بلا حدود / صورة عامة
بلا حدود

تلويث مياه النيل وتأثيره على المواطن المصري

تستضيف الحلقة الدكتور مصطفى كمال طلبة نائب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، ليتحدث عن أزمة ري مئات الآلاف من الأفدنة في مصر بمياه الصرف الصحي.

– أبعاد قضية الري بمياه الصرف الصحي
– تعامل الحكومة مع القضية ورد فعل الشعب عليها
– دور الحكومة في حل المشكلة
– حجم التلوث البيئي وانعكاساته الصحية
– إمكانيات المواطن في مواجهة تلوث المياه

أحمد منصور
أحمد منصور
مصطفى كمال طلبة
مصطفى كمال طلبة

أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على الهواء مباشرة من القاهرة وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج بلا حدود. فجرت صحيفة "المصري اليوم" المصرية على مدى الأسابيع الستة الماضية فضيحة كبرى وجريمة أكبر ترتكب في حق الشعب المصري منذ ما يقرب من ثلاثين عاما ألا وهي ري مئات الآلاف من الأفدنة التي تزرع بالخضروات والفواكه بمياه الصرف الصحي، وقد أكد وزير الري المصري على أن استخدام المجاري في ري المزروعات قد سمم مصر كلها، كما أكد عشرات من الخبراء والمختصين على أن الطعام والشراب المروي بمياه المجاري والذي يتناوله المصريون منذ ثلاثين عاما هو الذي أدى إلى تضاعف أعداد المصابين بأمراض الفشل الكلوي والكبدي وأمراض السرطان المختلفة في مصر وجعل معدلاتها هي الأعلى في العالم، لأن المصريين باختصار كانوا ولا زالوا يأكلون السموم ويشربونها من خلال تلويث مصادر المياه وعلى رأسها نهر النيل الذي تصب فيه المصانع والمنشآت المختلفة عشرات الآلاف من الأطنان من المخلفات شديدة الخطورة، كما أدى هذا أيضا إلى تلوث البحيرات وجعل رئيس جهاز الثروة السمكية يعلن أن الأسماك في بعض هذه البحيرات لم تعد صالحة للاستهلاك الآدمي وهذا يعني أن ثمانين مليون مصري يعيشون كارثة حقيقية استدعت عقد اجتماعات على أعلى المستويات خلال الأيام الماضية لبحث هذا الأمر، لكن هذا لا يعني أن المشكلة قد انتهت، وفي حلقة اليوم نحاول التعرف على أبعاد تلك الكارثة البيئية والصحية التي تعصف بثمانين مليون مصري وكيفية الخروج منها وذلك في حوار مباشر مع أحد أبرز خبراء البيئة في العالم الدكتور مصطفى كمال طلبة نائب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ورئيس المنتدى العربي للبيئة والتنمية. ولد في مدينة زيفتا في محافظة الغربية في مصر عام 1922، حصل على درجة البكالوريوس في علم النبات بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة فؤاد الأول عام 1943 ثم حصل على درجة الدكتوراه في علم أمراض النبات من الكلية الملكية في جامعة لندن عام 1949. عمل أستاذا في جامعة القاهرة والمركز القومي للبحوث بين عامي 1949 و1968، ويعمل منذ العام 1993 وحتى الآن أستاذا غير متفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة، تولى مناصب عامة كثيرة من أهمها أنه عين أمينا عاما للمجلس الأعلى للعلوم في مصر عام 1961، وفي العام 1965 وكيلا لوزارة التعليم العالي للشؤون الثقافية ثم وزيرا للشباب عام 1971، وفي العام 1972 رئيسا لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا. ساهم في إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 1973 واختير نائبا للمدير العام التنفيذي للبرنامج حتى العام 1975 ثم أصبح مديرا تنفيذيا للبرنامج بدرجة نائب للأمين العام للأمم المتحدة حتى العام 1992، منذ العام 1993 وحتى الآن يرأس مجلس إدارة المركز الدولي للبيئة كما يرأس المنتدى العربي للبيئة والتنمية وعلاوة على ذلك عضو في كثير من المحافل العلمية العربية والدولية. أشرف على كثير من الرسائل العلمية ونشرت له مئات المقالات والأبحاث العلمية. وللمشاهدين الراغبين في المشاركة يمكنهم الاتصال بنا على أرقام هواتف البرنامج التي ستظهر تباعا على الشاشة 4888873 (974 +). دكتور مرحبا بك.

مصطفى كمال طلبة: أهلا بك.

أبعاد قضية الري بمياه الصرف الصحي

أحمد منصور: قي اعتراف به شيء من الجرأة والصراحة في 25 أغسطس الماضي وزير الري المصري محمد نصر الدين علام قال في حوار مع "المصري اليوم" "إن استخدام المجاري في الزراعة سمم مصر كلها"، ماذا بعد هذا التصريح من وزير الري؟

مصطفى كمال طلبة: يعني أنا بأتفق معك في الكلام اللي قلته حضرتك في المقدمة إن دي جريمة فعلا والمفروض أن اللي مسؤول عنها يحاسب عليها. بس يعني لازم نحط الحقائق قدام الناس قبل ما نتكلم على الأمراض والمشاكل اللي حتنشأ، إحنا كنا لما كان عدد سكاننا محدودا عشرين، ثلاثين وأربعين مليون بني آدم كانت كميات مياه الصرف الصحي اللي بتخرج أيضا محدودة وكان بغض النظر بقى عن اللي كان بيحصل في القرى، يعني القرى لغاية النهارده كمان ما فيهاش..


أحمد منصور: صرف صحي.

مصطفى كمال طلبة: صرف صحي، يمكن 10% ولا حاجة اللي عندهم، لكن اللي كان بيتوجد في المدن كان له محطات تنقية مياه الصرف الصحي ومحطات كانت قدرتها بتتفق مع الأعداد اللي موجودة وكانت بتعمل عملية تنقية ابتدائية وثانوية، الثانوية دي كانت هي اللي بتستخدم في ري المزروعات اللي بتتزرع في مزرعة الجبل الأصفر اللي أنا شخصيا يعني أكلت من البرتقال واليوسف أفندي بتاعها من ثلاثين أربعين سنة فاتت، كان في غاية الجمال أيامها يعني ولم يكن هناك تسمم..


أحمد منصور: رغم أنه.. بالمجاري.

