"شبرية العراقية" تدير مرآبا وتقود سيارة أجرة

شبرية.. المرأة التي تدير مرآباً للسيارات وتقود سيارة أجرة في بغداد
شبرية اضطرت للعمل بمهنة يحتكرها الرجال عادة لإعالة أسرتها (الجزيرة)
الجزيرة نت-بغداد

لم يكن الاهتداء إليها صعبا، فصوتها الجهوري قادنا إلى "غضب شبرية" أو كما ترغب أن تكنى بـ "أم محمد" بعد حوار كانت الغلبة لها، استطاعت أن تمنع أحد السائقين من الدخول إلى مرآب السيارات الذي استأجرته من أمانة محافظة بغداد، لرفضه تسليم مفاتيح مركبته بحجة أنه يعمل في المنطقة الخضراء المحصنة حيث مقار الحكومة.

وتقول الأربعينية التي بدى على وجهها الإنهاك والتعب "لن أسمح لأي شخص بمخالفة الإجراءات التي أتبعها في مرآب السيارات الذي أديره منذ أكثر من عشر سنوات".

وبهمة ونشاط، تتابع شبرية عملها بتنظيم دخول السيارات حيث تتقاضى على كل سيارة ثلاثة آلاف دينار عراقي (نحو دولارين) وأغلبها لموظفي الوزارات والدوائر الحكومية القريبة من المجمع السكني الكائن بمنطقة الصالحية وسط بغداد، والذي يقع على مقربة من المنطقة الخضراء ويقابل مبنى وزارة الخارجية العراقية.

وتعتمد "شبرية" في عملها على صوتها الجهوري والإشارات التي بات يفهمها أغلب زبائنها، في توجيههم لركن مركباتهم، وتصف علاقاتها معهم بالـ "محترمة" وأن تعاطفهم معها اكتسبته بسبب إصرارها على العمل الذي تعده "ذكوريا صرفا".

ولا تخفي أن شخصيتها القوية وشجاعتها التي عرفت بها منذ الطفولة أهلتها لخوض هذه المهنة التي هي غريبة وبعيدة عن المجتمع العراقي المحافظ، لكنها أشارت إلى الظروف الصعبة التي مرت بعد التغيير الذي طرأ على البلاد عام 2003، حيث اضطرت للتطوع كـ "رئيس عرفاء" في قوات ما يعرف بالحرس الوطني آنذاك، من أجل إعالة عائلتها المكونة من تسعة أفراد.

وتضيف -وقد أخذت مكانها عند مدخل المرآب لتتابع إجراءات التفتيش الصباحية- أن عملها مع القوات الأمنية ساعدها على تخطي العديد من الصعوبات والمعوقات.

واستدركت بعد حركة سريعة لتثبيت قبعتها الرياضية "لا يمر يوم دون أن يكون هناك من يريد فرض سطوته على المكان، غير أنه يصطدم بإصراري في عدم الانصياع للكثير من الضغوطات وتحديدا أولئك الذين يصرون على الاحتفاظ بأسلحتهم النارية في مركباتهم".

وتركت قسوة الحياة وعلى مر العقود بصماتها على المرأة العراقية بشكل عام، إلا أن مرحلة ما بعد 2003 كانت الأكثر عناءً وعبئاً عليها، إثر ما نتج عنها من صراعات طائفية ومذهبية كان نصيب المرأة منها هو الأكبر.

البعض يستغرب مهنة شبرية لكن كثيرين يثنون على شجاعتها
البعض يستغرب مهنة شبرية لكن كثيرين يثنون على شجاعتها

ويعترف أحد سكان مجمع الصالحية ويدعى أحمد مهدي (24 عاما) أن مشاهدته "أم محمد" كل صباح بلباسها الرياضي الأسود دفعته للتخلي عن فكرة أن هناك مستحيلا أمام من تريد إعالة عائلتها، مبررا تصرفاتها بالقول "إنه يجعلها بمأمن من بعض الرجال الذين يحاولون النيل من النساء العاملات بأعمال كانت حكرا عليهم".

أما الموظفة أم أيمن، فقد اعترضت على عمل شبرية قائلة "هناك الكثير من الأعمال التي تستطيع أن تزاولها". وتضيف "ليس بالضرورة أن تدير مرآبا للسيارات، فالأمر لا يخلو من الخطورة والصعوبات، فالمجتمع الشرقي لا يرحم النساء تحديدا".

"شبرية" التي اكتسبت بشرتها سمرة جراء وقوفها المستمر تحت أشعة الشمس الحارقة، تقول "لا أخال نفسي بملابس نسائية وأنا أدير هذا المكان، وأتعامل مع نماذج من الرجال قد لا يقدرون حجم معاناتي اليومية".

وفيما إذا حاولت البحث عن حل لمشكلتها، أشارت بتهكم باتجاه المنطقة الخضراء "إنهم بعيدون عنا (في إشارة إلى المسؤولين) فالكل غير آبه بمعاناتنا، حتى بات مستقبل أبنائنا على المحك".

وتتابع "الأمر يحتاج إلى معارف وأموال كثيرة من أجل أن تصل إلى المسؤولين، وهو أمر لا طاقة لي عليه".

وفي محاولة لتأمين مصدر رزق آخر، عمدت أم محمد إلى بيع كل ما تملك من أجل شراء سيارة أجرة للعمل عليها في الأيام التي يغلق فيها المرآب، وتقول "لا يقف بوجهي أي شيء، ففي سبيل عائلتي أعمل المستحيل".

وقد تكون قيادة المرأة للتاكسي أمرا غير مألوف في شوارع بغداد بعد انتشارها في نطاق ضيق ومحدود، إلا أنها استطاعت أن تكسر هذا الحاجز الذي أكسبها زبائنها من الموظفات وربات البيوت، كما أن بعض الرجال لا يتحرجون من الركوب معها.

وتعترف أنها تصادف بعض المعاكسات المزعجة، لكن بالمقابل تجد الكثير ممن يثنى على شجاعتها وإصرارها على العمل بالرغم من الظروف الصعبة.

المصدر : الجزيرة