محمد حسنين هيكل - مع هيكل
مع هيكل

هيكل.. حق المعرفة

تتوقف الحلقة عند الكيفية التي تعامل بها الإعلام المصري في حرب الخامس من يونيو/حزيران 1967، وكيف أن الشارع المصري كان على دراية كاملة بما يدور في كواليس إسرائيل.

– العمل الصحفي بين الواقع والإشاعة
– إبداء الرأي على قاعدة الخبر
– دور الصحافة في تنوير الرأي العام

العمل الصحفي بين الواقع والإشاعة

محمد حسنين هيكل

محمد حسنين هيكل: مساء الخير. أجيء إلى هذه القاعة وأجلس إلى هذا المكتب هذه الليلة مجردا من كل سلاح، ليس معي ملفات وثائق وليست معي كتب وليست معي أية أسانيد إضافية، لكني أجيء لأنني أعتقد أن هذه اللحظة قد تكون مناسبة لإيضاح نقطة طال حولها الجدل وهي تتعلق بدور الصحافة في معركة سنة 1967، 5 يونيو 1967 وأريد أن أجيب على عدة أسئلة وأن أفعل ذلك لا من باب الدفاع عن أي شيء ولكني أريد أن أوضح لجيل جديد خصوصا جيل جديد من الشباب لم يكن معنا في تلك الأيام حقيقة لا بد له أن يكون على اطلاع عليها لأنها أظنها غابت أو غيبت عنه، غيبت عنه قصدا في اعتقادي لكني على أي حال سواء كان القصد هو التغييب أو القصد هو شيء آخر فلا بد أو أظن اعتقدت أن هذا الحديث ينبغي أن يكون توضيحا لهذا الموقف موقف الصحافة إزاء 5 يونيو وفي 5 يونيو سنة 1967 وأين كانت وماذا فعلت بالضبط في هذه المعركة؟ لأن هناك جدلا كثيرا جدا. قيل إنه في ذلك الوقت كانت الصحافة بتبشر الناس بأنهم ذاهبون غدا إلى تل أبيب وإنه جاء الوقت لإلقاء إسرائيل في البحر وإن نهاية إسرائيل قد اقتربت وقيلت أشياء كثيرة جدا، وأنا يعني لا أناقش هذا ولكني أريد أن أوضح وأن أضع صورة هي في الواقع متصلة جدا بتجربة حياتي، متصلة بسجل هذه المهنة في لحظة دقيقة جدا من تاريخ هذا البلد وهي عشية 5 يونيو 1967، لا بد أن أقول أولا في البداية أن أحدد المرجعية التي التزمتها وربما التزمها الكثيرون في جيلي في جيلنا من الصحفيين، هذه القاعدة على الأقل أشرحها أنا كما عرضتها على محرري الأهرام أو الجريدة التي شرفت بالعمل فيها بعقد موقع من أصحابها في ذلك الوقت، عائلة تقلا عائلة جبرائيل تقلا وتفاوض فيه معي الأستاذ ريمون شمير وقعه معي الأستاذ بشارة تقلا وقد طلبت أن يستمر عملي في الأهرام وصلتي بالأهرام على أساس هذا العقد وليس على أساس أي شيء غيره لأني اعتبرت أن هذا عقد مهني وأن تنظيم الصحافة فيما بعد قد يلقي مظنة شبهة أن وجودي وجود سياسي ولذلك رفضت -مش رفضت بلاش رفضت لأنها كلمة كبيرة قوي- اعتذرت ولم أفعل أن أضع اسمي كرئيس مجلس إدارة الأهرام لأني عُينت فيه فيما بعد رئيسا لمجلس إدارة الأهرام يعني عينت فيه لما صدر قانون تنظيم الصحافة سنة 1960، لكني من قبل ومن بعد لم أحتفظ لنفسي إلا بوصف واحد وهو رئيس تحرير الأهرام واعتبرت هذا مهنيا ولكن غيره اعتبرته سياسيا. ولكن في عملي في الأهرام وعندما شرفت بالعمل فيها وضعت أمام محرري الأهرام وفي منهم كثير قوي موجودين لا يزالوا من أول اجتماع دستورا لكيف نعمل، أنا بأشرح ده لأنه مسألة مهمة جدا لأنه يكشف كيف غطينا هذه المعركة كيف اقتربنا من هذه المعركة كيف كان موقفنا أو موقف غيرنا ربما من هذه المعركة. في هذا الاجتماع الأول سنة 1957 يوم 2 أغسطس سنة 1957 مبكرا جدا كان رأيي قلت لهم بوضوح كده إنني أنتمي إلى مدرسة من الصحافة تؤمن بأن الجريدة a news paper is a news paper  هذا استعلمتها بالضبط، هي ورقة أخبار وليست شيئا آخر، فالمسألة المهمة بالنسبة لنا وبالنسبة لي أنا في ذلك الوقت كمسؤول عن هذه الجريدة هي أن هذه الجريدة ينبغي أن تكون جريدة أخبار تسبق بالأخبار وتكون هذه الأخبار صحيحة، ده نمرة واحد، نمرة اثنين أن يكون عملنا بعد السبق بالأخبار وبأخبار صحيحة هو أن نقوم بشرح وتحليل معنى هذه الأخبار، والحاجة الثالثة في مهمتنا أن نعلق على الأخبار ولكن لا نستطيع أن نعلق على الأخبار إطلاقا ولا أن نبدي رأيا في الأخبار إطلاقا إلا على قاعدة خبر، بمعنى أن الخبر الصحيح والدقيق والذي نسبق به هو القاعدة الأساسية فيما نفعله، وبالتالي أنا بأقترب بهذه الحدود وبهذه المرجعيات المحددة بأعود إلى موقف الصحافة وموقف الإعلام