مصطفى كمال طلبة: بس ما هو ما كانش في البقايا اللي بتحصل النهارده نتيجة الضغط الشديد على محطات الصرف الصحي والكميات الكبيرة اللي بتطلع ما بتقدرش المحطات بأحجامها اللي موجودة حاليا تتخلص من كل الموبقات اللي موجودة في الصرف الصحي، يعني المرحلة الأولانية بتبقى مجرد ترسيب تترسب كل المواد الصلبة اللي نازلة مع الصرف الصحي، إنما الماء لا تزال فيها كل ألوان البكتيريا الممرضة أو الكائنات الحية اللي نازلة من معدة الإنسان ومن أمعائه واللي بتسبب التيفود والكلام اللي شفناه في البرادعة وكل الكلام ده، ده موجود لأنه النهارده ما بنقدرش ما عندناش قدرة أن إحنا نعمل المعالجة الثانوية.


أحمد منصور: الآن "المصري اليوم" والزميل علي زلط سمى محطات صرف صحي كل ما تقوم به هو أنها تستقدم الصرف الصحي وتخرجه كاملا بكل مكوناته من الجهة الأخرى ليصب في ري المزروعات كما هو يعني لا صلبة ولا.. بكل ما فيها.

مصطفى كمال طلبة: مش عارف يعني أنا عارف أن في نسبة كبيرة من المحطات قدرتها أقل من كمية اللي داخل لها وأنها اللي بيخش لها بتعالج منه جزءا حسب الطاقة اللي موجودة فيها والباقي بتطلعه من بره بره زي ما حضرتك بتقول، يعني يمكن أظن أن الدولة كلها بتتكلم دلوقت على قضية الصرف الصحي.


أحمد منصور: ده هم بطلوا ده، تكلموا يومين وشكلهم خلصوا.

مصطفى كمال طلبة: ليه؟


أحمد منصور: مستنيين حاجة جديدة الشعب يتلهي فيها يعني.

مصطفى كمال طلبة: آه ما هو لأن الإعلام -وأنا بأخذ هذا كثيرا على الإعلام- الحقيقة بيتحمس جدا لقضية تبقى كل الجرائد وخصوصا جرائد المعارضة، الجرائد اللي مسماة قومية دي ما بتكتبش إلا لقرارات مجلس الوزراء والسيد الرئيس عمل إيه وقال لهم إيه ونفذ إيه، إنما جرائد المعارضة بتتحمس جدا والإعلام الإذاعة والتلفزيون في القنوات المختلفة تتحمس للموضوع وتقعد تتكلم عليه يومين وثلاثة وبعد كده لا أثر على الإطلاق له، ما فيش متابعة.


أحمد منصور: يعني الآن هذه قضية أمن شعب كامل.

مصطفى كمال طلبة: حياة شعب.


أحمد منصور: حياة شعب كامل، جريدة واحدة في مصر هي التي تتناولها منذ أكثر من ستة أسابيع هي "المصري اليوم" بشكل شبه يومي وأجبرت الحكومة على أعلى المستويات أنها تعقد اجتماعات لكن يبدو أن الكارثة تترصد منذ ثلاثين عاما، وزير الري نفسه في 4 سبتمبر قال "إن الترع والمصارف أصبحت مقالب زبالة للدولة ومستودعا للصرف الصحي والصناعي نأكل منها ونشرب والجميع مستمر حتى تحدث مصيبة، والمصارف أصبحت مزابلا واستوطنت الأمراض في الترع والمصارف وأصبحت المجاري المائية بؤرة لإقامة مزارع الأسماك وتحولت المياه الجوفية إلى مصدر رئيسي يخدم المنتجعات" ده كلام وزير الري.

مصطفى كمال طلبة: يعني والكلام اللي بيقوله كلام صحيح جدا وأكثر من ثلاثين سنة، يعني إحنا ابتدأنا عملية تغطية الترع اللي ماشية في وسط القرى، أنا جاي من قرية في محافظ المنيا اسمها قرية دمشير وفيها ترعتان ماشيتان في وسط البلد فاتغطت الترعة على جانبي الممر اللي هو اللي بيسموه البربخ ده ولا القنطرة واتغطت من الجانبين يمكن على طول خمسمائة ستمائة متر من ناحية وخمسمائة ستمائة متر من الناحية الثانية، كل الناس في القرية بيأخذ الزبالة بتاعته ويرميها في المدخل..


أحمد منصور (مقاطعا): يا أفندم كل قرى مصر كده.

مصطفى كمال طلبة: آه.


أحمد منصور: بل والمدن، وبعدين أنت عايش في الجيزة، عايش حضرتك في الجيزة أنتم عايشين في مزبلة بقى لكم شهر، لا مؤاخذة يعني بالكلمة.

مصطفى كمال طلبة: أنا يعني ولأول مرة والله يا أستاذ أحمد لأول مرة في حياتي أنا بقى لي أكثر من خمسين سنة في البيت اللي أنا فيه ده لأنه كان بيت أبي، كان مستأجره أبي وأنا استمريت في إيجاره في شارع مصدق في الدقي، لأول مرة في الخمسين سنة دي ألاقي أكياس الزبالة متكومة أكواما بطول شارع مصدق، مش ممكن، مش ممكن يعني، يعني..


أحمد منصور (مقاطعا): دي كارثة ثانية جديدة كارثة الزبالة.

مصطفى كمال طلبة: لا، مش كارثة جديدة دي كارثة مستمرة..


أحمد منصور: إحنا لسه في الصرف الصحي والآن كارثة جديدة الزبالة، خلينا نبقى في الصرف الصحي وحنيجي للزبالة. القضية الأساسية هي أن هذه المزروعات التي يأكلها الناس مليئة الآن -كما حضرتك قلت- بكل أنواع البكتيريا وكل المواد الصلبة والأشياء المختلفة والمنتجات التي تستخدم من هذه الأشياء، يعني في 10 أغسطس نشر أن شركة الفيوم لصناعة السكر تزرع البنجر من أراضي الصف المروية بالمجاري، يعني السكر اللي المصريون بيأكلوه جاي أيضا مليئا بالمجاري، الأعلاف التي تأكلها المواشي فيها سموم من المجاري، الحليب الذي يتناوله الأطفال والكبار والصغار فيه سموم لأنه منتج من.. يعني إحنا أمام كارثة مركبة.

مصطفى كمال طلبة: لا، يعني أنا بأتفق معك أن إحنا قدامنا كارثة، لكن الحليب ما يمكنش يبقى فيه بكتيريا لأنه بيتعمل له تعقيم يعني في عملية اللي بنسميها البسترة.


أحمد منصور: ما هو حضرتك ده للمصانع لكن معظم المصريين بيشربوا حليبا من البقرة على طول.

