إحياء اتفاق مينسك

Belarus' President Alexander Lukashenko (L), Russia's President Vladimir Putin (2nd L), Ukraine's President Petro Poroshenko (R), Germany's Chancellor Angela Merkel (C) and France's President Francois Hollande pose for a family photo during peace talks in Minsk, February 11, 2015. The four leaders meeting on Wednesday for peace talks in Belarus on the Ukraine crisis are planning to sign a joint declaration supporting Ukraine's territorial integrity and sovereignty, a Ukrainian delegation source said. REUTERS/Grigory Dukor (BELARUS - Tags: POLITICS CIVIL UNREST CONFLICT)

ربما ينطوي مستقبل إقليم دونباس في شرق أوكرانيا على أحد احتمالين، وقد نشهد أحدهما ضمن إطار عملية مينسك للسلام التي تتألف من سلسلة من الاتفاقات الهادفة لنزع فتيل المواجهة بين روسيا وأوكرانيا، أو ربما تتحول المنطقة إلى موقع لصراع مجمد من ذلك النوع الذي قد نجده في جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفييتي.

فالمناوشات الدائرة تؤكد على الخطر الدائم المتمثل في احتمال إراقة الدماء على نطاق أوسع وأشد خطورة.

في اللحظة الحالية، وصلت العملية إلى طريق مسدود، ومن المرجح أن تتصاعد وتيرة توجيه أصابع الاتهام من قِبل الجانبين، في حين يناقش الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ما إذا كان من الواجب إطالة أمد العقوبات المفروضة على روسيا، وسوف يتطلب دفع العملية إلى الأمام سلوك نهج أشد حزما من قِبل الغرب.

البت بشأن العقوبات الغربية على روسيا رفعا أو استمرار ليس بالقرار الصعب، ذلك أن شروط رفعها كانت تتمثل دوما في "التنفيذ الكامل" لاتفاق مينسك، وليس هناك من الدلائل ما قد يشير إلى احتمال إنجاز هذا الأمر بحلول الصيف، عندما يحين موعد انتهاء العمل بالجولة الحالية من العقوبات

الواقع أن البت بشأن العقوبات لرفعها أو الاستمرار في فرضها ليس بالقرار الصعب، ذلك أن شروط رفعها كانت تتمثل دوما في "التنفيذ الكامل" لاتفاق مينسك، وليس هناك من الدلائل ما قد يشير إلى احتمال إنجاز هذا الأمر بحلول الصيف، عندما يحين موعد انتهاء العمل بالجولة الحالية من العقوبات.

ولابد أن يكون من الواضح أيضا أن تخفيف العقوبات من شأنه أن يحرم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من نفوذهما على الكرملين، والبقية المتبقية من مصداقيتهما في كييف، ويكاد يكون من المؤكد أن اتخاذ مثل هذا القرار يعني استئناف الصراع، وتعاقب مراحل متناوبة من المواجهة بين ساخنة وباردة.
ويتمثل العائق الأكبر الذي يحول دون تنفيذ اتفاق مينسك في التزام أوكرانيا بتبني نظام حكم فيدرالي، وقد دأب الكرملين على اتهام أوكرانيا بالتحرك ببطء في التعامل مع هذه القضية، إن لم يكن تعمد تعطيلها.

ولكن ورغم أن الإصلاح الدستوري، بما في ذلك إلغاء المركزية، منصوص عليه في اتفاق مينسك، فإن النص يتسم بالغموض الشديد حول ما قد يترتب على هذا، وروسيا ذاتها تُعَد مثالا صارخا للّغة الدستورية التي لا تترجم دوما إلى واقع ملموس. فعلى الورق، تعتبر روسيا اتحادا فيدراليا، ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن كان حريصا على تركيز السلطة في يديه.

والسؤال الرئيسي الآن هو من ينبغي له أن يمثل المناطق الخاضعة للاحتلال الروسي بحكم الأمر الواقع مع تحرك العملية الدستورية إلى الأمام.

وليس من المستغرب أن يكون الكرملين راغبا في تمثيل هذه المناطق من قِبل قادة الانفصاليين، الذين نُصّبوا بمباركة الكرملين والذين يعتمدون على دعمه للبقاء في السلطة، ولكن حكومة أوكرانيا تعارض هذا بنفس القدر من الوضوح، وتعتبر الانتخابات الحرة والنزيهة في هذه المناطق شرطا مسبقا لمناقشة التعديلات الدستورية، وهو الموقف الذي ينسجم تماما مع اتفاق مينسك.

