأن هناك كان عامل اسمه العامل الصهيوني كان يغير كثير من المعادلات، لكن في مصر، في سوريا ، في لبنان، وهذا أدى إلى نوع من التحسن، ثم جرت -كما ذكرت في البداية- صراعات داخل ما يسمى التيار الآخر، صراعات سياسية على رئاسة الجمهورية وغيرها، فقسم من هذا التيار الذي استُبعد من الفرنسيين، وعلى رأسه الشيخ بشارة الخوري، أول رئيس للبنان المستقل، وجد نفسه أقرب إلى التيار العروبي في مواجهة الانتداب الفرنسي، إذن كانت هناك انعكاسات، وأعتقد اختيار الدكتور رغيد لهذه المرحلة بالذات موضوعاً لكتابه، وموضوعاً لدراسته، هو بسبب أن هذه المرحلة شكلت نقلة في النضال الاستقلالي، كان في قلب هذه المعركة التيار القومي العربي في لبنان وفي سوريا، والذي كان يمثله في لبنان آنذاك تحديداً رياض الصلح.


انعكاسات الحرب العالمية الثانية على هوية لبنان العروبية

خالد الحروب: نعم.. نعم.. إذن الآن إحنا في المعاهدتان سنة 1936، استمرت عدة سنوات، ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية أوائل الأربعينات، الآن رغيد في هذا الفصل، الفصل الثالث تتحدث عن أثر قيام الحرب العالمية الثانية، التغيُّر الدولي عالمي ضخم جداً، انخرطت فيه الدول المستعمرة للمنطقة، وهي قامت بدور أساسي طبعاً فيه، ثم انعكست بالتالي على المنطقة، إضافة إلى ذلك هناك كان تغيرات إقليمية، ما هي التغيرات.. يعني كيف أثرت هذه التغيرات الكبرى دولياً، ثم إقليمياً على مسألة النزاع على العروبة وعلى شكل وهوية لبنان العروبية بشكل.. بشكل مصغر؟

د. رغيد الصلح: أعتقد أنها كان لها أهمية كبرى، يعني موضوع توازن القوى على الصعيد الدولي برزت مفاعليه بشكل واضح وجلي في المنطقة العربية، خاصة أن الصراع وصل لدرجة من الاحتدام ومن التوازن في المنطقة العربية تحديداً، إلى درجة أن صار هنالك رغبة من الطرفين الدوليين في إعطاء التنازلات، والتقرب إلى العرب على.. إلى أبعد حد، يعني في مذكرات (تشرشل) وفي مذكرات متعددة كثيرة، هنالك يعني كلام صريح وواضح على ضرورة استرضاء العرب بأي طريقة.

خالد الحروب: يعني أنا وضعت بعض الخطوط الحمراء الحقيقة على التصريح الشهير لـ 1941 لـ (إيدن) حول الوحدة العربية، الذي يقول يعني يجب أن هناك طموحات عند أصدقائنا العرب بالوصول إلى درجة من الوحدة، وحكومة جلالة الملك تدعم هذه التوجهات.

د. رغيد الصلح: إذا.. لا بل يقول حتى بالوحدة السياسية علماً بأن يعني بريطانيا كانت تعارض هذا الأمر بصورة..

خالد الحروب: اللي هو رئيس وزراء بريطانيا آنذاك..

د. رغيد الصلح: إيدن كان.

خالد الحروب: تشرشل.. تشرشل..

د. رغيد الصلح: تشرشل كان.. ولكن هذه استمر.. استمرت محكومة بظروف الحرب، يعني عندما كان هنالك الحرب محتدمة في.. على الحدود الليبية المصرية، وكان.. كانت.. كان تشرشل والقيادة البريطانية تخشى أنه سوف.. الألمان سوف يجتاحون المنطقة، كان هنالك حرص شديد على استرضاء العرب، وبالتالي عندما دخلت القوات الحليفة سوريا ولبنان أُعلن رسمياً استقلال لبنان، من الآن فصاعداً البلدين مستقلين، عندما تغيرت ظروف الحرب، وبدأت الكفة ترجح نحو الحلفاء بدأت عملية التراجع التدريجي عن الاستقلال، عن إعطاء العرب فرصة لإقامة نظام إقليمي خاص عربي مستقل، وكان هذا التراجع ربما يستمر إلى أبعد من ذلك، يعني بمعنى عودة المنطقة إلى كنف الانتداب الفرنسي والبريطاني، لولا أنه في لبنان وسوريا يعني اندفعت القيادات الوطنية، واقتنصت هذه الفرصة من أجل إعلان الاستقلال في البلدين، وإخراج المستعمر، ولولا الظروف الدولية..