بصفة عامة. مساء أو في الأيام السابقة مباشرة عشية 5 يونيو يبدو أن هذا يبدو انقطاعا عما كنت أتحدث فيه أنه انحراف في المسار لكني في الواقع أعتقد أن هذا جسر آن أوانه ولا بد أن يوضع لأنه في منتهى الأهمية أن يعرف أو أن يعرف جيل جديد خصوصا يعني أن يعرف جيل جديد أنه ذات يوم كان في حاجة ثانية مختلفة يعني، ولذلك أنا كل اللي جايبه معي النهارده هو أعداد الأهرام السابقة على يوم 5 يونيو الخمسة أيام من أول شهر يونيو، اليوم الأول وفي هذه كانت فترة حاسمة وحرجة وهي فترة تعبئة إذا قيل إنها فترة تعبئة ولا بد إذا كنا قلنا تل أبيب غدا تل أبيب وغدا القدس وغدا مش عارف حنعمل إيه وحنرمي إسرائيل في البحر وكل هذا الذي قيل وأنا بأتكلم فيه لأنه فعلا متصل بمسار الصراع اللي بأتكلم فيه متصل بحقائق سنة 1967، ولذلك أنا حأترجى أن يقبل مني كمهني وكرجل يقص تجربة حياة أو يحكي عن تجربة حياة هذه مسألة في منتهى الأهمية لأنه أنا أعتقد أن الإعلام في ذلك الوقت وعلى الأقل فيما يتعلق بي بأعتقد أن إحنا حاولنا بقدر الإمكان أن نقدم سجلا معقولا، سجل المعقول في رأيي واحد أن لا يفاجأ القارئ بتطور، أن يكون القارئ على علم بمعرفة كل شيء حتى السياسة العليا. لما أمسك أهرام على سبيل المثال -وأنا آسف جدا بأتكلم كده- لكن أنا حقيقة بأعتبره جزء من المعركة لأن أي معركة ليست صداما بالسلاح ليست صداما بين دبابات وقنابل ورصاص وكل الكلام ده كله وليست مجرد فقط إدارة سياسية وقرارات تُتخذ وأشياء تحدث على مستوى صنع القرار ولكنها بالدرجة الأولى الوعي هنا كان مهما جدا، الوعي وبقاء هذا الوعي متابعا لما يجري ومطلعا على حقائقه دون تزييف وهذه بالنسبة لي -وأنا آسف جدا أن أقول ده- لكن بالنسبة لي قضية في منتهى الأهمية وأنا أرغب في أن أشارك فيها آخرين لكي يعرفوا أو لكي جيل جديد يعرف، أما غير الجيل الجديد أنا يعني ما عنديش أمل كثير قوي في حاجات كثيرة قوي. لكن أنا أمسك عنوان الأهرام أو أمسك صحيفة الأهرام يوم 1 يونيو وأمسك الصفحة الأولى في صحيفة الأهرام لـ 1 يونيو وهي الصفحة الأولى باستمرار في أي جريدة هي عنوان ما هو فيها وهي واضحة، عايز أقول إن ما كان يهمني في كل هذه المعركة، خصوصا وأنا مقدر مبكرا أنها معركة مصير وأنها سائرة على حرب، أن يكون الرأي العام في مصر مطلعا على كل حقيقة لا تغيب عنه خافية. أول يوم يوم واحد وهو يوم الخميس 1 يونيو عناوين الأهرام، "جونسون يقود حملة من الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي والنفسي ضدنا"، "تحركات أميركية مريبة تصل إلى ذروة خطيرة انحيازا ومساندة وتدعيما لإسرائيل"، "حاملة طائرات أميركية تصل إلى مدخل بور سعيد وتطلب عبور قناة السويس وتعبرها فعلا عند الفجر اليوم لتقف في مكان ما في البحر الأحمر"، "تصريحات لقائد أسطول أميركي في البحر الأحمر يقول في نهايتها نحن في انتظار تعليمات من جونسون". هذا ليس بعيدا بأتكلم فيه بأتكلم صحيح أنا بأتكلم وفي ذهني قضية الصحافة لكن هذا أيضا جسر على الحوادث هذا جسر على الحوادث الرابطة، كل ما كان يجري في واشنطن وتحدثت فيه وما كان يجري في لندن وتحدثت فيه وما كان يجري في غيرها من العواصم العربية وتحدثت فيه، هذه الرابطة هذا الجسر الذي صنعته الصحافة لعلم قارئها في الوصول به من ضفة إلى ضفة من ضفة سلام إلى ضفة حرب لكي يكون متابعا ويكون بنفسه رقيبا على ما يجري. لو أشوف الصفحة الأولى كلها الصفحة الأولى كلها هذه هي العناوين بأواخرها، كان "أسطول سوفياتي آخر يعبر الدردنيل متوجها للبحر الأبيض"، "صندوق النقد الدولي يوقف قرضا أو يوقف تسهيلا لمصر". كل الصورة صورة كاملة ليس فيها حوادث كما وقعت ليس فيها تحريض ليس فيها التعبئة لم تظهر على صفحات الأهرام طول هذه الفترة -وهي زي ما كنت بأقول فترة التعبئة- لم تظهر صورة واحدة لرئيس الدولة لم تظهر، لأن الموضوع بالنسبة لي وبالنسبة لغيري يعني قطعا يعني لم يكن موضوع الدعوة لأحد لم يكن موضوع الإشادة بأحد لكنه موضوع قارئ له الحق في أن يعرف رأي عام له حق أن يتابع وأن يتابع حقائق لا تداخلها آراء ولا تداخلها شوائب ولا حاجة أبدا لكن يبقى عارف بالضبط. وبعدين