عيد الفطر بالقدس.. طقوس اندثرت وأخرى راسخة
وبعد مغادرة الأقصى يتجه كثيرون إلى المقابر المجاورة لزيارة الأموات، وهذه إحدى العادات المقدسية المتوارثة منذ أجيال، وهناك يوزع الزوار الحلويات على بعضهم بعضا، ثم يتفرقون إلى منازلهم لتبدأ جولة المعايدات للرجال، في حين تستقبل السيدات أقاربهن بالمنازل.
المقدسية فوزية العبيدي ولدت في قرية لفتا المهجرة عام 1948 وغادرتها طفلة لا تذكر طقوس العيد فيها، لكنها أكدت أن والدها وغيره ممن خرجوا من القرية واظبوا على الحفاظ على عادات المقدسيين التاريخية في العيد.
وتقول إن أول ما كانوا يفعلونه بعد انقضاء صلاة العيد وزيارة المقابر العودة إلى المنزل والمباشرة بالذبائح التي كانوا يطهون منها لوجبة الغداء في اليوم الأول لجميع الأقارب ويوزع جزء منها على الفقراء والمحتاجين.
زيارات الرحم
وبعد الانتهاء من هذه الطقوس يبدأ الرجال جولة لزيارة الأرحام، وتضيف "كل شيء اختلف، كان الترابط أقوى بين الناس والهموم بعيدة عن الجميع، بعد النكسة اختلفت الأعياد في القدس ففي كل بيت هناك أسير أو شهيد.. عندما اعتقل ابني البكر لست سنوات في التسعينيات كان عشرات الشبان يتوافدون لزيارتي في أول أيام العيد ويجلبون معهم الحلويات، وما زال المقدسيون يحافظون على هذه العادة بمعايدة أم الأسير والشهيد".
وتذكر العبيدي أن العيدية كانت عبارة عن بضعة قروش معدنية فيها فتحة بالمنتصف، وكانت وقريباتها يحرصن على تجميعها في عقد للمحافظة عليها، ولاحقا حلت العملة الورقية مكانها وارتفعت قيمة العيدية.
سلمان الطويل ترافقه غصة في العيد بسبب عدم قدرته على زيارة قريباته في الضفة الغربية خوفا من عدم سماح سلطات الاحتلال له بدخول القدس مجددا، وتقتصر طقوس العيد لديه على الصلاة في المسجد الأقصى والاجتماع مع أبنائه وأحفاده هناك لالتقاط الصور التذكارية، ثم يكلف أبناءه بزيارات الرحم في الضفة الغربية، في حين يتمكن هو من زيارة ابنته التي تسكن قربه فقط.
وتقتصر أمنيات الطويل في عيد الفطر لهذا العام على تحرر المسجد الأقصى وجمع الشمل مع عائلته في الضفة الغربية المحروم من التواصل معها.
أما أماني نجيب فلها ولأسرتها حكاية مختلفة مع العيد، إذ مرت عليهم أجواؤه بثلاث مراحل مفصلية، فقبل عام 1994 كانت تعيش أماني مع والدها ووالدتها وأشقائها حياة طبيعية في منزلهم بحي باب حطة بالبلدة القديمة، وبعد اعتقال والدها في ذات العام ولمدة 17 عاما مرت أجواء العيد باهتة رغم حرص والدتهم على المحافظة على الطقوس ذاتها.
المرحلة الثالثة والأصعب كانت بعد تحرر الوالد زكريا نجيب من سجون الاحتلال عام 2011 مبعدا إلى غزة ولجوئه من هناك إلى تركيا ولحاق زوجته به، وهنا وجدت أماني -البنت الكبرى- نفسها أمام تحد كبير في الحفاظ على دفء العائلة دون أم وأب.
لمة العائلة
كعك العيد تجهزه أماني كوالدتها قبل أيام من حلوله، كما تشتري المكونات اللازمة لتحضير الحمص والفول المنزلي وغيرها من الأطعمة التي اعتادت وأشقاؤها على تناولها على مائدة الإفطار بعد عودتهم من صلاة العيد في المسجد الأقصى المجاور لمنزلهم.
تجمع أماني شقيقيها وشقيقاتها مع أبنائهم التسعة في منزل العائلة، وبعد الانتهاء من وجبة الإفطار يستأنف الذكور جولة الرحم، في حين تستعد هي لتحضير طعام الغداء ليجتمعوا مرة أخرى في المنزل، وفي ساعات العصر يذهبون جميعا لمعايدة الأقارب، وذلك في طقوس حرص والدها المبعد ووالدتها على أدائها كل عيد.
وعن أجواء العيد في البلدة القديمة بالقدس قالت أماني إنه ليس لها مثيل في العالم، فمعظم السكان لا يخلدون للنوم ليلة العيد وتشهد الأزقة ازدحاما شديدا، في حين يضفي المسجد الأقصى روحانيات مختلفة على المكان، وقبيل صلاة العيد تعج الأزقة بالشبان الذين يشرعون في توزيع الهدايا على الأطفال الوافدين إلى أولى القبلتين.