أهم محطات الاحتكاك العربي الأوروبي


undefined

شفيق شقير

كلما أراد باحث أن يتحدث عن العلاقة السلبية التي تحكم العلاقات العربية أو الإسلامية- الأوروبية, فلا بد أن يستعيد قول أرسطو الذي خط خطا فاصلا بين الغربي ومن سواه (إن كل ما هو غير إغريقي فهو بربري), أو أن يأتي بالمقولة الذهبية للأديب الإنجليزي كلبينغ التي أعطت للجغرافيا حكما أبديا, حيث قال في أواخر القرن التاسع عشر (إن الشرق شرق.. والغرب غرب ولن يلتقيا).

بيد أن الموضوع لا يقتصر على هذه الصورة القدرية المتشائمة التي حكمت بالافتراق مهما طال اللقاء، فمحطات الاحتكاك الكبرى بين الأوروبيين من جهة والمسلمين والعرب من جهة أخرى، أعطت للقراءات السلبية للنوايا الأوروبية مصداقية عالية في نفوس العرب والمسلمين الذين نالهم من الغرب العديد من الجراحات.

ويحتل الحيز الديني جزءا كبيرا في هذه العلاقة السلبية. وارتفعت أصوات عربية ومسلمة خلال زيارة البابا لسوريا, مطالبة إياه والكنيسة الكاثوليكية بالاعتذار عن إساءاتها للعرب والمسلمين خلال الحروب الصليبية في المشرق العربي ومحاكم التفتيش في مغربه وتحديدا الأندلس، خاصة وأن الكنيسة الكاثوليكية كانت قد اعتذرت لليهود والمسيحيين الشرقيين عما ارتكبت من أخطاء بحقهم.

الأندلس ومحاكم التفتيش


الزوجان فرديناند وإيزابيللا أطلقت عليهما الكنيسة اسم الملكين الكاثوليكيين لإخلاصهما الديني ولإصدارهما القوانين المناوئة للإسلام وإنشائهما محاكم التفتيش الإسبانية لاستئصال المسلمين واليهود من إسبانيا

ففي القرن الثامن وبالتحديد في العام 711م, وصل المسلمون إلى إسبانيا, وفي السنة التالية أكملوا بسط سيطرتهم عليها، وأسموها "الأندلس". وظلت خاضعة للدولة الأموية 39 سنة، وبلغت ذروة مجدها في أيام عبد الرحمن الداخل. وبدأ بعد ذلك التراجع, حيث سادت صفوفهم الفرقة والانقسام، وأنهكتهم الصراعات الداخلية. فاغتنمت الممالك الأوروبية المحيطة بتلك الأوضاع، وأخذت تحتل مدن المسلمين الواحدة تلو الأخرى، إلى أن سلم السلطان أبو عبد الله بن الأحمر غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس إلى ملكي قشتالة وآرغون الزوجين فرديناند وإيزابيللا اللذين أطلقت عليهما الكنيسة اسم الملكين الكاثوليكيين, لإخلاصهما الديني ولدورهما في رعاية الكثلكة في إسبانيا, ولا سيما إصدار القوانين المناوئة للإسلام وإنشاء محاكم التفتيش الإسبانية بمباركة الكنيسة وتشجيعها لتستأصل المسلمين واليهود من إسبانيا.

فبعد توقيع ابن الأحمر معاهدة الاستسلام مع الملكين الكاثوليكيين بتاريخ 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 1491م التي تضمنت 27 مادة، تحدد أولاها ضرورة تسليم غرناطة قبل 25 يناير/ كانون الثاني1492م للملكين الكاثوليكيين، وتضمنت المواد الأخرى حقوق المسلمين في الأندلس بعد انضوائهم تحت حكم القشتاليين.

قام السلطان أبو عبد الله ورجاله بتسليم غرناطة(في يوم 2 يناير/ كانون الثاني 1492م) قبل التاريخ المتفق عليه. وتسلم الكاردينال مندوسة مفاتيح الحمراء من يد الوزير ابن كماشة.

