ما هي عناصر الإبهار البصري في فيلم "المرأة الخارقة"؟
في السنوات الأربع الأخيرة تحاول شركة "دي سي" (DC) للقصص المصورة أن تخلق عالما سينمائيا ممتدا منافسا لعالم شركة "مارفل"(1) (Marvel)، ولثلاثة أفلام على التوالي فشلت في مجاراة ولو بعض من نجاح فريق "المنتقمون" (The Avengers) على الناحية الأخرى، حتى مع امتلاكها أبطالا بحجم "سوبر مان" و"باتمان"، لأن الشركة لديها مشكلة واضحة في الرؤية والمعالجة القصصية ثم البصرية للأفلام ولشكل العالم، قبل أن يتغير كل شيء مع الفيلم الرابع "المرأة الخارقة" (Wonder Woman) الذي نال تقييمات نقدية مرتفعة جدا، وقبولا جماهيريا ضخما، رغم أن الشخصية ذاتها أقل شهرة بالتأكيد من أبطال "دي سي" الآخرين، ولكن الفيلم امتلك ما هو أكثر: مخرجة وقصاصة جيدة مثل باتي جينكز.
جينكز أبعدت الفيلم عن كل الأجواء التي صنعها المخرج زاك سنايدر في أفلام العالم الممتد، الأجواء القاتمة الباهتة -بصريا- والصاخبة إيقاعيا ذات الصدامات التي لا تتوقف، وأفاد جينكز كثيرا أنها في تلك المرة كانت تعمل على تأسيس جذور بطل خارق من الصفر، لـ "تحكي حكاية" بكل ما تحمله الكلمة من معنى: طبقة خارجية عن الأميرة ديانا التي تخرج من الجنة وتصبح "امرأة خارقة" (Wonder Woman) تحاول إيقاف الحرب العالمية، وطبقة داخلية قصة نضوج لفتاة تكتشف أن العالم أقسى وأعقد مما كانت تظنه، ومن وراء ذلك كرَّست باتي جينكز كل إمكانياتها البصرية لتحكي ذلك، ومن بينها الألوان.
"منذ القراءة الأولى لمسودة الفيلم شعرت أنني أراه، نحن أمام امرأة بسيطة، رغم أنها قوية فإنها شديدة البساطة، وبنفس الشكل كان بناء الفيلم البصري"
(المخرجة باتي جينكز، حوار مع البرنامج الإذاعي "The Treatment 28" (يونيو/حزيران) 2017)
جملة جينكز دقيقة إلى حدٍّ بعيد، فإذا كانت الألوان "تملك القدرة التأثيرية على جعلنا نشعر بشيء ما دون حتى أن نلاحظ"(2)، فقد استخدمت جينكز في بناء فيلمها (على أربع مراحل/أربع "باليتات" ألوان) الشكل الكلاسيكي الأبسط لتلك الألوان، وفي هذا التحليل نحاول تبيّن ذلك.
(جينكز في الحوار الإذاعي السابق ذكره)
الفصل الافتتاحي من حكاية الفيلم يدور في الموطِن الأصلي لــ "المرأة الخارقة" (Wonder Woman)، المكان الذي نشأت فيه وهو الأمازون، حيث تعيش النساء دون رجال، ودون حرب، البيئة الأسطورية التي يؤسس الفيلم إلى أن الإله القديم زيوس خلقها لهن وجعلها خفية عن البشر وخفية عن الإله آريز (إله الحرب)، وهناك عاشت الأميرة ديانا. على هذا الأساس فإن ذلك المكان (في حقيقته، وبداخل عقلها) هو الجنّة، أو "الحياة كما كانت ستكون لو كنا نعيش في توازن، حيث يصبح كل شيء جميلا"(3)، وعليه كان الهدف "أن يشعر المشاهد بأن هذا المكان حقيقي وموجود، ولكن مع مسحة من السحر والخصوصية"(5)، وهو ما يتحقق.
