الأمازيغ في الشمال الأفريقي.. محاولة للفهم


undefined

* بقلم محمد جميل بن منصور

مثّل التعدد العرقي واللغوي ظاهرة اجتماعية وتاريخية قل ما يخلو منها مجتمع، وتعرف بها الشعوب وتتميز بها الأقوام بمستوى حجمها وبقدر آثارها في الواقع من حيث انسجام المجتمع ووحدته أو انفصامه وتهديد تماسكه.

وفي المجتمعات ذات العوامل التوحيدية الأصلية كالدين والحضارة أو الطارئة كتوافقات السياسة ومستلزمات العقود الاجتماعية، تخف آثار وسلبيات التعدد العرقي واللغوي، بل ويتحول أحيانا إلى عامل إثراء متميز يفيد المجتمع ويعطي حضارته ألق التنوع والتعدد، أما في البيئات الانقسامية فيصبح هذا التعدد عامل فرقة وسبب صراع لا ينقطع.

والشمال الأفريقي شأنه شأن كل ملتقى حضارات ومعبر لغات وثقافات شهد مظاهر التعدد العرقي واللغوي وعرف عنه تميزه بظاهرة البربر أو الأمازيغ مقابل الأكراد في العراق وسوريا أو الأفارقة والنوبة في السودان ومصر. ورغم الاتحاد في اللون ونوع البشرة والسحنة فإن اختلاف اللسان ثم اختلاف العادة معززا كل ذلك باختلاف الولاءات في الداخل والخارج، جعل مشكلة الأمازيغ أحد الملفات الحساسة في الشمال الأفريقي والمغرب العربي وفي الجزائر خصوصا متبوعة -على اختلاف في الحجم والتعاطي- بالمغرب الأقصى.

1- كيف نشأت المشكلة؟
2- هوية وحقوق
3- بين العوامل الداخلية والخارجية
4- أي أفق وأي حل؟

1- كيف نشأت المشكلة؟
لا تعود المشكلة إلى 18 أبريل/ نيسان 2001 عندما توفي الطالب الثانوي محمد ماسينيسا قرباح في مباني الدرك الوطني الجزائري في بني دواله بولاية تيزي وزو والذي سببت وفاته انطلاق شرارة الأحداث في منطقة القبائل التي استمرت حتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بل إنها تعود إلى أبعد من ذلك إلى بداية تشكل الكيانات السياسية الجامعة للشمال الأفريقي خصوصا في الجزائر.

فوجود أقلية بربرية في الجزائر والمغرب لها امتدادات في موريتانيا وليبيا وتونس عانت خصوصا بعد الاستعمار الذي عمل على إحياء النعرات الانفصالية لدى الأقليات هنا وهناك، من أزمة هوية بين ماض مشترك يجمعها مع إخوة الدين والوطن وواقع يراد لها أن تتميز فيه ثقافة ولغة وربما حضارة ودينا، هذا الوجود أضحى حديثا مشكلة تحتاج حلا وأزمة تقتضي تفكيرا جديا يتجاوز التبسيط والتجاهل، وهما صفتان لازمتا الكثيرين في التعامل مع هذا الملف.

ومع أن الملف الأمازيغي هذا عرف تطورات مهمة وأحداثا خاصة في مختلف مراحل دول المنطقة وخصوصا الجزائر فإن سنة 1980 كانت متميزة وذلك حين أدى منع محاضرة عن الشعر الأمازيغي القديم لمولود معمري بجامعة تيزي وزو، وحفل موسيقي لفرقة أمازيغن إيمولا، إلى حدوث مظاهرات واجهتها سلطة الجزائر بالعنف والقمع. وكانت تلك الشرارة تطورا ألقى بظلاله على ملف العلاقة مع الأمازيغ وأصبحت ذكرى هذه الأحداث تعرف بـ "الربيع الأمازيغي". ودرج نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية على إحيائها في أواخر أبريل/ نيسان من كل عام.


