"علّي صوتك".. صرخة من "حراس الأرض" بالأغوار الشمالية

عاطف دغلس-الأغوار الشمالية

ربما كانت "الدحية البدوية" أقرب الأغاني إليهم، يطربون لسماعها وبسلاسة يرددون كلماتها وكأنهم يحفظونها غيبا، ويؤدون حركاتها بالتصفيق وهز الرأس والنزول قليلا بالجسم نحو الأرض، كان أطفال الأغوار الشمالية بفلسطين يؤدونها ببراعة.

في مشهد ليس غريبا عليهما وقف الطفلان أوصاف كعابنة وخالد شريف بشكل دائري ليرددوا مع أطفال في مخيم "علّي صوتك" على أنغام الدحية وأغاني وأنشطة أخرى تعد جزءا من برنامج المخيم الذي انطلق أمس ويستمر لعدة أيام في الأغوار الشمالية المحتلة.

لم تكن خيمة الخيش التي صُنعت من أكياس أعلاف الماشية لتدرأ خيوط الشمس المتدلية عن الأطفال الذين تجمعوا تحتها إيذانا ببدء مخيمهم الصيفي الذي رعته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومؤسسات المجتمع المدني، لكنها فرصة لن تتكرر بالنسبة لهم، على الأقل خلال هذا الصيف.

‪‬ الأطفال عاشوا لحظات ترفيهية في المخيم للتخفيف من معاناتهم(الجزيرة نت)
‪‬ الأطفال عاشوا لحظات ترفيهية في المخيم للتخفيف من معاناتهم(الجزيرة نت)

واقع بغيض
كانت الطفلة أوصاف كعابنة (13 عاما) منهمكة وهي تتحدث إلينا بطي الكرتون الملون لتصنع منه مجسما اختاره المدربان بالمخيم "كيكي وميكي" اللذان ارتديا لباس المهرج لمداعبة الأطفال.

وتقول كعابنة إنها اشتركت بالمخيم لتخفف عن نفسها معاناة شبه يومية يسببها الاحتلال لهم، فهو يخطرهم بهدم منازلهم من الخيش والصفيح والتذرع بأنها مناطق عسكرية مغلقة تارة ومناطق تدريب للجنود تارة أخرى، "لكنه يريد تهجيرنا، فوجودنا يضع حدا لأطماعه بالأرض والمكان".

اختارت الطفلة كعابنة رسم الغيوم والسماء وبيت الشعر، فتلك أشياء حاضرة دوما أمامها تماما كما هو مشهد الاقتحامات التي ينفذها جنود مدججون بالأسلحة تصحبهم كلاب بوليسية لطرد السكان من منازلهم ومنع تواجدهم "لكن الثانية ليست بحاجة لرسم لأنها أضحت واقعا يوميا"، كما تقول.

ومثل أوصاف يعاني الطفل خالد شريف -ابن العشرة أعوام- من الاحتلال، فهم يحرمون من الاشتراك بمخيمات أو أنشطة ترفيهية لبعدهم الجغرافي عن المناطق المحيطة بهم وعزلهم بين معسكرات وحواجز عسكرية.

‪‬ زواهرة دعا لدعم سكان الأغوار وأطفالها أكثر(الجزيرة نت)
‪‬ زواهرة دعا لدعم سكان الأغوار وأطفالها أكثر(الجزيرة نت)

يقول خالد "تقتصر الألعاب لدينا على أشياء بسيطة نصنعها بأيدينا مثل المراجيح" بينما أخذ يرتدي قميصه البرتقالي الذي وسم بشعار الأونروا، فقد حصل المشتركون على قبعات وقمصان إضافة لوجبة طعام ومشروبات باردة وحلوى خفيفة، إلى جانب هدايا رمزية وقرطاسية مدرسية.

احتياجات أكبر
وأطفال الأغوار لا يحرمون من أنشطة ترفيهية وصحية وتعليمية بل من حقوق أساسية كالمدرسة أو مراكز الترفيه كالمتنزهات، يقول محمد زواهرة (24 عاما) وهو أحد سكان المالح، إنهم يفتقرون لمدرسة أو مركز صحي وإن الأطفال يدرسون بقرية تياسير التي تبعدهم بعدة كيلومترات.

ويوضح أن أشقاءه شاركوا بالمخيم لغياب أي أنشطة وفعاليات تطور قدراتهم وتكسبهم خبرات جديدة، "وهذا أفضل من تحملهم مشقة العمل ورعي الماشية".

الأطفال المشاركون ارتدوا قمصانا موسومة بشعار الأونروا وعنوان المخيم
الأطفال المشاركون ارتدوا قمصانا موسومة بشعار الأونروا وعنوان المخيم "علي صوتك"(الجزيرة نت)

وتتنوع أنشطة المخيم الذي يضم نحو ثمانين طفلا بين الترفيه والتثقيف والتوعية والعلاج الصحي والنفسي، والتنفيس عنهم بالوسائل التعليمية والترفيهية كالقفز في الحلقات ونفخ البالونات والرسم وتعزيز آلية التفاعل باكتساب مهارات الاتصال والتواصل.

ويقول مسؤول الإعلام في الأونروا بالضفة الغربية كاظم أبو خلف إن هدفهم هو تعزيز العمل الجماعي بما يضمن بناء علاقات جيدة بينهم، كما يقدم المخيم برامج توعية للأمهات، سواء فيما يتعلق بحقوقهن وواجباتهن أو بإرشادات زراعية وصحية لهن ولأطفالهن.

وهذه "المناطق المهمشة" كما يراها هاني نصار من الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، بحاجة لدعم مستمر وغير مشروط أو محدود بمدة زمنية، وأن يكون بالشراكة مع مؤسسات أخرى.

أطفال الأغوار يعيشون مأساة بملاحقة الجيش الإسرائيلي لهم ولذويهم وهدم منازلهم(الجزيرة نت)
أطفال الأغوار يعيشون مأساة بملاحقة الجيش الإسرائيلي لهم ولذويهم وهدم منازلهم(الجزيرة نت)

ويشرح نصار -الذي لعب دور المهرج "ميكي"- أنهم يريدون تسلية الأطفال وتوعيتهم حول مخلفات الجيش ومناطق الألغام والأجسام المشبوهة حيث إن التدريبات العسكرية تتم بين منازل المواطنين.

وبرأي الرجل يظل "علي صوتك" صرخة من أطفال الأغوار هناك ضد الاحتلال، وبوجه المؤسسات وأصحاب القرار بأنهم "حراس الأرض" وحماتها ولهم الحق بالدعم.

المصدر : الجزيرة