أزمة العلاقات المغربية الجزائرية ومشكلة الصحراء المغربية

undefined

ما هي العناصر المؤثرة في العلاقات المغربية الجزائرية؟ وكيف توثر العلاقة بين هذين البلدين على مختلف قضايا المغرب العربي وفي صميمها ملف الصحراء؟ وهل تصبح احتمالات تسوية الخلافات المغربية الجزائرية هي مفتاح تسوية مشكل الصحراء المزمن؟ وإذا كان حصول انفراج في العلاقات بين الرباط والجزائر أمرا مستبعدا في المستقبل فهل يصبح الاحتمال الوارد هو استمرار الوضع الحالي الذي يشبه حالة حرب باردة متحكم فيها؟ عن هذه التساؤلات يجيب تحليل الأستاذ مصطفى الخلفي التالي:

بقلم/ مصطفى الخلفي*

العوامل الفاعلة في تطور العلاقات بين المغرب والجزائر
نزاع الصحراء والعلاقات المغربية الجزائرية
التسوية الأممية والتقاطب المغربي الجزائري
أزمة التسوية الأممية والخلاف المغربي الجزائري
خلاصة استشرافية

أكدت المداولات الأخيرة لمجلس الأمن حول مستقبل عملية التسوية الأممية لنزاع الصحراء الغربية، الدور المركزي لأزمة العلاقات المغربية الجزائرية في استمرار حالة الغموض الشديد الذي يلف مستقبل هذه العملية، وهي خلاصة عززت خلاصة سابقة ارتبطت بالفشل الذي منيت به جهود عقد القمة المغاربية في يونيو/ حزيران 2002، وكلها تحيل على أن دراسة العلاقات المغربية الجزائرية هي بمثابة المفتاح لفهم مختلف المشكلات التي يعرفها الوضع المغاربي، إنْ على مستوى مشكلة الصحراء أو على مستوى العلاقات بين دوله، وكذا مسلسل الاندماج المغربي المعطل أو مستوى التفاعل مع السياسات الأوروبية والأميركية الموجهة للمنطقة.
وعلى الرغم من فترات التعاون والهدوء النسبي التي عرفتها العلاقات، فإن السمة الغالبة لها منذ حصول الجزائر على استقلالها في 1962 هي التوتر والاحتراب، مما يكشف عمق الأسباب المنتجة لهذه الوضعية وتعقد الملفات المطروحة على البلدين اللذين اقترابا في محطات سابقة، من حافة المواجهة العسكرية المفتوحة، بعد أن خاضا في بداية الستينيات ما عرف بحرب الرمال بسبب مشكلة الحدود بينهما.
و بغية فهم الوضع الراهن، سنقارب تطور أزمة العلاقات والعوامل الفاعلة في هذا التطور والملفات المركزية في هذه الأزمة، وانعكاس ذلك على قضية الصحراء الغربية، كمقدمة لاستشراف مستقبلها.

العوامل الفاعلة في تطور العلاقات بين المغرب والجزائر


اعتبر المغرب أن طبيعة النظام الذي اختاره هي التي تقلق الجزائر التي اعتبرت أن الاشتراكية التي انتهجت هي التي تقلق المغرب

يرتهن الوضع العام للعلاقات المغربية الجزائرية عموما، والتناقض الحاد بين البلدين إزاء قضية الصحراء خصوصا، لعدة عوامل تاريخية وجغرافية وإيديولوجية فضلا عن العوامل الدولية، وهي عوامل تشكلت طوال الأربعين سنة الماضية، دون إغفال رواسب الماضي.
ويمكن تركيز هذه العوامل في النقاط الثلاث التالية:

