سفيان جمجوم بين الأسر وقطع الراتب

عاطف دغلس-الخليل

"صباحا عندما ذهبت للمحكمة، اصطحبت ابني حسام الدين معي، كم كنت آمل أن أعود لبيتي محتفلا، ولم أكن أرى ذلك بالشيء الكبير أو الصعب المنال، لماذا يقطع راتبي؟".

كانت تلك عبارة خطها الأسير الفلسطيني المحرر سفيان جمجوم (45 عاما) على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ليختصر بها حكايته المرّة ومعاناة انتهت في قاعة المحكمة "بحكم جائر" ولا تزال حاضرة بأدق تفاصيلها لدى الرجل.

وقبل نحو أسبوعين استيقظ الأسير المحرر باكرا وأعد أسرته -لا سيما طفله حسام- وألبسهم أجمل الثياب كما لو كان سيأخذهم لحفل أو متنزه للاستجمام، بينما كان الطريق صوب محكمة العدل العليا ينشد فيه حقا أٌسقط لسنوات طويلة ولا يزال.

الأسير المحرر سفيان جمجوم يجلس بين أطفاله بمنزله بمدينة الخليل (الجزيرة)
الأسير المحرر سفيان جمجوم يجلس بين أطفاله بمنزله بمدينة الخليل (الجزيرة)

وفي لقاء بمنزله بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، روى جمجوم للجزيرة نت حكايته مع إيقاف راتبه بوصفه أسيرا محررا منذ سنوات ليقول "أمضيت أكثر من عشرين عاما في سجون الاحتلال، كان آخرها منذ عام ونصف العام، لم أشعر بإهانة طوال تلك السنوات عند عدوي أكثر من تلك التي أعيشها الآن بحرماني من راتبي".

انتفاء الخصوم
وقضى جمجوم الفترة الأطول بسجون الاحتلال ومدتها أربعة عشر عاما لعضويته في كتائب القسّام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ثم تتالت اعتقالاته المتفرقة ولفترات مختلفة.

ولم يكن ذنب جمجوم سوى أنه حصل على استحقاقه بوصفه أسيرا محررا بعد الإفراج عنه عام 2006 بعد اعتقاله الأول 14عاما والذي تُوِّج بوظيفة مدير بوزارة الداخلية الفلسطينية في الحكومة العاشرة التي شكلتها حركة حماس عقب فوزها بالانتخابات التشريعية، لكن سرعان ما تبددت الأحوال بوقوع الانقسام وانقطع الراتب وأعيد اعتقاله مجددا.

وظل متنقلا بين اعتقال وآخر حتى أُفرج عنه قبل عام ونصف العام ليجد وعقب تحرره أن راتبه قد أوقف، فلجأ لطرق شتى لاسترداد حقه لكن دون جدوى، فكان خياره هو التوجه لمحكمة العدل العليا الفلسطينية التي قضت وبعد 14 جلسة برفض الالتماس بحجة "انتفاء الخصومة".

"الأسوأ في قرار المحكمة أني كنت الحاضر الغائب، فقد تلاه القاضي في لحظة لم أوجد بها بعدما طُلب مني إخراج طفلي لخارج القاعة بحجة الإزعاج" يقول جمجوم.

‪رئيس الهيئة العليا للأسرى والمحررين‬ الوزير عيسى قراقع (الجزيرة)
‪رئيس الهيئة العليا للأسرى والمحررين‬ الوزير عيسى قراقع (الجزيرة)

قرار سياسي
يدرك الرجل أن القرار "سياسي" ولعدم التزامهم بالشرعية، ويدرك كذلك أنه نتيجة المنافسة السياسية بين الضفة وغزة، وأنهم يُستخدمون ورقة ضغط كلما توترت الأوضاع هنا وهناك، ويستشهد على قوله بأن راتبه كان يصرف له وهو مسجون وعند الإفراج توقف، وكان يصرف كذلك عقب كل احتجاج يقومون به.

ويتدرج جمجوم في سلم الوظيفة العمومية ووفقا لسنوات سجنه العشرين إلى مدير أو ضابط برتبة عقيد إذا حُوّل للوظيفة العسكرية، وهو لا يريد لهذا العمر أو "لزهرة شبابه" التي قضاها بالسجون أن تُقابل بحرمانها من أبسط حقوقها، ولا يريد أن يكون الوطن للأسرى المحررين بهذه الطريقة.

يؤكد جمجوم ومعه 29 أسيرا قطعت رواتبهم أنه لن يكلّ أو يمل حتى يسترد كامل حقوقه بالعودة للقضاء مجددا أو بالاعتصام والاحتجاج، ويرفض أن يُزج بهم في أتون "المماحكات السياسية". ويعتبر جمجوم أن نضال الأسرى يجب أن يحظى باحترام ودعم باعتبارهم القضية الوحيدة التي يُجمع عليها الكل الفلسطيني.

في حين يرى رئيس الهيئة العليا للأسرى والمحررين الوزير عيسى قراقع أن الحل لمثل هذه القضية يكون "بالمستوى السياسي"، وقال للجزيرة نت إنه نصح هؤلاء الأسرى بالتوجه لرئاسة الوزراء وللقيادات السياسية كمسؤول ملف المصالحة عزام الأحمد للوصول لحل مرض للجميع.

وحتى انتهاء قضيتهم يواصل الأسير جمجوم عمله مندوبا لبيع المعدات بمدينة الخليل وقراها عله بذلك يجد ما يسدّ به رمق أطفاله ويمكّنه من العيش بكرامة.

المصدر : الجزيرة