خيام العودة.. مقاومة على الحدود تزعج إسرائيل

كافة شرائح المجتمع الفلسطيني تقصد مخيمات العودة
كافة شرائح المجتمع الفلسطيني تقصد مخيمات العودة (الجزيرة نت)

أيمن الجرجاوي-غزة

لا يخيل لزائر "خيام العودة" التي نصبها الفلسطينيون قبل 12 يوما قرب حدود قطاع غزة مع إسرائيل أنها مؤقتة، فالحياة فيها تبدو طبيعية، ويمارس روادها أعمالهم الروتينية.

وعلى باب إحدى الخيام تتجمع نسوة لإعداد الخبز التقليدي، وعلى مقربة يؤدي شبان الصلاة، في حين يلهو فتية بالكرة في ملعب صغير مجاور، وتتعالى في الأرجاء أصوات باعة متجولين، وكأنك في قرية موجودة منذ زمن.

أكثر من مئة خيمة توزعت على خمسة تجمعات قرب الحدود الشرقية للقطاع مقابل محافظاته الخمس، يرتادها آلاف الفلسطينيين يوميا للمطالبة بعودتهم إلى أراضيهم المحتلة التي هجرتهم منها العصابات الصهيونية عام 1948 في حراك مدعوم من الفصائل.

مسنة فلسطينية مشاركة في مخيمات العودة ترفع علم فلسطين (الجزيرة نت)
مسنة فلسطينية مشاركة في مخيمات العودة ترفع علم فلسطين (الجزيرة نت)

الحياة اليومية
تبدأ الحياة اليومية في المخيم بعد الإفطار بفعاليات ثقافية ورياضية، وبعد الظهر يتوجه بعض الشبان نحو الحدود لإلقاء الحجارة على الجيش الإسرائيلي ويشعلون إطارات مطاطية تالفة لتضليل القناصة الإسرائيليين حتى ساعات المساء، لكن ذلك لا يحميهم من الرصاص.

تتحلق خزران الرقب (64 عاما) وهي ترتدي غطاء أبيض للرأس جعلت جزءا منه على وجهها مع نسوة حول "موقد الصاج" أثناء صناعة الخبز التقليدي للشبان، وتنادي على إحداهن لتوزيعه ساخنا.

وتواظب الرقب على الحضور يوما بعد يوم لـ"تكثير سواد المسلمين" كما تقول للجزيرة نت، وبعد الفراغ من مهامها مساء تتسامر مع الفتيات عن قرية "المسمية" التي هجر والدها منها إبان النكبة، وهي على مرمى حجر من غزة.

كان حديثها مؤلما حينما استبعدت دعما عربيا أو دوليا للفلسطينيين في مقاومتهم، وتقول إن "الله وحده وقف معنا بعدما ساق الريح دخان الإطارات المشتعلة لحجب رؤية الجنود يوم الجمعة الماضي".

أثناء حديث الرقب هرول شاب من أعلى تلة أنشئت لحماية الخيام من الرصاص الإسرائيلي وهو يتصبب عرقا بعد عودته من إشعال إطارات تالفة لحماية المتظاهرين قرب الحدود شرقي خان يونس.

‪شبان يؤدون الصلاة داخل مخيم العودة‬ (الجزيرة نت)
‪شبان يؤدون الصلاة داخل مخيم العودة‬ (الجزيرة نت)

خيمة الثوار
نشوة النصر كانت بادية على وجه صدام أبو شاب رغم تعبه من الركض نحو خمسمئة متر (المسافة بين الحدود والخيام)، وأثناء عودته إلى "خيمة الثوار" -التي يجتمع فيها مع رفاقه- قال للجزيرة نت إنه جاء في استراحة مقاتل وسيعود إلى الحدود.

لم يغادر أبو شاب (23 عاما) المكان منذ الـ29 من مارس/آذار الماضي إلا لأعمال مقاومة سلمية، ويهدف لإيصال مطالب شعبه بالحرية والعودة، لكنه يبدو ساخطا بشدة من تجاهل المجتمع الدولي القتل الإسرائيلي.
 
وتمتد 25 خيمة يتقاسمها الضيوف والوجهاء والصحافة والزوار والأمن والثوار على حدود خان يونس على مساحة عشرين ألف متر مربع وتحيط بها دورات مياه.

