انتخابات ماليزيا.. مهاتير يقامر و"أمنو" يخاطر

Former Malaysian prime minister Mahathir Mohamad (R) and opposition leaders Wan Azizah look on as a video clip of Anwar Ibrahim is being played during an anti-kleptocracy rally in Petaling Jaya, near Kuala Lumpur, Malaysia October 14, 2017. REUTERS/Lai Seng Sin
مهاتير يقامر بتاريخه بتحالفه مع زوجة أنور بانتخابات تشريعية طاحنة (رويترز)

علي صبري

شكوى عابرة على يوتيوب من تأخر استجابة الشرطة لاتصال استغاثة بعد إطلاق النار في كوالالمبور في 21 أبريل/نيسان الماضي، جعلت من صلاح سليمان الدانماركي من أصول يمنية أول ضحايا قانون مكافحة الأخبار الكاذبة الذي أقره البرلمان الماليزي الشهر الماضي. وفضل سليمان السجن لمدة شهر لعجزه عن دفع غرامة بقيمة 2500 دولار.

وكان القانون الجديد قد فجر جدلا وانتقادا واسعا للحكومة، باعتباره سيفا قانونيا تسلطه على رقاب السياسيين والإعلاميين المعارضين، وينتهك حرية الصحافة والتعبير التي أكد القانون احترامها نصا، إلا أن المعارضة تخشى من سوء توظيف القانون خصوصا قبيل الانتخابات الشرسة التي ستشهدها البلاد في 9 مايو/أيار الجاري.

التوظيف المتعسف للقانون غير الصديق للإعلام يمكن أن يشكل لجاما للانتقادات المتزايدة لرئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق حول قضايا الفساد الموجهة له، حتى وإن نجا منها تحت قبة المحاكم النظامية، إلا أن الشارع لا يزال يتعاطى ما يروج من أحاديث حول هذه الشبهات.

بخلاف الانتخابات البرلمانية في العقدين الماضيين، فإن الانتخابات القادمة قد تكون الصراع الأعنف على أصوات الناخبين خصوصا على الصوت المالاوي، إذ تعتبر أصوات العرقيات الأخرى (الصينية 23% من السكان) و(الهندية 7%) تكاد تكون محسومة لصالح الأحزاب العرقية المقسومة بين المعارضة والحكومة.

أما الصوت المالاوي (51% من السكان) فإن انقسامه حاد هذه المرة بسبب عامل جديد دخل المنافسة، وهو قيادة باني نهضة ماليزيا الحديثة مهاتير محمد (92 عاما) لتحالف المعارضة، وهو ما سيربك الناخب المالاوي عندما تتجاذبه مصالحه المرتبطة بالحزب الحاكم "المنظمة المالاوية الوطنية المتحدة" (أمنو) وقانون تفضيل المالاويين سياسيا واقتصاديا على باقي العرقيات من جهة، وتاريخ ورمزية مهاتير وإنجازاته للبلاد والغالبية المسلمة من جهة ثانية.

عامل آخر هو أن الحزب الإسلامي الماليزي ( باس) بزعامة الشيخ عبد الهادي أوانغ اختار دخول هذه الانتخابات منفردا بعد الانشقاق الذي تعرض له وخروج من يوصفون بالمعتدلين ليشكلوا حزب الأمانة الوطنية، الذي انضم إلى تحالف الأمل بقيادة مهاتير، ويظهر التشتت الملاوي بشكل كبير في ولاية كِلانتان الشمالية التي يسيطر عليها الحزب الإسلامي منذ 28 عاما ويشكل فيها الملاويون غالبية تزيد عن 90 %، وعلى الناخبين فيها الآن أن يختاروا بين ثلاث كتل.

