معاهدة فيينا.. مفتاح قضية خاشقجي

ISTANBUL, TURKEY - OCTOBER 15: Turkish police officers stand at the entrance to the Saudi Arabian consulate amid a growing international backlash to the disappearance of journalist Jamal Khashoggi on October 15, 2018 in Istanbul, Turkey. Khashoggi, a U.S. resident and critic of the Saudi regime, has been missing since visiting the consulate on October 2. Turkish officials have said they believe he was killed inside. (Photo by Chris McGrath/Getty Images)
قتل خاشقجي في مقر قنصلية سعودية أثار نقاشا بشأن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (غيتي)

لا تقف تداعيات قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بطريقة "وحشية" في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول عند حدود الأزمات والعواصف السياسية التي أثارتها، بل قد تمتد إلى المعاهدات الدبلوماسية ذات الصلة التي أقرها العالم قبل عقود من الزمن، وتحديدا اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.

ويعود ذلك -في الأساس- إلى أن جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي –وتقطيعه إربا إربا وفقا للرواية التركية- تمت داخل مبنى قنصلية سعودية تأخذ حصانتها من هذه الاتفاقية؛ حيث استغل المتهمون بقتل خاشقجي الحصانة التي يتمتع بها مقر القنصلية وسياراتها لتنفيذ عملية القتل بعيدا عن "أعين" الرقباء.

وكان جمال خاشقجي اختفى عقب دخوله قنصلية بلاده في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قبل أن تقر المملكة بعد 18 يوما من الصمت بمقتله، مما أثار ردود فعل غاضبة ومطالبات بكشف حقيقة ما حصل.

بيد أن تعقيدات كثيرة أحاطت بالتحقيقات التي أعقبت مقتله، في مقدّمتها وقوع الحادثة داخل مقر بعثة قنصلية، وهو ما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إعادة النظر في اتفاقية فيينا، في إطار التعامل مع قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

وقال أردوغان، في خطاب ألقاه الثلاثاء الماضي أمام أعضاء حزبه العدالة والتنمية؛ أعتقد أن اتفاقية فيينا حول حصانة المقرات الدبلوماسية أصبحت على المحك الآن، مضيفا أن الاتفاقية لم تمنح إمكانية استجواب العاملين بالقنصلية، وينبغي إعادة النظر فيها.

والاتفاقية معنية بالتعامل مع سفارات وقنصليات أي دولة بالخارج، ولها شق مرتبط بالعلاقات الدبلوماسية، صدر عام 1961، ويعطي للدبلوماسيين -وكل من يحمل صفة دبلوماسية في نطاق عمله- حصانة مطلقة وشاملة.

وللاتفاقية شقّ ثان معني بالعلاقات القنصلية صدر عام 1963.

واعتبر مصدر مطلع على القانون الدولي، في تصريح للأناضول -مفضلا عدم ذكر هويته- أنه مع إقرار السعودية بمقتل خاشقجي بقنصليتها تدخل اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية حيز النقاش، إذ إن القنصليات ذات حصانة وصلاحيات محدودة، مما يسمح لتركيا بالنظر في القضية.

تشابك
وبالتزامن مع إقرار المملكة بمقتل خاشقجي، قال وزير العدل السعودي وليد الصمعاني إن قضية الأخير وقعت على أرض سيادتها للمملكة (القنصلية السعودية بإسطنبول)، وستصل لقضاء المملكة بعد اكتمال المتطلبات.

وبعد ذلك بثلاثة أيام، وتحديدا الاثنين الماضي، قال أردوغان في خطاب له: أخبرت السعوديين أن قنصل إسطنبول (محمد العتيبي) لم يكن يتحلى بالكفاءة، وهذا القنصل حاول تبرئة نفسه من خلال استقبال مراسل رويترز، والتجول داخل غرف القنصلية وكأنه يستهزئ بالحادثة.

واستدرك قائلا "لا نريد أن يفكر أحد حتى في مجرد التستر على هذه الجريمة، وهناك احتمال كبير أن يتم طرح معاهدة فيينا على الطاولة، مشيرا إلى أن لبلاده الحق في التحقيق بمقتل خاشقجي، باعتبار أن الجريمة نفذت في إسطنبول.

وأمس الخميس، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن اتفاقية فيينا تقضي بإجراء تحقيق حول مقتل خاشقجي وفق القوانين التركية، ومحاكمة الضالعين بالجريمة في تركيا، رغم وقوع الجريمة داخل القنصلية السعودية.

