الانتخابات الإسرائيلية.. غابت القضية الفلسطينية وحضر التطبيع

من زاوية تكريس الاستيطان في الضفة الغربية وعدم وجود أي مقترحات للتسوية حضرت القضية الفلسطينية في برامج الأحزاب الإسرائيلية

نتنياهو يستقبل سفير الإمارات لدى إسرائيل، محمد محمود الخاجة...تصوير مكتب الصحافة الحكومي عممت على الإعلام لاستعمالها الحر
نتنياهو يعمل على ترحيل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واستبدال التطبيع به (الجزيرة نت)

تغيب القضية الفلسطينية عن أجندة الحملات الانتخابية للأحزاب اليهودية بانتخابات الكنيست التي ستجري في 23 مارس/آذار الجاري، في حين يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ترحيل حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي واستبدال التطبيع مع العالمين العربي والإسلامي به.

أسهم التوقيع على "اتفاقيات أبراهام" مع الإمارات والبحرين وتطبيع العلاقات مع السودان والمغرب في تكريس نهج الأحزاب اليهودية بتغييب الملف الفلسطيني، وتذويت (دمج) ورقة التطبيع بالعقلية الإسرائيلية لتسوية الصراع مع العالمين العربي والإسلامي دون تقديم أي تنازلات أو دفع فاتورة "الأرض مقابل السلام".

ورغم الأزمات الداخلية وتداعيات جائحة كورونا الاقتصادية، والصحية والاجتماعية، فإن ثمة من يعتقد من المحللين أن تجييش اتفاقيات التطبيع بالخطاب الإسرائيلي العام وبإجماع الأحزاب اليهودية، أسهم في الحفاظ على قوة الليكود بالسبق الانتخابي، في حين جنى نتنياهو ثمارها بالإبقاء عليه أولا في التنافس الانتخابي رغم محاكمته بتهم فساد ما ساعد في تعزيز حظوظه لتشكيل حكومة يمين ضيقة.

وبمعزل عن القضايا الداخلية وتداعيات جائحة كورونا، يلاحظ أن التحولات التي يشهدها منذ عقد ونيف المجتمع الإسرائيلي الذي انزاح نحو المواقف اليمينية وغابت عن فكره وخطابه السياسي العام القضية الفلسطينية، ما عادت تتقبل أي تسوية تعتمد على حل الدولتين حتى لو شكلت حكومة بديلة لحكومة نتنياهو.

ويعتمد احتمال تشكيل حكومة بديلة لنتنياهو بالأساس على مركبات أحزاب اليمين ممثلة بحزب "أمل جديد"، برئاسة جدعون ساعر، وحزب "يمينا"، برئاسة نفتالي بينيت، وحزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وهي حكومة ستكون متعلقة بشراكة حزب "هناك مستقبل"، برئاسة يائير لابيد، المحسوب على معسكر المركز (الوسط)، ودعم أحزاب العمل وميرتس المحسوبة على اليسار.

استطلاعات الرأي تمنح اليمين الفاشي 4 مقاعد سيحتاجها نتنياهو لتشكيل حكومة ضيقة
القضية الفلسطينية حضرت في خطاب بعض الأحزاب من زاوية تكريس السيادة الإسرائيلية على الضفة (الجزيرة نت)

غياب الجوهر

ويعتقد الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن القضية الفلسطينية غابت بجوهرها ومركباتها الأساسية كمحور للصراع عن الانتخابات الإسرائيلية بالجولات السابقة، وإن حضرت في خطاب بعض الأحزاب اليهودية، من زاوية تكريس السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، مثلما تجلى ذلك من خلال صفقة القرن، إذ لم تحضر بسياق حل الدولتين وكبح المشروع الاستيطاني أو الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967 أو حتى في سياق أي تسوية من وجهة النظر الإسرائيلية.

وعزا الباحث في الشأن الإسرائيلي في حديثه للجزيرة نت غياب القضية الفلسطينية عن برامج الأحزاب اليهودية في انتخابات الكنيست إلى التماهي غير المسبوق للإدارة الأميركية السابقة ورئيسها دونالد ترامب، مع اليمين الإسرائيلي مع استمرار حكم نتنياهو واتفاقيات التطبيع مع دول عربية.

وأوضح أن انتخابات الكنيست الرابعة تكرّس غياب القضية الفلسطينية بسبب السجال الداخلي الإسرائيلي حيال بقاء نتنياهو بالحكم في ظل محاكمته بملفات الفساد، مع الإجماع على أن التنافس في هذه الانتخابات يتمحور بالأساس حول بقاء اليمين بالحكم حتى لو تمت الإطاحة بنتنياهو.

كما أن الانتخابات الإسرائيلية الحالية، يقول شلحت "تجري في ذروة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على الناخبين الإسرائيليين، الذين يتابعون بالأساس مدى نجاح أو فشل حكومة نتنياهو بإدارة أزمة كورونا وترسباتها في ظل الإجماع لدى الأحزاب اليهودية على أن حكومة نتنياهو فشلت في مواجهة الجائحة رغم حملة التطعيمات ضد الفيروس".