بقية العناوين، حاملة الطائرات، قلت، قائد الأسطول بيقول، وحدات الأسطول السوفيتي والأسطول الأميركي تخش تدخل البحر الأبيض، وبعدين كل الصفحة تغطي أخبارا، ليس فيها حاجة أبدا إلا أخبار. اليوم الثاني أن هو يوم ده كان يوم الخميس يوم الجمعة كان في على العناوين محددة وواضحة لا حنلقي إسرائيل في البحر ولا حاجة أبدا، "أي دولة تحاول اقتحام خليج العقبة سوف تمنع من استخدام قناة السويس" ده كان قرار، "دراسة هامة تجري لمواجهة تطورات الموقف المحتملة ومحاولات الضغط"، وبعدين "القاهرة تطلب من كل رؤساء الدول الإسلامية مناشدة شاه إيران أن يمنع شحن البترول الإيراني إلى إسرائيل وأن يصدر إعلانا بذلك"، لأن يعني قيل بعد كده أن من أسباب اعترافنا بالجميل لشاه إيران ودعوته للقدوم إلى مصر لاجئا أنه إدانا بترول سنة 1973، وأنا قلت إن هذا ليس صحيحا وأنا كنت موجودا في الصورة وأنا أعلم ما جرى لكن أعلم يقينا أن شاه إيران محمد رضا البهلوي منذ سنة 1956 منذ السويس وبعدها كانت كل دبابة إسرائيلية وكل طيارة إسرائيلية وكل مدفع إسرائيلي وكل جرار إسرائيلي تحرك ببترول إيراني، وأنا النهارده يعني نفسي قوي أن بعض الناس يتذكروا، ساعات بأحس أن إحنا مرات بيجي لنا عمى ذاكرة وأنا يعني على أي حال برضه ده مش وقته. وبعدين "زوارق الطوربيد المصرية تابعت حاملات الطائرات الأميركية إلى أن خرجت من قناة السويس"، وبعدين صورة للأسطول الأميركي السادس، ليس فيها ما فيش صورة للرئيس ولا حاجة أبدا، وبعدين في تعليق بالأهرام ولكن تعليق بالأهرام بيتكلم على إيه؟ التعليق بالأهرام بيتكلم على حاجة أنا بأعتقد أو حاجات أنا بأعتقد أنه بعد كده أخذ dimensions دخل أخذ أبعادا كبيرة قوي. كلمة الأهرام بتقول "سمعة ليبيا هي الموضوع!" وهنا ده موضوع مهم قوي لأن إحنا كنا قلنا خبر قبلها بيوم إنه في حركة عسكرية كبيرة جدا في مطار ويلاس في قاعدة ويلاس في طرابلس في ليبيا، وبنقول إنه في سلاح داخل وسلاح خارج وفي حركة تبدو ملفتة للأنظار، فوزير خارجية ليبيا السيد أحمد بشتي في ذلك الوقت طلع بيانا قال فيه إن ده مش صحيح وإن ليبيا لا تقبل لم تقبل أن أي أحد يستعمل أراضيها. أنا أعلم ويقينا أن الملك السنوسي كان فلتة -الشهادة لله يعني- أن هذا الرجل العجوز الصوفي كان فلتة بين ملوك العرب وأنه في ذلك الوقت الرجل أبدى بمقدار ما يستطيع رفضه أن تستعمل ليبيا في أي عمليات ضد مصر ولكن هذا لم يمنع أن في قاعدة زي قاعدة ويلاس في طرابلس تحت تصرف الأميركان وفي قاعدة زي قاعدة العظم جنب بنغازي تحت تصرف الإنجليز في ذلك الوقت، كيف يمكن الحكومة الليبية ما تقدرش؟ فإحنا كتبنا وبمنتهى الأدب تعقيبا على وزير خارجية ليبيا السيد بشتي بنقول له إن الموضوع مش موضوع أنكم تقولوا إن سمعتكم في الميزان، مش موضوع أن تقولوا لا حصل ما حصلش، هناك أسلحة تجيء وهناك أسحلة تخرج وهناك في هذا الوقت العصيب حركات تجري عسكريا حركات تجري وأنتم لا علم لكم بها. وهذا الموضوع فيما بعد أخذ.. لأنه مع الأسف الشديد في مرات يغلبنا الهوى الأهواء بتغلبنا ولما حصل أنه اتقال إنه في أشياء جاءت من الغرب وأشياء جاءت من الشرق بعض الناس أخذوا هذا الموضوع كيعني طريقة للتنكيت أو طريقة يعني للتشفي أو أي حاجة، لكن واقع الأمر أن قدامنا كل حاجة النهارده تثبت أن مش بس قاعدة ويلاس الأميركية استخدمت في العدوان صباح 5 يونيو، في طيارات أميركية ضمن ما اتفق عليه في آخر الأيام في واشنطن وتابعة للـ CIA  مملوكة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، ونحن نعلم الآن وكالة المخابرات المركزية عندها قد إيه تحت تصرفها قد إيه وأسلحة قد إيه وأموال قد إيه ووسائل قد إيه و.. شيء لا يمكن أحد يصدقه حتى أسلحة صورايخ بحالها، ولكن في ذلك الوقت سلمت لإسرائيل 22 طيارة ما بين 18 إلى 22 طيارة وضعت في قاعدة ويلاس وذهب طيارون إسرائيليون واستلموها من أجل، وبدؤوا بها العمل وكانت هذه هي الطائرات التي أغارت على الغرب أغارت على مطار مرسى مطروح والإسكندرية ثم اتخذت طريقها بعد ذلك عبر البحر -لأن الوقود لم يكن يتحمل أكثر من ذلك- عائدة إلى إسرائيل ذاهبة إلى إسرائيل.