وفي اليوم ذاته، أكد وزير العدل التركي عبد الحميد غُل الأمر ذاته، مشيرا إلى أن اتفاقية فيينا ترسم إطارا لكيفية التعامل، كما لفت إلى أن النائب العام التركي لا يمكنه اتخاذ قرار بتفتيش مبنى القنصلية وقت ما يشاء، مبينا أن مدى تعاون ورضى الدولة المعنية بالأمر يعد عاملا مؤثرا.

رأي خبير دولي
وفي سياق متصل، قال سكوت أندرسون الخبير في القانون الدولي بمعهد بروكينغس: لا يوجد مسار محدد مسبقا لتغيير اتفاقية فيينا، فبإمكان الدول الأطراف في الاتفاقية اتخاذ قرار جماعي من أجل إجراء تغيير في الاتفاقية، أو توقيع اتفاقية جديدة لإجراء التغيير فيها.

وأشار أندرسون إلى أنه لن يكون من السهل إعادة تنظيم الاتفاقية التي يبلغ عدد الدول الموقعة عليها 179 دولة، لكنه قال إن الأطراف فيها عانت من حين إلى آخر بسبب الحماية والحصانة المنصوص عليها في الاتفاقية، ولكنها لا تريد بشكل عام الانسحاب من الاتفاقية لحماية حقوقها القنصلية.

وبيّن أن لتركيا الحق في الانسحاب من الاتفاقية، ولكن ذلك لن يكون في صالحها لأنه سيحرم ممثلياتها الدبلوماسية في الخارج من حقوق الحماية التي توفرها الاتفاقية.

وأردف أن هناك خيارا آخر يتعلق بقيام تركيا ومجموعة من الدول -بما فيها السعودية- بتوقيع اتفاقيات ثنائية جديدة تتضمن أحكاما إضافية على اتفاقية فيينا.
القنصليات جزء من إقليم الدولة المضيفة.

وقال مصدر معني بالقانون الدولي -فضل عدم ذكر اسمه لحساسية القضية- إن هناك فرقا كبيرا بين فيينا للعلاقات الدبلوماسية وفيينا للعلاقات القنصلية، وهنا مربط الفرس في قضية خاشقجي.

وأوضح المصدر للأناضول أن وزير العدل السعودي ذكر أن قنصلية بلاده بإسطنبول تخضع لسيادة المملكة، وهذا غير سليم بالمرة؛ فالسفارات والقنصليات جزء أصيل من إقليم الدولة المضيفة.

وأشار إلى أن السفارات والقنصليات ليست امتدادا جغرافيا وإقليميا للدولة الموفدة، ولكن يعتقد البعض ذلك التزاما بما يقال من أن الدولة المضيفة تلتزم بحرمتها وحصانتها. وتابع أن هذا غير صحيح لأن هذه حالة مرتبطة فقط، في القانون الدولي، بوقت الحروب التي تسعى لجعل تلك الأماكن بمنأى عن أي اعتداء، لا أكثر.

وبالنسبة له، فإن الحصانة مطلقة للدبلوماسيين، ولكنها محدودة للقناصل، وحاليا تجري تركيا تحقيقا يتفق مع القانون الدولي، ومن حقها أن تستدعي كل القناصل الذين يعملون بالقنصلية بعد طلب هذا من السعودية. واستدرك لكنها (تركيا) ستواجه عائقا لو أن أحد القناصل يحمل صفة دبلوماسية.

وأشار إلى أن حصانة القناصل مرتبطة فقط بوظائفهم التي يخرج بالطبع عنها ارتكاب الجرائم داخل البعثات القنصلية، مشيرا إلى أنه من حق السعودية وتركيا التحقيق في الأمر.

وعلى ضوء هذا الاشتباك، نستعرض أبرز نقاط مواد اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية التي تقع في خمسة فصول و77 مادة:

القاعدة
المادة الأولى: القصد من امتيازات وحصانات القنصليات ليس إفادة الأفراد وإنما ضمان الأداء الوظيفي الفعّال واستمرار قواعد القانون الدولي بتنظيم المسائل التي لم تنظمها صراحة أحكام هذه الاتفاقية.

التأسيس
المادة الثانية والرابعة: إنشاء العلاقات القنصلية أو إجراء تعديلات فيها بين الدول يتم بالرضا المتبادل، وبموافقة الدولة المضيفة، وأي قطع العلاقات الدبلوماسية لا يستلزم حكما قطع نظيرتها القنصلية.

المادة الخامسة (الأدوار)
– دور القنصليات تسهيل مصالح رعاياها في الدولة المضيفة، في الحدود التي يسمح بها القانون الدولي دون المساس بصلاحيات سلطات الدولة المضيفة.

– تنمية كافة العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وإصدار جوازات ووثائق السفر والتأشيرات والمستندات لرعايا الدولة الموفدة.