اختلاف اللسان والعادة ثم اختلاف الولاءات في الداخل والخارج، جعل مشكلة الأمازيغ أحد الملفات الحساسة في الشمال الأفريقي والمغرب العربي وفي الجزائر خصوصا متبوعة -على اختلاف في الحجم والتعاطي- بالمغرب الأقصى.

وقد سجلت احتفالات سنة 2001 مواجهة جديدة أكثر دموية من أي مواجهات سابقة وذلك بعد مقتل الشاب القبائلي يوم 18 أبريل/ نيسان إذ تطورت الأمور بشكل سريع في واقع مازالت مواجهة السلطة والإسلاميين ماثلة أمام أعين أهله. ففي 19 أبريل/ نيسان أي بعد يوم واحد خرجت مظاهرة حاشدة قدرت بعشرة آلاف في تيزي وزو استجابة لنداء الحركة الثقافية البربرية. وفي 22 من الشهر نفسه انطلقت أعمال شغب في مدينة بجاية، لتعود في اليوم التالي التظاهرات مجددا في بني دواله بعد تشييع جنازة الشاب قرباح. ومع أن السلطات أنهت مهام مسؤولي الأمن والدرك في بني دواله يوم 24 أبريل/ نيسان مباشرة فإن ذلك لم ينه الأزمة، حيث خلفت تظاهرة يوم 25 أبريل/ نيسان 2001 تسعة قتلى ورفعت شعارات ذات مضمون اجتماعي كالعدالة في توزيع السكن. أما يوما 28 و29 أبريل/ نيسان فقد شهدا تصاعدا خطيرا للأزمة اجتاح منطقة القبائل مخلفا 29 قتيلا، وهذا ما أدى بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى قراره إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في الأحداث يوم 30 أبريل/ نيسان من نفس العام.

ودخلت السياسة على الخط حيث أعلن في الفاتح من مايو/ أيار 2001 حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD الحزب الثاني في منطقة القبائل انسحابه من الحكومة. وكان موعد بجاية إحدى أهم الولايات في المنطقة يوم 7 مايو/ أيار من نفس العام مع مظاهرة العشرين ألفا السلمية وتبعتها العاصمة في اليوم العاشر منه بمظاهرة تضامنية مع ضحايا الأحداث. وكان يوم 21 من الشهر نفسه هو موعد تيزي وزو مع المظاهرة الكبرى التي تفاوتت تقديرات عدد المشاركين فيها بما بين 50 ألفا و500 ألف والتي سميت بالمسيرة السوداء، ثم موعدها يوم 24 مع مسيرة العشرة آلاف النسائية، ثم عادت أعمال العنف مجددا ليسقط أربعة قتلى يومي 25 و26 مايو/ أيار. وفي 29 من الشهر نفسه تجمع تظاهري للطلاب أمام قصر الحكومة منددين بالقمع في منطقة القبائل. أما في 31 مايو فكان الموعد في العاصمة حيث عبأت جبهة القوى الاشتراكية مدعومة بمختلف الفعاليات الأمازيغية والمتعاطفة 200 ألف في مسيرة شعبية ضد القمع الذي تمارسه السلطة ضد القبائليين، ثم توالت المسيرات فطرحت أفكارا جديدة على الملف منها استقلال منطقة القبائل ومنها الكثير والمتعلق بهوية البربر المضيعة وتبعيتهم لعرب لا يستحقون.

ثم توالت الأحداث؛ مسيرات ومناقشات ودخلت جميع الأحزاب على الخط مختارة أو مضطرة، وكان البرلمان على موعد مع جلسة مناقشة أيام 26 – 28 مايو/ أيار 2001 شاركت فيها الأحزاب السياسية المختلفة باستثناء جبهة القوى الاشتراكية. وكان شهر سبتمبر/ أيلول الماضي المناسبة التي دعا فيها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الأمازيغ من خلال "العروش" إلى تسليم عريضة مطالب، وهذا ما كان. وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول دعا الوزير الأول علي بن فليس ممثلي "العروش" ليؤكد لهم الموافقة على أربعة مطالب من أصل 12 مطلبا.