مصطفى كمال طلبة: ده معلش اللي بيجي من البقرة ده، ده مش بس حيجي له الميكروب من البقرة من جوه ومن اللبن اللي فيها من اللي على سطح البز بتاع البقرة واللي على يدي الست اللي بتعمل نفسها، فيعني المصادر مختلفة غير.. مش بس المصدر بتاع الصرف الصحي لكن الصرف الصحي وعدم التعامل معه بطريقة جادة قطعا مأساة ومشكلة كبيرة بتواجه كل مصري في هذا البلد.


أحمد منصور: وزير الري اتهم الفلاحين وقال "إن الفلاحين الذين يسممون الشعب بري المزروعات بمياه المجاري يجب أن يتم تصويرهم في وسائل الإعلام كمجرمين سمموا الشعب وليسوا ضحايا للنظام أو الحكومة" من المسؤول، الفلاحين الغلابة ولا الحكومة ولا مين؟

مصطفى كمال طلبة: لا، شوف أنا بأعتقد أن.. إحنا طبعا تعودنا على أن إحنا نلقي باللوم دائما على الحكومة لأن الحكومة في كل العصور في مصر علمت الإنسان المصري أن هي ولي أمره فإحنا بنحاسبها على أنها ولي أمر ما بيؤديش المهمة بتاعته لكن في نقص واضح في المعلومات، ما بنقولش الوعي لأن الكلام اللي بنقوله ما فيش وعي عند المصريين أنا بأختلف تماما لأن المصريين بيتميزوا بذكاء غير طبيعي حتى على مستوى الرجل اللي في القرية قريب الفلاح اللي لا يقرأ ولا يكتب عنده ذكاء فطري غريب جدا فهو مستعد أن يتلقى ويتصرف بناء على هذا، ما عندوش حد بيدي له التوجيه ويدي له حافز لما يعمل حاجة صح ويعاقبه لما يعمل حاجة غلط، لا بننفذ القانون ولا بندي حوافز ولا بندي معلومات، فأنا أحاسب الفلاح بناء علي إيه يعني؟ ما هو حيجيب المياه دي منين؟ هو بيجيبها من بيتهم؟ يعني بيأخذ الترنش اللي تحت..


أحمد منصور (مقاطعا): هي الحكومة وصلتها له علشان يروي بها.

مصطفى كمال طلبة: آه ما هو يعني المسؤول عن هذا اللي بيوصل له هذه المياه الملوثة، كونه هو بيلوث جنب كده بيضيف حاجات من المخلفات بتاعته اللي في البيت بيحطها في الترعة آه أنا معك في هذا لكن أصلا المياه جاية ملوثة من الصرف الصحي والصرف الصناعي اللي بيصل للنيل وللفروع اللي طالعة منه كلها.

تعامل الحكومة مع القضية ورد فعل الشعب عليها

أحمد منصور: في عدد 31 أغسطس الماضي من "المصري اليوم" رئيس التحرير مجدي الجلاد كتب عنوانا كبيرا سماه "حكومة المجاري" قال فيه "إن وزيرا أسبق قال له إن اجتماعات ولقاءات الوزراء كانت تشهد مناقشات ساخنة حول أزمات ومخالفات وتجاوزات تودي في ستين داهية وفي بعض الأحيان كان الوزراء يتلقون تقاريرا لأجهزة رقابية مختومة بعبارة سري للغاية وفور الاطلاع عليها تتحجر الأعين وترتفع الشهقات من هول المصائب والفساد ولكن التعليمات كانت تصدر لهم غالبا بإغلاق الفم وتمزيق التقارير في مفرمة القمامة والحجة الدائمة هي أن هذه المسائل هي أمن قومي، بلاش نخوف الناس بلاش نثير الذعر والبلبلة، ثم ينسى الجميع الأمر وكأنه لم يكن".

مصطفى كمال طلبة: شوف يعني هذه حجة مرفوضة حكاية أن إحنا ما نقولش للناس لأنها قضية أمن قومي دي زي ما بيسموها في كثير من الجرائد سبوبة، حاجة بنتحجج بها علشان ما نقولش الحق، ومع ذلك الناس بتعرف يا أستاذ أحمد، رجل الشارع عارف كل ما يجري في البلد من فساد وأخطاء، حتى الذي لا يقرأ ولا يكتب عارف الكلام ده، فهم عندهم بطبيعتهم استعداد لتقبل المعلومة إنما كونك تخبيها عليهم بتصل لهم وبتصل له أسوأ من هذا بقى أنها بتصل له مشوشة وبتصل له فيها الكثير من الأخطاء والمبالغات، لو قلت له مش حيحاسبك حيتعاون معك علشان يقدر يصحح المشكلة طالما أنت عملت ربطتها بصحته وحياته وحياة أولاده وأسرته كلها.


أحمد منصور: لا، يا افندم الوضع يعني الآن هذه التقارير المرعبة الشعب المصري تلقاها ببلادة وبعدم أي رد فعل وكأنها تحدث لشعب بوركينا فاسو أو شعب زامبيا أو شعب منغوليا وليس الشعب المصري! لما تقول لي شعب ويطلع وزير الري يقول له أنت بتتسم بقى لك ثلاثين سنة والشعب لا زال يمارس كل شيء بشكل طبيعي وكأن.. يطلع مدير الثروة السمكية يقول السمك غير صالح للأكل، ولا أي شيء عند الناس ما فيش أي رد فعل.

مصطفى كمال طلبة: ما هو ما فيش رد فعل ليه؟ يا أستاذ أحمد أنت رجل مصري زيك زيي يعني ما أنتاش جاي من بوركينا فاسو ولا من السعودية ولا من قطر أنت مصري، فالوضع في مصر أن مستوى الفقر بلغ درجة بتجعل كل الناس باستثناء المجموعة المتميزة جدا وجزء صغير جدا بقى دلوقت بيشكل الطبقة المتوسطة بدل ما كان 70% ما بقيتش أكثر من 10% اللي عنده عربية وبيت وبيأكل ويشرب ويلبس زي حضرتك كده وزيي ما بنشكلش أكثر من 10%، سيبك من المتميزين قوي دول مش داخلين في الحساب، الـ 80% من الناس اللي باقية زي ما بيقولوا عندنا في الصعيد "بيكمل عشاه نوم"، يعني ما عندوش القدرة على أنه يكمل إنفاق اليوم فبيجري الموظف بيجري يشتغل سواق تكسي، السواق بيروح يشتغل في دكان بقالة علشان يبيع بعد الظهر علشان يجيب دخلا ثانيا، مش ممكن أن حتتصور أن هؤلاء الناس حيقفوا ويقولوا حقوقنا فين، ما هو ملبوخ في أنه عاوز يؤكل عياله ويدفع الدروس الخصوصية ويدفع المستشفى اللي بتأخذ دم قلبه وما تديش علاجا، كل ده واخد كل وقت الناس، فحتى الفكر أنه يثقف أو يستعد للتثقف مش موجود ما عندوش فعاوز يرفه عن نفسه بأي حاجة يسمعها ويتفرج عليها في التلفزيون، أنا ما أعرفش كم واحد بيتفرجوا على البرنامج لولا أنه أحمد منصور وعارفين أنه بلا حدود والحاجات.. وشاهد على العصر اللي بتعملها بتجتذب..