والآن تدور رحى معركة دبلوماسية شرسة حول من ينبغي له أن يدير الانتخابات المحلية، وتحت أي ظروف ينبغي أن تُدار، ولا يريد قادة الانفصاليين أن تشارك الأحزاب السياسية من بقية أوكرانيا في الانتخابات، كما لا يرغبون في تمكين نحو 1.5 مليون أوكراني نزحوا بفعل القتال إلى مناطق أخرى في البلاد من الإدلاء بأصواتهم. بيد أن هذه الشروط لن تكون مقبولة من حكومة أوكرانيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة.

إذا كان لعملية مينسك أن تتحرك إلى الأمام، فيبدو أنه لا يوجد مفر من تكليف منظمة دولية من نوع ما بإدارة الانتخابات، كما حدث في حالات مماثلة في أماكن أخرى، ولكن تدبير مثل هذا الأمر سيستغرق بعض الوقت. ومرة أخرى، من غير المرجح أن يحدث هذا قبل الصيف.

ينبغي للغرب ألا يسمح بانهيار نظام العقوبات وانزلاق عملية مينسك إلى عالَم الإهمال، وإذا حدث هذا فسوف تكون النتيجة النهائية صراعا على مستوى منخفض ربما يتحول بشكل مفاجئ إلى صراع أشد خطورة، ولن يحقق هذا مصالح أي طرف من الأطراف

إذا كانت روسيا ملتزمة حقا بحل هذا الجزء من الصراع مع أوكرانيا (يظل ضمها غير الشرعي لشبه جزيرة القرم غير مطروح لأي مناقشة على الإطلاق)، فلا ينبغي لها أن تجد أي صعوبة في الموافقة على انتخابات تُدار دوليا. ولا شك أن أولئك الذين يديرون إقطاعياتهم في شرق أوكرانيا يعارضون مثل هذا الترتيب، ولكن الكرملين بقيادة بوتين ليس حديث عهد بالتعامل مع أولئك الذين يختلفون معه.

وتتعلق مسألة أخرى مهمة بالأمن، فروسيا متورطة في إمداد وحراسة أجزاء أساسية من فيلقين تابعين للجيش يحتلان إقليم دونباس، والحكومة الأوكرانية لديها كل الحق في الإصرار على استعادة سيطرتها على الحدود كشرط مسبق للتعديلات الدستورية.

لا ينبغي للغرب أن يستخف بالقدر الذي يستطيع فرضه من نفوذ، فقد ارتدى الكرملين قناع الشجاعة في ما يتصل بتوقيت رفع العقوبات، والواقع أنه مشغول بفرض عقوبات من جانبه، ولكن ليس هناك من شك في أن أضرارا جسيمة تلحق بالاقتصاد الروسي.

وعلاوة على ذلك فإنه من المتوقع أن يتراجع ناتج حقول النفط الروسية القائمة بنسبة قد تصل إلى النصف في غضون العقد المقبل؛ ومع تراجع الناتج سوف تتعاظم أهمية الوصول إلى التكنولوجيا اللازمة لاستغلال الاحتياطيات التي تتزايد صعوبة استخراجها، وما دامت العقوبات سارية فسوف تظل مثل هذه التكنولوجيا بعيدة المنال.

من المؤكد أن بعض الروس قد يدعون إلى صراع طويل الأمد منخفض المستوى، وربما تتخلله دَفَقات عَرَضية من الهجمات العسكرية، على أمل أن تتفكك أوكرانيا في نهاية المطاف، وهي قراءة خاطئة للموقف وشديدة الخطورة في الوقت ذاته، وربما تلحق بروسيا ضررا شديدا، ولفترة طويلة قادمة، فرغم كل المشاكل التي تواجهها، تبرز أوكرانيا كدولة أكثر تماسكا وقابلية للحياة.

وينبغي للغرب ألا يسمح بانهيار نظام العقوبات وانزلاق عملية مينسك إلى عالَم الإهمال، وإذا حدث هذا فسوف تكون النتيجة النهائية صراعا على مستوى منخفض ربما يتحول بشكل مفاجئ إلى صراع أشد خطورة، ولن يحقق هذا مصالح أي طرف من الأطراف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.