والأمر لا يكون فقط هنا عن استخدام الألوان، والاعتماد بشكل شبه كلي على درجات الأزرق والأخضر للتعبير عن الطبيعة، ولكن أيضا بطريقة معالجتها، لتظهر تلك المرحلة زاهية الألوان (Hyper-Colorful)، وتصبح (بعد انتهائها في الربع الأول) أقرب لذكرى بعيدة، تدعم أحد الأبعاد الأسطورية للحكاية عن كونِ تلك هي "الجنة" قبل "النزول إلى الأرض".
(باتي جينكز)
منذ اللحظة الأولى للوصول إلى لندن تؤسس جينكز لـ"باليتة ألوان" مختلفة، تعتمد بصورة شبة كلية على اللون الرمادي. نكون هنا في عالم مختلف لا تعرف عنه ديانا أي شيء، عالم يعيش وسط أجواء الحرب والخطر، وهو مناقض تماما لكل ما عاشته في حياتها. تنخفض درجات الألوان وتشبّعها، نتحول لـ"باليتة" باهتة (Very low Saturation).
في المقابل، ينكسر ذلك في المشاهد الداخلية التي يغلب عليها لون أصفر غير مريح (في مشهد اجتماع قادة الحرب مثلا)، وتضاف إليه درجة من الأحمر (أكثر تشبعا) في المشاهد التي تحمل مسحة كوميدية (مثل قيام ديانا بقياس مجموعة من الفساتين لتصبح قادرة على الحركة) أو المشاهد التي تتطور فيها علاقتها بـ كريس ريفنت. فتتحرك الباليتة في هذا الفصل بين الرمادي للمشاهد الخارجية، والأصفر غير المريح للداخلية، مع انكساره بالأحمر (بدرجات دافئة) في المشاهد الأكثر خفة أو رومانسية.
في فيديو على قناته بموقع يوتيوب يلتقط المحلل باتريك وليامز ملاحظة ذكية جدا عن الفارق بين شكل "المرأة الخارقة" (Wonder Woman) في فيلم زاك سنايدر "باتمان ضد سوبر مان" (Batman V Superman) ووجودها هنا، ويشير إلى أن البذلة التي ترتديها تحمل اللون الأحمر في الحالتين، ولكن في الوقت الذي يقوم فيه زاك سنايدر بجعل كل الألوان مصمتة "لا نلحظ حتى لون البذلة، حيث كل شيء ينسحب إلى اللون البني والأشكال القاتِمة"(4)، العكس يحدث هنا، هناك تشبع للون الأحمر ولجلد الممثلة جال جادوت، تكون الألون ظاهرة وبالشكل المتناسب مع معنى وجودها وسط تلك الحرب، لتخلق باتي جينكز مرة أخرى صورة أيقونية من استخدام بسيط لأدوات السينما.
مع انتهاء الحرب في البلدة تتغير "باليتة" الألوان تماما مع شروق اليوم الثاني، ليس هناك أخضر وأزرق بشكل الجنة في البداية، ولا رمادي مزرقّ كما في الحرب، نذهب إلى ألوان دافئة (مختلفة عن أي مما شاهدناه سابقا في الفيلم) يغلب عليها الأصفر والبرتقالي والبني الفاتِح.
وهكذا، لا تحاول المخرجة باتي جينكز ابتكار استخدام غير معتاد للألوان، بل تلجأ إلى طرق بسيطة وكلاسيكية، "ليست معقدة تماما ولكنها فعالة" كما يشير باتريك وليامز، أو كما تقول هي نفسها: "نحن نستخدم الاستعارات لجعل ما نفعله جميلا ويلمس الناس حقا، هناك دائما فرصة لذلك في أي فيلم، وقد حاولت فعل ذلك مع "المرأة الخارقة" (Wonder Woman) لخلق بطلة خارقة تبقى في ذهن المشاهد"(5)