  1. المستوى التاريخي والأيديولوجي
    والذي يعود إلى اختلاف التطور التاريخي للبلدين، فالمغرب ذو رصيد تاريخي في الاستقلال السياسي والهوية الواحدة ذلك أنه "مصدر السلطات والإمبراطوريات ونقطة تجمع للتاريخ الإسلامي العربي في شمال أفريقيا. ولأنه أيضا يتمتع ببنية داخلية تجمعها حاجة استعادة وحدة ماضيه ويحتل موقعا جغرافيا مطوقا للمغرب (…) بالمقابل فإن الجزائر، كوحدة سياسية، تسعى لانتشال نفسها من غموض تاريخي وإيجاد هوية قومية بدونها تنتهي الثورة إلى مأزق حاد، دواؤه الوحيد الذوبان في وحدة المغرب العربي1. وتبلور ذلك بوضوح في التمايز الذي عرفه كلا النظامين السياسيين للبلدين، نظام ملكي في المغرب وآخر جمهوري في الجزائر، وما استتبع ذلك من تنامي خوف مغربي من تمدد جزائري للهيمنة عليه لا سيما في ظل الحضور المتعاظم عربيا وإفريقيا ودوليا للجزائر2. وقد برز هذا بوضوح في مضامين الحرب الإعلامية الأيديولوجية بين البلدين مباشرة، بعد حرب الرمال سنة 1963 حيث اعتبر العاهل المغربي أن طبيعة النظام الذي اختارته بلاده هي التي تقلق الجزائر، واعتبرت الجزائر أن الاشتراكية هي التي تقلق المغرب3، كما يفسر هذا العامل أحد الأسباب التي كمنت وراء الدعم الجزائري لبعض فصائل المعارضة المغربية.
    2 ـ الخلاف الحدودي
    وهو الخلاف الذي تدافع فيه الجزائر عن حدودها كما تركها الاستعمار الفرنسي في مقابل المغرب الذي يطالب بحدوده كما كانت قبل مجيء هذا الاستعمار والتي تمثل معاهدة لالة مغنية 18 مارس/ آذار 1845 إطارا مرجعيا لها، وهي المعاهدة التي وقعها المغرب مع فرنسا بعد هزيمته بمعركة إيسلي في 14 أغسطس/ آب 1844 بسبب دعمه لثورة الأمير عبد القادر الجزائري. وفي تلك المعاهدة تم النص على استمرارية الحدود التي كانت بين المغرب وتركيا لتصبح هي الحدود بين المغرب والجزائر، إلا أن الاتفاقية أبقت منطقة الصحراء الشرقية في الجنوب (أي منطقة تيندوف) في وضعية غامضة. وقد تلت هذه الاتفاقية عدة اتفاقيات أخرى في 1901 و1902 كانت ترتبط بدرجة تقدم التوغل الاستعماري لفرنسا في المغرب وسعيها لتثبيت وجودها في الجزائر مما كان يفضي للانتقاص التدريجي من التراب المغربي. ومنذ حصول المغرب على استقلاله ومشكلة الحدود مع الجزائر مطروحة، إلا أنها تؤجل حتى لا تعتبر طعنا للثورة الجزائرية، إلى أن حصلت الجزائر على استقلالها في يوليو/ تموز 1962 ويتجدد طرح المشكل. وقد نجم عن هذا الخلاف الحدودي مواجهات عسكرية بين البلدين عرفت بحرب الرمال في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1963، بعد تصاعد الأحداث الحدودية طيلة شهري يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول من نفس السنة،حيث تقدم المغرب نحو منطقة تيندوف وفشلت المفوضات التي تمت في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول بين المغرب والجزائر وحضرها عن الجزائر عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي لها4. وقد تم احتواء النزاع بعد تدخلات عربية وأفريقية، كما عالج لقاء مصغر في القمة العربية بالقاهرة عام 1964 بعض أسباب النزاع، إلا أن المشكل المتعلق بالصحراء الشرقية بقي عالقا خصوصا بعد اكتشاف الحديد بها وتجدد المطالب المغربية بضرورة تسوية المشكلة، ليكتسي النزاع بعدا دوليا حيث اصطبغ بصراعات الحرب الباردة واصطفاف المغرب لجهة الولايات المتحدة في مقابل اصطفاف الجزائر لجهة الاتحاد السوفياتي، ولا سيما بعد انقلاب بومدين في 1965، و لم يخل التوتر من صدامات عسكرية في 1967 أدت لسعي المغرب لطرح النزاع على الأمم المتحدة5. وما غذى النزاع بقوة هو صعوبة استغلال الحديد المكتشف إلا إذا تم نقله عبر الصحراء في اتجاه المحيط الأطلسي أي عبر المرور على المغرب، باعتبار الكلفة الكبيرة لنقله من منطقة تيندوف إلى الساحل المتوسطي للجزائر في الشمال، وهو ما فرض على الطرفين الدخول في مفاوضات تتيح الاستغلال المشترك لمناجم الحديد في مقابل الاعتراف المغربي بجزائرية منطقة تيندوف، كان من ثماره مفاوضات إيفران في 15 يناير/ كانون الثاني 1969 ثم مفاوضات 27 مايو/ أيار 1970 وبعدها مفاوضات 15 يونيو/ حزيران 1972، والتي انبثقت عنها معاهدة حول الحدود المغربية الجزائرية نصت على اعتراف المغرب بجزائرية تيندوف، والمشاركة في إنتاج وتسويق حديد تيندوف، ودعم الجزائر لمغربية الصحراء6. وتلا ذلك تصريحات جزائرية مؤيدة للحق المغربي في الصحراء، منها تصريح الرئيس الجزائري بومدين في مؤتمر القمة العربي بالرباط في أكتوبر/ تشرين الأول 1974 بأن مشكلة الصحراء لا تهم سوى المغرب وموريتانيا، وأن الجزائر مع الدولتين وتؤيد تحرير كل شبر من الأرض لا فقط في الصحراء الغربية بل أيضا في سبتة ومليلية وكل الجزر التي لا تزال تحت الاحتلال الإسباني7.
    إلا أن احتداد النزاع المغربي مع الاستعمار الإسباني حول الصحراء، وقرب تمكن المغرب من حسم النزاع لصالحه الذي يعني خروج الجزائر بدون مكاسب، وفي المقابل تقوية العلاقات الجزائرية الإسبانية واشتداد عود جبهة البوليساريو المدعمة من ليبيا وبالتالي بروز احتمالات تجاوز الممر المغربي لتسويق الحديد من خلال دعم مشروع دولة صحراوية توفر هذا الممر بدون كلفة كبيرة، دفع نحو حصول تحول في الموقف الجزائري منحاز كليا لصالح أطروحة تقرير المصير وقيام دولة صحراوية، وهو ما برز بوضوح بدءا من 1975 8.
    3- العامل الدولي
    حيث أن سياسات القوى الدولية تجاه المنطقة المغاربية ارتكزت على التحكم في العلاقات المغربية الجزائرية، والموازنة بين طرفي هذه العلاقات، سواء أثناء الحرب الباردة أو ما بعدها، وذلك بحسب الأولوية المحددة من طرف القوى الأجنبية والتي ترى في المنطقة خزانا نفطيا (الجزائر) وموقعا إستراتيجيا (المغرب) فضلا عن كونها سوقا للسلاح بامتياز، وهي اعتبارات عززها الماضي الاستعماري لفرنسا التي كانت تعتبر المنطقة مجال نفوذ تقليدي لها. ورغم انهيار الاتحاد السوفياتي فإن رياح الحرب الباردة لم تغادر المنطقة حيث حافظت الجزائر على علاقتها العسكرية الإستراتيجية مع روسيا، واستمرت هذه الأخيرة في تبني الأطروحة الجزائرية بخصوص نزاع الصحراء داخل مجلس الأمن، وفي المقابل نجد الولايات المتحدة أكثر مراعاة للمطالب المغربية بخصوص النزاع، رغم بروز نزعة توظيفية لهذا الأمر من أجل فتح البوابة العسكرية الجزائرية.

يرى المغرب أن الجزائر ساندت البوليساريو لتضمن إشغال المغرب عن المطالبة بمنطقة تيندوف الجزائرية، وأن إسبانيا اختارت موقفا لا يخلو من مساندة الصحراويين حتى لا يتحرك المغرب للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر المحتلة من طرف إسبانيا

الخلاصة هي أن قضية الصحراء كانت توجد في قلب صراع دولي في تلك المرحلة ليس باعتبار مساحتها الجغرافية أو ثرواتها الطبيعية فقط، بل باعتبار دورها في تعميق تبعية دول المنطقة أيضا، واستمرت هذه الوضعية رغم انتهاء الحرب الباردة وهو ما نرصده من خلال مستويات ثلاثة:

  • المنطقة المغاربية هي منطقة حيوية للأمن الإستراتيجي ولأوروبا ولحوض المتوسط، وهو ما جعلها تمثل بؤرة من بؤر الصراع الدولي وذلك منذ بداية هذا القرن، حيث يرى تقسيم المغرب إلى عدة أجزاء بين الدول الاستعمارية من خلال عدة معاهدات توجت بعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء 15 يناير/ كانون الثاني 1906 حتى 7 إبريل/ نيسان 1906 الذي استمر طيلة ثلاثة أشهر، وعرف صراعات دولية حادة على المغرب حضرت فيها كل من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا والبرتغال وإيطاليا، التدخل الدولي الراهن على اختلاف أشكاله الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية هو بمثابة "استمرار للمعالجة الدولية التنافسية الساعية إلى تحديد شروط غلبة إستراتيجية لأحد الأطراف الدولية المتنازعة"9.
  • ساهم الصراع الدولي في مرحلة الحرب الباردة في توظيف الصراع حول الصحراء المغربية لتحقيق عدة أهداف، منها التحكم في الممرات المائية، تشكيل الأحلاف العسكرية. إلا أن أهم هدف خدمته القضية هو أنها أصبحت أداة إشغال وإبعاد لغرب العالم الإسلامي والعربي عن شرقه وخصوصا أن المغرب والجزائر سبق أن عبرتا عن انشغال معتبر بالقضايا العربية والإسلامية، كما أثبت ذلك د. الشامي في دراسته عن "الصحراء الغربية..عقدة التجزئة في المغرب العربي".
  • أفضت تطورات الصراع في المنطقة إلى ارتفاع الحاجة إلى الدعم الأجنبي عسكريا واقتصاديا، لهذا النظام أو ذاك. وهو ما جعل القضية عنصر استنزاف للمقدرات الذاتية من جهة وعنصر تعميق للارتهان والتبعية من جهة أخرى، وهو ما أصبح يعطي مبررا للتدخل الأجنبي. وحسب د. الشامي فسيكون "التعاطي مع موضوع الصحراء إحدى الوسائل الهادفة إلى إطالة عمر المصالح الأجنبية في شمال إفريقيا خصوصا وعموم القارة عموما"10 وهو ما جعل التعاطي الدولي يخضع لسياسة اللاحسم لفوائدها الأمنية والإستراتيجية ولخدمتها لخيار التجزئة والاستنزاف والتبعية لدول العالم الإسلامي على أساس توازن دقيق بين الجزائر والبوليساريو من جهة أولى والمغرب من جهة ثانية، مارسته في مرحلة أولى فرنسا وبدرجة أقل الولايات المتحدة، في مرحلة ثانية أخذت الولايات المتحدة الزمام واستمرت به حتى الآن.

الخلاصة هي أن العوامل الثلاثة جعلت من تعميق ارتهان المغرب لنزاع الصحراء رهانا جزائريا تضمن من خلاله إشغال المغرب عن المطالبة بالصحراء الشرقية، مثلما هو حال إسبانيا التي اختارت نفس الموقف حتى لا يتحرك المغرب للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر المحتلة من جهة أولى، وعملت في نفس السياق على توفير التغطية للتدخل الأجنبي في المنطقة من جهة ثانية.

نزاع الصحراء والعلاقات المغربية الجزائرية

منذ سنة 1976 وعلى غاية نهاية الثمانينيات، اتسم وضع العلاقات بحصول تقدم مطرد للأداء الجزائري وسط ترحيب خفي وحذر من القوى الأجنبية الساعية لإحداث توازن إقليمي يضمن استمرار المشكلة بل ويزيد من تعقيدها. دون أمل في حلها أو في رجحان الكفة لصالح هذا الطرف أو ذاك.
في هذه المرحلة التقى عنصران، الأول صادر عن صحراويي البوليساريو والثاني عن الجزائر:

  1. بالنسبة للأول، فقد بدت إرهاصاته الأولى في المؤتمر الثاني لجبهة البوليساريو 25 أغسطس/ آب 1974 حيث حددت الجزائر كحليف إستراتيجي للجبهة. فبعد المسيرة الخضراء في نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 واسترجاع المغرب للصحراء، أصبح المغرب هو المستعمر، وما قوى ذلك هو بقايا التجربة المرة لمؤسس البوليساريو عند تحركه لجلب الدعم من داخل المغرب، وفي ظل هذا التحول بدأ التنسيق مع إسبانيا لضمان مساعدتها في الانتشار داخل الصحراء. هذا من جهة، وحصل الارتماء الكلي في أحضان المشروع الجزائري من جهة أخرى. وتوج ذلك بإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27 فبراير/ شباط 1976 وما تلاه من تصاعد قوتها خاصة وأن المغرب لم يمارس سياسة جذب لهم بل حصل العكس، أي دفعهم لأحضان الجزائر.
  2. أما الثاني، فإن الجزائر لم تنظر في استرجاع المغرب لصحرائه إلا تهديدا لوحدتها ووسيلة لتطويقها ومقدمة لإجهاض ثورتها كما صرح بذلك الرئيس بومدين في خطاب ألقاه يوم 24 فبراير/ شباط 1976 وما عزز ذلك هو سياسة التجاهل والعزل التي اعتمدها المغرب. ولهذا نجد أن الجزائر قررت رفض ومواجهة اتفاقية مدريد الثلاثية في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 وخوض حرب استنزاف سياسية وعسكرية طويلة الأمد، لقد وجدت الجزائر نفسها ملزمة بالتحرك العاجل وعلى كل المستويات لتجاوز العزلة التي حصلت لها عقب المسيرة الخضراء11. و هو ما تجلى في حصول أول مواجهة عسكرية مغربية جزائرية في امغالا يوم 26 يناير/ كانون الثاني 1976 استمرت ثلاثة أيام، وأعلن خلالها المغاربة أنهم أسروا حوالي 100 جندي جزائري وقد انتهى التوتر العسكري على إثر الوساطة المصرية في شخص حسني مبارك، وتحرك عدد من الدول العربية لتطويق الأزمة12. وشهدت المرحلة مواجهات دبلوماسية كثيفة بين المغرب والجزائر التي رأت نفسها معنية بتطور النزاع وتبنت أطروحة تقرير المصير للشعب الصحراوي13.