[فاصل إعلاني]

إبداء الرأي على قاعدة الخبر

كل الحقائق كانت متاحة للشارع المصري قبل 5 يونيو عام 1967، كل عناوين الأخبار قبل الحرب كانت تؤكد أن إسرائيل تعبئ الرأي العام الداخلي للحرب، لذلك الإعلام كان على قدر المسؤولية ولا يستطيع أحد أن يقول إنه فوجئ بما حدث

محمد حسنين هيكل: فإحنا هنا واحد هذه المناقشة وهذا الرد على وزير الخارجية وزير خارجية ليبيا وفي وقت وقبل أن يحدث شيء وفي مناقشة مؤدبة بنلفت نظره بنقول له سمعة ليبيا هي الموضوع وأن إحنا فاهمين أنكم بتقولوا إنه لم تسمحوا ولا نعرف أنكم لم تسمحوا، لكن هنا في موضوع مهم قوي وبعدين ألاقي كل الصفحة الأولى ليس فيها إلا أخبار وبعدين في أخبار عن تسليم ألمانيا أسلحة لإسرائيل ولكن كل الصفحة صفحة إخبارية ليس فيها لا أي كلمة لا إلقاء إسرائيل في البحر ولا حاجة أبدا مع العلم أن هذه فترة تعبئة. طيب، يوم السبت العنوان "انقلاب صامت يجيء بوزارة حرب في إسرائيل"، وبعدين "تعيين موشى ديان وزيرا للدفاع ومناحيم بيغن وزيرا للدولة بطلب من الجيش"، "ضغطت العناصر العسكرية في إسرائيل لأقصى مدى وفرضت على ليفي أشكول عناصر كان قبل 24 ساعة يرفض التعاون معها"، كل هذه كانت حقائق ظهرت فيما بعد وأثبتتها وثائق لكنها نشرت في يومها لأنه في متابعة لأزمة، أزمة مصير أو واقعة مصير، حرب على وشك أن تقع ولا بد أن يكون فيها رأي عام يعرف الحقيقة ولا تخفى عليه خافية. بتكمل العناوين "حتى عصر يوم الخميس -وهذا كان صحيحا- قال رئيس وزراء إسرائيل في لجنة الأمن في الكنيست إنه لا يستطيع التعامل مع دايان، وصباح أمس تخلى له عن كل السلطة"، "إجماع المراقبين على أن الانقلاب الصامت في إسرائيل جاء بوزارة حرب"، وبعدين "أول نشاط يقوم به دايان كان اجتماعا مع بن غوريون الذي كان القوة السياسية المؤيدة للانقلاب الصامت". هذا قارئ هذا مواطن تابع أسرار ما يجري في إسرائيل كان يعرف بها ووضعت أمامه كلها كاملة، لم تخف عليه خافية وما حدش قال له إنه حنرمي إسرائيل في البحر ولا أحد قال له إنه حنخش تل أبيب بكره الصبح ولا أحد قال له إنه نحن في الطريق إلى زحف كاسح قاطع. قيلت له حقائق ما يجري في إسرائيل، قيلت له تفاصيل كل شيء كان يجري في إسرائيل، حتى الأسرار الدفينة التي ظهرت فيما بعد وتأكدت بوثائق ثابتة وضعت أمام مواطن له الحق أن يعرف في معركة مصير. وبعدين يوم الأحد اللي هو يوم 4 يونيو وهو اليوم السابق مباشرة لنشوب القتال عنوان الأهرام "العسكريون وحدهم يتكلمون الآن في إسرائيل"، وبعدين "سكتت جميع الأصوات في إسرائيل ولم يعد يسمع فيها الآن غير أصوات رجال المجموعة العسكرية الحاكمة"، "الجنرال دايان يعلن في مؤتمر صحفي أن الحرب تتوقف على نتائج الاتصالات مع الدول الغربية"، "الجنرال رابين يقول في منشور للجيش لقد أعددناكم لتقوموا بأي مهمة نكلفكم بها"، "إيغال ألون يتحدث في مؤتمر عام: عبد الناصر أعلن الحرب علينا فعلا ونحن اليوم نريد رفع الحصار ولا نستطيع أن نطمئن مع وجود الحشد المصري في سيناء ونريد ضمانات"، "هرتزوج مدير المخابرات يقول عن القوات المصرية هناك مائة ألف جندي مصري و810 دبابة أمامنا في سيناء". لما أحد يقول إن وزارة حرب في إسرائيل هذا تحذير واضح لا خفاء فيه ولا تعبئة فيه ولا صور، برضه ما فيش لا أحد ملهم ولا أحد قائد ولا حكمة أحد، أبدا، في الحوادث كما ينبغي أن تكون. أنا أضع هذا السجل لأنه فقط في مسألة أساسية متعلقة بالضمير المصري، أنا بأعتقد أنه في أهم حاجة 5 يونيو 1967 و 6 أكتوبر 1973 و1956 في كل المعارك في اعتقادي وفي من السد العالي والصناعة وكل حاجة أهم شيء في اعتقادي أن يكون هناك مواطن يتسق ضميره لا يشعر بتأنيب ضمير لا يشعر أنه خدع لا يشعر أن قيادته خدعته لا يشعر أن إعلامه خدعه لا يشعر أنه دخل إلى مرحلة من أصعب المراحل في تاريخه وهو مضلل أو غائبة عنه الحقائق. وهنا أنا بأعتقد أن كل الحقائق كانت موجودة وكل شيء دونما تزيد وبأعتقد أنه هنا نحن طبقنا تطبيقا كاملا القواعد التي.. مدرسة، مش بتاعتي مش قواعدي مش أنا اللي عملتها، هذه مدرسة في الصحافة تعتقد أن