بالفن.. أم وابنتها تحيكان وتحكيان قصة القدس

فلسطين- القدس- جسدت الفنانتان أعملاهما الفنية على تعاليق وكوسترات لاستخدامات المكاتب وبعض ألعاب الأطفال أيضا لتسهيل تسويقها وبنفس الوقت عكس الر
تحتل القدس بمكانتها ورمزيتها نصيب الأسد من أعمال السيدتين المقدسيتين سارة ووالدتها خلود (الجزيرة)
 

عاطف دغلس-القدس

بانسجام قل نظيره تبدع المقدسية خلود القاق (47 عاما) في رسم أعمالها الفنية وتشكيل مشغولاتها اليدوية، في حين تحاول ابنتها سارة هي الأخرى ألا تفوَّت فرصة لتتعلم الفن التشكيلي بألوانه المتعددة، وتسيران معا لنسج القدس وحكايتها فنا.

خلود وابنتها سارة (25 عاما) طوَّقتهما موهبة الفن التشكيلي منذ الصغر، لكن ضيق الحال حال دون تنميتها في وقت مبكر فخاضتا عباب المغامرة منذ سنوات قليلة وتحديدا عندما فاجأت سارة والدتها بأن سجلتها بأحد المراكز التعليمية لتطوير مهارتها.

لم تكن الأم لتضيع هذه الفرصة رغم تدافع سنوات العمر وصراعها في أتون الحياة المجتمعية، فانطلقت مستعينة بابنتها الشابة وأفكارها المبدعة، كان لتشجيع "معلم المركز" دور بصقل تلك الموهبة والمضي قدما نحو الأمل.

مكانة القدس
من حي رأس العمود بمدينة القدس تنحدر سارة ووالدتها خلود، ومن هناك أيضا كانت شارة البدء لهما لتبادران في تعلم مهارات الفن التشكيلي بألوانه المختلفة وتسقطان ذلك على أرض الواقع، إذ شكلت المدينة المقدسة وجمالياتها أرضية خصبة لتجسيد أعمالهما.

من حي رأس العمود بمدينة القدس تنحدر سارة ووالدتها خلود (الجزيرة)
من حي رأس العمود بمدينة القدس تنحدر سارة ووالدتها خلود (الجزيرة)

تقول سارة "التحقنا بعديد الدورات الاحترافية واجتزنا صعوبات جمَّة لنصل إلى ما نحن فيه اليوم"، ساعدها تخصصها الجامعي بالهندسة المعمارية على تطوير مهاراتها لا سيما بمجال التصميم.

في الحين كان التحدي الأكبر لوالدتها خلود التي قاومت لكسر حواجز مجتمعية وأخرى فنية بأن خصت نفسها -إضافة للرسم التشكيلي بألوانه المختلفة الزيتية والأكريليك- أكثر بإتقان صناعة المشغولات اليدوية من مطرزات وأقراط وتعاليق مختلفة.

أتقنت سارة هي الأخرى تعلم الحرفيات الصغيرة، وواكبت ووالدتها كل جديد بالفن وأنواعه وهما تسعيان للتميز أكثر بمجال التعليم والتدريب أيضا، كما تقولان.

وكأي فنان فلسطيني تحتل القدس بمكانتها ورمزيتها نصيب الأسد من أعمال السيدتين المقدسيتين، حكت سارة وأمها جمال المدينة وحاكتاه أيضا، فخطت لوحات لمقدساتها سيما المسجد الأقصى وقبته المشرَّفة والكنائس وشوارع القدس القديمة وأزقتها وحاراتها.

كما خطت أناملهما لوحات للطبيعة والتراث الفلسطيني لا سيما الذي يحمل طابع القدس ورائحتها "فمن يعرف القدس يسكنها وتسكنه ويسخر حياته لها" تقول سارة وهي تروي للجزيرة نت حكايتها.

ترى الفنانة الصغيرة أيضا أن رسم القدس يفرغ ذاك الكبت الذي يعيشه أهلها، كما أنه لا شيء أجمل من القدس، ومهما تناولها فنانون في أعمالهم فلن يظهروا جمالها الحقيقي الذي تراه العين.

‪يشكل المكان هاجسا للفنانتين لعرض أعمالهما بمدينة القدس‬ (الجزيرة)
‪يشكل المكان هاجسا للفنانتين لعرض أعمالهما بمدينة القدس‬ (الجزيرة)

فن منوع
باكرا أدركت السيدتان أن بيع لوحاتهما الفنية لن يكون سهلا، فتكلفتها والجهد المبذول يزيد ثمنها، فقررتا إسقاط أعمالهما الفنية على مجسمات صغيرة تظهر فيها الرسومات بوضوح وتحقق في الوقت نفسه البيع والتسويق، فطبعت الرسومات على التعاليق وألعاب الأطفال (البازل) وبطاقات المكاتب البلاستيكية (الكوستر) وعلى ألواح صغيرة "لتصل صور القدس إلى كل منزل ومكان بسهولة ويسر".

تجلَّى بهذه الوسيلة إبداع سارة ووالدتها وسهّل ذلك تسويق أعمالهما ومشاركتها بمعارض فنية عدة، وتقول خلود إنهما ضاعفتا إنتاجهما مؤخرا وهو ما لاقى رواجا واسعا، لا سيما بنقل اللوحات على مجسمات صغيرة لتمكين الجميع من شرائها، فالأصلية قد يتراوح سعرها بين 500 و1000 دولار، وواكبتا التطور بالترويج إلكترونيا عبر صفحة "سوا" وهو ما عكس تلاحم الفكرة والعمل وتميزها.

يشكل المكان هاجسا للفنانتين لعرض أعمالهما بمدينة القدس، فالاحتلال يقف بالمرصاد بفرضه الضرائب الباهظة (الأرنونا) واشتراطاته "المعقدة" لمنح التراخيص اللازمة، ولذا لجأتا إلى البيع عبر الإنترنت والمشاركة بالمعارض.

تكتنف أسرة خلود حكاية تزيد في تميزها، فقد شكلت ببداية حياتها وزوجها خطوة في تصنيع المجسمات الحرفية الصغيرة، ثم آلت بموهبتها للفن التشكيلي وتطورت معه، وهو حال أبنائها الذين يحترف أحدهم الخط العربي وآخر يميل للرسم المتحرك (الأنيميشن) وثالث ينهم بعزف الموسيقى.  

حالة من التجانس اللافت والجميل تحكيها سارة ووالدتها ليس في الفن وحده وإنما في واقع الحياة أيضا، فهما تتقاربان في التعبير عما يختلج بصدورهما وتنجحان باستمرار بصقل التجربة والإبداع وإسقاطه واقعا.

المصدر : الجزيرة