النتيجة هي اعتماد الجزائر لخيار يقوم على الحرب المباشرة عن طريق البوليساريو أولا والضغط الدبلوماسي ثانيا.
في 7 مارس/ آذار 1976 سيتم قطع العلاقات الدبلوماسية والتي لم تعد إلا بعد اثنتي عشرة سنة أي سنة 1988. وتلا ذلك إغلاق الحدود وطرد المغاربة المقيمين في الجزائر، كما نجحت هذه الأخيرة في توفير اعتراف عدد معتبر من الدول بالجمهورية الصحراوية وصل عددها إلى ما يزيد على سبعين اعترافا. وزادت من الضغط على موريتانيا، وهو ما أفضى إلى حصول انقلاب عسكري في 10 يوليو/ تموز 1978 أدى إلى تكون نظام موريتاني من الصحراء وتسليم منطقة وادي الذهب -التي كانت من نصيب موريتانيا حسب اتفاقية مدريد- إلى البوليساريو عبر اتفاق بينها وبين موريتانيا في 5 أغسطس/ آب 1979. وقد أدى انهيار موريتانيا وانسحابها من اتفاقية مدريد إلى فقدان المغرب لحليف كانت له أهميته المركزية في الإستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية له بالرغم من ضعف موريتانيا، وهو ما ساعد الجزائر على رفع ضغطها الدبلوماسي، بحيث أن عددا من الدول الإفريقية غيرت موقفها مباشرة بعد انسحاب موريتانيا من النزاع14، كما أن الجزائر أصبحت متصلبة إزاء أي حل سياسي للنزاع15، ووجه ذلك بتحرك عسكري للمغرب نجح في استرجاع إقليم وادي الذهب ميدانيا وتنظيم حملة لممثلي السكان لمبايعة العاهل المغربي في 14 أغسطس/ آب 1979، ونشير هنا إلى أن وفاة الرئيس الجزائري بومدين في 1978 أدت لفشل مبادرة لتسوية المشكلات العالقة بين البلدين بصفة شاملة.
مع بداية الثمانينيات ستطرأ متغيرات دولية وإقليمية وازنة، مما دفع بكل من المغرب والجزائر إلى الدخول في مفاوضات سرية سنة 1981 إلا أنها فشلت بسبب تباعد مواقف البلدين، حيث ركزت الجزائر على:

  • إشراك البوليساريو كمفاوض أصيل في النزاع وتكون الجزائر بمثابة وسيط.
  • إقامة الجمهورية الصحراوية على أساس حدود معترف بها، يتم الاتفاق بشأنها.
  • المغرب العربي هو الإطار الملائم لاستغلال خيرات المنطقة.

أما الموقف المغربي فركز على:

  • المفاوضات مع الجزائر.
  • مغربية الصحراء لا رجعة فيها.
  • إمكانية تطبيق مقررات منظمة الوحدة الإفريقية لا سيما قرارات نيروبي الثانية القاضية بوقف إطلاق النار وإجراء الاستفتاء16.

بموازاة ذلك كانت المواجهة الدبلوماسية قوية، فعلى صعيد منظمة الوحدة الإفريقية عمدت الجزائر إلى طرح القضية منذ سبتمبر/ أيلول 1977 مدعمة بـ "خمس عشرة" دولة عضو في المنظمة، ومستفيدة من موقعها في منظمة عدم الانحياز، التوسع السوفياتي في القارة الإفريقية من خلال تبني عدد من الأنظمة المستقلة حديثا للتوجه الماركسي17. وفي اجتماع المنظمة بفريتاون سنة 1980 طرحت عضويتها إلا أن النصاب لم يكن متوفرا، وقد حاول المغرب سحب البساط عبر الموافقة في مؤتمر نيروبي الأول سنة 1981 على مسألة الاستفتاء.
إلا أن الجزائر مارست ضغوطا قوية على الأمين العام للمنظمة الذي قام باستدعاء الجمهورية الصحراوية للمؤتمر التاسع عشر للمنظمة بأديس أبابا سنة 1983 ودعا الطرفين إلى التفاوض، واكتمل ذلك في المؤتمر العشرين المنعقد أيضا بأديس أبابا سنة 1984، حيث أعطيت العضوية الكاملة للجمهورية الصحراوية مما اضطر المغرب إلى الانسحاب من منظمة الوحدة الأفريقية18. لقد شكلت سنة 1984 نقطة تحول في تعامل الأمم المتحدة مع نزاع الصحراء الغربية حيث أنها منذ سنة 1976 كانت تربط قراراتها بتلك التي تخرج بها منظمة الوحدة الإفريقية وذلك تجنبا لازدواجية الحلول وربما تعارضها19.
وأدى ذلك إلى انتقال عملية حل النزاع إلى الأمم المتحدة التي كانت حتى سنة 1988 تكتفي بإصدار توصيات تدعو لحل سياسي عادل للقضية ارتكازا على القرار 1514 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الأول 1968 والداعي للقضاء على كافة أشكال الاستعمار.
بموازاة ذلك وأمام اشتداد الهجمة الدبلوماسية، اتجه المغرب إلى تعزيز وجوده الميداني، مستفيدا في ذلك من التحولات الدولية العربية، والمتمثلة أولا في سقوط الشاه دركي أميركا في الخليج وما فرضه من سعي أميركا إلى رفع دعمها للأنظمة المتعاونة -والمغرب ضمنها، والمتمثلة ثانيا في توقيع اتفاقية كامب ديفد وما فرضه هو الآخر من سعي غربي لتعميم الخطوة المصرية وفك الحصار عليها، وذلك هو ما قدمه المغرب في مؤتمر فاس 1982 فضلا عن لقاء شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بإيفران سنة 1984.
تبعا لذلك استفاد المغرب من الدعم العسكري للإدارة الأميركية في عهد رونالد ريغان والذي اتجه -أي الدعم- إلى ضمان التوازن العسكري بالمنطقة واعتمد المغرب في هذا الصدد إستراتيجية عسكرية ذات شقين: تمثل الشق الأول في الوحدات المتنقلة "التي وضعت على كاهلها عمليات تمشيط الإقليم وتطهيره من قوات البوليساريو، وتمثل الشق الثاني في إقامة جدران دفاعية من الرمال والأحجار مع بعض البناءات وتجهيزات الرصد بالرادار والحماية بحقول الألغام"20. واكتمل ذلك بتحقيق اختراق مهم في المجال الدبلوماسي عبر توقيع المغرب لاتفاقية "الاتحاد العربي الإفريقي" مع ليبيا سنة 1986، والتي من خلالها تم إيقاف الدعم الليبي للبوليساريو.
في النصف الثاني من الثمانينيات بدأت المعطيات المحيطة بالقضية تتغير وعلى وجه الخصوص نذكر:

  • تراجع العائدات الجزائرية من المحروقات في مقابل ارتفاع الأعباء السياسية والاجتماعية الناجمة عن تحمل تكاليف احتضان البوليساريو.
  • انتهاء الحرب الباردة وانهيار الكتلة الشرقية وتفكك الاتحاد السوفياتي في مقابل ازدياد قوة الولايات المتحدة ورفع درجة تركيزها على المنطقة المغاربية.
  • اتجاه عدد من بؤر التوتر والنزاعات في عالم المعالجة والمطالبة بفعالية أكبر للمنطقة الأممية في ذلك، نذكر هنا إيقاف الحرب العراقية الإيرانية، الانسحاب السوفياتي من أفغانستان للتطورات التي عرفها القرن الإفريقي وجنوب إفريقيا.