أحمد منصور: يعني أنت تقصد أن الكل الآن ملهي في المسلسلات، أكثر من ستين مسلسلا مطلعينها للناس تتفرج عليها يعني في رمضان بحيث يعني يصرفوهم عن أي شيء حتى يتعلق بأنفسهم.

مصطفى كمال طلبة: مش بس يصرفه عن أي شيء، هو الرجل بيروح ليه؟ هو الرجل بيروح لأنه مكتئب طول النهار من السعي وراء الرزق الذي لا يأتي فبيدور على حاجة يتفرج عليها وبيروح للحاجات اللي في منتهى التفاهة علشان يقعد يضحك ويكركع وينسى المصائب اللي عنده طوال النهار، ففي تلبيسة شكلها غريب كده في المجتمع هي اللي مؤدية إلى هذا النسق اللي الناس ما بتتحركش لأي حاجة.


أحمد منصور: ولما البني آدم ده يشعر أن هو اللي واخده لأولاده ده بيؤكّل أولاده سموما وهو يدرك ذلك.

مصطفى كمال طلبة: ما هو كم واحد اللي بيدرك ذلك يا أستاذ أحمد؟ أنا يعني مع كل تقديري للكلام اللي حضرتك بتقوله، "المصري اليوم" بيراها كم واحد؟ نصف مليون، ربع مليون؟ طيب بعدين؟ بقية الثمانين مليون لا عنده وقت يقرأ ولا معه فلوس يشتري بالجنيه ونصف جرنالا ولما يفتح التلفزيون مش عاوز يتفرج على كلام جاد زي اللي بتقوله ده، عاوز يشوف حد بيطبل بيزمر بيقول كلاما من الهايف ده علشان يقعد يسري عن نفسه، إذا كان عنده تلفزيون رغم أن كل الدنيا دلوقت بقى عندها تلفزيون ما أعرفش جايبينوه منين برغم.. تلفزيون وموبايل، ما هو ده التناقض الغريب..


أحمد منصور (مقاطعا): ده من إنجازات نظيف في الموبايلات، 45 مليون موبايل، الشعب اللي حضرتك بتقول 70% مش لاقي يأكل، فيه 45 مليون مصري عندهم موبايلات!

مصطفى كمال طلبة: يعني أنت بتصرف أكثر من ثلاثة أربعة مليار في السنة على الكلام على الدردشة وأنا عمري ما شفت في مجتمع في العالم الناس ماشية تتكلم في التليفون والموبايل في الشارع، ما فيش حاجة يعني ما فيش حاجة الحرب ما قامتش جنبهم علشان بيخلي المشاكل في الشارع.


أحمد منصور: في موضوع السلبية حضرتك رويت لي قصة غريبة قبل البرنامج أنك أسست بعدما رجعت من الأمم المتحدة جمعية لحماية المستهلك لحماية الإنسان البسيط ده واكتشفت أشياء مرعبة فيما يأكله الناس.

مصطفى كمال طلبة: آه يعني أول ما ابتدأنا نعمل حاجة عملية في السوق قلنا نأخذ عينات من مصنعات اللحوم اللي موجودة دي من الشارع.


أحمد منصور: اللي المصريون بيأكلوها دي.

مصطفى كمال طلبة: اللي المصريون بيأكلوها واللي أنا بأكلها واللي كل أعضاء الجمعية بيأكلوها، فرحنا دفعنا من جيبنا، أمين الجمعية وأنا دفعنا تكلفة أن ندفع..


أحمد منصور: تحليل.

مصطفى كمال طلبة: لا مش التحليل، التحليل الوزارتان وزارة الزراعة ووزارة الصحة قرروا أنه يتعمل للجمعية مجانا -بالاتصالات والعلاقات الشخصية- مجانا مساهمة في جهد الجمعية، إنما كنا بنجيب الناس بعد الظهر في غير أوقات العمل الرسمية فكنا بندي لهم مكافأة صغيرة وبنشتري العينات من السوق، وبالمناسبة يعني جاء مناقضة لوزارة التضامن أو وزارة الشؤون الاجتماعية أيامها قال ده مصطفى طلبة بيتصرف تصرفات خاطئة في تمويل الجمعية بتاعته لأنهم ما لقوش فلوس.. ما لقوش وصولات من الناس اللي في وزارة الصحة ومعامل وزارة الزراعة يقول مختومة بختم النسر أن إحنا عملنا أن إحنا إديناهم فلوس، Anyway عملنا تحاليلا لسبع ثمان شركات من شركات الأغذية اللي بتنتج مصنعات اللحوم بس بالذات، عملنا بقى الألبان بعد كده، إنما دي طلع أن في عدد من الشركات بتنتج بعض منتجاتها لا تصلح للاستخدام الآدمي.


أحمد منصور: وتطرح للناس والناس بتأكلها.

مصطفى كمال طلبة: والناس بتأكلها..


أحمد منصور: والحكومة في غيبوبة لا رقابة ولا شيء.

مصطفى كمال طلبة: يعني ما هو.. حأقول لك أكمل لك القصة دي يعني ممكن تبقى ترفيه شوية في رمضان، يعني أنا طلبت أنها تتنشر النتائج دي بالأسماء بتاعة الشركات فـ"الأهرام" قال لي، أولا طلبت "الأهرام" فقالوا لي لا إحنا ما ننشرش الكلام ده بالأسماء وحتى لو نشرنا النتائج ننشرها كإعلان مدفوع الثمن، يا إخواننا ده إحنا جمعية أهلية..


أحمد منصور: مصلحة شعب.

مصطفى كمال طلبة: فكلمت الإخوان في "أخبار اليوم" في ذلك الوقت الأستاذ إبراهيم سعدة -ربنا يدي له الصحة- وكان في منتهى الجرأة أن يقول أنا حأنشر ده..