أما في المغرب الأقصى جار الجزائر الذي يشترك معها في وجود أقلية أمازيغية، فقد نشأت حركة تضامن واسعة مع ما يسمى انتفاضة القبائل أو الغضب الأمازيغي وتعددت أشكال ووسائل هذه الحركة التضامنية وكان أهمها ما عبرت عنه الجمعيات الثقافية الأمازيغية خصوصا في مسيراتها تحت يافطة الاتحاد المغربي للشغل في مدن الرباط والدار البيضاء وأغادير ومراكش والناظور وغيرها وفي المهرجان التضامني يوم 8 يونيو/ حزيران في مقر الاتحاد نفسه.

لقد مثلت تطورات الجزائر من 18 أبريل/ نيسان 2001 وحجم التضامن معها في الداخل وفي المغرب المجاور، إحياء جديدا لمشكلة قديمة حيث طرحت بإلحاح المسألة الأمازيغية في أبعادها المختلفة الثقافية والاقتصادية والسياسية وحتى الحضارية، وأصبح من الملح التفكير في المشكلة وقوفا عند أسبابها وخلفياتها وتحليلا لأبعادها وتداخلاتها ووصولا إلى رؤية واضحة تمهد لحل جدي شامل وتفتح الآفاق لمعالجة تعترف بالتنوع ولكنها تحرسه بالوحدة وتقبل الاختلاف لكنها ترفض الصراع.


ودخلت السياسة على الخط حيث أعلن في الفاتح من مايو/ أيار 2001 حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD الحزب الثاني في منطقة القبائل انسحابه من الحكومة.

2- هوية.. وحقوق
يطرح الأمازيغ في الجدل السياسي والاجتماعي الدائر بشأن قضيتهم في الشمال الأفريقي إشكالية الهوية سواء في وجهها الحضاري والثقافي أو في وجهها اللغوي واللساني. ولم يكن خافيا أن الاستعمار الفرنسي أخذ هذه القضية وأعطاها من الأبعاد والمعاني ما يناسب أهدافه في المنطقة وتجاه مختلف مكوناتها. فالسلطات الفرنسية تصور إسلام البربر بأنه سطحي لم ينفذ إلى أعماق الإنسان البرري ولا يشكل معتقدا حقيقيا بالنسبة له، فالقبائل البربرية هي قبائل علمانية لا تعرف أين يبدأ الإيمان ولا أين ينتهي على حد ما نسبه الدكتور محمد عابد الجابري للفرنسيين في كتابه "المغرب المعاصر: الخصوصية والهوية الحداثة والتنمية".

أما لغويا فقد اعتبر المارشال ليوطي أول مقيم عام فرنسي 1912-1925 أن استعمال اللهجات البربرية واللغة الفرنسية في المناطق التي تسكنها القبائل البربرية أمر غير قابل للجدال. وقد أصدر هذا المارشال المقيم أمرا يمنع استعمال اللغة العربية الدارجة منها والفصحى منعا كليا. وقصة هذا المارشال الفرنسي مع أحد ضباطه معروفة عندما حاول الأخير أن يرشد قبيلة آيت مسروح البربرية إلى الاستعانة بمعلمي العربية ليحرروا لهم مراسلاتهم الإدارية، إذ أنبه واعتبر ما قام به من جنس الكبائر، خصوصا أن هؤلاء المعلمين سيدرسون الأبناء العربية ويعلمون القوم إقامة الصلاة التي أهملها الكثير منهم بسبب الجهل.