وحول مسجد غرناطة الأعظم إلى كاتدرائية، ثم بدأت الكنيسة بتنظيم فرق لتنصير المسلمين, والضغط بالوعد والوعيد على وجهاء المدينة وفقهائها ليتنصروا، حتى تم تعميد جميع الأهالي بالقوة بين العامين 1500-1501م.

ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس. وفي يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1501م صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع مدن وقرى مملكة غرناطة.

كما صدر أمر بمنع استعمال اللغة العربية، ومصادرة أسلحة الأندلسيين الذين أصبحوا يسمونهم بالموريسكيين، ويعاقب المخالف لأول مرة بالحبس والمصادرة، وفي الثانية بالإعدام.

وفي العام 1508م جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامي. وفي العام 1510م طبقت على الموريسكيين ضرائب خاصة اسمها (الفارضة). وفي العام 1511م جددت الحكومة قرارات بمنع السلاح، وحرق المتبقي من الكتب الإسلامية، ومنع ذبح الحيوانات.

وفي العام 1523م صدر مرسوم جديد يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه وإخراج كل من أبى التنصير، وعقاب كل من خالف الأمرين بالرق مدى الحياة.

وفي 30 يناير/ كانون الثاني 1608م قرر مجلس الدولة بالإجماع طرد الموريسكيين (مسلمي إسبانيا) من الأراضي الإسبانية.

وفي مايو/ أيار 1611م صدر قرار للقضاء على المتخلفين من المسلمين في بلنسية، يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قتل.

ونشطت محاكم التفتيش في غرناطة في ملاحقة المتهمين بالإسلام, إلى أن طلبت بلدية المدينة من الملك سنة 1729م طرد كل الموريسكيين حتى تبقى المملكة نقية من "الدم الفاسد".

وقد تعسفت محاكم التفتيش في أعمال التعذيب والإعدام، حيث كانت تحرق أحيانا المتهمين بصورة جماعية في مواكب الموت، وأحيانا تحرق عائلات بأكملها بأطفالها ونسائها. وكانت تحاكم الموتى فتنبش قبورهم، وعندما أصدر البابا (أنوسنت) الرابع قراره المعروف بإباحة تعذيب المسلمين، حتى وإن ارتدّوا عن دينهم وأقروا باعتناق المسيحية. وكان التعذيب يجري بلا قواعد، حيث أنشئت محاكم التفتيش لهذا الغرض.

وقد أصدر البابا (كليمنت الخامس) بعد ذلك قرارا لمراقبة جلسات التعذيب التي تقوم بها محاكم التفتيش جاء فيه:

"من أجل ألا يسيء الرهبان والقساوسة والقضاة تنفيذ قرار البابا (أنوسنت) الرابع، المعروف باسم (قرار قانونية التعذيب)، وقرار البابا (جريجوري) التاسع الخاص بالمهام الموكلة إلى محاكم التفتيش، نقرر بأن يشهد جلسات التعذيب مراقبون من رجال القضاء المدني, على ألا يقل عددهم في أي جلسة عن ثلاثة". وبالطبع كان رئيس محكمة التفتيش هو الذي يختار هؤلاء المراقبين.

الحملات الصليبية‏


رسم ساسة وقساوسة الحملة الصليبية صورة سيئة للمسلمين تبريرا لأفعالهم، وما زالت هذه الأوصاف والنعوت البشعة مصدرا يغذي الصورة السيئة عن العرب والمسلمين في مخيلة الغربيين عموما