الخبر هو أساس عملنا وأن تحليل هذا الخبر هو التالي الخبر الصحيح والسابق وبعدين وأن لا رأي بعد ذلك إلا رأي مبني على خبر. لكن في هذا الوقت أنا كنت معتقدا وأي أحد بينتمي إلى هذه المدرسة يعتقد ويؤمن ويعمل على هذا الأساس أن أهم شيء أن يكون المواطن على علم بما يجري، لا يخفى عليه شيء. ما حدش يجي يقول لي آه لكن أنا فوجئت بصباح 5 يونيو باللي حصل في الطيران، ممكن قوي هو يكون فوجئ لكن هذا ليس أنا، ما هواش الإعلام، هذه قضية ثانية تبحث ولكن عندما يحاسب إعلام عندما يحاسب إعلام وطني وإعلام وطن مسؤول وفي أزمة يحاسب على ما فعله هو على ما يقوله هو على ما قدمه لقارئه، هل كان قارئه على علم بالتطورات كلها أو لم يكن؟ هل كان فاهما أو لم يفهم؟ وهنا هذا هو المعيار لكن المعيار.. في مسألة مهمة جدا، لما بنبدي رأيا في السياسة مرات يقولون لك أنتم تتدخلون في السياسة، لكن السياسة بنفس المقدار مش لازم السياسة تتدخل في اللي إحنا بنعمله، لكن أنا أي صحفي في مهمته وصار في أزمة من هذا النوع كأزمة 1967 والبلد تجتاز ظروفا من سلم إلى حرب وإلى معركة مصير، مسألة أساسية أن قارئا أو أن مواطنا يبقى على علم بما يجري. قلت اللي عمله الأهرام أو اللي كان كجريدة وأنا بأعتقد ولو أنه مش سهل قوي أقول أنا ما ليش دعوة بحاجة ثانية غير الأهرام، ولكني أنا أعتقد أن الأهرام في ذلك الوقت أظن أن إحنا كنا بنعمل دور ضبط الإيقاع، إذا أنا هنا بأشوف أنا في خبر في يوم اثنين أن جمال عبد الناصر يرأس اجتماعا عسكريا، أخذ خبر على عمود، عمود واحد لأن ببساطة الخبر مهم جدا لكن لأن ليست لدي تفاصيل كاملة أو ليست لدى الجريدة تفاصيل كاملة أو ليست هناك تفاصيل كاملة يمكن أن أقولها في هذا الوقت فأنا هذا الخبر أخذ القيمة التي يستحقها لم يزيد وليست معه صورة لا عمل ولا توجيه ولا حاجة من دي أبدا، أنا أعلم أن في هذا الاجتماع جمال عبد الناصر دخل وحذر، عرض كل السياسات كل الموقف في اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة مساء يوم الجمعة 2 يونيو، وأنا فاكر لأني كنت معه قبلها، كنت معه قبلها بأحضر لقاء بينه وبين أنتوني ناتينغ وزير الدولة البريطاني اللي استقال في وقت السويس وأنتوني ناتينغ كان جاي بيعمل حديث مع جمال عبد الناصر لأنه بعدها اشتغل -المسافة بين السياسة والصحافة قريبة جدا- فأنتوني ناتينغ بعد ما ساب الحزب وبعد ما ساب السياسة بعدما استقال في السويس احتجاجا على موقف إيدن اشتغل صحفيا لفترة وجاي يعمل حديث مع جمال عبد الناصر، لكن جاي بيعمل حديث مع جمال عبد الناصر وهو بقيمته وهو من هو وهو كلنا عارفين أنه سياسي مهم جدا. في هذا الاجتماع مقابلة ناتينغ مع جمال عبد الناصر أنا حضرتها كانت الساعة 6 مساء وفضل ناتينغ مع جمال عبد الناصر لغاية 7 وبعدين قفلنا سجل المحادثة وبدأ يبقى في كلام عن الأزمة وناتينغ في هذه الليلة كان بيتكلم وهو رجل عارف من أقطاب حزب المحافظين كان وصلته هائلة بالموجودين في لندن عمال أو محافظين، كان في كلام وفي تبادل أخبار وبعدين راح جمال عبد الناصر -وأنا أعلم كان حيقول إيه- وراح قال للقيادة إن الحرب حتبقى في ظرف 48 ساعة وإن حيبقى أول حاجة فيها ضرب الطيران وينبغي أن يكونوا متيقظين. ولكن لأني، واحد لم يكن هذا ممكنا أن يقال في ذلك الوقت ولأنه وحتى وإن كنت عارفه ليس من حقي أن أنشر، فالخبر كما بدا أمام القارئ أخذ الحيز الذي يستحقه وليس أكثر دونما إنشاء ودونما تعبئة أبدا، الخبر على عمود أنه اجتمع مع القيادة العامة للقوات المسلحة وأنه تكلم فيه وشرح تطورات الموقف، ولا أكثر ولا أقل. إذاً أنا هنا ما فيش إعلام أعطى الناس وهما أكثر، في إعلام قال لهم حقيقة ما هو موجود، حقيقة الموقف السياسي حقيقة التطورات، أنه في حرب على الأبواب أنه في وزارة حرب في إسرائيل. حسيب اللي كتبه الجرنال الأهرام يعني وحأتكلم على ما كتبته أنا، وأنا هنا برضه بأعرضه لا بأدّعي به ولا بأعتذر عن شيء، هذا مع العلم أن ساعة ما أعمل أي حاجة أنا أشعر أنها تستحق الاعتذار أنا لا أتردد في أن أعتذر ولا أعتبر أن هذا يأخذ مني شيئا لأنه