معن بشور: و.. وضعف فرنسا، يعني رغم.. رغم أن الكفة رجحت لمصلحة الحلفاء، لكن داخل الحلفاء أيضاً تبدلت موازين القوى، فصعد الدور الأميركي والدور الروسي على حساب الدور البريطاني، وخصوصاً الفرنسي وفرنسا كما أشار الكتاب أيضاً استثنيت من اجتماع.

خالد الحروب: مالطا..

معين بشور: مالطا الشهير، يالطا الشهير الذي وقيل يوم.. وقال يومها على ما أظن الرئيس الأميركي أن إدخال فرنسا سيدخل دول عديدة أخرى في هذه المشاركات.

خالد الحروب: وكان هناك مقترح أميركي بتقسيم فرنسا بسبب ضعفها بعد الحرب.

معن بشور: أيوه، تماماً، وبالتالي.. وبالتالي أريد أن أذكِّر سنة 41 هذه السنة التي أصدر فيها إيدن تصريحه، والتي أعلن فيها، خاطب (ديجول) أيضاً لبنان وسوريا كشيء.. كبلد واحد تقريباً، يعني تعامل للمرة الأولى مع لبنان وسوريا اللذين قسَّمهم.. قسمتهم (سايكس بيكو) وقسمت سوريا كما نعلم إلى عدة دويلات، خاطبهما كجهة واحدة، نتذكر أنه سنة 41 أيضاً قامت في.. في العراق ثورة، اعتُبرت تلك الثورة أنها متعاطفة مع دول المحور، وبالتالي شعر البريطانيون.. نفس الوعود التي أغدقت على الشريف حسين من أجل أن.. أن يسير في المشروع المناهض للدولة العثمانية بدولة عربية كبرى، ولما انتهت الحرب سحبت كل هذه الوعود، ووجدنا.. واليوم يتكرر أشياء مماثلة بفلسطين وغيرها، تصدر وعود في ظروف سياسية معينة، وحين تنتهي هذه الظروف تسحب هذه الوعود.


مدى تأثير العامل الخارجي على توجهات العروبة في لبنان

خالد الحروب: هذا.. هذا يطرح سؤال مهم، في هذا الفصل والفصل الذي يليه رغيد، التركيز الشديد على دور العامل الخارجي، وأن.. أن.. أن نراقب ما يحدث من وجهة ثقافية وسياسية، مضمونها العروبة مع أو ضد في داخل لبنان، أن نرقبها من خلال منظور التغيرات الدولية الكبرى، أحياناً يرى البعض.. قد يتساءل قارئ، هل هناك مبالغة فعلاً في إنه إضفاء مثل هذا الآثار الكبيرة؟ وكأنه ما يحدث هنا مجرد أحجار على رقعة شطرنج، فيما أن المسألة مسألة العروبة مثلاً، أو أية مسألة ثقافية وسياسية في داخل لبنان مثلاً عندها علاقة بالمفردات الدينية، بالمفردات مثلاً الصراعية، المحلية، بالمصالح المختلفة هنا وهناك، يعني هي مجموعة من العوامل، العامل الخارجي واحد منها، لكن قارئ الكتاب يخرج بانطباع أنه العامل الحاسم هذا العامل.

