محمد جرار.. من صناعة المتفجرات إلى التحف الخشبية
بحسب روايته، كان من المفترض أن يبدأ هذا المشروع منذ منتصف التسعينيات، غير أن اعتقاله في سجون الاحتلال حال دون ذلك.
اعتقل محمد جرار (55 عاما) في المرة الأولى عام 1989 بتهمة النشاط في الانتفاضة الشعبية الأولى وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، ثم أعادت إسرائيل اعتقاله مرة أخرى عام 2002 واتهمته بتصنيع المتفجرات لخلايا المقاومة الفلسطينية في انتفاضة الأقصى، وحكم عليه بالسجن 15 عاما.
في المرة الأخيرة، اعتقل في منطقة جنين شمال الضفة الغربية بعد مطاردة طويلة، وكان من بين نشطاء الانتفاضة المدرجين على لائحة الاغتيال لدوره الخطير، بحسب تصريحات المحققين الإسرائيليين معه عند اعتقاله.
وفي مطلع الثمانينيات، كان جرار قد أنهى دراسة الهندسة الكيميائية في جامعة بغداد، وهناك تعلم استخدام التفاعلات الكيميائية بين المواد المختلفة لإنتاج مشغولات فنية.
رسائل وطنية
سمى مشغله الجديد "زرياب"، وقال إنه ينتج تحفا خشبية مصنوعة يدويا وإكسسوارات للأثاث المنزلي أو المكتبي، ومشغولات تحمل أفكارا ورسائل وطنية أحيانا أو بُعدا جماليا مجردا.
في إحدى الطاولات المصنوعة من خشب الزيتون، مزج جرار الخشب بمواد كيميائية تحولت إلى ما يشبه الزجاج السائل كنهر في أرض بنية خصبة، لكنه زجاج غير قابل للكسر بعد معالجته بمادة عازلة.
وفي إطار من خشب الزيتون الخام، وضع صورة للرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي لا يزال يذكر لقاءه به عدة مرات خلال دراسته الجامعية التي حصل عليها بمنحة عراقية كآلاف الطلبة الفلسطينيين في حينه.
في السجن
قال جرار إنه استعاد مهارته الفنية بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال، وكان لا يسمح له بممارسة أي نشاط فني في الأسر بسبب منع إدخال أية مواد أولية أو أدوات حادة إلى أقسام الأسرى.
وأضاف "كنا نناضل كي نحصل على حاجاتنا الأساسية كاللباس والأغطية، وحتى إبرة الخياطة كانت ممنوعة". لكنه فرّغ طاقته الفنية برسم صور الشخصيات " البورتريه" للأسرى أحيانا.
ولجأ جرار إلى مشروعه الخاص بسبب ميوله الفنية، وكذلك لصعوبة الحصول على وظيفة للأسرى الذين قضوا أعواما طويلة في سجون الاحتلال وخرجوا بأعمار متقدمة.
يقول جرار إن فلسطين بالنسبة له شجرة زيتون، ويعتمد شغله الجديد أساسا على خشب الزيتون في إنتاج لوحات تحمل رموزا نضالية، كالعلم الفلسطيني أو صور شهداء كدلال المغربي وياسر عرفات وخليل الوزير أبو جهاد؛ لكنه يصنع من خشب الزيتون أيضا أواني للطعام ومعلّقات للحائط وحليّا ومصابيح.
تأهيل المحررين
وحصل جرار على دعم من هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية كجزء من مشروع لإعادة تأهيل الأسرى السابقين بعد تحررهم، وقال إن المحررين قد يتحولون إلى عبء على مجتمعهم بعد سنوات طويلة في السجون، لكن يمكن أن يصبحوا عوامل فاعلة في بنائه أيضا.
يقول المسؤول في هيئة الأسرى الفلسطينيين حسن عبد ربه إن مشروع تأهيل الأسرى يهدف إلى إعادة دمجهم في المجتمع ودفعهم للاعتماد على ذاتهم من خلال مشاريع صغيرة تموَّل بقروض تصل إلى عشرين ألف دولار، بهدف جعل الأسير يعتمد على ذاته ويجد لنفسه مصادر دخل خاصة.
وفي السنوات الأخيرة، استفاد نحو تسعمئة أسير وأسيرة محررين من هذا المشروع، وحصلوا على قروض ميسرة الدفع لإقامة مشاريع زراعية ورياضية وإعلامية، وهي متاحة لكل أسير محرر أمضى أكثر من عام في سجون الاحتلال، مقابل خيار آخر في الحصول على منحة تعليمية لإتمام الدراسة الجامعية.
وتقدم هذه القروض في ظل ضغوط إسرائيلية وأميركية لوقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، والتي تصاعدت مؤخرا على خلفية دفع مخصصات للأسرى والمحررين من سجون الاحتلال وعائلات الشهداء الفلسطينيين، باعتبارها "أموالا لدعم الإرهاب" كما سماها الاحتلال.