في مسألة مهمة جدا أنه ليس هناك إنسان يستطيع أن يتنصل من مسؤوليته أو أن يكبر عن المحاسبة إطلاقا. فلما أجي أشوف أنا كتبت إيه في هذا الوقت أنا كنت حاسس وغيري طبعا كثير قوي حاسين أن هناك أن مسار الحوادث باللي إحنا متابعينه واللي شرحته في أميركا في إنجلترا في فرنسا في العالم العربي في الأوضاع كلها في الصورة العامة كلها نحن سائرون إلى صدام مسلح وإلى حرب مسلحة وأن قرار إقفال خليج العقبة كان مفجرا أو كان إشارة دالة جدا على أن هذه اللحظة لحظة الصراع أتت، لحظة الصراع بالسلاح أتت لأن الصراع بيستمر طول الوقت ولا يتوقف دون سلاح مش ضروري السلاح إطلاقا والحرب المستمرة ولكن القتال يجي له وقت، لكن بعد قفل العقبة أنا كنت واحدا من الناس المعتقدين أن هناك قتالا قادما وأن هناك معركة بالسلاح لا مفر منها وحرصت على أن يكون هذا ما أتصوره مطروحا على قارئي أو مطروحا على الرأي العام المتابع في ذلك الوقت لأن أهم شيء، أهم شيء في اعتقادي في هذا العصر هذا عصر الناس هذا عصر الجماهير في ذلك الوقت عصر الجماهير المتحركة عصر الجماهير لا يحق لأحد أن يضللها إنما يحق له أن يخبرها، ويصيب هذه قضية ثانية، لكن ما هو مهم أنه ليس من حق أحد إطلاقا أن يخفي عن الرأي العام في عمومه حقيقة خصوصا في لحظة أزمة كل الناس شايفاها. أنا شرحت موقف الأهرام وحاولت أقول ولا عاوز أقول أكثر من أي حاجة ثانية إلا أنه لا كانت في تعبئة ولا كان في تمجيد في رجل ولا كان في وعود بأشياء بعيدة المنال إنشائية لكن كان في تقرير يتناسب مع خطورة الحوادث ويتابعها همسة بهمسة، وأنا يعني بأقولها والله بأقولها بتواضع بحقيقي أنا سعيد جدا لأن ده مش عملي أنا بس مش عملي لكن ده عمل كثير قوي كانوا بيشتغلوا في ذلك الوقت وأنا بأعتقد أنهم وضعوا أمام رأي عام صورة دقيقة بما يجري في العالم كله. أما أجي إلى اللي أنا عملته أنا في ذلك الوقت لما جاءت بوادر حرب أو قبل ما تجي بوادر الحرب كنت داخل في مشروع مع الصنداي تايمز، الأهرام يعني داخل في مشروع مع الصنداي تايمز ندعو الماريشال مونتغمري بطل الحرب العالمية الثانية المهم وبطل معركة العلمين أن يجيء إلى القاهرة في مناسبة الذكرى 25 للحرب لمعركته الكبرى يعني، وأنا كنت معتقدا أنه على أي حال مجيء مونتغمري لمصر مسألة فرصة مهمة جدا وأنا أشرت إليها مرة قبل كده وقلت الجوابات التي تبودلت إلى آخره، لكن بأتكلم هنا جاء مونتغمري لكن جاء مونتغمري وله أزمة بتبتدي، لا، جاء مونتغمري في الأول لكن ما كانش في أزمة، وأنا حاكي هنا على مناقشات مع مونتغمري بطول يومين في العلمين لأن بعد هو ما جاء، هو سبقني للعلمين مع صديقي وزميلي وشريكنا في هذه العملية في دعوة مونتغمري وهو دنيس هاملتون رئيس مجلس إدارة التايمز ورئيس تحرير التايمز في ذلك الوقت وهم سبقهم وأنا قلت لهم حأحصلكم بعدين وحصلتهم ثاني يوم، وعلى بال ما جيت أكتب موضوع المقابلة كانت الأزمة ابتدت. فأنا أولا حاولت أن أركز على كل ما سمعته من مونتغمري عسكريا على حرب في الصحراء لأني كنت معتقدا أننا مقبلون على حرب في صحراء أخرى، مونتغمري كان بطلا وعارف حرب في الصحراء الغربية، ونحن مقبلون على حرب في صحراء أخرى، وحتى وأنا بأقول للقارئ بأقول له أنا كتبت ملاحظة في وسط الكلام "أعترف بأن هذا الحديث بعيد عن موضوع الساعة الذي يشغل أفكار الكل ويلح عليهم، وقد خطر لي بعد أن فرغت من كتابته وتلاحقت الحوادث أن أعدل عن نشره ولكنني بعد التردد تركته يأخذ طريقه إلى هذه الصفحات أعلل نفسي بأن الأهرام يغطي موضوع الساعة وأن هذا الموضوع متصل بموضوع الساعة لأن موضوعه عن الحرب وحرب في الصحراء"، وحرصت على أن أركز على كل ما سمعته من مونتغمري عن الحرب في الصحراء وأردت مش بس أن يبقى في قارئ عارف ولكن كان في مناي أن آخرين غير القراء غير القارئ العادي يعني آخرون من عسكريين مسؤولين إلى آخره يشوفوا مونتغمري بيقول إيه يشوفوا خبرة دولية خبرة عالمية مهمة جدا بتتكلم إيه عن معارك الصحراء، لأن هنا كان في أوجه شبه غريبة جدا بين معركة مونتغمري وبين المعركة اللي كنا على وشك أن نخوضها.