وقد خلص الباحث الاجتماعي سالم البيض في بحثه من أجل مقاربة سوسيولوجية لظاهرة القبيلة في المغرب العربي، إلى سؤال عن هوية البربر في التصور الفرنسي قائلا "خلاصة القول أن السياسة الفرنسية البربرية لها أساس ثقافي شامل ينظر إلى البربر على أنهم جزء لا يتجزأ من الثقافات الآرية ذات الأصول الأوروبية وبالتالي لابد من الرجوع بهم إلى الحقبة السابقة على الغزو العربي الإسلامي"، وهذا ما عبر عنه قصدا تقرير استعماري فرنسي "إنه من الضروري تجنب أسلمة (islamisation) وتعريب (arabisation) البرابرة، وإذا كان من الضروري أن يتطوروا فعلينا أن نوجه تطورهم نحو ثقافة أوروبية واضحة وليس نحو ثقافة إسلامية هرمة".

وقد أعطت المساعي الاستعمارية الفرنسية أكلها فأصبحت النخبة الأمازيغية أو أغلبها تنظر إلى الانتماء العربي الإسلامي نظرة شك في أحسن الأحوال وتبحث لنفسها عن أرضية حضارية أخرى ويكفي أن تعلم في هذا السياق حجم النشاط التنصيري في منطقة القبائل حيث تشير إحدى الدراسات إلى وجود 19 جمعية تنصيرية في هذه المنطقة وحدها وانتشار 30 ألف نسخة من الإنجيل في منطقة تيزي وزو وينتشر في أوساط ناشطي الحركة الأمازيغية الاستهزاء بالدين والتنكر له أما على المستوى اللغوي والثقافي فقد اتخذ هؤلاء موقفا صارما من العربية والتعريب.. وكانت شعارات مسيرة الفاتح من مايو/ أيار 2001 في الرباط العاصمة المغربية دالة في هذا السياق فهذا شعار كتب بالفرنسية "nous ne sommes pas des arabes corrigez l histoire" ومعناها: نحن لسنا عربا صححوا التاريخ وهذا شعار مكتوب بالحرف العربي "تعريب المحيط تخريب لهويتنا الحضارية" وكانت صورة تلك الفتاة التي غطت جسمها في المسيرة بلافتة تقول لا لعروبة المغرب دالة في هذا المعنى، وهذه الشعارات التي حملتها مسيرة المغرب لم تكن إلا ترجمة هادئة لشعارات أشد ومواقف أكثر عداء للعربية ثقافة ولسانا رفعت في مسيرات الجزائر وطرحها ناشطو الأمازيغية في أكثر من مناسبة هناك. وفي شرحه لمصطلحه الكبير: "السعي إلى إعادة هيكلة الأمم في العالم" قال الدكتورالجزائري مولود الوناسي في حواره مع جريدة العالم الأمازيغي، العدد الصادر في 31 مايو/ أيار 2001 هناك دينامية لا يمكن أن نفر منها هذه الدينامية تؤدي إلى خلق تجمعات كبيرة .. وتجمعنا الطبيعي هو شمال أفريقيا وأضاف: "شمال أفريقيا سيكون فيه للمكون الأمازيغي النصيب الحاسم وهذا سيدخل في تجمع أكبر هو التجمع المتوسطي".

وكثيرا ما يستغل مثقفو وقياديو الأمازيغ فرص اللقاءات العامة لطرح كل هذه المعاني المتعلقة بالهوية وإن ركزوا كثيرا على وجهها اللغوي والثقافي أكثر من وجهها الحضاري والديني.

وقد طرحت مشكلة الأمازيغ في الشمال الأفريقي إشكالية حقوق سواء على المستوى القانوني والدستوري أو على المستوى السياسي والاجتماعي وتتميز الجزائر بأنها خطت خطوات معتبرة في هذا المجال وإن ظلت ناقصة في أعين الفاعلين الأمازيغ ومؤيديهم في الداخل والخارج فالأمازيغية التي أنشئت لها محافظة سامية تدرس في الجزائر والدستور نص على الأمازيغية كجزء من الهوية الجزائرية الجامعة ووسائل إعلام الدولة تقدم نشرات مفصلة بالأمازيغية.