أحمد منصور: بأسماء الشركات.

مصطفى كمال طلبة: بأسماء الشركات، ونشرناها. فكنت أنا ساكن أيامها لسه في بيتي الثاني اللي في روض الفرج فلقيت ثلاثة أربعة جايين بزوجاتهم بجلاليب من بولاق..


أحمد منصور: ناس عاديين.

مصطفى كمال طلبة: ناس عاديين وقعدوا عندي في الصالون قالوا لي هو حضرتك اللي بتقول إن الأكل بتاع الشركة الفلانية دي غير صالح للاستخدام الآدمي؟ قلت لهم مش أنا، العلماء اللي بيقولوا الكلام ده اللي حللوا وأنا مهمتي أني أنا أعرفكم بالكلام ده فتفضلوا في "الأخبار" ونشروها، فالرجل قال لي إيه؟ قال لي يا بيه أنا بأروح الشركة الفلانية دي أو الدكان الفلاني اللي أنت قلت عليه ده منتجاته غير صالحة للاستخدام الآدمي..


أحمد منصور (مقاطعا): اللي نشر في "أخبار اليوم" وقتها.

مصطفى كمال طلبة: اللي نشرته "أخبار اليوم"، وبأروح أشتري منه نصف كيلو ولا ثلث كيلو ولا ثلاثة أرباع كيلو كبدة بعشرة جنيه يوم الخميس وأديه لأم العيال اللي قاعدة قدامك دي بتقيد علي لما تقطع فرطه..


أحمد منصور: يعني تولع عليه النار لعدة ساعات.

مصطفى كمال طلبة: بتولع عليه نار عشر ساعات ويقعدوا العيال على الطبلية يأكلوا حاجة شبه اللحمة يوم الخميس بالليل، لما حضرتك بتقول لي ما تأخذش من الدكان ده لأن المنتج ده غير صالح للاستخدام الآدمي أجيب اللي شبه اللحمة دي بالعشرة جنيه دول منين؟ وما تقوليش آكل فول وطعمية وعدس علشان البروتينات لأن ده اللي إحنا عايشين عليه طوال الأسبوع، أنا عاوز يوم الخميس حاجة شبه اللحمة. رجعت ثاني يوم.. أنا زي ما قلت لك قبل..


أحمد منصور (مقاطعا): يعني إلى هذا الحد يفعل الفقر بالناس.

مصطفى كمال طلبة: آه، ورجعت لمجلس الإدارة، دعيت مجلس الإدارة مباشرة وقلت لهم حصل ده وأنا شايف أن إحنا المجهود اللي إحنا بنعمله ده بالإعلام وبالإعلانات دي كلها أو الإعلام ده كله لخدمة من يستطيع أن يحمي نفسه بنفسه بأنه يبطل يأخذ الكلام ده إنما الرجل اللي عاوز حماية مش عارف أوصل له إزاي، الرجل اللي بيأكل البلاء ده لأنه بعشرة جنيه وما عندوش إلا عشرة جنيه.


أحمد منصور: اللي هو الإنسان الفقير المعدم البعيد عن التوعية اللي إحنا ما بنوصلوش.

مصطفى كمال طلبة: ما هو أنا ما أوصلوش لأن..


أحمد منصور (مقاطعا): واللي هو أغلبية الشعب.

مصطفى كمال طلبة: أغلبية الشعب.


أحمد منصور: واللي هو فيه الأمراض القاتلة والفتاكة وكل هذه الأشياء.

مصطفى كمال طلبة: كيف نحميه بقى؟


أحمد منصور: كيف نحميه؟ أسمع منك الإجابة بعد فاصل قصير.

مصطفى كمال طلبة: أنا أسمع.. واحد..


أحمد منصور (مقاطعا): بعد فاصل قصير.

مصطفى كمال طلبة: آه طيب.


أحمد منصور: كيف نحمي هذا الإنسان البسيط الفقير الذي تنهش فيه هذه الأمراض والذي يتناول السموم بالليل والنهار في كل شيء لأنه فقير ومعدم ولأن أغلبية الشعب المصري كذلك؟ نعود إليكم بعد فاصل قصير لمتابعة هذا الحوار مع العلامة الدكتور مصطفى طلبة فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

دور الحكومة في حل المشكلة

أحمد منصور: أهلا بكم من جديد بلا حدود من القاهرة، ضيفنا هو الدكتور مصطفى كمال طلبة نائب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة رئيس المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول الكارثة الموجودة في مصر حول ري المزروعات بمياه الصرف الصحي منذ عشرات السنين ودورها في تفشي الأمراض بين المصريين. كيف يمكن حماية الإنسان البسيط من هذه المأكولات التي لا تصلح للاستهلاك الآدمي ويتناولها المصريون والمليئة بالسموم أيضا من المزروعات؟

مصطفى كمال طلبة: يعني أفتكر أن إحنا عندنا جانبان في هذا، جانب مسؤولية الدولة ممثلة في الوزارات المعنية وزارة الإسكان وزارة الري وزارة البيئة وزارة الزارعة كل الوزارات دي وأنا بأفتكر أنه يلزم ويجب أن يكون في برنامج واضح ومحدد تعلنه الدولة لكيف ستصحح مستوى الأداء بالنسبة للري بالمزروعات دي، ري المزروعات بالمياه غير المعالجة وعمليات إصحاح بتاعة محطات المعالجة الموجودة في مصر. ليس هناك ما يمنع أبدا أن محطات المعالجة ترمي اللي هي عاوزاه في الصحراء في الغابات الشجرية لأن ده ما حدش بيأكله ونقدر نكسب بها فلوس أن إحنا بنروح نقول للناس في مرفق البيئة العالمي أو للتنمية النظيفة اللي في متغير المناخ إحنا بنعمل حاجة لامتصاص الغازات اللي بتسبب ارتفاع درجة الحرارة بالأشجار دي وبنأخذ عليها فلوس، فيعني ده ممكن. ويجب أن يكون في استقدام أكبر قدر من المياه دي بس ما تكونش مياه غير معالجة يا أستاذ أحمد لأن الخطورة في هذا أنك تزرع حتى الغابات الشجرية تزرعها بمياه غير معالجة فبعد ما بتزرع المياه بتنزل السموم دي والأخطار الموجودة فيها والملوثات بتنزل إلى المياه الجوفية والمياه الجوفية بنأخذها، ما فيش حاجة..


أحمد منصور: بنشربها مباشرة.