د. رغيد الصلح: لا، قطعاً أنا في كافة المراحل لم أستخف بالعامل الداخلي وأعطيه يعني -على ما أعتقد- أعطيه حقه من الأهمية، وأعتقد في المفترض الذي اتبعته لكل هذا الموضوع، أحاول أن أركز على الحوافز الداخلية عند القوميين اللبنانيين، أو القوميين المحليين التي تجعلهم أحياناً في تضاد مع القوى الأجنبية وأعتقد أن موقفهم هذا يجب أن يفهم على أن موقف مشروع، والحوافز حوافز طبيعية ويجب عدم الاستخفاف فيها، وهي تؤثر، بالعكس أحياناً تؤثر حتى على مواقف القوى الدولية، يعني نشوء كيان لبنان بوضعه الراهن، بجغرافيته الراهنة يمكن كان ضد المشروع الفرنسي أو يعني لعب اللبنانيون الوطنيون أو القوميون اللبنانيون دوراً مهماً في التأثير على الفرنسيين في إقامة لبنان ضمن كيانه الراهن.

ولكن بنفس الوقت يجب عدم الاستخفاف بالوضع الدولي، يعني الوضع الدولي أحياناً يرسم نوع من المحددات ونوع من القيود يضعها على اللاعبين المحليين، وبالتالي هم يعني بحاجة إلى التصرف ضمن حدود تفرضها القوى الدولية، هذا لا يعني أنه هذه الحد.. لا يملكوا لاعبين محليين أو الفاعلين المحليين لا يملكون القدرة على التصرف، يملكون القدرة على التصرف ضمن الحيز الموجود من الحرية، حرية المناورة، هامش المناورة، ويملكون أيضاً قدرة على التأثير حتى على الفاعلين الدوليين.

معن بشور: يعني هون أنا الحقيقة نقطة بالغة الأهمية اللي أشرت إلها، لكن أريد أن أقول أولاً: العامل الخارجي نفسه متأثر بالعوامل الداخلية، يعني هذه التصريحات التي أُعطيت من إيدن ومن ديجول وقبلها من (ماكماهون)، لماذا أُعطِيت؟ لأنهم شعروا بوجود قوى حقيقية في هذه المنطقة أرادوا استرضاءها، لو لم تكن موجودة هذه القوى، لما كان فيه حاجة إلى هذا الاسترضاء، هذا واحد.

اثنين: المشكلة الحقيقية العامل الخارجي يجب أن يؤخذ دائماً في عين الاعتبار، لكن العامل الخارجي لا يلغي العامل الداخلي إذا كان للعامل الداخلي من قيادات تحرص على الاستفادة من المتغيرات الخارجية لتحسين شروطها أو فهم المتغيرات الخارجية لتخفيف الخسائر، أنا أريد أن أخرج من تلك المرحلة إلى مرحلة ما بين التسعين والألفين في لبنان، باختصار شديد، المقاومة..

خالد الحروب [مقاطعاً]: اللي هي مذكورة.. مذكورة في ملحق الكتاب، نعم

معن بشور: أريد أن أقول المقاومة في لبنان انتصرت على إسرائيل في ظرفٍ هناك انقلاب كبير في موازين القوى العالمية وفي العامل الخارجي لغير مصلحتنا، يعني حين اشتد ساعد المقاومة في لبنان كان العالم تحت القطبية الأحادية تحت حكم الولايات المتحدة العالم كله، كان العراق قد ضُرب ضربة كبيرة سنة 90 – 91، ومع ذلك استطاع عامل داخلي لبناني بالتفاهم مع سوريا على خلق واقع على الأرض اللبنانية أدى إلى التحرير بفضل المقاومة، يعني هذه فكرة مركزية.

الكتاب من النقاط الهامة فيه، أنه دائماً كان يسلط الأضواء على العوامل الداخلية، وأحياناً بتفصيلاتٍ بالغة الأهمية، لأنه في السياسة اللبنانية وأعتقد حتى في سياسات كثير من الدول العربية يجب أن لا نغفل حتى عوامل ذاتية بسيطة صغيرة، سنة 43.. سنة 43 لم تكن تعرف في الشارع اللبناني الذي وقف ضد اعتقال قادة الدولة اللبنانية رئيس جمهورية ورئيس وزراء وعدد من الوزراء، لم تكن تعرف القومي العربي والقومي اللبناني، حزب الكتائب نزل.. الذي هو يُعتبر عنوان للخط الآخر البعيد عن الخط القومي العربي، نزل في الشارع جنباً إلى جنب مع العروبيين من أجل الاستقلال، في لحظة تاريخية توحَّد اللبنانيون فأنجبوا الاستقلال، إذن العامل الداخلي مهم.