احتجاجات في أم الفحم بالداخل الفلسطيني رفضا لسياسات حكومة نتنياهو-تصوير مكتب الصحافة الحكومي عممت على الإعلام لاستعمالها الحر
احتجاجات في أم الفحم بالداخل الفلسطيني رفضا لسياسات حكومة نتنياهو  (الجزيرة نت)

تسوية وتطبيع

وبمعزل عن تداعيات جائحة كورونا التي أسهمت بتهميش القضية الفلسطينية، نجد أن أحزاب الوسط واليسار الإسرائيلي -كما يقول شحلت- "عمدت بالسنوات الأخيرة لطرح التسوية وإنهاء الصراع مع الفلسطينيين من منظور أن بقاء الصراع والاحتلال وغياب أي تسوية يشكل خطرا على بقاء إسرائيل كدولة يهودية"، وليس من منظور تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وإحقاق حقوقه في الحرية والاستقلال وإقامة دولته بحدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وفق ما تنص عليه القرارات الدولية.

ووسط التحولات والمتغيرات في فكر وأجندة الأحزاب اليهودية بكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يرى الباحث بالشأن الإسرائيلي أن "هذه المرحلة يتم فيها توظيف وتجييش نهج نتنياهو بإبرام اتفاقيات التطبيع مع دول عربية وخليجية، ويأتي التجييش والدعم لاتفاقيات التطبيع بالرغم من الموقف العربي العام من القضية الفلسطينية الذي تبنى مبادرة السلام العربية التي أدرجت بندا باشتراط إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بعد تسوية القضية الفلسطينية".

وأوضح شلحت أن الأحزاب اليهودية ومن خلال إبرام اتفاقيات أبراهام فهمت أنه تم الاستغناء عن شرط التطبيع لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية، حيث أيقنت أنه يمكن بناء جسور العلاقات الدبلوماسية مع العالم العربي بالالتفاف على القضية الفلسطينية واستغلال النفوذ لدى بعض الأنظمة العربية لممارسة الضغوط على الفلسطينيين لقبول أي حلول وتسوية حتى وإن لم تشمل حل الدولتين.

تحول واهتمام

وفي الجانب الإسرائيلي، أظهر تقدير موقف حول القضية الفلسطينية وانتخابات الكنيست والدبلوماسية الإسرائيلية وسياستها الخارجية والإقليمية، الصادر عن المعهد الإسرائيلي "ميتفيم" المختص بالسياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط أن عملية السلام عادت لأجندة المجتمع الدولي رغم غياب القضية الفلسطينية عن البرامج الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية.

وأوضح الباحث في معهد "ميتفيم" روعي كيبريك في تقدير الموقف الذي تلقت الجزيرة نت نسخة عنه، أن القضية الفلسطينية ورغم تغييبها بالمشهد الانتخابي الإسرائيلي ستبقى بوابة إسرائيل إلى الشرق الأوسط رغم اتفاقيات التطبيع التي سعى نتنياهو لتوظيفها في حملته الانتخابية باستقبال البعثات الدبلوماسية من المغرب والبحرين، وسفير الإمارات لدى تل أبيب محمد محمود الخاجة.

ولفت الباحث الإسرائيلي إلى أن موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الداعم لحل الدولتين -رغم تقديرات واشنطن بصعوبة تنفيذ ذلك على أرض الواقع- أعطى زخما لعودة المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي للاهتمام بعملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ورفض الضم الزاحف لأجزاء من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، وهو التحول الذي يفترض على أي حكومة إسرائيلية تشكل مستقبلا التعامل معه.

Former Israeli Prime Minister To Join Forces With Left-wing Parties For September Election
حل الدولتين غاب عن المشهد السياسي الإسرائيلي حتى لدى معسكر الوسط واليسار الإسرائيلي بحسب تقدير موقف (غيتي)

الضم والاستيطان

وعلى الرغم من هذه التحولات والمتغيرات الدولية التي تأتي في أوج حملة انتخابات الكنيست التي تغيب عنها أطروحات ومقترحات لأي تسوية مع الفلسطينيين، فإن حكومة نتنياهو تواصل نهج وسياسة الضم الزاحف وتوسيع المشروع الاستيطاني كإجراءات أحادية الجانب التي ستفرض وقائع على الأرض تحول دون إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو/حزيران.

ما عاد حل الدولتين حاضرا في المشهد السياسي الإسرائيلي عامة ولا حتى لدى معسكر الوسط واليسار الإسرائيلي، وفقا لتقدير الموقف من معهد "ميتفيم"، حيث استشهد الباحث كيبريك، بموقف رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي المحسوبة على اليسار الإسرائيلي، التي صرحت بأن أهمية إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني تكمن في ضمان مستقبل إسرائيل، بينما أكد زعيم المعارضة رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد دعمه للكتل الاستيطانية بالضفة وتحفظه على أي بؤر استيطانية من شأنها عرقلة أي تسوية سياسية.

المصدر : الجزيرة