كثيرا ما يستغل مثقفو وقياديو الأمازيغ فرص اللقاءات العامة لطرح كل هذه المعاني المتعلقة بالهوية وإن ركزوا كثيرا على وجهها اللغوي والثقافي أكثر من وجهها الحضاري والديني.

وفي لقائه بوفد الأمازيغ يوم 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2001 على إثر أحداث منطقة القبائل أعلن الوزير الأول الجزائري علي بن فليس الاستجابة لأربعة مطالب بما فيها ترسيم اللغة الأمازيغية، إلا أن ما يبدو مماطلة في تنفيذ وتنزيل الإجراءات والسياسات السابقة الذكر جعل مسألة الحقوق الدستورية والميدانية مطروحة بشكل مستمر.

ويعرف المشهد الحزبي في الجزائر وجود أحزاب كبيرة ومتوسطة تحسب على التيار البربري فمن بين الأحزاب الجزائرية الكبرى تبرز جبهة القوى الاشتراكية FFS التي يتزعمها حسين آيت أحمد صاحب الدعوة إلى تدخل دولي وتحقيق أممي على إثر أحداث منطقة القبائل كما كان يشارك في حكومة الرئيس عبد العزيز بوتقليقة حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية RCD بزعيمه سعيد سعدي المتميز بغلوائه المعروف.

أما في المملكة المغربية والتي لم تشهد انفجارات ومصادمات كالتي حدثت وتحدث في الجزائر المجاورة فقد ظلت المسألة الأمازيغية موضوعا ثقافيا أكثر منه مادة للصراع السياسي والاجتماعي وقد ظل التعامل الرسمي مع الملف متوجسا ومحدودا إذا ما استثنينا ما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين من دعوة إلى"إنعاش الأمازيغية" والذي جاء إثر خطاب 20 أغسطس/ آب 1994 الذي دعا فيه الملك الراحل الحسن الثاني إلى إدخال اللهجات في برامج التعليم باعتبارها شاركت لغة القرآن في صياغة تاريخ المغرب وأمجاده إلا أن التطورات في الجزائر وتزايد الجدل الثقافي والإعلامي حول المسألة الأمازيغية في المغرب تركت آثارا واضحة على التعاطي مع الموضوع وهكذا جاءت مبادرة الملك الشاب محمد السادس في خطاب العرش 30 يوليو/ تموز 2001 بإعلان إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمؤسسة لبلورة السياسات الكفيلة بالنهوض بهذا المكون من مكونات الهوية المغربية. وكان الملك في الخطاب المذكور قد صرح بموقع الأمازيغية حين قال إن الهوية الوطنية "متميزة بالتنوع والتعددية مثلما هي متميزة بالالتحام والوحدة والتفرد عبر التاريخ" وإن لها "روافد متنوعة أمازيغية وعربية وصحراوية أفريقية وأندلسية" وقد حدد الملك مهام المعهد المذكور بشكل عملي خلافا للسابق: "صياغة وإعداد ومتابعة عملية إدماج الأمازيغية في نظام التعليم والقيام بمهام اقتراح السياسات الملائمة التي من شأنها تعزيز مكانة الأمازيغية في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني وفي الشأن المحلي والجهوي". وقد شهد المغرب سياسيا وثقافيا نشوء حزب يدافع عن الهوية الأمازيغية وجمعيات عديدة لحماية الأمازيغية شعبا وثقافة وأدبا.

ولعل مشكلة الأمازيغ هذه التي تتجاذبها إشكالية هوية تحتاج حدودا جامعة مانعة على لغة الأصوليين وموضوع الحقوق التي تتوفر لهم فعليا خصوصا في الدولتين اللتين توجد فيهما نسبة مقدرة من الأمازيغ (الجزائر والمغرب) أصبحت موضوعا حساسا تتداخل فيه أسباب الداخل ومساعي الخارج بكل ما يعنية ذلك من ترابط الأولى بالثانية وإساءة الثانية للأولى في عالم أصبح الخارج الغربي حريصا على الإمساك بمفاتيح التوتر وعوامل الانفجار في الدول الضعيفة والتابعة.