كان البابا أوربان الثاني قد دعا إليها في خطبة له في مدينة كليرمونت الفرنسية عام 1095م, وبث دعاتها للتحريض عليها تحت شعار الصليب وتحرير قبر المسيح من المسلمين. فكان من نتيجة الحملة الأولى أن استولى الصليبيون على جزء كبير من بلاد الشام والجزيرة خلال الفترة من 1069م إلى 1105م، وأنشؤوا فيها إماراتهم الصليبية الأربع: الرها وإنطاكية وطرابلس وبيت المقدس. وتوالت مذ ذاك التاريخ سلسلة الحملات الشهيرة. ونفذ الصليبيون الكثير من المذابح خلال غزواتهم. ويعترف مؤرخو الحملات الصليبية ببشاعة السلوك البربري الذي أقدم عليه الصليبيون. فذكر مؤرخ صليبي ممن شهد هذه المذابح وهو ريموند أوف أجيل أنه عندما توجه لزيارة ساحة المعبد (المسجد الأقصى) غداة المذبحة في القدس الشريف، لم يستطع أن يشق طريقه وسط أشلاء القتلى إلا بصعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه. وإلى مثل هذا القول أشار وليم الصوري، وهو أيضا من مؤرخي الحروب الصليبية.

ورسم ساسة وقساوسة الحملة الصليبية صورة سيئة للمسلمين تبريرا لأفعالهم، كوصفهم لهم بالبرابرة والوثنيين وما أشبه ذلك، مستعينين بالشعارات الدينية مثل "هذه مشيئة الله". ويكفي أنهم أطلقوا على أنفسهم اسم "الصليبيين". وما زالت هذه الأوصاف والنعوت البشعة مصدرا يغذي الصورة السيئة عن العرب والمسلمين في مخيلة الأوروبيين عموما، ولم تغب عن ذهنية المستعمر الأوروبي في الحقبة الاستعمارية للعالم العربي والإسلامي.

الحرب على الإرهاب
بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول جدد الرئيس بوش الابن مخاوف المسلمين باستعماله كلمة (crusade) والتي تعني الحملة الصليبية في بعض معانيها، وذلك في معرض حديثه عن شن حملة ضد ما أسماه بالإرهاب، مما فتح المجال أمام الكثير من الغربيين لانتقاد الإسلام والمسلمين وأحيانا وصفهم بالإرهابيين, وإعلان الحرب عليهم كما فعل البعض أمثال أوريانا فلاتشي التي خاطبت الغرب في كتابها "السخط والكبرياء", معلنة الحرب على الإسلام والمسلمين قائلة لهم "انهضوا أيها الشجعان، استيقظوا من شللكم الذي أصابكم جراء الخوف من التجديف بعكس التيار… إنكم لا تفهمون ولا تريدون أن تفهموا أننا أمام حملة صليبية عكسية، إنكم عميان لا تفهمون أو لا تريدون أن تفهموا أنها حرب دينية….". وكذاك تصريحات القس جيري فاينز التابع للكنيسة المعمدانية الجنوبية، حيث وصف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالإرهابي ونعته بأوصاف سيئة، ووصف المسلمين بالنازيين في استعادة لوصف البرابرة الذي استعمل أثناء الحروب الصليبية.

ومن جهة أخرى فإن المسلمين والعرب سيواصلون قراءة الحرب على الإرهاب, تماما مثل حرب الصليبيين على المسلمين بدعوى استيلائهم على قبر المسيح، وسيواصلون قراءة القوانين الجديدة والمحاكم المضادة لما يسمى بالإرهاب التي أقامتها بعض دول الغرب ولا سيما الولايات المتحدة على أنها محاكم تفتيش جديدة، يدان فيها المسلم على رأيه بل مظهره، ويكفي لون بشرته كي يكون متهما. وسينظرون إلى قضاة هذه المحاكم على أنهم مجرد جلادين.

ومن هنا تتأتى الأهمية التي أولاها جمع من المثقفين المسلمين والعرب, لصدور اعتذار من الكنيسة عما تسببته من أذى في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش، لأنه اعتراف ينزع الشرعية عن أي حرب مقبلة تتجلل بنفس الثوب أو تتصف بنفس الصفات.
ـــــــــــــــ
قسم البحوث والدراسات – الجزيرة نت

المصادر:
1- الشبكة العربية
2- جريدة تشرين السورية 6/4/2002
3- مؤسسة البلاغ، الموسوعة الإسلامية
4- MSN Encarta
5- أساليب تعذيب الحكام للإنسان، نجم عبد الكريم
6- العالم الإسلامي والغرب، صلاح عبد الرزاق

المصدر : غير معروف