أبو ساهر.. حلاَّس منذ عقود

- الحاج محمد رجب -ابو ساهر- يفرغ حماره من ادوات الزراعة من المحراث وغيره بعد عودته من العمل بأرضه-
الحاج محمد رجب يفرغ حماره من أدوات الزراعة من المحراث وغيره بعد عودته من العمل بأرضه (الجزيرة)

عاطف دغلس-طولكرم

بيديه أخذ كومة من القش وأخرى من سعف النخيل وبدأ بدسها داخل كيس من الخيش كان قد حاكه بمسلته الفولاذية ليحوله بساعات قليلة لحلس يسهل به ركوب حميره وتلك التي تعود لأهالي قريته والقرى المجاورة.

الحاج الستيني محمد رجب (أبو ساهر) يكاد يكون الصانع الوحيد للأحلاس (سرج يوضع فوق الدابة ليسهل ركوبها) في قريته كفر اللبد قرب مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية الذي لا يزال يحافظ على مهنته منذ أربعة عقود، بل ويتفنن في صناعاتها وإتقانها.

وللقاء أبو ساهر كان علينا الانتظار لساعات ليعود من الأرض، فهو يستغل هذه الأيام الدافئة في فصل الشتاء لفلاحة الأرض وحراثتها "لذا نرجئ صناعة الأحلاس لفصل الصيف" يقول الرجل بينما كان يُلقي عدة العمل أرضا من على ظهر دابته.

التجربة والإتقان
ويضيف أنه واظب منذ صغره وبالتجربة على صناعة أحلاس الحمير وأتقن أيضا إعداد ركاب الجمال، حيث كان إنتاجها يقتصر على احتياجهم الذاتي لعملهم الخاص، لتتحول لاحقا لمهنة ينتفع من ورائها بإعداد مزيد منها بعد أن ذاع صيته بإتقان صناعتها.

وساعد أبو ساهر في ذلك حاجة بلدته تحديدا والقرى المجاورة لتلك الأحلاس، فبعد المسافة عن الأرض وطبيعتها الجغرافية تتطلب منهم تربية الحمير واستخدامها بمختلف أشكال حياتهم الزراعية.

ويحتاج إنتاج الحلس الواحد إلى يوم عمل كامل إضافة لكيس من الخيش المثقب يؤتى به من أصحاب مطاحن البُن وتعبئة الشاي إضافة لقطع قطنية من القماش ومسلة تخاط بها ثنايا وجوانب كيس الخيش وباطنه بطريقة فنية بعد أن تُحشى بالقش الذي يمنع بدوره الحرارة ويسمح بالتهوية.

وكل تلك المواد لا بد أن تكون خفيفة الوزن ومريحة ولا تحوي شيئا من النايلون أو البلاستيك خاصة تلك التي تلامس ظهر الحمار كي لا تصيبه بالتعرِّق أو تخرج نتوءات تؤدي لجرحه نتيجة الاحتكاك خلال الاستخدام.

الحاج أبو ساهر وابنه سامح يحشوان القش داخل أحد الأحلاس(الجزيرة)
الحاج أبو ساهر وابنه سامح يحشوان القش داخل أحد الأحلاس(الجزيرة)

توريث الصنعة
"نحو مئة حمار يوجد في القرية وعدد من الخيول"، يقول سامح رجب أحد أبناء الحاج أبو ساهر السبعة الذي أتقن هو الآخر صناعة الأحلاس وينتجون أكثر من مئة سنويا تباع ليس في قريته فحسب وإنما ببقية القرى والمدن المجاورة.

وتجهز على أكمل وجه ووفق احتياج صاحبها، يتابع الشاب الثلاثيني، ولفت إلى أن طريقة التصنيع من حيث المهنية لا تختلف شيئا، إذ توضع ذات المكونات "لكن المختلف هو طول الحلس والشكل الذي يتناسب والدابة"، مبينا أن تكلفتها تقدر بنحو عشر دولارات وتباع بنحو خمسين دولارا.

ويشير إلى أنه من الضروري الحفاظ على صحة الحمار وجماله معا، فالشكل الخارجي للحلس يزدان بقطع قماش ملونة، جعلت أحدهم يطلبه ليضعه زينة لوضعه بمضافته، كما تصنع مقدمته غالبا من الجلد لتحفظه لفترة أطول، وتوضع بعض الحلقات لتعليق أدوات المزارع من منجل وفأس وما شابه.

وعلى غرار سامح،  يتقن عزو النجل الأصغر لأبو ساهر حياكة الرشم (الرسن) والسفايف (قماش الزينة) للخيول والحمير ويمكنه صناعتها بوقت قصير، ما يعني أن الصنعة لم تبرح بيت العائلة التي لا تزال تحافظ على تقاليد عدة بالإضافة إلى صناعة الأحلاس كحراثة الأرض بواسطة الدواب وليس بالجرارات الزراعية.

الأحلاس تصنع بالطريقة والجودة ذاتها لكنها تختلف من حمار لآخر حسب حجمه
الأحلاس تصنع بالطريقة والجودة ذاتها لكنها تختلف من حمار لآخر حسب حجمه

تدعيم للموقف
وبروايته الشفوية يدعم الحاج الثمانيني عبد الفتاح برهوش صنعة أبو ساهر ومهارته بعمل الأحلاس ليروي للجزيرة نت حكايته معه ووالده، حيث كان يعمل جمَّالا لنقل البضائع وزيت الزيتون عبر الحمير والجمال مستخدما ما يصنعه أبو ساهر من أحلاس وغيرها.

ومنذ فترة وجيزة أودع برهوش عدة الحراثة جانبا وباع دوابه التي قضى عمرا يُسخرها بفلاحة أرضه والاعتناء بها، بعد أن ألمت به سنوات العمر ولم تعد تسعفه صحته للمضي قدما، لكن ذاكرته لم تزل عامرة بحكاياته ورفيق دربه أبو ساهر ووالده خلال عملهم بنقل الزيت.

المصدر : الجزيرة