[فاصل إعلاني]

دور الصحافة في تنوير الرأي العام

محمد حسنين هيكل: أول حاجة أن إحنا بشكل ما كنا عندنا نوع من، في نوع من.. بعد السويس وبعده ده كله حاولنا حاول بعض الناس أن يقولوا والله إن السويس كانت انتصارا سياسيا ولكن مش عسكريا، وأنا لا أعلم يعني إيه يعني سياسي ومش عسكري؟ لأنه إذا في نجاح فهو نجاح لكل شامل وإذا كان في فشل فهو فشل لكل شامل وأنه ولأن العمل بالسلاح جزء من العمل السياسي جزء منه من العمل السياسي، العمل السياسي السياسة بتديره كل الصراع صراع أي أمة، وبعدين بتديره بالسياسة بتديره بالاقتصاد بتديره بالحرب النفسية بتديره بالسلاح إذا رأت أن لا مفر من الاحتكام بالسلاح، بعد السلاح بتديره أيضا بالسياسة للوصول به إلى نتائجه الحقيقية لأن كل حرب في الدنيا كل عمل بالسلاح في الدنيا لا بد في نهاية المطاف أن يصل بعد السلاح إلى كيف يمكن استثمار ما فعله السلاح في الحصيلة السياسية لأمة في التوجه السياسي لأمة في الرصيد السياسي لأمة اللي هي حاربت ودفعت دما، فكان في عندنا نوع من الكلام عن الجيش والكلام ده كله. الحاجة الثانية أنه كان عندنا في.. وأنا قصدت أن مونتغمري هو اللي بيوضحها قصدت إن إحنا كان عندنا من حرب السويس بقايا في الحملات النفسية اللي تبودلت في العالم العربي ولها ذيول في مصر أن بدأ يبقى في تصور أن دايان ده مسألة خطيرة الجنرال دايان ده مسألة خطيرة جدا وهنا مونتغمري بيقول لي إن دايان حاجة زي رومل كده يعني بيقول لي، أنا كان أهم حاجة أول حاجة في جيشي أن أنزع من ذهن جيشي أسطورة الجيش الألماني وأن أنزع من ذهن جيشي رأيهم في أن أو الاعتقاد السائد بين عدد من الجنود أن رومل قائد غير طبيعي إلى آخره. وبعدين قصدت أن أتكلم على فكرة الحرب وقضية الحرب وعلى مشروعية الحرب لأن مش بس أردت أن يكون هناك قارئ ورأي عام عارفين إيه الحكاية ولكن أردت أيضا أن الرسالة تصل إلى كثيرين عليهم إدارة المعركة بالسلاح في ذلك الوقت، جنب أن رتبنا مع كلية أركان حرب أن مونتغمري يروح يتكلم في كلية أركان حرب وراح يتكلم في كلية أركان حرب وشاف جمال عبد الناصر وشاف عبد الحكيم عامر والتركيز كان كله على حرب الصحراء. لما أشوف بعد كده أنا ده كان في بداية الأزمة اللي هي أزمة الحشود، لكن لما جاءت أزمة خليج العقبة برضه في أن قارئ أو مواطن لا تغيب عنه حقيقة، عنوان مقالتي التالية أنا كنت بأكتب مرة كل أسبوع مقالة اسمها "بصراحة" فده كان هذا المقال كان المقال الأول اللي عرضته، ده العدد الثاني 27 مايو، مقال بيقول "الصدام مع إسرائيل بالسلاح محتم لماذا؟" مش بس كده وقلت إن أنا خائف جدا من أولا قلت إنني متحفظ على قرار قفل خليج العقبة لأني معتقد أنه مؤدي إلى حرب، وقلته بوضوح لم أخف شيئا، قلت يعني إنه بعد مقدمة يعني لكن قلت أنا بأتكلم على -وهذا وقت الناس تتكلم فيه وترفع أصواتها عاليا دون حياء ودون خشية لأن هذه لحظة مصير ما هيش هزار يعني- وقلت لا بد أن يكون محاولة حديث عقلانية وبعيدة عن الاسترسال الإنشائي والهدر الخطابي مش قلنا إن والله نروح نرمي إسرائيل في البحر ونروح ندمر تل أبيب والكلام الفارغ ده كله، لأن في حاجات لا تسيء لا للإعلام فيما مضى ولا للبلد، عيب، تسيء للبلد في حاضرها لأن أسوأ شيء باعتقادي تصاب به أمة أن ينقلب حاضرها على ماضيها، ماضيها تصحح ماضيها إذا وجد فيه أخطاء لكن أن تنقلب على ماضيها وأن تهدم قواعدها، كل حجر في الماضي وضع هو حجر في بناء قائم كان ولا يزال، إذا وجدنا أن حجرا فيه خلل أو فيه تآكل يتغير لكن ليس من حق أحد