غاز غزة.. هل تفتح الترتيبات الجديدة "الصندوق الأسود"؟

الفلسطينيون يبتاعون الغاز من اسرائيل- خزانات ضخمة لشركة تبتاع الغاز بنابلس
خزانات ضخمة لشركة تبتاع الغاز بنابلس (الجزيرة)

عاطف دغلس-نابلس 

من جديد أعيد للواجهة غاز قطاع غزة (غزة مارين) وطرقت السلطة الفلسطينية بابه مرة أخرى بإعادة هيكلة الانتفاع به وأحقية التنقيب عنه، فبعد 20 عاما من اكتشاف الحقل الغازي (مارين 1 ومارين 2) قال صندوق الاستثمار الفلسطيني إن تحالفا جديدا يضم الصندوق سيحل محل شركة شل في حقل الغاز الطبيعي "غزة مارين" الذي سيتم فيه تخصيص 45% لشركة عالمية مطورة.

وبدل شركة شل الإنجليزية التي ملكت حصة تقدر بـ55% في الحقل، ستحل شركة سي.سي.سي (اتحاد المقاولين) وصندوق الاستثمار بنسبة 27.5% لكل منهما، في حين كانت نسبة الأخير 17.5% قبل الترتيبات الأخيرة، بينما سيذهب ما نسبته 45% لشركة عالمية مطورة يوافق عليها مجلس الوزراء الفلسطيني.

وقال صندوق الاستثمار الفلسطيني في بيان له حصلت عليه الجزيرة نت إن الترتيبات الجديدة ستدفع باتجاه تسريع عملية تطوير أحد أكبر المشاريع "الإستراتيجية والحيوية" في فلسطين، بما يجعل منه خطوة أساسية للنهوض بقطاع الطاقة وتحقيق أمنها بتكامل العمل بين الحكومة وصندوق الاستثمار.

وذهب صندوق الاستثمار لأبعد من الاستفادة المحلية من الغاز بتوليد الكهرباء في غزة وشمال الضفة الغربية (جنين) إلى طرح إمكانية تصدير فلسطين الطاقة للدول المجاورة، وبالتالي توفير دخل خارجي للسلطة والاستغناء عن المساعدات الأجنبية.

على الورق
ورغم جدية المساعي هذه المرة كما يبدو، فإن الموضوع لم يتخط حدود الورق كما يظهر للفلسطينيين، وقُسِّمت الثروات وهي بباطن الأرض، فمنذ اكتشاف حقل الغاز الطبيعي قبالة شواطئ غزة (يبعد 23 ميلا بحريا) عبر شركة بريتيش غاز عام 2000 لم تجر به أي عملية تنقيب أو ما شابه.

ويقول رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية ظافر ملحم إنهم لم يقوموا حتى الآن "بإجراءات تنفيذية" لإخراج الغاز، وإن "مفاوضات" يجريها صندوق الاستثمار لجلب شركة مُطوِّرة، وأضاف أنهم تعدوا المراحل الأولى بتحديد المكان والكميات المتوقعة والمقدرة بأكثر من ثلاثين مليار متر مكعب للحقلين وتوجد على عمق ستمئة متر تحت البحر.

لكن تحرك الفلسطينيين مشوب بالخطر والخوف من "إعاقات" إسرائيلية تتمثل في تطوير البنية التحتية وتركيب الأنابيب اللازمة من الحقل إلى غزة ولشمال الضفة أو السماح لهم باستخدام أنابيبها، "وهذا ليس سهلا الموافقة عليه إسرائيليا" يقول ملحم.

وبرأي الرجل فإن الفلسطينيين يملكون خيارات كثيرة لتجاوز الإعاقات، وأنهم سيدافعون عن حقوقهم في مواردهم الطبيعية أمام أي قرصنة إسرائيلية، وطمأن المستثمرين بوجود "مستهلكيْن أساسيين" هما محطة كهرباء غزة وأخرى بشمال الضفة الغربية، إذا ما حاولت إسرائيل منع تسويق الغاز.

‪المستهلك الفلسطيني يشتري الغاز بأسعار عالية من إسرائيل ولا يملك التنقيب عن حقوله‬ (الجزيرة)
‪المستهلك الفلسطيني يشتري الغاز بأسعار عالية من إسرائيل ولا يملك التنقيب عن حقوله‬ (الجزيرة)

صندوق أسود
لكن الفلسطينيين لم يتذوقوا خير "غزة مارين" إلى الآن، ومجرد "الحلم" بانتعاش اقتصادي أصبح "صندوقا أسود"، يقول الخبير الاقتصادي الفلسطيني ماهر الطبَّاع، ويضيف أن أحدا لا يعرف سر "ترتيبات" السلطة الفلسطينية بين الحين والآخر بجلب مستثمرين ووقف آخرين.

والمشهد بصورته الكلية يكتنفه "الغموض والضبابية" كما يراه الطبَّاع، متسائلا كيف توقع السلطة اتفاقية لشراء الغاز من إسرائيل لعشرين عاما ويصرح رئيس حكومتها رامي الحمد الله بعد مدة قصيرة أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2013 بأن فلسطين ستصبح مصدرا للغاز بحلول عام 2017.

ويصف الطبَّاع ذلك بـ"المتاهة"، وقال إن حصار غزة وحروب إسرائيل ضدها سببه الغاز، وربما تقوم "بسرقته" عبر أنابيب تحت البحر.

وسيمنح غاز غزة "فائدة استثمارية" ضخمة للفلسطينيين، بكفايتهم محليا والاستغناء عن إسرائيل، إضافة لتوليد الكهرباء، كما أن توفير فرص عمل ودفع عجلة التنمية عبر مشاريع استثمارية عديدة سيشكل موردا ماليا وسيولة مباشرة للسلطة عبر تصديره، يقول الطبَّاع.

وتشير معلومات إلى أن إسرائيل التي تضع يدها على حقول قريبة من "غزة مارين" أهمها ليفياثان وتمار وتحوي ما لا يقل عن 25 تريليون قدم مكعب من الغاز تعمد لمنع استغلال الفلسطينيين لغازهم، كما اشترطت للسماح لهم باستخراجه بيعه لها وبأسعار أقل من السوق، وكل ذلك لإبقاء "تبعيتهم" ماليا واقتصاديا لها، يقول الخبير بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور.

ورغم ذلك يتوقع منصور "انفراجة" بشأن "غزة مارين"، وأن هذا سبب الترتيبات الجديدة للسلطة لا سيما بعد عقد أميركا "مؤتمر البيت الأبيض" الشهر الماضي بحضور سبع دول عربية.

وبيّن أنه وإن كانت إسرائيل تعيق العمل بحقول الغاز لمعاقبة غزة وإخضاع السلطة ماليا لها، فلا يضيرها الآن السماح بالعمل به خاصة بعد اكتشافها وسيطرتها على آبار أخرى تحوي كميات أكبر، كما أن المشروع ليس خطرا على إسرائيل "لكمياته القليلة التي بالكاد تكفي لعقدين وإمكانية وضع حد له بأي زمان ومكان بقصفه وتدميره".

المصدر : الجزيرة