كيف نعى الفلسطينيون والعرب عبد القادر الحسيني؟

تصميم: مجموعة من الصور التي اخذتها من الصحف الفلسطينية التي كتبت عن استشهاده ونشرت التعازي فيه وقد حفظت الصور باسم الصحيفة
كلمات الرثاء والتعازي في الحسيني عبرت عن الحزن والفقدان لخسارته والتأكيد على المضي في دربه (الجزيرة)
هنادي القواسمي-القدس
خلّف فقدان الشهيد عبد القادر موسى كاظم الحسيني قائد جيش الجهاد المقدس حزنا مفجعا في قلوب الناس. وكان الحسيني القائد الوطني الأكثر شعبية في ذلك الوقت، لم تمنعه امتيازاته الثقافية ولا ولادته الاجتماعية لعائلة من الطبقات العليا أن يلبس لباس العسكر، ويعيش بين الناس واحدا منهم معبرا عن همومهم، بعيدا عن المكاتب والمناصب وغرف القيادة، وقريبا من ساحات النضال والتضحية، بل متقدما فيها.

وبهذا كان فقدانه في معركة القسطل شهيدا خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني في أوج حاجته إلى قيادة وطنية صادقة، مترفعة عن المناصب والاستنفاع منها، وذات كفاءة عسكرية تناسب تحديات ذلك الزمن.

ووقوفا على مظاهر هذا الفقدان العظيم، نرصد هنا نعي المجتمع الفلسطيني ومناضليه للشهيد عبد القادر، وذلك من خلال استقراء أرشيفات الصحف الفلسطينية، وصفحات الكتب التي وثقت لمعارك النكبة.

نطالع في أعداد صحيفة "فلسطين" بعد يوم 8 أبريل/نيسان 1948 رسائل عدة من كل حدب وصوب للتعزية في الشهيد الفقيد، بعيدا عن تعازي أصحاب المناصب الذين خذلوا الحسيني في إمداده بالسلاح.

 فقدان الحسيني في معركة القسطل شكل خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني في أوج حاجته للقيادة (الصحافة الإسرائيلية)
 فقدان الحسيني في معركة القسطل شكل خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني في أوج حاجته للقيادة (الصحافة الإسرائيلية)

ذمة الخلود
نجد التعازي من المنظمات الشبابية والنسائية والمناضلين في مختلف أنحاء فلسطين، ومنها التعزية من الهيئة العربية العليا، وحامية مدينة يافا، واللجنة القومية في يافا، واللجنة القومية في الرملة، وجماعة الإخوان المسلمين في يافا، ومنظمة الشباب العربي في فلسطين، ومن مدارس ومجالس محلية في قرى ومدن متفرقة
.

من تلك التعازي ما ورد تحت عنوان "في ذمة الخلود"، ممهورة بتوقيع "أبو ماضي قائد منطقة غزة" يقول فيها "بقلب حزين تلقيت خبر استشهادك، وأنا فخور ببطولتك النادرة.. لقد كنت حرا من أفذاذ أحرارنا فخسرناك، لكن قصة استشهادك ستحيي في النفوس أسمى آيات التضحية في سبيل المثل الأعلى، ففي سبيل الله والوطن وفي ذمة الخلود روحك الطاهرة".

ووصفت منظمة الشباب العرب في رام الله الحسيني بأنه زيّن جبين القضية الفلسطينية بإكليل من الغار. وفي رسالة تعزية ثالثة باسم إبراهيم جاد الله، وصف الشهيد بأنه "سيد المجاهدين… مثله كمثل جعفر الطيار".

ومنها كلمات كتبها عبد الرحمن أبو درة، بدأها ببيت شعر للشاعر العباسي أبي تمام "وما مات حتى مات مضرب سيفه *** من الضرب واعتلتْ عليه القنا السمر"، قال فيها "فاشهدي يا قسطل، واشهد يا تاريخ أننا لم نبخل ولم نتأخر عن كل ما تطلبه الحرية، فمع السلامة يا أبا موسى، وارتع بين حدائق الخلود، بعد أن أديت رسالتك سطرا سطرا، وسيظل هذا المثل الأكبر الذي قدمته عن البسالة العربية فخر الأجيال القادمة".