3- بين العوامل الداخلية والخارجية
إضافة للعوامل المتعلقة بقضايا الهوية والحقوق ثمة عناصر إضافية تزيد الأبعاد الداخلية للأزمة تشعبا لعل أهمها الجانب الاقتصادي حيث يعيش 23 % من سكان الجزائر تحت مستوى الفقر بينما يستحوذ 20 % من مواطنيه الأغنياء على 50 % من الدخل القومي كما يبلغ عدد العاطلين من الشباب -الوقود الرئيسي لاحتجاجات القبائل- أكثر من ثلاثة ملايين ويسجل المراقبون مفارقة دالة فمع أن مناطق البربر لم تشهد تنمية اقتصادية في حجم تنمية المناطق الأخرى ورغم الأوضاع الاجتماعية الصعبة فيها والتي شكلت قاعدة لتحركات أبريل وما بعده فإن عناصر القبائل ظلت متنفذة في الدوائر الرسمية حتى أكثرها حساسية ويكفي أن نسجل في هذا السياق انتماء شخصيات نافذة لهم من أمثال رئيس هيئة الأركان محمد العماري وقائد إدارة المخابرات محمد مدين ومستشار وزير الدفاع محمد التواتي.


إن الهوية الوطنية "متميزة بالتنوع والتعددية مثلما هي متميزة بالالتحام والوحدة والتفرد عبر التاريخ" وإن لها "روافد متنوعة أمازيغية وعربية وصحراوية أفريقية وأندلسية

الملك محمد السادس

وتشكل العوامل الداخلية كلها سواء ما تعلق منها بموضوع الهوية والحقوق أو بواقع الحرمان والتهميش أو بالدور السياسي والاجتماعي في نظر البعض مظاهر يحركها بعد خارجي لايخفي دفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى التعليق على أحداث أبريل بأنها "قنبلة انفجرت في وقت غير مناسب" متهما أطرافا خارجية بالسعي إلى حرب أهلية وزعزعة الاستقرارا الوطني. وأول الجهات الخارجية ذات الصلة بالملف الجزائري عموما وبقضية الأمازيغ خصوصا فرنسا التي ظلت تمسك بأطراف اللعبة الداخلية في الجزائر اجتماعيا وسياسيا إلى عهد قريب وكان تأسيس الأكاديمية البربرية سنة 1967 في باريس بمثابة الإشارة الواضحة إلى حرص فرنسا على تبني قضية الأمازيغ في وجه ما تسميه غزوا عربيا وإسلاميا، وقد صرح وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين بعد أحداث أبريل/ نيسان 2001 وتعامل الحكومة الجزائرية معها: "إن فرنسا لا يمكنها أن تظل ساكتة في وجه ممارسة العنف والقمع" وصاحب تصريحه هذا تحرك قضائي في باريس ضد وزير الدفاع الجزائري المعروف خالد نزار، وأمام البرلمان الفرنسي وردا على أسئلة النواب أسبغ فيدرين على مطالب المتظاهرين الأمازيغ صفة الشرعية مؤكدا أن فرنسا حساسة لهذا المطلب والنداء الذي ينبع من عمق الشعب الجزائري. ومعروف أن فرنسا شهدت مظاهرات متعددة لدعم انتفاضة القبائل. وردا على الموقف الفرنسي بادرت السلطات الجزائرية إلى رفض منح التأشيرة لصحفيين فرنسيين عديدين منهم ممثلون عن "ليبيراسيون" و"لوموند" و "لوفيجارو" فضلا عن فريق التلفزيون الفرنسي.

والظاهر أن أحداث الجزائر وتفاعلات المشكلة الأمازيغية مسألة داخلية تملك ما يكفيها من الأسباب والعوامل إلا أن العامل الخارجي مؤثر رئيس فيها خصوصا مع الترابط التاريخي الذي حرص عليه المستعمر الفرنسي مع نخب وقيادات "تمازيغا". ومع التبني الصريح لقضية البربر من طرف جهات غربية عديدة في فرنسا وأوروبا عموما.