– ممارسة كل الوظائف الأخرى التي تعهد بها الدولة الموفدة للبعثة القنصلية، ولا تكون مخالفة لقوانين الدولة المضيفة وأنظمتها أو لا تعترض عليها هذه الدولة، أو تكون واردة بالاتفاقات الدولية المرعية الإجراء بين الدولتين الموفدة والمضيفة.

صلاحيات وضوابط وحصانة محدودة

(المادة 23)
– يجوز للدولة المضيفة، في كل وقت، تبليغ الدولة الموفدة بأن موظفا قنصليا شخص غير مرغوب فيه، أو أن أيا من موظفي البعثة هو غير مقبول دون تقديم أسباب، وعلى الدولة الموفدة عندئذ، ووفقا للحالة، استدعاء الشخص المعني أو إنهاء وظائفه بالبعثة القنصلية.

– إذا رفضت الدولة الموفدة خلال مدة معقولة تنفيذ التزاماتها المذكورة بالفقرة الأولى من هذه المادة أو إذا لم تنفذها، فللدولة المضيفة حسب الحالة أن تسحب الإجازة القنصلية من الشخص المعني أو أن تتوقف عن اعتباره موظفا من موظفي البعثة القنصلية.

المادة 27
-في حالة حدوث قطع للعلاقات القنصلية بين دولتين:
– على الدولة المضيفة، حتى في حالة النزاع المسلح، أن تحترم وتحمي الدور القنصلية وممتلكات البعثة ومحفوظاتها القنصلية للدول الموفدة، وللأخيرة أن تمنح دولة ثالثة التعهد برعاية مصالحها.

المادة 31
– بخصوص حرمة الدور القنصلية، لا يجوز لسلطات الدولة المضيفة دخول القسم من الدور القنصلية المخصص كليا للأعمال القنصلية إلا بموافقة رئيس البعثة القنصلية أو ممثله بموافقة رئيس البعثة الدبلوماسية للدولة الموفدة.

ويمكن افتراض حصول هذه الموافقة عند حدوث الحريق أو أي كارثة أخرى تستوجب اتخاذ إجراءات وقائية سريعة.

– يتوجب على الدولة المضيفة بشكل خاص اتخاذ كل الخطوات المناسبة لحماية الدور القنصلية من أي اعتداء أو ضرر ولمنع تعكير صفوها أو المس بكرامتها.

المادة 35
– لا يجوز فتح الحقيبة القنصلية أو حجزها، أما إذا كانت لدى السلطات المختصة في الدولة المضيفة أسباب جدية تدعو للاعتقاد بأن الحقيبة تحتوي على أشياء أخرى غير المراسلات والوثائق، فإن لها أن تطلب فتحها بحضورها بواسطة ممثل مفوض من الدولة الموفدة. وإذا رفضت سلطات هذه الدولة طلبها أعيدت الحقيبة إلى مكان مصدرها.

المادة 41
– لا يمكن إخضاع الموظفين القنصليين للاعتقال أو الاحتجاز الاحتياطي بانتظار المحاكمة إلا في حالة الجرم الخطير وعلى أثر قرار من السلطة القضائية المختصة.

المادة 44
– يمكن دعوة موظفي البعثة القنصلية إلى الإدلاء بالشهادة في الدعاوى العدلية والإدارية، ولا يحق للمستخدمين القنصليين وخدم البعثة رفض الإدلاء بالشهادة إلا في حالات، وإذا رفض أحد الموظفين القنصليين الإدلاء بالشهادة فلا يمكن اتخاذ أي إجراء قسري أو أية عقوبة ضده.

– على السلطة التي تطلب شهادة الموظف القنصلي أن تتجنب مضايقته في أداء وظائفه. ويمكنها الحصول على شهادته في مسكنه أو في البعثة القنصلية، أو القبول بتصريح خطي منه.

– إن موظفي البعثة القنصلية غير ملزمين بتقديم الشهادة حول وقائع تتعلق بممارسة وظائفهم، وبإبراز الرسائل والمستندات الرسمية المتعلقة بها، ولهم كذلك حق رفض الإدلاء بالشهادة بوصفهم خبراء في القانون الوطني للدولة الموفدة.

المادة 55: احترام قوانين وأنظمة الدولة المضيفة
– على جميع المتمتعين بالامتيازات والحصانات، مع عدم الإخلال بها، احترام قوانين الدولة المضيفة وأنظمتها، وعليهم كذلك عدم التدخل في شؤونها الداخلية.

– لن تستخدم دور البعثات بطريقة لا تتفق مع ممارسة الوظائف القنصلية.

المصدر : الجزيرة + وكالة الأناضول