وأنا أعتقد أهمية هذا الكتاب بهذا المعنى، وهذا يجب أن يقرأه كل عربي مهتم، لأن كياناتنا كلها اليوم مهددة، والعروبة في كل مكان مهددة، من أجل أن يدرك بأن المسائل يجب ألا نكتفي بالشعارات العامة، يجب أن نغوص في قلب الواقع، وأن نفهم تعقيداته وأن نعالج هذه التعقيدات لخلق عوامل داخلية مهمة وحاسمة.


لبنان المستقل وتطور علاقاته مع الدول العربية

خالد الحروب: نعم، فيما تبقى يعني الوقت حتى لا نسهب فيه نخرج كثير عن إطار الكتاب، دكتور رغيد في الفصل الخامس، تبدأ تتحدث عن لبنان المستقل وعلاقاته وبداية تطور علاقاته مع الدول العربية وعلى أي أساس تقوم، وهذا السجال الداخلي أيضاً الذي نشأ لعلاقات قوية، علاقات فقط حسن جوار، علاقات عربية، ما هي المعايير والأسس؟ ما الذي تريد أن تقوله في هذا الفصل أولاً؟

د.رغيد الصلح: أريد أن أقول أنه على يعني اللبنانيين إذا أرادوا أن.. لبلدهم الاستقرار والتطور والنمو أنهم يجب عليهم أن يقيموا علاقات طبيعية مع الدول العربية وأن يسعوا إلى تنمية هذه العلاقات، ليس فقط بينهم وبين الدول العربية، وإنما يجب أن يعوا أن مصلحتهم هي في نمو العلاقات العربية العربية عموماً، بمقدار ما يحدث هنالك تفاهم عربي حقيقي وتضامن وتعاون وثيق على كل صعيد بما في ذلك الصعيد السياسي، بمقدار ما لبنان بيستفيد، وهذا ما أعتقد أن أدركه حتى بعض القادة اللبنانيين القوميين الذين يعني يضعون مصلحة لبنان فوق.. فوق كل اعتبار، فهم يعتبرون أن سلامة الوضع العربي ويعني وجود نوع من السلام العربي العربي في المنطقة هو لمصلحة لبنان، لأنه يحميه من التأثيرات الخارجية ومن تفاعلات الصراعات العربية التي غالباً ما كانت تنعكس بصورة سلبية على الاستقرار وعلى التطور في لبنان، وأعتقد أن اللبنانيين.. القيادات اللبنانية بهذا المعنى دورها ليس فقط داخل لبنان، تستطيع أن تلعب دوراً مهماً طبعاً بالتفاهم والتحالف مع قيادات عربية، من أجل يعني خلق أجواء عربية ملائمة، ليس فقط للبنان وإنما للجميع، وخاصة أن اللبنانيين يعني قاموا بأدوارٍ من هذا.. هذا النوع في الماضي ونجحوا في ذلك نجاحاً كبيراً.

خالد الحروب: نعم، إذا السؤال يعني للأستاذ معن في بالفصل الذي يليه أيضاً انتقالاً من هذا.. طبيعة تحديد النوع العلاقة مع البلدان العربية، ثم الانضمام إلى جامعة الدول العربية، تأسست الجامعة العربية ولبنان عضو موجود ومهم، مقارنة هذه النقطة بنقطة إميل إده والموقف مثلاً من تقسيم فلسطين عندما كان موقف ضبابي وغائم، قال: يجب ألا نثير استفزاز وغضب لا العرب ولا اليهود، فليس للبنان موقف مثلاً، وأيضاً المشاركة في بعض الأنشطة الصهيونية آنذاك في.. في تل أبيب قبل قيام دولة إسرائيل، فمن هذا الموقف إلى موقف اكتساب لبنان لوجهه العربي كما يذكر رغيد في أيضاً في.. في الخلاصة، كيف ترى -معن- و.. وتحديداً عند نقطة الانضمام إلى جامعة الدول العربية، كيف تغير لبنان؟ ما هي الوجهة التي أخذها لبنان؟