إن عناصر القبائل ظلت متنفذة في الدوائر الرسمية الجزائرية حتى أكثرها حساسية ويكفي أن نسجل في هذا السياق انتماء شخصيات نافذة لهم من أمثال رئيس هيئة الأركان محمد العماري وقائد إدارة المخابرات محمد مدين ومستشار وزير الدفاع محمد التواتي

4- أي أفق وأي حل؟
في مثل هذه الحالات ومواجهة لهذا النوع من المشاكل التي تملك من عوامل الداخل ما يكفيها تغذية واستمرارا وتحظى من الدعم الخارجي بما يكفل لها الإشاعة والحماية يصعب تصور الحلول ويستعصي افتراض منطق المعالجة بين الاعتراف والتشريع.

إن الاعتراف بوجود مشكلة أمازيغ في الشمال الأفريقي هو المدخل الصحيح لمعالجة هذا الملف الذي يشكل نموذجا حيا على الصراعات الداخلية في الوطن العربي وأن هذه المشكلة لها أكثر من وجه وتحتاج معالجة على كافة الأصعدة على نحو يستوعب ويتفهم.

ولا شك أن ترجمة هذا الاعتراف في حوارات صريحة وشفافة حول المسألة بكافة أبعادها وبمشاركة جميع المعنيين قائمين على الدولة وفاعلين سياسيين واجتماعيين ومعنيين مباشرة بالملف أمر وارد بل ومطلوب، ولكن الاعتراف من أجل التجاوز والمعالجة شيء والاعتراف لتشريع الواقع وتركيزه وجعله أزمة قابلة للانفجار وقنبلة مهيأة للاشتعال شيء آخر .

إن كثيرا من الحريصين على الوحدة الوطنية والحادبين على الاستقرار والانسجام يتجاهلون الظواهر الموضوعية والحقائق الاجتماعية وما يترتب عليها من حركات مطلبية وشعارات احتجاجية فتسكت إلى حين وتهدأ بعض الوقت ولكن مصيرها إلى التأزم ومستقبلها إلى التعقيد ومشكلة الأمازيغ رغم المساعي الخارجية ونوايا أصحابها وطموحات النخبة البربرية ذات المواقع القيادية والأمامية في الحركة الاحتجاجية قابلة للمعالجة والاعتراف الصريح وطرح المواضيع على الطاولة بشفافية هو البداية السليمة، ولا يعني ذلك عدم الانتباه للمخاطر في هذا المسلك فالاعتراف دون ضوابط والحوار دون قواعد والمصارحة دون المصلحة قد تؤدي كلها لنتائج عكسية غير التي تخدم واقع الانسجام ومستقبل التعايش.

لقد علقت صحيفة "تاويزا" على إمكانية تأثر المغرب الأقصى بالتطورات في الملف الأمازيغي قائلة : "إن الغضب الأمازيغي بالمغرب سيكون انفجارا على شكل بيك بانك BIG-BANG كبير وضخم لن يكون ذا مضمون لغوي وهو يأتي فقط بل سيفجر معه المكبوتات السياسية والاجتماعية والتاريخية وكل الملفات المسكوت عنها"
وفي موريتانيا بدأ بعض الناس يتحدث عن وجود أمازيغي مظاهره اللغة والعادة قابل للإحياء من جديد !

إن وضعية الأمازيغ في الشمال الأفريقي -كما هو حال الأكراد مشرقا والأفارقة في شمال الشمال وشرقه- وضعية تحتاج تفكيرا ونظرا وبصيرة ، توفر الحقوق، وتحد من أسباب التدخل الخارجي وكيد الآخر الغربي الذي يبدو أنه مازال حريصا على رعاية الأزمات وإحياء التوترات.
____________
* كاتب موريتاني

المصدر : غير معروف