فلسطينيو 48.. صمود يأبى الانصهار

الداخل الفلسطيني يدأب على إحياء المناسبات الوطنية، الألوف من فلسطينيي 48 يحيون الذكرى الـ 60 لمجزرة كفر قاسم تمجيدا للشهداء وليؤكدوا " لن نغفر ولن ننسى"، تشرن الأول/أكتوبر 2016.
الداخل الفلسطيني يداوم على إحياء المناسبات الوطنية (الجزيرة)

 محمد محسن وتد-أم الفحم 

التصعيد الأخير الذي تمثل بمشروع قانون لمنع الأذان وأجراس الكنائس بمكبرات الصوت وحظر الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر يُعد جزءا من سلسلة إجراءات عمدت إليها إسرائيل منذ عام 1948 لطبع أرض فلسطين بهوية يهودية، وهو عادة ما يواجهه فلسطينيو 48 بالمقاومة وعدم الانسياق معه.

فقد سعت سلطات الاحتلال -ومنذ انتهاء نظام الحكم العسكري الذي فرض على فلسطينيي 48 منذ النكبة وحتى 1966- إلى تحييد الداخل الفلسطيني عن قضايا شعبه وعزله عن الأمتين العربية والإسلامية، بالمقابل شنت حربا على الهوية العربية والانتماء الوطني والسياسي.

وكان الحكم العسكري أهم آليات مواصلة بناء "البيت القومي لليهود" في فلسطين، بينما حاولت القيادة الإسرائيلية توظيفه ليكون فصلا مكملا للنكبة، فكانت الفرضية أن من تبقى من الفلسطينيين بالداخل بمثابة طابور خامس وخطر أمني إستراتيجي على الدولة ولا بد من التخلص منهم، وعشية عدوان 1956 الثلاثي على مصر ارتكبت إسرائيل مجزرة كفر قاسم التي أدت إلى استشهاد 49 فلسطينيا وظنت أن المجزرة ستدفع فلسطينيي 48 إلى الرحيل، بيد أنهم تجذروا بالوطن.

وعلى الرغم من النكبة وما تلاها من مجازر ونكسات، تأثر الفلسطينيون داخل الخط الأخضر بمحيطهم العربي، وعلى وقع المشروع القومي الناصري وثورة 23 يوليو/تموز 1952 بمصر والتي قادها جمال عبد الناصر تأسست عام 1959 حركة الأرض في حيفا لتعبر عن الروح الوطنية والثورية والقومية بالداخل الفلسطيني.

ونشطت تلك الحركة سنوات من وراء الكواليس، وفي يوليو/تموز 1964 تقدمت بطلب رسمي للمؤسسة الإسرائيلية لتسجيلها كحزب رسمي، بيد أن حكومة الاحتلال آنذاك رفضت الطلب وأوصت بحظر نشاطها وفرض الإقامة الجبرية على أعضائها واعتقال قياداتها ومنهم من تم نفيه وإبعاده.

‪من الشعارات التي رفعت خلال إحياء الذكرى الـ 60 لمجزرة كفر قاسم‬ (الجزيرة)
‪من الشعارات التي رفعت خلال إحياء الذكرى الـ 60 لمجزرة كفر قاسم‬ (الجزيرة)

تبلور سياسي
وشكلت حركة الأرض -التي ساهمت بتعميق الوعي السياسي والوطني والقومي لفلسطينيي 48- لتكون رافعة لتأسيس أحزاب وفعاليات وحركات سياسية ووطنية وإسلامية، وعلى مدار عقود تبلورت العديد من الأطر الحزبية والتي ما زالت فاعلة.

وإلى جانب العمل السياسي، تأطرت أيضا فعاليات ومبادرات لتأسس الجمعيات التي تدافع عن الحقوق المدنية والخدماتية، وقد بادر إليها مجموعات من الشبان والمثقفين والأكاديميين. وفي سبعينيات القرن الماضي وعقب حرب 1973 (العاشر من رمضان) تأسست لجان الطلاب العرب بالجامعات الإسرائيلية والاتحاد القُطري للجان أولياء أمور الطلاب، وتشكيل نواد ثقافية وأدبية.

