هل رفع ترمب الراية البيضاء أمام الأسد؟

American army vehicles drive north of Manbij city, in Aleppo Governorate, Syria March 9, 2017. REUTERS/Rodi Said
آليات أميركية قرب مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي (رويترز)

زهير حمداني-الجزيرة نت

كان لتصريح الرئيس دونالد ترمب بقرب انسحاب قوات بلاده من سوريا وقع المفاجأة على المسؤولين في إدارته قبل الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية، لكن كلام الرئيس الأميركي يؤكد ارتباكا أميركيا في الملف السوري يقارب درجة الفشل مقابل نجاح للنظام وحلفائه وفق الكثير من المحللين.

ورغم نفي وزارتي الدفاع والخارجية علمهما بخطط للانسحاب، أكد مسؤولان كبيران بالإدارة أن الرئيس ترمب أبلغ مستشاريه برغبته في خروج قوات بلاده من سوريا، بينما سيعقد مجلس الأمن الوطني اجتماعا في بداية هذا الأسبوع لبحث المسألة.

في السياق أمر الرئيس ترمب وزارة الخارجية بتجميد صرف أكثر من 200 مليون دولار من الأموال المخصصة لجهود الإعمار في سوريا، وهو قرار يتماشى مع إعلانه الخميس نية الخروج من سوريا.

وأكد ترمب في خطاب بولاية أوهايو الخميس أن قوات بلاده ستنسحب قريبا جدا من سوريا، وأن على الأطراف الأخرى -دون أن يحددها- الاهتمام بالأمر، مشيرا إلى أن بلاده خسرت نحو سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط، وأن ذلك لم يترك شيئا لبناء مدارس في بلاده، وفق تعبيره.

ترمب أكد أن بلاده خسرت سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط دون أن تحقق شيئا يذكر (رويترز)
ترمب أكد أن بلاده خسرت سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط دون أن تحقق شيئا يذكر (رويترز)

التخبط الأميركي
ورغم أن كلام ترمب كان واضحا، فإنه يخالف معظم التوقعات وحتى الحقائق على الأرض وتصريحات مسؤولين أميركيين حول دعم الوجود العسكري لواشنطن في سوريا وربما البقاء طويل الأمد هناك لمنع إمساك روسيا بزمام الأمور، وضرب التمدد الإيراني. وهو ما أكدت عليه الإستراتيجية العسكرية الأميركية مؤخرا، وزيادة مخصصات وزارة الدفاع في 2018.

وذكرت وول ستريت جورنال أن مشاورات داخلية ما زالت جارية حول الموقف في سوريا، وأن مستشاري ترمب أبلغوه أنه ينبغي أن تبقى أعداد قليلة من القوات الأميركية لعامين على الأقل "لتأمين المكاسب التي تحققت بعد هزيمة المتشددين وضمان ألا تتحول سوريا إلى قاعدة إيرانية دائمة".

ويرجح مراقبون أن يؤدي تصريح ترمب إلى خلاف بين أركان إدارته في الخارجية والدفاع ومستشاريه، خصوصا أن الانسحاب سيترك المجال لإيران في المنطقة، واعتبر تعيين مدير "سي آي أي" السابق مايك بومبيو وزيرا للخارجية وجون بولتون مستشارا للأمن موشرا على تشدد في الملفين السوري والإيراني.

ونقلت وول ستريت جورنال عن  مارك دوبويتز الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات قوله إن ترمب يخاطر بتكرار الأخطاء التي ارتكبها الرئيس السابق باراك أوباما عندما سحب القوات الأميركية من العراق، فقد يسمح الفراغ لتنظيم لدولة الإسلامية بالعودة ولإيران بتوسيع نفوذها ولروسيا بلعب الدور المهيمن في تشكيل اتجاه الحرب، وفق تعبيره.

في المقابل، يرى محللون أن الرئيس الأميركي يتصرف وفق أجندة واضحة، وهو يطبق في النهاية ما وعد به في حملته الانتخابية من أن الهدف الرئيسي لبلاده في سوريا هو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويؤكد هؤلاء أن ترمب ليس مهتما كثيرا بنشر الديمقراطية في سوريا أو غيرها وهو يتصرف بعقلية رجل الأعمال ويقدم المصالح الاقتصاية على السياسية.

وكانت صحيفة واشنطن بوست قد ذكرت قبل أيام أن ترمب أبدى رغبته بخروج قوات بلاده من سوريا وطلب من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده مبلغ أربعة مليارات دولار لإعادة إعمار وتحقيق الاستقرار في المناطق التي حررتها القوات الأميركية من تنظيم الدولة (شرقي سوريا).