‪صحيفة
‪صحيفة "فلسطين" يوم 9 أبريل/نيسان 1948.. الخبر الأول عن استشهاد الحسيني‬ (الصحافة الفلسطينية)

بطل صنديد
كما رثاه زميله في الجامعة الأميركية في القاهرة أكرم الخالدي مخاطبا القدس والقسطل "اذكري فتاك الشهيد، وبطلك الصنديد العنيد عبد القادر الحسيني، ثم اسكبي دمعة لتقومي من بعد إلى الميدان مشرقة باسمة، فشهيدك لا يحب الدموع، وهو يكره القعود والخنوع
".

وفي صحيفة "لواء الاستقلال" العراقية، كتب أحد من عاصر الشهيد في العراق ينعاه ويرثيه واصفا إياه بأنه "لم يعرف الجزع في حياته"، و"لم يتطرق إلى قلبه الرعب، ولم تعرف نفسه الاستخذاء، فكان في طليعة المقاتلين يحمل سلاحه كغيره من الجنود العرب وهو قائدهم".

وقد وصلت أصداء التعازي إلى أميركا، حيث تلقى أحد أقاربه وممثل الهيئة العربية العليا جمال الحسيني التعازي فيه هناك. وأوردت صحيفة "فلسطين" عن جمال قوله "إن التاريخ سيسجل اسمه بين أمجاد أبطاله، وإذا كانت خسارتنا بفقده عظيمة فقد ضرب من نفسه مثلا عاليا سيحتذيه الكثيرون".

‪أخبار عن جنازة الشهيد عبد القادر الحسيني‬ (الصحافة الفلسطينية)
‪أخبار عن جنازة الشهيد عبد القادر الحسيني‬ (الصحافة الفلسطينية)

رثاء بالشعر
في صحيفة "فلسطين" بتاريخ 13 أبريل/نيسان 1948، وفي صفحتها الثالثة، نشر الشاعر صالح الريماوي نصا قصيرا بعنوان "حزنت بعده البنادق"، أسف فيه لعدم مشاركته في جنازة الشهيد لكونه جريحا من إحدى المعارك، ومقيما في المستشفى الفرنسي بالقدس، ومن ثم أتبع ذلك بأبيات من الشعر يقول في بعضها:

بطل خرّ في الجهاد شهيدا *** فالربى أوشكت لذا أن تميدا
قد هوى النسر وهو في ذروة المجد *** وقد جاوز السماء صعودا
لا تلوموا حزنا عميقا ودمعا  *** وفؤادا ممزقا مكمودا
فمصاب البلاد فيه شديد *** ومصابي قد كان فيه شديدا

وفي نص شعري آخر نشرته الصحيفة ذاتها، يقول عبد القادر يوسف من طولكرم:

مصاب ليس يعدله مصاب *** ورزء جل طاش له الصواب
أحقا قد قضى البطل المفدى *** أحقا قد خبا ذاك الشهاب
أحقا -إيه يا دنيا- توارى *** أبو موسى وغيّبه التراب

ورثى الفن الشعبي الفلسطيني فقيد فلسطين عبد القادر الحسيني بالأبيات التالية:
"فلسطين سعدك أفلْ، يومْ أبو موسى انْقتل
لكنهْ قرْب الأجلْ، حكم رب العالمين
رحمهْ من الله عليكْ، يا عبد القادر موسى بيكْ
نادى للوطنْ لبيك، نحميك من الغدارينْ
".

ونرى من ذلك الرصد السريع أن كلمات الرثاء والتعازي ركزت على أمرين، التعبير عن مدى الحزن والفقدان لخسارة الشهيد الحسيني، ومن ثم نبهت إلى ضرورة الاستمرار في نهجه وطريقه.

المصدر : الجزيرة