هل ينزع العرب هيل غواتيمالا عن قهوتهم؟

اعتراف غواتيمالا بالقدس عاصمة لإسرائيل وقرار نقل السفارة إليها
غواتيمالا أعلنت عزمها نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس منتصف مايو/أيار القادم (الجزيرة)

غدير أبو سنينة-نيكاراغوا

يصحو العربي عادة ممسكا فنجان القهوة التي يفضِّلها بطعم الهيل المنُتج معظمه في غواتيمالا، البلاد الواقعة في أميركا الوسطى التي أعلنت يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2017 قرارها نقل سفارتها إلى القدس باعتبارها عاصمة إسرائيل.

عادل ترجمان، فلسطيني من مدينة القدس ورئيس الجمعية العربية الغواتيمالية وأحد أعضاء اتحاد الجاليات الفلسطينية في أميركا اللاتينية والكاريبي (كوبلاك) يعتقد أن الرئيس الغواتيمالي "جيمي موراليس" أقدم على هذه الخطوة المؤازرة لقرار الولايات المتحدة من أجل تأمين الحماية لنفسه، فهو متهم منذ صيف 2017 بقضايا تتعلق بالفساد.

من ناحية أخرى، يعتقد ترجمان أن غواتيمالا تتخوف من مقاطعة الدول العربية لها تجاريا، فهي تصدر الهيل لعدد كبير منها. ومع هذا يبقى تأثير غواتيمالا محدودا، فحتى جارتها هندوراس -التي صوتت لصالح اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة– لم تعلن عن نيتها نقل سفارتها للقدس.

أما عن موقف الغواتيماليين أنفسهم فهناك انقسام داخل المجتمع يعود في جزء منه إلى مستوى التعليم المتدني، ولأسباب دينية والذاكرة التاريخية للبلد، إذ يشير ترجمان إلى أن قليلا من الناس من يعرف حقيقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأولئك المطلعون هم المثقفون الحاصلون على مستوى تعليمي جيد، لأن الوعي بالقضية الفلسطينية في تلك البلاد يتأثر كثيرا بالدعاية الإعلامية المنحازة غالبا لإسرائيل.

 تقديرات بأن الرئيس الغواتيمالي موراليس  أقدم على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل حماية لنفسه 
 تقديرات بأن الرئيس الغواتيمالي موراليس أقدم على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل حماية لنفسه 

سلاح المقاطعة
ويشير ترجمان إلى أن 40% من الغواتيماليين يتبعون الطائفة الإنجيليكية التي تدعم سياسة الرئيس موراليس، وهناك محايدون، وقسم آخر من السكان الأصليين طوردوا في زمن حكم "ريوس مونت" الدكتاتوري، لذلك فإن أحزابهم ضد القرار، خصوصا أنهم كانوا هم أنفسهم ضحية دعم إسرائيل لدكتاتورهم، إذ حين فرضت الولايات المتحدة حظرا على بيع الأسلحة لغواتيمالا تدخلت إسرائيل وقدمت الأسلحة للنظام، ولهذا فإن تلك الفئة تعتبر أن إسرائيل تهدد السلام العالمي
. 

وفي مقابلة صحفية مع رئيس كوبلاك "رافائيل المصري" دفع الأخير باتجاه المقاطعة التجارية للهيل والمنتوجات الغواتيمالية من قبل الدول العربية. وتأمل الجالية الفلسطينية في أن تكون هناك مقاطعة تجارية جادة للهيل الغواتيمالي لدفع حكومة البلاد لتغيير قرارها.

وفي هندوراس التي صوتت أيضا لصالح قرار ترمب، قال "رولاندو قطان" -وهو فلسطيني من الجيل الثالث في البلاد- إن رد فعل الجالية الفلسطينية كان محدودا نوعا ما، فهندوراس نفسها تعاني من أزمات داخلية، لكن القرار نفسه دفع الجالية غير المنظمة لعقد اجتماع دعا إليه رولاندو وقريبه اللذان زارا بيت لحم منذ شهور لأول مرة في حياتهما.

وفي مدينتهما ومسقط رأس أجدادهما، زارا عددا من بيوت عائلة قطان المهجورة، وقرّرا بعد العودة الاجتماع بعائلة قطان في هندوراس لتأسيس متحف في بيت لحم لفلسطينيي الشتات، وقد أنهوا الاجتماع الأول الذي تعهدت فيه العائلة بتمويل ذلك المتحف وتزويده بالوثائق والتحف القديمة التي ما زالوا يحتفظون بها حتى الآن منذ أربعة أجيال.