وهي معطيات انعكست على العلاقات المغربية الجزائرية، وذلك في إطار مناخ إيجابي في إطار العلاقات العربية العربية (توقيع اتفاق الطائف،…) وكان من ثماره التحضير لإنشاء اتحاد المغرب العربي، خصوصا بعد حصول تفاهم مغربي أممي حول مشروع تسوية لقضية الصحراء.

التسوية الأممية والتقاطب المغربي الجزائري


تجددت آمال التقارب المغربي الجزائري مع مجيء بوتفليقة للحكم إلا أن وفاة الحسن الثاني أدت إلى تبخر تلك الآمال، ليقع بعده انهيار مفاجئ في هذا المسار بعد اتهام الجزائر للمغرب بإيواء الجماعات المسلحة الجزائرية

في نهاية عقد الثمانينيات، تقدم الأمين العام للأمم المتحدة خافيير ديكويلار باشتراك مع منظمة الوحدة الأفريقية بمقترحات لتسوية سلمية لمشكلة الصحراء إلى الطرفين، وتقوم هذه المقترحات على أساس تنظيم استفتاء لتقرير مصير الإقليم في اتجاه خيارين: الاندماج مع المغرب أو الاستقلال عنه، وقد قبل الطرفان من حيث المبدأ بهذه الخطة في 30 أغسطس/ آب 1988.
على ضوء ذلك تم تعيين ممثل خاص للأمين العام الأممي قام بوضع خطة تفصيلية لتنظيم الاستفتاء وأصدر مجلس الأمن في 19 إبريل/ نيسان 1991 القرار الأممي 690 بإنشاء بعثة أممية في الإقليم سميت مينورسو تقوم بالإعداد والإشراف على مسلسل الاستفتاء على أساس أن يبدأ سريان وقف إطلاق النار في 6 سبتمبر/ أيلول 1991. وقد هدف المسلسل الأممي إلى الوصول لحل عادل ونهائي لمسألة الصحراء الغربية تمكن سكان الإقليم من ممارسة حق تقرير المصير والاختيار دون أية قيود عسكرية أو إدارية بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب21. وجاء تبلور هذا المشروع إفرازا لسلسلة تطورات نوعية في المنطقة، وتوازى ذلك مع عودة العلاقات الدبلوماسية المغربية الجزائرية بعد قطيعة دامت 14 سنة وذلك على إثر لقاء 10 يونيو/ حزيران 1988 بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، وهذا التقارب أشر لتراخي قبضة المؤسسة العسكرية الجزائرية في توجيه السياسة الخارجية للجزائر من جهة أولى، كما ساعد على دعم عملية التفاهم على تسوية نزاع الصحراء الغربية عبر إجراء استفتاء بإشراف أممي وهي خطة جرى التفاوض عليها طيلة 1988-1990 من جهة ثانية، وفشل سياسات المحاور الثنائية وخصوصا بعد التجربة المرة لمحور المغرب ليبيا في مقابل محور الجزائر تونس موريتانيا والتي أدت لإضعاف كافة الأطراف من جهة ثالثة، وهي تطورات ارتبطت بتراجع حدة الضغط الأجنبي على المنطقة والناجم عن تقلص حدة التقاطب الدولي بين المعسكرين الشرقي والغربي بسبب بداية تفكك المعسكر الشرقي، دون إغفال البروز المتصاعد للتقاطب الفرنسي الأميركي وكذا تبلور تحدي التكتل الأوروبي في مواجهة دول الشمال الأفريقي.
إلا أن فترة الازدهار في العلاقات المغاربية عموما والمغربية الجزائرية خصوصا لم تدم طويلا، حيث عاد الاحتراب المغربي الجزائري الذي جاء محصلة طبيعية للتطورات التي عرفها النظام السياسي الجزائري وصعود التيار المناهض للمغرب داخله لاسيما انهيار الوضع الأمني الجزائري، واستفحال أزمة الاستفتاء بالصحراء المغربية. وقد ظهرت إرهاصات تجدد النزاع "البارد" بين البلدين وانعكاسه على مسيرة الاتحاد المغاربي في ربيع عام 1993 وذلك عندما دعا وزير الخارجية المغربي عبد اللطيف الفيلالي آنذاك، إلى وقفة مراجعة للاتحاد المغاربي بسبب مواقف الجزائر المستفزة للمغرب في قضية الصحراء، وجاءت أحداث فندق أطلس أسني بمراكش في أغسطس/ آب 1994، والتي تورط فيها فرنسيون من أصل جزائري قاموا بإدخال السلاح للمغرب بغية القيام بتفجيرات تقدم الدليل على إصابة المنطقة المغاربية ككل بعدوى "الإرهاب"، وتدفع المغرب بالتالي للقبول بالمشاريع الإقليمية الرامية لمواجهة الإسلاميين بدعم من دول جنوب أوروبا، إلا أن العكس هو الذي حصل حيث سارع المغرب في بيان رسمي 16 سبتمبر/ أيلول 1994 إلى اتهام الأمن العسكري الجزائري بالوقوف وراء مخطط لزعزعة استقرار المغرب، مما أدى إلى فرض التأشيرة على الجزائريين بمن فيهم حاملو الجنسية الفرنسية، وإغلاق الحدود مع الجزائر. وأضيف لذلك الموقف السلبي للجزائر إزاء تقرير لمجلس الأمن حول قضية الصحراء في خريف 1995، وهو ما اتخذه المغرب مبررا لتوجيه رسالة رسمية للجزائر بصفتها تتحمل الرئاسة الدورية للاتحاد وذلك في 20 ديسمبر/ كانون الأول 1995 يدعو فيها إلى إيقاف نشاطات ومؤسسات الاتحاد مؤقتا.
وكانت النتيجة المنطقية لذلك هي عودة سياسة المحاور الثنائية في المنطقة والتي ارتكزت على حاجة كل من تونس والجزائر لتنسيق جهودهما في مواجهة الإسلاميين في البداية، ليتطور الأمر فيما بعد إلى محاولة تنسيق المواقف إزاء المشاريع الأوروبية والأميركية المطروحة على المنطقة.
ما عزز من ذلك هو السياسات الغربية "الجديدة" تجاه المنطقة وإعادة هيكلة التنافس الدولي حولها وبروز الاستقطاب الفرنسي الأميركي عبر طرح عدة مشاريع لإدماجها في خطط التحكم السياسي والهيمنة الاقتصادية والضبط العسكري بما يحول دون تمكن الدول المغاربية من بناء وحدة حقيقية بينها، ونذكر هنا ثلاثة مشاريع كبرى برزت فيها هذه التوجهات بوضوح، حيث طرح:

  1. مشروع الشراكة الأورو متوسطية المعروف بمسار برشلونة 1996.
  2. وطرح بعد ذلك مشروع حلف الناتو المسمى بالشراكة من أجل السلام والهادف لإدماج الدول المغاربية في مشروع أمني عسكري يروم التحكم في المنطقة بما يضمن عدم تأثر دول جنوب أوروبا بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية لشمال أفريقيا.
  3. ثم جاء المشروع الأميركي المسمى بمبادرة إيزنستات للشراكة المغربية الأميركية 1998، وهو مشروع يدعو إلى إقامة شراكة اقتصادية بين أميركا وكل من المغرب والجزائر وتونس مع استثناء ليبيا وموريتانيا، الأولى بدعوى قضية لوكربي والثانية لوجودها ضمن مشروع أميركي آخر للشراكة مع أفريقيا، مع الإشارة إلى أن مشروع الناتو لم يستثن موريتانيا منه.

ويمكن أن نضيف لهذه الحيثيات الهجوم الصهيوني التطبيعي بعد توقيع اتفاق أوسلو 1993 والذي تجلى في فتح مكتبي اتصال بكل من المغرب وتونس سنة 1994، وفتح سفارة إسرائيلية في موريتانيا 1999، وتنشيط العلاقات شبه العلنية الإسرائيلية الجزائرية بعد المصافحة الشهيرة لبوتفليقة مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني باراك أثناء حضورهما لجنازة الملك الراحل الحسن الثاني 1999. وعموم هذه التطورات أدت إلى تعميق الخلافات بين الدول المغاربية وبروز قوي لرغبة القوى الكبرى في التدخل والهيمنة وهو ما يتعارض مع كل مشروع وحدوي، وانضافت لذلك وضعية الحصار المفروض على ليبيا والذي كشف هشاشة الاتحاد وضرب مصداقية الطروحات الوحدوية بسبب خضوع مواقف كافة الدول للموقف الأميركي، مما حدا بليبيا إلى رفض تسلم الرئاسة الدورية للاتحاد من الجزائر في يناير1994.
وقد تجددت آمال تجاوز العلاقات المغربية الجزائرية لأزمتها مع مجيء بوتفليقة للحكم في ربيع 1999 وصدور إشارات إيجابية من طرف المغرب مهدت للتحضير للقاء بين البلدين في صيف 1999 إلا أن وفاة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني أدت إلى إرجاء اللقاء، ليقع بعده انهيار مفاجئ في هذا المسار بعد اتهام الجزائر للمغرب بإيواء الجماعات المسلحة الجزائرية في سبتمبر/أيلول 1999، وتستأنف العلاقات مسارها الانحداري والذي اشتد بعد عزم الأمم المتحدة على طرح مشروع حل سياسي لقضية الصحراء يرتكز على منح حكم ذاتي موسع للصحراء في إطار السيادة المغربية.

الأزمة الحالية في التسوية الأممية والخلاف المغربي الجزائري


احتمالات تسوية الخلافات المغربية الجزائرية وحصول انفراج في العلاقات بين البلدين أمر مستبعد في المستقبل، والمحتمل هو استمرار الوضع الحالي الذي يشبه حالة حرب باردة متحكم فيها

مع وصول مسلسل التسوية الأممية للأزمة، أخذت الأمم المتحدة تدفع في اتجاه مشروع حل سياسي متفاوض عليه، وهو ما أدى لتعيين جيمس بيكر كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة يضطلع بوظيفة رعاية التفاوض حول هذا المشروع وتقريب وجهات النظر إزاءه، وهو ما تم بشكل واضح في لقاء برلين في سبتمبر/ أيلول 2000 والذي أعلن فيه المغرب استعداده للدخول في حوار صريح حول موضوع الحل السياسي، مما أدى لقلب التوازن المغربي الجزائري بخصوص قضية الصحراء، لا سيما بعد إعلان الأمم المتحدة لمشروع اتفاق الإطار الخاص بالحكم الذاتي في يوليو/ تموز 2001، والذي قوبل بمعارضة جزائرية شديدة.
إلى جانب هذا التحول الإستراتيجي في تدبير الأمم المتحدة لنزاع الصحراء المغربية، انضافت كل من قضيتي فتح الحدود (مطلب مغربي) وقضية تفعيل الاتحاد المغاربي وعقد القمة الرئاسية له (مطلب جزائري)، ليشكل كل ذلك المحاور الأساسية للخلاف المغربي الجزائري في الظرف الراهن والتي أدت إلى إحياء الملفات القديمة، وعلى رأسها ملف ترسيم الحدود بين البلدين والتعاون الأمني بينهما، والتضارب في السياسات إزاء المشاريع الأوروبية والأميركية للمنطقة لا سيما بعد السعي الجزائري للاندماج في المنظومة المتوسطية عسكريا (الناتو في فبراير/ شباط 2000) واقتصاديا (اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي )، والحرص الجزائري على إبعاد المغرب من المجال الأفريقي بعد الدعم الذي قدمته الجزائر للمبادرة الليبية المتعلقة بالاتحاد الأفريقي والتي أعلن عنها في إطار القمة الأفريقية الاستثنائية سرت الثانية، وهو تفاهم كان من آثاره حضور البوليساريو في تلك القمة، مما أعاق إمكانية عودة المغرب للمنظمة الإفريقية والتي أصبحت بدءا من هذه السنة تدعى بالاتحاد الإفريقي، وفي المقابل رغبة الجزائر في النشاط من خلال القناة الفرنسية في أفريقيا عبر حضورها القمة الفرنسية الأفريقية بياوندي في أواسط يناير/ كانون الثاني 2001 وذلك بعد أن قاطعتها منذ بداية السبعينيات. فضلا عن عودة أجواء سباق التسلح الذي انخرطت فيه الجزائر من السنة الماضية عندما أقدمت على اقتناء أسلحة بريطانية بتغطية قطرية بقيمة 7.5 ملايين دولار ثم تلتها هذه السنة الصفقة العسكرية الضخمة من روسيا بقيمة 2.5 مليار دولار أثناء زيارة بوتفليقة لروسيا في إبريل/ نيسان 2001 والتي تم ترسيمها هذه السنة.
ولقد لعبت التطورات التي عرفتها الساحة الدولية بعد تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في خلق حالة استقطاب بين البلدين إزاء الحملة الأميركية ضد "الإرهاب" وهو استقطاب ساهم في خلخلة التوازنات الإستراتيجية في المنطقة.
وتبرز محاور الصدام الجزائري المغربي الراهن في:

  • قضية الصحراء وأطروحة التقسيم
    شهدت العلاقات المغربية الجزائرية انحدارا رهيبا في أواخر شباط/فبراير المنصرم، وذلك بعد تقديم الأمين العام كوفي أنان لتقريره حول وضعية عملية التسوية الأممية بالصحراء والخيارات المستقبلية لها وهي:
      • إجراء الاستفتاء.
      • منح حكم ذاتي موسع في إطار السيادة المغربية.
      • تقسيم الصحراء بين البوليساريو والمغرب.
      • سحب بعثة مينورسو من الصحراء.
  • من يقف وراء التقسيم؟
    انكشف في مداولات مجلس الأمن أن الجزائر هي صاحبة اقتراح التقسيم، لينفجر صدام مغربي جزائري. حيث أعلن المغرب أن هذا الموقف يكشف الأطماع التوسعية للجزائر ونزوعاتها للهيمنة في المنطقة، كما يبطل دعاوى "حق تقرير المصير" التي كانت ترتكز عليها في دعمها لجبهة البوليساريو معتبرا أن هذا مناقض للمبادئ التي انبنى عليها الاتحاد المغاربي. وقد تجدد نفس الأمر لكن بحدة أقل في مناقشات مجلس الأمن حول قضية الصحراء أواخر شهر يوليو/ تموز المنصرم، مما حدا بالمغرب إلى أن يتهم الجزائر بمحاولة إفشال الحل السياسي لقضية الصحراء ونسفه، وأن خطة التقسيم تهدد المغرب وغيره بالبلقنة. وما زاد من تأزيم الوضعية إقدام بوتفليقة على زيارة مخيمات تيندوف والتي عدت سابقة حيث لم يسبق أن قام بها رئيس جزائري منذ 1976 وذلك نهاية فبراير/ شباط الماضي، وعاد بعدها ليعلن أن قضية الصحراء ليست ملفا يطوى ومصير الاتحاد المغاربي مرهون بها، كما أكد في رسالة بعث بها إلى زعيم جبهة البوليساريو مواصلة الحكومة الجزائرية دعمها للجبهة وأن الجزائر متشبثة بخيار تقرير المصير كحل لنزاع الصحراء وما يستلزمه من تطبيق لخطة التسوية. وهي المواقف التي تحكم التعاطي الجزائري مع القضية، وقد شكلت خلفية للتحرك الجزائري في اتجاه روسيا من أجل التأثير عليها لمواجهة المقترح الأميركي القاضي باعتماد خيار الحكم الذاتي الموسع مع تعديل اتفاق الإطار، وهي مواجهة برزت بوضوح في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن وأثمرت عدم اعتماد المقترح الأميركي وإعادة الاعتبار لخيار تقرير المصير في سياسة الأمم المتحدة إزاء الملف، مما ينعكس سلبا على وضعية العلاقات بين البلدين، وهو ما برز في خطاب العاهل المغربي آخر الشهر الماضي، عندما انتقد ما سماه "تبني طرح تقسيمي أسقط كل التبريرات الواهية التي يتم بها تضليل الرأي العام العالمي تحت ذريعة الدفاع المزعوم عن مبدأ تقرير المصير" مشددا على رفض المغرب لكل "طرح تجزيئي ". وهي تطورات تكشف أن تجاوز أزمة شهر فبراير/ شباط الماضي لم يكن تجاوزا حقيقيا، رغم زيارة وزير داخلية الجزائر يزيد زرهوني للمغرب أواسط مارس/ آذار المنصرم وتدارس عدد من الملفات الأمنية بين البلدين. وتلتها رسالة من الرئيس بوتفليقة إلى الملك محمد السادس قال فيها إن الجزائر ليست لها أطماع لا في الصحراء ولا في المغرب، معلنا استعداد الجزائر لتحسين العلاقة مع المغرب وترك ملف الصحراء للأمم المتحدة، وهو ما قدم مؤشرا آنذاك على وجود إرادة لتجاوز الأزمة بين البلدين. إلا أن الأحداث التي تلت ذلك كذبت التوقعات، ليبقى ملف الصحراء العائق المركزي أمام أي مشروع لتجاوز الأزمة بين البلدين، خاصة وأن المغرب يعتبر أن أي تحرك جزائري في مواجهة مشروع الحل السياسي من جهة وكذا الدعم الجزائري غير المباشر لأطروحة التقسيم من جهة أخرى بمثابة ضرب لخطاب الوحدة المغاربية.
  • الاختلاف حول الإحياء الشامل للاتحاد المغاربي
    أدى استمرار العجز عن حسم الأزمة الأمنية الداخلية للجزائر إلى خلق عامل موحد للنظام الجزائري خصوصا بعد اشتداد الضغط والنقد الموجه للعسكر، يتمثل في السعي لتعويض الفشل الداخلي بانتصارات دبلوماسية وذلك عبر التمكن من إحياء الاتحاد المغاربي بزعامة جزائرية، واستثمار التغيرات الحاصلة في المشهد المغاربي لا سيما بعد وفاة الملك المغربي الحسن الثاني ثم الاتجاه نحو تخفيف الحصار على ليبيا، مما قلص من الموانع التي تقف في وجه الرغبة الجزائرية وذلك لصالح مشروع الزعامة المغاربية لها بحيث برز رهان جزائري لعقد القمة المغاربية قبل نهاية سنة 2001. وشكل اجتماع مجلس وزراء الخارجية المغاربيين في مارس/ آذار 2001 الخطوة الأولى في هذا المسار، إلا أن الفشل كان مآل هذه الخطوة بسبب غياب المغرب. وبعد جمود مؤقت للمبادرة تمكن العمل المغاربي من استئناف ديناميته عبر تنظيم اجتماع في 5-6 سبتمبر/ أيلول 2001 الدورة الرابعة لمجلس الشورى المغاربي بمشاركة كافة الدول المغاربية وبعده اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في أواسط يناير/ كانون الثاني 2002، والذي تمكن من تحديد أمين عام جديد للاتحاد وانطلاق التحضير الجدي لعقد القمة المغاربية. إلا أن تجدد الأزمة في مسلسل التسوية الأممية لقضية الصحراء مع صدور تقرير الأمين كوفي أنان حول الموضوع والذي كشف فيه عن وجود استعداد جزائري لمناقشة مشروع تقسيم للصحراء بين المغرب والبوليساريو، مما أطلق حملة مغربية مضادة، ورغم احتوائها في الفترة الماضية إلا أنها تجددت في الآونة الأخيرة ونتج عنها فشل انعقاد القمة المغاربية في يونيو/ حزيران 2002 وتأجيلها في آخر لحظة، بعد فشل إقناع المغرب بحضور القمة فضلا عن موريتانيا مما دعا بليبيا أن تطلب التأجيل. ويمثل هذا التضارب في الموقف من عملية الاندماج المغاربي العامل الثاني وراء استمرار الخلافات المغربية الجزائرية والتي تعكس في العمق صراعا حول الزعامة المغاربية.
  • قضية الحدود بين البلدين
    انضافت هذه النقطة بشكل مفاجئ إلى أجندة الملفات بين البلدين، حيث أعلنت الجزائر أواخر شهر يوليو/ تموز الماضي عن استعدادها لرفع ملف الحدود مع المغرب إلى الأمم المتحدة، من أجل الفصل بصفة نهائية في ذلك الخلاف ، وذلك من أجل الترسيم النهائي للحدود، وتنطلق الجزائر من اتفاقية يونيو/ حزيران 1972. وما يفسر سعيها لطرح الملف هو بروز مسعى مغربي لمراجعة الموضوع كلية بعد ظهور أطروحة التقسيم لا سيما وأن المغرب لم يصادق نهائيا على الاتفاقية التي كانت موافقته عليها مشروطة بالاستغلال المشترك لمناجم الحديد بتيندوف ودعم الجزائر لاسترجاع المغرب لصحرائه، وهو ما لم يتم. ولهذا ينتظر أن يعرف هذا الملف اصطداما بين البلدين في المستقبل، لا سيما بعد الموقف الجزائري السلبي إزاء الأحداث التي عرفتها جزيرة تورة (ليلي) وغياب دعم جزائري واضح للحق المغربي في الجزيرة على خلاف مواقف بقية الدول المغاربية والعربية والإسلامية.
    إن القضايا الثلاث المطروحة آنفا تفسر عددا من التوترات التي تعرفها علاقات البلدين إن على الصعيد الأفريقي أو على صعيد العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما تفسر الهزال الشديد للمبادلات التجارية والاقتصادية بين البلدين،والعجز عن تسوية الخلاف القائم حول إغلاق الحدود البرية بين البلدين منذ 1994.