ولا يفارق "خيمة الثوار" أسامة قديح صاحب الصورة الشهيرة وهو يضع قنبلة غاز مدمع أطلقها جنود الاحتلال أثناء المواجهات في فمه، إذ يتواجد يوميا للمشاركة في المواجهات.

وأراد قديح (27 عاما) من فعلته إيصال رسالة للاحتلال "أن المتظاهرين لا يخافون الغاز، ويصرون على العودة إلى أرضهم المحتلة رغم الجرائم الإسرائيلية".

أحد الباعة المتجولين في مخيم العودة (الجزيرة نت)
أحد الباعة المتجولين في مخيم العودة (الجزيرة نت)

ذكريات جميلة
ورغم أن الشاب أصيب برصاصة إسرائيلية في قدمه قبل عامين فإنه يؤكد إصراره على الحضور إلى المخيم ومشاركة الشبان وكبار السن الذكريات الجميلة للأرض المحتلة.

وبينما تسمح الظروف للشبان بمغادرة المخيم لا يترك ممرضون متطوعون المكان لحظة واحدة، فوجودهم يمكن أن ينقذ مصابا من الموت.

ويخاطر الممرض المتطوع فارس القدرة بحياته لإنقاذ شبان أصيبوا قرب الحدود، ويشكل مع رفاقه المتطوعين "درعا بشريا" لإخراج المصابين وسط الرصاص.

ورغم ارتداء المسعفين المتطوعين معاطف بيضاء خاصة فإن الجيش الإسرائيلي أصاب ثلاثة منهم بالرصاص شرقي خان يونس، لكن تحدياتهم تتعدى ذلك إلى نقص المستلزمات الطبية، والتي يضطرون لشرائها على نفقتهم لأحيانا.

ولا يبالي القدرة (30 عاما) بالخطر الذي يتهدد حياته، ويقول إنه مستمر ورفاقه في مهمتهم حتى النهاية، "فأجسادنا وحياتنا وكل ما نملك فداء للوطن والشباب المدافعين عنه".

إحدى الفعاليات التي تنظمها مؤسسات محلية لدعم رواد مخيمات العودة (الجزيرة نت)
إحدى الفعاليات التي تنظمها مؤسسات محلية لدعم رواد مخيمات العودة (الجزيرة نت)

ترفيه الأطفال
وأثناء حديث الممرض المتطوع تعالت أصوات من مكان مجاور لأطفال يلهون، ويبدو الطفل إبراهيم النجار فرحا وهو يسجل هدفا على صديقه في ملعب حددت خطوطه بالجير على أرضية رملية، وحضور النجار ورفاقه إلى المخيم رسالة تحد للاحتلال، وتأكيد على حق العودة والحياة للفلسطينيين المحاصرين بغزة منذ 11 عاما.

ولا يقطع لعب الأطفال إلا قنابل غاز مدمع تطلقها قوات الاحتلال بين الفنية والأخرى بين الخيام، لكن ذلك لا يدفعهم للمغادرة بل لمواصلة التحدي.

أنهى الفتية مباراتهم قبيل العصر في وقت أتم فيه شبان إعداد طعام الغداء، كل داخل خيمته، في حين أوقد كبار السن نارا لغلي القهوة العربية، ويقول المشاركون إن كل ذلك بجهود ذاتية باستثناء بضع الوجبات التي يقدمها داعمون.

مع غروب الشمس ينقشع غبار المواجهات، ويعود الشبان لأخذ قسط من الراحة قبل الاصطفاف لأداء "الدحية" التراثية وترديد الأناشيد الحماسية وتلاوة القرآن، لكن ثمة أنشطة ملفتة لا تحدث كل يوم تجذب العائلات إلى المخيم كاحتفال شبان بزفافهم، وحملات "حلاقة مجانية"، وعروض "كاراتيه"، وسباق هجن، ودروس دعوية.

ورغم قتل الجيش الإسرائيلي 33 مشاركا في مسيرات العودة وإصابته نحو ثلاثة آلاف منذ 31 مارس/آذار الماضي فإن المتحدث باسم الهيئة الوطنية العليا للمسيرات بخان يونس عماد اسليم يؤكد استمرار الحراك الحدودي حتى تحقيق أهدافه.

المصدر : الجزيرة