وفي معركة الدفاع عن الأرض والتصدي لمشاريع التهويد -وفي ظل مواصلة مشاريع المصادرة- تشكلت عام 1975 اللجنة القُطرية للدفاع عن الأراضي العربية، وبالتوازي مع ذلك أقيمت اللجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية والتي أطرت الجهود للتصدي لمخططات مصادرة الأراضي بالجليل.

فلسطينيو 48 يتظاهرون ضد حظر إسرائيل للحركة الإسلامية وإغلاق مؤسساتها نهاية العام الماضي (الجزيرة)
فلسطينيو 48 يتظاهرون ضد حظر إسرائيل للحركة الإسلامية وإغلاق مؤسساتها نهاية العام الماضي (الجزيرة)

استهداف وجودي
لم تنأى إسرائيل بنفسها عن مواصلة مخططات التشريد والتهجير والمجازر ومصادرة الأراضي، وفي الثلاثين من مارس/آذار 1976 تفجر يوم الأرض حيث أعلن الإضراب الشامل رفضا لمصادرة آلاف الدونمات، وعمت مظاهرات غضب ردت سلطات الاحتلال عليها بالدبابات والسلاح ما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين ووقوع عشرات الجرحى بالإضافة لمئات المعتقلين.

وبالرغم من التصعيد الإسرائيلي ضد فلسطينيي 48، فلم يمنعهم ذلك من الانحياز للمشروع التحرر الوطني الفلسطيني، ففي منتصف سبعينيات القرن الماضي تشكل منعطف نحو تأطير الحركة الأسيرة بالداخل وانخراط مئات الشبان بصفوف المقاومة.

ومع اشتعال الانتفاضة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 1987، كان الداخل الفلسطيني الداعم الأكبر بالإغاثة والتبرع المادي والمعنوي وكفالة عشرات آلاف الأسر، بينما كان حضورهم بارزا أكثر بالنضال لرفع الحصار عن قطاع غزة بمظاهرات وإغاثة سكان القطاع بعشرات الحملات ومئات شاحنات الإغاثة وكفالة آلاف الأسر.

وفي الانتفاضة الثانية التي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2000، استشهد مع الشرارة الأولى 11 شابا من فلسطينيي 48 برصاص شرطة الاحتلال واعتقال مئات الشبان.

الفلسطينيون داخل الخط الأخضر يتمسكون بحق عودة اللاجئين من خلال مسيرات العودة (الجزيرة-أرشيف)
الفلسطينيون داخل الخط الأخضر يتمسكون بحق عودة اللاجئين من خلال مسيرات العودة (الجزيرة-أرشيف)

محطات فارقة
وكانت الانتفاضة الثانية محطة فارقة في مستقبل العلاقة ما بين الداخل الفلسطيني وإسرائيل، وسعيا للحفاظ على الهوية والانتماء السياسي والوطني مهدت تجربة المحطات لمشروع "الاستقلال الذاتي" الذي دعا وبادر إليه حزب التجمع الوطني وتبلور عنه طروحات نحو تأسيس برلمان عربي من خلال لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية التي تأسست عام 1982، وكذلك مشروع "المجتمع العصامي" الذي أطلقته الحركة الإسلامية.

ورفضا للسياسات الإسرائيلية التهويدية وطمس الهوية العربية، أسست اللجان الشعبية التي تنشطت بالبلدات العربية البالغ تعدادها 116 مدينة وقرية، ومشروع جمعيات المجتمع المدني الذي يضم اليوم نحو 72 جمعية عدا 22 مؤسسة وعشرات النوادي والمراكز التعليمية التابعة للحركة الإسلامية والتي حظرتها سلطات الاحتلال.

المصدر : الجزيرة