حين التزمت عهد التميمي الصمت

فلسطين رام الله 9 آذار 2018 والد عهد التميمي يتابع مشاهد من رفضها الحديث أثناء التحقيق.
والد عهد التميمي يتابع مشاهد من رفضها الحديث أثناء التحقيق (الجزيرة نت)

ميرفت صادق-رام الله

في سنوات الانتفاضة الفلسطينية الأولى وفي أعوام المواجهة البارزة مع الاحتلال، اعتنق الأسرى الفلسطينيون مبدأً عاما نصه "الاعتراف خيانة" وحفروه بأيديهم على جدران الزنازين.

وبعد سنوات طويلة أعادت الفتاة الفلسطينية الأسيرة عهد التميمي هذه التجربة، حين التزمت الصمت في غرف التحقيق الإسرائيلية، ورفضت الإجابة أو حتى الإيماء بالحركة.

وفي مشاهد مصورة عرضها والدها باسم التميمي في رام الله وسط الضفة الغربية، ظهرت عهد (17عاما) في مواجهة اثنين من محققي الاحتلال الإسرائيلي، وكان أحدهما يوجه إليها استجوابا غاضبا وردت عليه دائما "ألتزم بحق الصمت".

قال والدها إن بث الفيديو جاء ليكون دليلا للأجيال الفلسطينية التي تخوض تجربة الاعتقال للمرة الأولى وتواجه التحقيق الإسرائيلي العنيف لإجبارها على الاعتراف تحت الضغط، واحتفى بما وصفه بـ"صمود ابنتي" قائلا إنها بالصفعة والصمت اشتبكت مع الاحتلال حد الخرافة.

وأضاف أنه تعبير واعٍ عن رفض الاحتلال بأشكال مختلفة وتكريس لشعار عهد الذي رفعته قبل اعتقالها "نحن لسنا ضحايا، نحن مقاتلون من أجل الحرية".

اعتقال عهد
واعتقلت عهد التميمي من منزلها غرب رام الله يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي من منزل عائلتها بعد الاعتداء عليها، ووجهت إليها تهمة مهاجمة جندييْن إسرائيليين وصفع أحدهما، بعد بث فيديو فيه مشهد دفاعها عن منزلها، وفي 21 مارس/آذار الماضي حكم عليها بالسجن ثمانية شهور.

وحسب والدها، فإنها خضعت لجلسات تحقيق استمرت عشرة أيام وأحيانا لأكثر من عشر ساعات يوميا، وكان يجري نقلها إلى زنزانة معزولة لمدد قصيرة ثم تعاد إلى غرف التحقيق.

وفي مؤتمر صحفي، قال والدها إن المحققين حاولوا استنطاقها بأساليب عدة كالإِساءة إلى والدتها أو أقاربها لاستفزازها بالرد ودفعها للتخلي عن صمتها، أو بالتحرش اللفظي من خلال الحديث عن شعرها وعيونها، وفي المشاهد التي بثتها العائلة كان أحد المحققين يتحدث عن لون بشرتها تحت الشمس وعلى البحر.

وأكد والدها أن نشر مشاهد التزام ابنته الصمت رسالة للآباء والأمهات أن يصنعوا أبناء أقوياء بعيدين عن الخوف وقادرين عن المواجهة في كل مكان وزمان.

وحسب العائلة والمؤسسات الحقوقية، فإن التحقيق مع عهد جرى بشكل مخالف للقانون الدولي الذي يضع ضوابط عند استجواب القاصرين، حيث تم دون وجود محاميها أو محققة أنثى ودون حضور ممثل عن عائلتها، وعندما ذهبت والدتها لتساندها بعد ساعات من اعتقالها تعرضت للاعتقال بدورها أيضا.

عرض مشاهد من التحقيق مع عهد التميمي في رام الله (الجزيرة نت)
عرض مشاهد من التحقيق مع عهد التميمي في رام الله (الجزيرة نت)

لا عدالة تحت الاحتلال
وتقدمت العائلة بشكوى ضد الاحتلال على خلفية التحقيق غير القانوني معها، غير أنها لم تتلق أي رد، وكرر والدها ما قالته عهد في محاكماتها الأخيرة "لا عدالة تحت الاحتلال".

وحسب العائلة فإن المشاهد التي تم بثها هي جزء من جلسة تحقيق استمرت ساعتين متواصلتين، وكان محور الحديث فيها محاولة استنطاقها للاعتراف بمشاركة أفراد من عائلتها في مواجهة قوات الاحتلال.

في نص كتابي من مقتطفات التحقيق مع عهد التميمي يوم 26 ديسمبر/كانون الأول 2017 في مركز تحقيق لشرطة الاحتلال، كان المحقق الأول يسألها بلغة عربية ركيكة عمن يريد تحرير فلسطين هي أو شقيقها أو أفراد من عائلتها، ويضغط عليها المحقق الثاني بصوت عالٍ ويسألها "من وراءك، والدك؟ أمك؟" لكن عهد قابلتهما بالصمت.

وفي مشهد آخر، يهددها أحدهما قائلا "إذا التزمت الصمت فلدينا صور وأفلام وشهود وسيتم استخدامها ضدك"، وأضاف أن إسرائيل دولة تسير بالقانون وأن عليها وعلى عائلتها الالتزام بهذا القانون.

‪باسم التميمي: التزام عهد بالصمت في التحقيق جزء من ثقافة أبناء قريتها‬ (الجزيرة نت)
‪باسم التميمي: التزام عهد بالصمت في التحقيق جزء من ثقافة أبناء قريتها‬ (الجزيرة نت)

رفض الحديث
وفي إحدى الجلسات يجبرها المحققون على مشاهدة فيديو تظهر فيه والدتها وابنة عمها نور التميمي، ويطلب منها الاعتراف بأنهن يحرضن ضد جيش الاحتلال، لكن عهد رفضت الحديث أيضا، وفي جلسة أخرى استخدم المحققان اللغة الإنجليزية علّها تستجيب.

في نهاية الحديث، يبدو المحقق وقد يئس من عنادها ويخاطب عهد قائلا "تريدين أن تصبحي بطلة؟ أوك، أنتِ بطلة", ثم تظهر عهد في إحدى محاكماتها الأخيرة لتردد مقولة "لا عدالة تحت الاحتلال".

قال والدها إن إجابة ابنته بالصمت هي ثقافة تعلمتها من خلال نضالها مع أبناء قريتها النبي صالح، وقد شارك أشبال وفتيات القرية في جلسات توعية وطنية حول التعامل مع الاعتقال والتحقيق، وأكد أن معظم فتية القرية الذين تعرضوا للاعتقال التزموا الصمت في التحقيق.

ومنذ اعتقال عهد التميمي، شنّ الاحتلال اعتقالات واسعة في صفوف فتية قريتها، وجميعهم من عائلتها، وحتى اليوم لا يزال 19 منهم معتقلين في السجون الإسرائيلية.

واحتجزت التميمي في زنزانة انفرادية معزولة وعرّضت لتيارات هواء باردة في أجواء الشتاء، كما تعرضت والدتها لتحقيق متواصل لأسبوعين ولم يسمح لها باللقاء معها خلال تلك المدة.

المصدر : الجزيرة