مظاهرة للجالية الفلسطينية ضد قرار ترمب أمام السفارة الأميركية في السلفادور
مظاهرة للجالية الفلسطينية ضد قرار ترمب أمام السفارة الأميركية في السلفادور

حراك بالسلفادور
وفي السلفادور جالية فلسطينية ناشطة، رغم أن ذلك البلد ظل لمدة طويلة داعما لسياسات الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن أفراد الجالية تمكنوا من الوصول لعدد من شرائح المجتمع المختلفة. فعلى المستوى السياسي، أشارت "سهير بندك" -وهي من الناشطات الفلسطينيات في سان سلفادور ومن إدارة كوبلاك- إلى خروج الجالية في مظاهرة أمام سفارة الولايات المتحدة تنديدا بالقرار، إضافة توجيه رسالة لوزارة الخارجية السلفادورية باسم الجالية الفلسطينية
.

ويعمل سمعان خوري على التواصل مع الجامعات ووسائل الإعلام للتحدث عن تاريخية فلسطين، وهو يعمل بالتعاون مع الأجيال الشابة من أبناء المهاجرين على إصدار مجلة "أصول" الفصلية التي باتت توزع على نطاق واسع.

أيمن ترامسي فلسطيني مهاجر من غزة إلى بوليفيا وناشط للقضية الفلسطينية وعضو اتحاد كوبلاك، ظهر على أكثر من قناة حكومية للتنديد بقرار ترمب وللتعريف بالقضية الفلسطينية، كما رفعت الجالية الفلسطينية العلم الفلسطيني في أهم مباراة لكرة القدم في بوليفيا وأكبر ملاعبها "إستاذيو سيليس" بمدينة لاباز، إضافة لإلقاء محاضرات في الجامعات وتوزيع خمسة آلاف نسخة من التقويم السنوي تظهر فيها القدس عاصمة أبدية للفلسطينيين.

المظاهرات المنددة بالقرار ظهرت أيضا في معظم بلاد أميركا اللاتينية، مثل تشيلي التي فيها أكبر جالية فلسطينية خارج الوطن العربي.

كريستاكي أسعد الفلسطيني المقيم في تشيلي والمسؤول عن الصفحة الإلكترونية "فلسطين حرة" بالإسبانية، يقول إنه فضلا عن المظاهرات التي خرجت في شوارع تشيلي فهم يعملون على دحض الدعاية الصهيونية عبر منصات التواصل الاجتماعي للموقع، كما أنهم يعملون مع الجاليات الفلسطينية -وخصوصا في غواتيمالا- لدعم مقاطعة استيراد المنتوجات الغواتيمالية.

إحدى الفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية في المكسيك تدعو إلى مقاطعة إسرائيل
إحدى الفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية في المكسيك تدعو إلى مقاطعة إسرائيل

مظاهرات بكولومبيا
في حين يعتبر رئيس الجالية الفلسطينية في كولومبيا "علي نوفل" أن موقف كولومبيا من الامتناع عن التصويت يصبُّ في صالحهم، وقد تظاهر مع أفراد من الجالية العربية والمؤيدين من الكولومبيين أمام السفارة الأميركية في بوغوتا، وألقى بدوره كلمة عن خطورة العبث بمدينة تاريخية كالقدس، كما شارك في محاضرات إلى جانب "فيكتور أوغو" و"فيليبي ميدينا" -وهما أستاذان جامعيان كولومبيان- للحديث عن عدالة القضية الفلسطينية ووجوب الوقوف أمام قرارات كهذه
.

أما دعم الجالية لقرار كولومبيا في الامتناع عن التصويت، فيعود إلى أن العلاقات العسكرية والتجارية القوية بين البلدين لم تمنعا كولومبيا من الوقوف على الحياد، وهذا بحد ذاته إنجاز.

وفي نيكاراغوا -التي وقفت إلى جانب القضية الفلسطينية على مدى تاريخها منذ انتصار الثورة الساندينية عام 1979- فلم تبد في أحسن أحوالها حاليا.

يقول "يعقوب سلوم" الناشط الفلسطيني وعضو كوبلاك إن مظاهرة متواضعة خرجت للتنديد بالقرار وحضر فيها جزء قليل من أبناء الجالية الفلسطينية، وعددهم بالأساس قليل، لكن كان من الواضح أن الحكومة لا ترغب في التصعيد ضد إسرائيل، خصوصا بعد استئناف العلاقات بين البلدين العام الماضي.

المصدر : الجزيرة