ووفقا لواشنطن بوست، فإن الهدف الأميركي هو تعزيز قدرات قوات سوريا الديمقراطية الاقتصادية والعسكرية في تلك المناطق من أجل السيطرة عليها وإدارتها بما يمنع روسيا والنظام السوري وإيران من التمدد إليها.

وتشير التقارير إلى أن الوجود الأميركي في سوريا ينحصر في منطقة التنف بالمثلث الحدودي السوري الأردني العراقي وفي مناطق الشمال السوري، حيث الوجود الكردي في الحسكة ومعظم القامشلي والرقة ومنبج شرقي الفرات، حيث أقامت واشنطن عشر قواعد، وفق مصادر متعددة.

الأسد أكد أكثر من مرة أن قوات نظامه ستستعيد السيطرة على كامل التراب السوري (الأوروبية)
الأسد أكد أكثر من مرة أن قوات نظامه ستستعيد السيطرة على كامل التراب السوري (الأوروبية)

هل ربح الأسد؟
ويرى محللون أن الولايات المتحدة رغم قراراتها المتناقضة أحيانا في سوريا أيقنت منذ فترة بأن الحرب محسومة لفائدة الرئيس بشار الأسد وحليفيه الروسي والإيراني، ولعل عدم تحركها في المعارك الأخيرة الدائرة في منطقة الغوطة الشرقية رغم نداءات الاستغاثة الكثيرة يؤكد نظرتها إلى نتائج هذه المعركة ومآلات الحرب السورية عموما.

وحصرت واشنطن نفوذها في مناطق الوجود الكردي في الشمال السوري وجعلت منهم حلفاءها الرئيسيين، مع تركيز على بعض المناطق في الجنوب السوري على الحدود الأردنية العراقية "التنف" لمنع التواصل الجغرافي بين طهران ودمشق والضاحية الجنوبية (حزب الله)، لكنها لم تنجح في ذلك.

ومع المتغيرات الميدانية الأخيرة في الغوطة الشرقية وقبلها دير الزور وريف إدلب، شكك الكثير من المسؤولين الأميركيين وكذلك من حلفاء الولايات المتحدة في قدرة المعارضة السورية على الإطاحة بالأسد، وكذلك قدرتها على زعزعة النفوذ الروسي في غير مناطق الشمال السوري.

وأثناء زيارته إلى الولايات المتحدة، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع مجلة تايم أن الرئيس السوري بشار الأسد باق في السلطة، لكنه تمنى "ألا يصبح دمية بيد إيران". وأكد على ضرورة أن تبقى القوات الأميركية على الأقل في المدى المتوسط إن لم يكن في المدى الطويل.

ويرى مراقبون أن حسم وحلفائه الإيرانيين المعركة في الغوطة والمناطق القريبة من دمشق سيحول جهده إلى مناطق شرقي الفرات، سواء بتدخل عسكري مباشر ينذر بصراع أميركي مع روسيا، أو بـحرب عصابات تكلف الجيش الأميركي كثيرا، وهو ما عبر عنه السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد الذي اعتبر الوجود الأميركي العسكري والمدني شرق نهر الفرات "غير مجد".

ويبقى الكابوس العراقي ماثلا أمام ترمب والمسؤولين الأميركيين، حيث قد تتحالف المليشيات العراقية -بعد حسمها لمعارك أخرى- لشن هجمات على القوات الأميركية، وهو ما سيشكل ورطة كبيرة للجيش الأميركي. يسعى ترمب لتفاديه مستقبلا.

وتتخوف الولايات المتحدة أيضا من الصدام مع تركيا التي هددت بعد السيطرة على عفرين -شمال حلب- بالانتقال إلى منبج حيث يوجد الجيش الأميركي.ولا تسعى واشنطن لأي صدام مع حليفتها في الناتو، وتحبذ تفاهما مع تركيا وبدرجة أقل مع روسيا تعيد من خلاله حسابات تحالفها مع الأكراد.

وفي صورة انسحاب الولايات المتحدة سريعا من سوريا، سيكون الخاسر الأكبر قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب التابعة لها، التي وضعت خياراتها كلها بيد الولايات المتحدة، وهذا الانسحاب قد يجعلها أقرب إلى الرجوع إلى خيمة النظام وفق محللين.

وتختلف التقديرات حول متى ينفذ ترمب قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا وطريقة ذلك، إلا أن القرار في حد ذاته فتح المجال لجرد حساب للتدخل الأميركي بموازين الرئيس الأميركي "التجارية" كان فيها المؤشر يميل إلى الخسارة، حتى مع نظام الأسد.

المصدر : الجزيرة