خلاصة استشرافية

تأسيسا على ما سبق، تصبح احتمالات تسوية الخلافات المغربية الجزائرية وحصول انفراج في العلاقات البينية مسألة مستبعدة في المستقبل، بل إن الأفق الأكثر احتمالا هو استمرار الوضع الحالي والذي يشبه حالة حرب باردة متحكم فيها.
_______________
باحث ومحلل سياسي مغربي
الهوامش
1 – الشامي علي، الصحراء الغربية -عقدة التجزئة في المغرب العربي، ص214، دار الكلمة، بيروت، 1980.
2 – نفسه، ص 216.
3 – الأعرج عبد القادر، السياسة المغاربية في المحيط المغاربي (1956 ـ 1994)، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، ص 67، كلية الحقوق، الرباط.
4 –Hodges,Tony Western Saraha- the Roots of Desert War P92-93 Lawrence Hill and Company:Westport,Connecticut 1983.
5 – الشامي، مصدر سابق، ص 222-223.
6 – نفسه، ص 224-225و Hodges,Tony Op.cit P 196.
7 – الشامي نفسه، ص 232، وقد لاحظ الشامي أن وزارة الخارجية الجزائرية لم تنشر خطاب الرئيس بومدين في القمة مما جعل المصدر الوحيد هو النص المسجل في وزارة الخارجية المغربية، كما أشار إلى أن بعض المسؤولين الجزائريين يتهم المغرب بتحريف الخطاب، إلا أنه لم يصدر أي تكذيب رسمي.
8 – Hodges,Tony Op.cit P 162.
9 – الشامي، ص 334.
10 – نفسه، ص 335.
11 – عبد الجبار مطعيش، العلاقات المغربية الجزائرية من 1830 إلى اليوم، رسالة دبلوم الدراسات العليا، كلية الحقوق، نوفمبر 1992، ص 248-254.
12 –الشامي، مصدر سابق، ص 238.
13-Damis,J.Conflict in North Africa –The Westen Sahara Dispute P 62-73 Hoover Institution Press :Stanford University, Stanford California.
14 – الأعرج، مصدر سابق، ص 85.
15 – تاج الدين الحسيني، وسائل السلام في العلاقات الدولية المعاصرة ودورها في تسوية نزاع الصحراء الغربية، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، الرباط 1984 ص 469، نقلا عن الأعرج، مصدر سابق، ص 85.
16 – الحسيني نفسه، ص 483 -484.
17 – عبد الجبار مطعيش، مصدر سابق، ص 272-274.
18 – نفسه، ص 280-281 ومطعيش، مصدر سابق، ص 289.
19 – التقرير الاستراتيجي للمغرب 95/1996- ص 139 –إنجاز مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية-الرباط-1997.
20 – التقرير الإستراتيجي للمغرب 95/1996، ص 139، إنجاز مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، الرباط، 1997.
21 – تقريرا الأمين العام المؤرخين في يوم 19/4/1991 رقم (S/22464) ويوم 18/6/ 90 رقم (S 21360).

المصدر : غير معروف