مصطفى كمال طلبة: بنأخذها بنزرع بها نباتاتنا وبنشربها إحنا من الآبار في القرى المنتشرة في طريق مصر إسكندرية الزراعي والكلام ده كله فيجب أن إحنا نكون عارفين بالضبط المياه دي مستواها شكله إيه، على الأقل أنها معالجة معالجة ابتدائية جيدة مش تصلقة وما فيش حاجة رايحة من غير علاج خالص، ده واجب الدولة وما أظنش أن ده حيتعمل يا أستاذ أحمد في خمس سنين ولا عشر سنين، لازم يبقى في برنامج طويل المدى وده أنا بأفتقده في كل الأنشطة بتاعتنا، ما فيش حاجة بتبص للي حيحصل إيه بعد عشرين سنة أو ثلاثين سنة ونحدد لنا أهدافا ونمشي كل خمس سنين نحقق منها شيئا ونعلن ولما نلاقي مشكلة نعلن نقول للناس أنا مش قادر أعمل كدولة أعمل اللي أنا وعدت عليه بده بسبب واحد اثنين ثلاثة أربعة، الناس مستعدة تسمع وتقبل المشاكل إذا كانت الدولة فعلا بتقول لها إنها جادة في تنفيذ ما التزمت به إنما عندها صعوبات واحد اثنين ثلاثة، الإعلان بقى مرة أخرى بأقول إنه لا بد أن الإعلان يدي وبالأسلوب اللي يصل إلى الإنسان العادي يعني الكلام اللي بيبقى فيه أي نوع من التعقيد العلمي ما حدش بيسمعه، بيسمعه المثقفون يمكن ويقعد ينتقد حاجة من الحاجات العلمية إنما الرجل اللي في القرية ده لو قلت له أغنية ولا في الشارع سواق التاكسي أغنية بيعملها الفنان ولا المطرب شعبان عبد الرحيم الناس كلها حتقعد تغني معه وشوية بشوية حيلقط حاجة عن الموضوع، التمثيلية بتاع مسلسل من المسلسلات الكثيرة اللي قلت عليها دي في رمضان، إيه من دول اللي عالج واحدة منهم بس عالجت مشكلة الصرف الصحي وقالت للناس أنتم بتعملوا إيه غلط والحكومة بتعمل إيه غلط؟ فين؟ ولا واحدة تكلمت على هذا الموضوع، فبيحصل فوضى..


أحمد منصور: الشعب عنده سلبية والنظام يدرك أن هذا الشعب سيظل هكذا فبيفعل فيه الأفاعيل.

مصطفى كمال طلبة: لا، ما أظنش أن الحقيقة الشعب.. الشعب ده هو اللي عمل ثورة 1919 يا أستاذ أحمد أنت عارف دي وهو اللي عمل 1952 وطلع الملك وعمل جمهورية وطلع في الشوارع..


أحمد منصور (مقاطعا): بيقولوا له أنت بتتسمم بقى لك ثلاثين سنة وبيمارس.. الرجل أنت قلت له أنت بتؤكل أولادك أكلا غير صالح للاستهلاك الآدمي قال لك علشان أنا لا أملك إلا عشرة جنيه أأكلهم بيها.

مصطفى كمال طلبة: آه، ما هو حل المشكلة دي، ما هي دي البيضة والفرخة اللي بنتكلم عليها، يا إما الناس يبقى عندها دخل، أولا يبقى في إنتاج يدي دخلا والدخل ده يتوزع توزيعا عادلا على خلق الله والرجل يأخذ اللي يستطيع أن يعيش به عيشة مش بأقول مرفهة عيشة آدمية، حيروح يشتري كل الحاجات اللي أنت بتقول له هي دي كويسة وبلاش الثانية.

حجم التلوث البيئي وانعكاساته الصحية

أحمد منصور: دكتور صلاح الغزالي حرب في بلاغ رفعه إلى النائب العام المصري نشر في عدد 16 أغسطس الماضي من "المصري اليوم" قال فيه "نحن نعاني من حالة غير مسبوقة من التلوث البيئي في الماء والطعام والهواء وهي في رأيي جريمة مكتملة الأركان يشارك فيها الكثير من المسؤولين بالتواطؤ والإهمال وخيانة الأمانة ويجب أن يقدموا جميعا إلى المحاكمة العادلة مهما تكن مواقعهم" وقال أيضا إن هذا الأمر سيؤدي إلى إصابة الأطفال بالأمراض وأشياء كثيرة جدا.

مصطفى كمال طلبة: كلامه صح يعني الدكتور صلاح الغزالي أول امبارح أنا كنت معه فبأقول له أنا مش قادر أمشي قال لي يعني أنت خير من يعلم أن الدولة البلد هنا ملوثة إلى أبعد الحدود والتلوث له تأثير مباشر على عضلات الإنسان. وعلى فكرة بيقول لي إنه هو بيكتب حاجة ثانية على نفس الموضوع ده حتتنشر قريبا برضه في "المصري اليوم" إلا إذا كان تعبوا بقى من بلاغه للنائب العام ده.


أحمد منصور: بيقول في المقال بتاعه "إن غالبية طعام المصريين الذي يتضمن الكراث والجرجير والبقدونس واللفت والكرمب والخيار والقثاء وغيرها من الأطعمة التقليدية يحتوي الآن على نسب عالية من بكتيريا القولون البرازية والعديد غيرها من البكتيريا والطفيليات التي تسبب أمراضا قاتلة على رأسها السرطان والفشل الكلوي علاوة على إصابة الأطفال بالقصور الذهني ونقص النمو والشكوى الدائمة من الصداع المتكرر والإحساس بالدوخة والضعف العام وغيرها من الأعراض المرضية".

مصطفى كمال طلبة: يعني ما هو مش بس البكتيريا الموجودة في.. البكتيريا بتاعة القولون، جنب البكتيريا بتاعة القولون.. ده الصرف الصحي إنما المأساة الأكبر كمان أنه بيجي لنا الصرف الصناعي معه والصرف الصناعي بيطلع رصاص بيطلع كل المعادن الثقيلة والرصاص بالذات هو المعروف علميا أنه بيسبب ضعف القدرة الذهنية عند الأطفال. يعني بطلنا نعمل بنزين فيه رصاص لما ارتفعت النسبة قوي لكن لا تزال المسابك بتاعة الرصاص موجودة خرجناها بره شبرا الخيمة وديناها في حتة ثانية طيب ما هو ما حدش قال إن هواء القاهرة ولا هواء الإسكندرية حد حاطط حواليه حيطان وحواجز وبيقول ده الهواء بتاعي أنا بس وما فيش حاجة جاية لي من بره، مش..