معن بشور: يعني انضمام لبنان لجامعة الدول العربية كان تطور طبيعي للحركة الاستقلالية اللبنانية، وتطور لشبه إجماع لبناني أن لبنان لا يستطيع أن يعيش خارج هذه الدائرة، وأنا هنا أريد أن أؤكد، أن حين يتحدث عن لبنان والعروبة دائماً وهذا خطأ في التفكير القومي الشائع أن المشكلة في لبنان، أنا أعتقد أن المشكلة أيضاً في العروبة، وأحد المفكرين القوميين البارزين المرحوم ميشيل عفلق قال مرة: أن مشكلة لبنان مع العروبة هي مشكلة العروبة مع نفسها، مع تقدميتها، مع ديمقراطيتها، مع حريتها.

أعتقد أن لبنان لم يكن عبئاً يوماً على المسار العربي، مشكلة الجامعة العربية اليوم ليست لبنان ولا انضمام.. لا انضم إلها، وإن كنت هنا أريد أن أسجل أن هذا التحفظ الذي أشرت له، كان أحد أسباب عناصر الضعف في ميثاق الجامعة العربية خصوصاً بعد تعديله، لقد.. بروتوكول الإسكندرية كان هناك نص أشرف على وضعه رياض الصلح مع..

خالد الحروب: بإيجاز والله ما عندي وقت.

معن بشور: نص يعني نص أتى لبنان نقل تحفظات هذا الفريق، فاشترط الإجماع على نحو كبَّل عمل هذه المؤسسة العربية، لكنني أعتقد بهذا المعنى كان هذا.. هؤلاء المتحفظون اللبنانيون يمثلون تحفظاً موجوداً في كثير من الدول العربية، فالكيانية ليست موجودة فقط في لبنان، والانكفاء والبعد عن الوحدة العربية ليس موجود.. موجوداً في كثير من المصالح الحاكمة في المنطقة العربية..

خالد الحروب: نعم، إذا سمحت لي..

معن بشور: لكن إميل إده.. إميل إده نتذكر أن ابنه مثلاً المرحوم العميد ريمون إده، كان من أشد المعادين للكيان الصهيوني..

خالد الحروب: نعم.. صحيح..

معن بشور: والمشروع الصهيوني، رغم أنه لم يكن يفعل ذلك من موقع قومي عربي، من موقع وطني لبناني بحت، كان شديد التحذير من الكيان الصهيوني ومن المشروع الصهيوني.

خالد الحروب: نعم في الدقيقتين اللي بقوا رغيد وباختصار شديد، إذن لبنان والعروبة، هل هناك عروبة يمكن أن تكون.. أن تصالح القومية العربية كإطار أعلى فوقي، وبين القوميات القُطرية الوطنية، القومية اللبنانية، القومية السورية، القومية الأردنية وغيرها، هل هناك هذا التنافر، أم أن هناك عروبة وسيطة تصالحهما؟

د.رغيد الصلح: العروبة الديمقراطية تستطيع القيام بهذا الدور كما أعتقد، والعروبيون الديمقراطيون يعني الذين يؤمنون حقاً بالمبادئ الديمقراطية أو الحقوق الإنسان يستطيعون القيام بدور مهم على هذا الصعيد.

خالد الحروب: شكراً جزيلاً رغيد، وأعزائي المشاهدين شكراً لكم أيضاً على مرافقتكم لنا جليس هذا اليوم الذي كان كتاب "لبنان والعروبة" من تأليف (الباحث والكاتب اللبناني) الدكتور رغيد الصلح الذي أشكره على مشاركته معنا هنا، وأشكر كذلك الأستاذ معن بشور (الأمين العام للمؤتمر القومي العربي)، وإلى أن نلقاكم في الأسبوع المقبل مع جليسٍ جديد، هذه تحية من فريق البرنامج ومني خالد الحروب، ودمتم بألف خير.