القفزة الكبيرة التي قفزها مهاتير من سفينة حزب أمنو عام 2016، بعد ترؤسه وقيادة حكومته بين عامي 1981 و2003، لتتلقفه سفينة المعارضة التي يقودها غريمه أنور إبراهيم، ويلتقي الرجلان بعد معركة سياسية وقانونية طاحنة، ويجتمعان على معارضة نجيب، ومحاولة الإطاحة به عبر صناديق الاقتراع شكلت صدمة للشارع. 

نجيب وحزبه
نجيب وحزبه "أمنو" يخوضان انتخابات خطرة قد تغير قواعد السياسة

وقد عبر مهاتير في مهرجان انتخابي أمس بمرارة عن "خيبته" من أداء رئيس الوزراء، وأعلن تحمله مسؤولية صعود نجيب إلى السلطة حين قال إن "أكبر خطأ ارتكبته في حياتي هو اختيار نجيب، وأنا أعمل ما بوسعي الآن لتصحيح هذا الخطأ".

لكن مهاتير اليوم متهم أكثر من أي وقت مضى بشق صف الملاويين حزبيا وشعبيا، بل السماح للحزب الذي يمثل الصينيين في المعارضة حزب العمل الديموقراطي باختراق المناطق الملاوية لا سيما الريفية منها التي كانت محرمة عليه، وذلك من خلال دخول الانتخابات تحت شعار واحد هو شعار حزب العدالة الاجتماعية.

وكان مهاتير قد رشح نجيب لقيادة الحزب والحكومة عام 2009 خلفا لعبد الله بدوي، عرفانا لفضل رئيس الوزراء الأسبق تون عبد الرزاق (والد نجيب) الذي وضع مهاتير على طريق الحكم وقيادة أمنو.

وبالمقابل، اعتذر مهاتير لأنور إبراهيم عن الحملة الشرسة التي شنها عليه وقادته إلى السجن بتهم أخلاقية، حيث قال "أعرف كيف يشعر أنور، فهو دخل السجن في عهدي كرئيس للحكومة، وليس من السهل عليه أن يتقبلني ويصافحني".

ولأن أنور لا يزال يقضي عقوبة السجن، فإن زوجته وان عزيز وان إسماعيل تقود حزبه "عدالة الشعب" وتترشح في هذه الانتخابات كنائبة محتملة لمهاتير في حال فوز التحالف في الانتخابات.

وبقدر الحرج الذي يتجرعه مهاتير بتحالفه مع أنور غريمه التقليدي ضد حزبه التاريخي "أمنو" فإن نجيب يعاني نفس الحرج مع قواعد حزبه عندما يرون أن قائدهم التاريخي (مهاتير) يقف في الصف المعارض لحزبهم، ويصب سيولا من الاتهامات على زعيم حزبهم (نجيب).

وكان التحالف الحاكم "أمنو" قد تراجعت حصته من المقاعد البرلمانية منذ عام 2004 من 36% إلى 29% عام 2013، وهو ما صب بالطبع في صالح المعارضة تحت قيادة أنور دون أن يخسر أمنو الأغلبية البرلمانية.

لذلك يتوقع مراقبون أن إلقاء مهاتير بثقله في صف المعارضة سيجعل مهمة الحزب الحاكم صعبة في هذه الانتخابات، لكنهم في الوقت نفسه يعتقدون أن خطوة مهاتير فيها قدر كبير من المغامرة بسمعته التاريخية في حال أخفق في تحقيق إنجاز ملموس للمعارضة لأن ذلك يعني بالضرورة خسارته لرصيده الشعبي في وجدان الشارع المالاوي بالتحديد.

في المقابل، فإن نجاح مهاتير في تغيير معادلة الحكم وإخراج أمنو من حلقة الغالبية البرلمانية التي احتكرها لعقود سيعلن بداية حقبة سياسية جديدة تفرض الأقليات السياسية فيها وجودا أوسع وتأثيرا أكبر في دائرة الحكم، وهو ما يعني قيام ماليزيا جديدة سياسيا.

المصدر : الجزيرة