أحمد منصور: ده أنا قرأت دراسة عجيبة جدا، الدكتور محمد عبد الفتاح الباحث الجيولوجي كاتبها بيقول إن في خمسين ألف مصري يموتون سنويا بسبب تلوث الهواء. خمسون ألف مصري يموتون سنويا يعني لو دخلوا حربا مش حيموت العدد ده، بسبب تلوث الهواء! نصف مليون مصري، دكتور محمود عمرو أستاذ الأمراض المهنية بالمركز القومي للسموم نشر دراسة في 16 فبراير 2008 قال فيها نصف مليون مصري يصابون سنويا بالتسمم جراء تلوث المياه! دي أعداد مرعبة يعني كأن الناس لا تقرأ ولا تعرف ولا يهمها تعرف هي بيجرى لها إيه!

مصطفى كمال طلبة: يعني ما هو شوف أنت بتقول خمسين ألف واحد بيموتوا..


أحمد منصور: وفي 17 ألف طفل بيموتوا سنويا مصريين، 17 ألف طفل مصري بيموتوا سنويا بسبب تلوث المياه.

مصطفى كمال طلبة: آه وفي سبعين ألف ولا ستين ألفا بيموتوا سنويا من الحوادث اللي على الطرق، أكثر من اللي ماتوا في أي معركة عسكرية دخلناها! ما هو يعني كل ما حولك يا أستاذ احمد كل ما حول الناس بيؤدي فعلا إلى المرض والقتل.


أحمد منصور: منظمة الصحة العالمية تقول في تقرير أخير لها نسبة التلوث في مصر هي ثلاثة أضعاف نسب التلوث في العالم ومحافظة القاهرة فيها 35% من حالات التسمم التي تصيب المصريين.

مصطفى كمال طلبة: محافظة القاهرة لأن فيها 35% من السكان يعني فيها 14، 15 مليون من الـ 78 اللي عندنا لكن التلوث أنه خمسة أضعاف ولا أربعة أضعاف في حاجات معينة يعني أخطر حاجة عندنا الجزيئات الصغيرة..


أحمد منصور: اللي بنتنفسها.

مصطفى كمال طلبة: زي التراب الرفيع قوي ده..


أحمد منصور: اللي بنتنفسها دون شعور.

مصطفى كمال طلبة: اللي بنتنفسها دون شعور ولما تخش الرئة ما بتطلعش ما تقدرش تطلعها منها وبتؤدي إلى الربو والمشاكل التنفسية وكل الكلام ده، ودي أعلى من المسموح به في اللائحة بتاعتنا إحنا في المواصفات الرسمية اللي عندنا في اللائحة التنفيذية للقانون المصري اللي بيطلع للناس، واللي بيتنفسوه مرتين أو ثلاثة أضعاف هذا الكلام وده منشور يعني دي الحاجة الوحيدة يمكن اللي أنا بأعتقد أنها دولة شفافة فيها بيتنشر في تقرير حالة البيئة في مصر اللي بيطلع كل شهر..


أحمد منصور: اللي ما حدش بيقرأه غير الخبراء والمختصين.

مصطفى كمال طلبة: ما حدش بيقرأه إلا الخبراء والمختصين ولأني أنا بأصر وبيقبلوا، بأصر أنه لازم يتكتب الحق.


أحمد منصور: الدكتور أحمد نجم المستشار الاقتصادي بمجلس الوزراء هو اللي في دراسة نشرها قال إن في 17 ألف طفل مصري يموتون سنويا بالنزلات المعوية نتيجة تلوث المياه. حضرتك تكلمت عن التلوث عن المواد الصلبة، دكتور مجدي توفيق أستاذ البيئة المائية بكلية العلوم جامعة عين شمس نشر في 25 أغسطس 2009 قبل أيام قال إن الملوثات الصناعية المنصرفة بالمجاري المائية تصل إلى 270 طنا يوميا.

مصطفى كمال طلبة: آه ما هو يعني كانت الملوثات دي يعني دي اللي هي السوائل اللي بتفرزها اللي بتنتجها المصانع نتيجة العمليات بتاعتها وبتطلع على المجاري المائية ده الإجمال لكن عددا محدودا جدا من هذه المصانع بيعالج هذه المياه النفايات السائلة.


أحمد منصور: 13 ألف مصدر تلوث يصب في النيل! مصانع كيماويات ومصانع.. وزير الري قال في عشرين ألف حالة تعدي على النيل وهو عاجز ووزارته عن عمل أي شيء لها.

مصطفى كمال طلبة: آه يعني بس التعدي ليس بالضرورة بس في التلوث يعني اللي بيزرع واللي بيبني على النيل، ما فيش حاجة اسمها حرم النيل ولا حرم النهر ولا حرم البحر ولا أي حاجة من ده، التلوث الصناعي زي ما قلت لحضرتك قبل كده خطورته الأساسية في المعادن الثقيلة اللي بتنزل مع المياه الناتجة عن عمليات الصناعية ودي أخطر ما يمكن.


أحمد منصور: في 33 نوع أسماك انقرضت من النيل بسبب التلوث وهناك ثلاثين نوعا مهددا بالانقراض أيضا، دراسات بتشير إلى ذلك ويبدو أنه حتى السمك اللي إحنا بنأكله كله فيه حاجات.

مصطفى كمال طلبة: فيه حاجات إنما لحسن الحظ أن إحنا يعني لا إحنا في المنزلة ولا البرلص ودول الاثنان كمية التلوث اللي فيهم.. مريوط.


أحمد منصور: وكانت هذه البحيرات الثلاث هي المصدر الرئيسي للأسماك المصرية.

مصطفى كمال طلبة: مش بس مصدر رئيسي للأسماك، كانت المياه اللي فيها تقدر تشربها يعني مش بس..


أحمد منصور: كانت ألذ الأسماك منهم والآن غير صالحة للاستهلاك الآدمي.

مصطفى كمال طلبة: الآن غير صالحة للاستهلاك الآدمي وفي مشروع دلوقت لتنقية بحيرة مريوط مدفوع فيه سبعة ثمانية مليون دولار من مرفق البيئة العالمي علشان تنقية بحيرة مريوط إنما الغريب جدا أن اللي أنت بتنقيه بيردموا جزءا منه علشان يبنوا عليه مشروعات سياحية واقتصادية..


أحمد منصور: استثمارية لرجال الأعمال. دكتور حسن أبو طالب في مقال نشره في الأهرام في 25 أغسطس الماضي حول صحة المصريين قال فيه إن نتائج المسح الصحي الذي أعلنه وزير الصحة في السادس من يونيو -وزير الصحة- جاء فيه أن تسعة ملايين مصري مصابون بالالتهاب الكبدي الوبائي C، أي ما يقرب من 11% من سكان مصر، وفي إحدى ورش العمل الدولية عن انتشار الأمراض في مصر والتي عقدت في الإسكندرية نهاية يوليو الماضي كشف المشاركون عن حقائق خطيرة منها أن أربعين ألف حالة فشل كلوي ومائة ألف إصابة بمرض السرطان تظهر سنويا في مصر وأن أكثر من ثلاثة آلاف طفل يدخلون مستشفيات الأطفال لعلاج مشكلات تغيير الأعضاء التناسلية ومرض سرطان الثدي وغيرها من الأمراض الأخرى.

مصطفى كمال طلبة: يعني هو يعني أنا معك تماما أن أمراض الكبد وأمراض الكلى نسبتها عالية جدا في مصر بالنسبة..


أحمد منصور (مقاطعا): بعض المناطق أربعة أضعاف النسب العالمية.

مصطفى كمال طلبة: آه إنما السرطان برغم كل هذا الحديث عنه أعداده ونسبه لا تزال أقل مثلا من الجزائر، فإحنا المشكلة الأساسية اللي عندنا الأمراض اللي ناتجة عن الماكروبات اللي نازلة في الصرف الصحي وهي الكلى الفشل الكلوي والفشل الكبدي دول أكثر المشاكل الموجودة عندنا واللي مصاب بها أكبر قدر من الناس في مصر.

إمكانيات المواطن في مواجهة تلوث المياه

أحمد منصور: دكتور عبد العزيز حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق قال إنه أخذ عينة من الماء وبعث ألمانيا حللها ونشر هذا الكلام للناس حتى الناس تعي وقال ينصح جميع المصريين بغلي الماء قبل شربه.

مصطفى كمال طلبة: آه وده اللي إحنا كلنا بنحاول نعمله يعني تغلي المياه أو تشتري فلتر اللي بتركبه على..


أحمد منصور: بس الفلتر بيشيل المكروبات؟ ما بيشلش المكروبات؟ بيشيل المواد الصلبة الموجودة في المياه؟

مصطفى كمال طلبة: آه ما هو لو أنت شايف أن المياه ما هياش مدهولة قوي، والدكتور عبد العزيز لأنه كان ساكن في الحرانية وشاف سوء المياه في مناطق كثيرة شكلها إيه والست حرمه كانت وهي مريضة فكان أحد المشاكل اللي عندها شرب المياه..


أحمد منصور: نعم، هو طبعا المياه اللي كلها في قزايز دي معظمها مضروبة في مصر.

مصطفى كمال طلبة: لا، المياه اللي في قزايز ما هو إحنا بنقول برضه المواطن المصري بيبعث عياله ولا هو ينزل يأخذ قزازة مياه معدنية، ما عندناش..


أحمد منصور: ما فيش مياه معدنية.

مصطفى كمال طلبة: ما فيش في مصر مياه معدنية..


أحمد منصور: يعني كل المياه اللي في قزايز دي مش.. مياه حنفية، مياه معبأة..

مصطفى كمال طلبة: مياه معبأة، ليس بالضرورة من الحنفية..


أحمد منصور: يعني بالفلتر يعني.

مصطفى كمال طلبة: بيأخذ من بئر لكن ليست مياها معدنية، مياه جوفية معبأة أو مياه عادية كده نازلة مطرة ومعبأة إنما ما عندناش في مصر حاجة اسمها مياه معدنية.


أحمد منصور: علشان بس الناس تعرف تعمل إيه.

مصطفى كمال طلبة: علشان الناس تعرف.


أحمد منصور: طيب قل لي يا دكتور في ثلاثة دقائق بقيوا ما هي النصائح التي توجهها للناس في ظل هذا الوضع البائس لكي يحتاطوا في طعامهم وشرابهم على قدر المستطاع ويتجاوزوا هذه الأمور إلى أن يكشف الله الغمة عن المصريين ويجدون حكومة تجيب لهم أكلا وشربا نظيفا وتخرجهم من نطاق السموم الذي يسممون به هذا؟

مصطفى كمال طلبة: ما أظنش يا أستاذ أحمد أنني أقدر أن أنصحه بأي حاجة طالما المصدر حيفضل مستمرا، يعني ما لم يوقف المصدر اللي بيسبب ده، وده مسؤولية الحكومة وإذا كانت عاوزة تأخذ من الناس نفقات الإصحاح زي لما يبعث لي.. زي ما بيأخذ مني مصاريف وصول المياه..


أحمد منصور: ومصاريف الزبالة اللي متكومة على..

مصطفى كمال طلبة: ومصاريف الزبالة..


أحمد منصور: الزبالة دي عايزة حلقة لوحدها.

مصطفى كمال طلبة: لأول مرة في حياتي في شارع مصدق ألاقي الزبالة طول الشارع من أوله لآخره أكوام..


أحمد منصور: في كل الجيزة يا أفندم..

مصطفى كمال طلبة: في كل الجيزة آه، والله أعلم..


أحمد منصور: وحتى بقية.. باستثناء بعض الشوارع.

مصطفى كمال طلبة: ده بيقولوا في وسط الشارع في وسط البلد يعني فأنا بأعتقد أنه لا بد أن تكون هناك وقفة جادة، الناس لازم تبتدي تطالب بحقها في أنها تعيش حياة محافظة عليها الدولة ما تبقاش هي مصدر التلوث يعني لو كل الحاجات اللي طبقا للقانون طبقت لو طبق القانون قانون البيئة قانون النظافة قانون المرور كل هذه القوانين لو طبقت أنا أعتقد ان الإنسان المصري يستطيع أن يعيش أكثر راحة -مش مستريح- أكثر راحة من دلوقت فعليهم أنهم يطالبوا -مش يجوا على الفلاح الغلبان- يطالبوا الدولة بتطبيقها على الكبار وأصحاب المصانع وهم اللي بيسببوا كل المشاكل دي معنا، والدولة تشوف الصرف الصحي تأخذ ضرائب من الناس الأثرياء دول علشان تحمي البني آدم الفقير.


أحمد منصور: سعادة الدكتور مصطفى كمال طلبة أشكرك شكرا جزيلا على ما تفضلت به، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم آملا أن يخرج الله مصر وأهلها من هذه الكارثة المتمثلة في تلك السموم التي يتناولها الناس. في الختام أنقل لكم تحيات فريقي البرنامج من القاهرة والدوحة وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود من القاهرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.