أن يهدم لأن ما فيش.. عيب قوي أن أي حاضر يحاول يبيض صفحته على حساب تسويد صفحات الماضي، لا يليق في اعتقادي يعني ممكن غيري يشوف حاجة ثانية. ولكن وبعدين قلت إنه في صدام مسلح ما فيش مجال للمناقشة فيه، من هنا ما فيش صحافة خبت على قارئ ما فيش قارئ فوجئ ما فيش مواطن مهتم بالشأن العام خفيت عليه خافية في هذا الوقت، وبعدين مش بس كده وقلت إن طبيعة الصراع طبيعة قوانين الصراع تجعل الضربة الأولى بعد كده ليست عندنا لأن إحنا ضربنا ضربتين وده واحد أن إحنا شلنا قوات طلبنا سحب قوات الطوارئ واتشالت، والحاجة الثانية أن إحنا أغلقنا خليج العقبة إذا وصلنا خطوة ثانية بعد كده آخذين فيها المبادأة فمعنى هذا أننا بندي عذرا لأميركا تتدخل ضدنا علنا وهذا ما لا أطيقه، فقلت سوف يكون علينا أن نتلقى الضربة الأولى وأن نكون جاهزين لها نكون مستعدين لها وأن يكون علينا أن نوجه الضربة الثانية وأن تكون قادرة. هنا في رغبة في أن القارئ يبقى عارف حتى أسرار كل حاجة بما فيها ما يمكن أن يعتبر في ظروف أخرى سياسة عليا يعني لكن هنا لا في نروح تل أبيب ولا في صواريخ ولا في صور لأحد ولا في تعبئة لكن في وضع حقائق وضع أخبار أمام القارئ لكي يكون على علم بما ينتظره لكي يكون على استعداد للمشاركة وبوعي، لا يساق بالتعبئة إلى المجهول ولا توضع أمامه صور لا علاقة لها بحقيقة ولا لزوم لها أيضا، في هذه الفترة كلها ما فيش صورة لجمال عبد الناصر ما فيش صورة ما فيش كلمة واحدة فيها إنشاء، في ناس بيحاولوا يحطوا حقيقة، في حقبة بحالها، لازم أقول لازم أسلم أنه برغم كل اللي اتقال، آه كان في ناس مهمتهم أنهم يحرضوا يمكن مثلا في الإذاعة ولا في التلفزيون بيوجهوا كلامهم لصوت العرب ممكن في التعبئة العامة وفي إنشاء، أنا ده كله مفهوم في سياسة دولة لكن أنا بأتكلم هل في هذا البلد هل في هذا الوقت هل في هذه اللحظة إدى الإعلام دوره؟ أنا بأقولها وبأتكلم فيها لأن هذا جزء من تجربتي، حياتي، ولا أخشى أن أتكلم فيها وجزء من السجل العام لهذه المهنة ولا أخشى أن أتكلم فيه وأقبل فيه الحساب لكن أقبل حسابا على مسؤولية ما قلناه وما لم نقله. قبل المعركة اللي هو عدد 2 يونيو قبل نشوب المعارك بثلاثة أيام أنا كاتب، "الصراع الذي يدور في التفكير الإسرائيلي الآن" وقايل ومتكلم على الأسلوب الذي تعتمده إسرائيل في الحرب والأسلوب الذي تعتمده إسرائيل في القتال، وأحاول أن ألفت النظر إلى طبيعة إسرائيل في هذا الموضوع في موضوع الحرب، إسرائيل تعتمد -وهذا ما حاولت وحاول غيري لازم يعني أنا برضه كل ما بأقول حاولت أرجو أن حاولت دي تنصب على ما هو أوسع من واحد بيتكلم يعني بيتكلم النهارده يعني- لكن حاولت باستمرار أو حاولنا باستمرار أن نضع الصورة أمام رأي عام عما تفعله إسرائيل وهو لا يزال ما تفعله إسرائيل لغاية النهارده لأنه ليس صادرا عن مزاج لكنه صادر عن طبيعة. هنا في هذا المقال أنا حاولت أقول إيه اللي جاري في التفكير الإسرائيلي لأن في معركة وحاولنا نقول إن إسرائيل -أو حاولت وحاول غيري يقول- إن إسرائيل دولة قامت على انتزاع حق من أصحابه الشرعيين وهي تدرك هذا، عاوز أقول إن كل مؤسسي إسرائيل من أول من كل اللي فكروا في المشروع سواء هيرتزل لغاية فايسمان لغاية بن غوريون كلهم كانوا يعلمون أنهم ينتزعون حقا من شعب يتملك هذا الحق وأنه عاش في هذه الأرض ألفي سنة دون انقطاع وأنهم جايين ولا يمكن أن تكون لا الديمقراطية ولا التفاوض وسيلة لحصولهم على ما يريدون وأن ليس في أيديهم إلا العنف وأقصى درجات العنف إلى حد الاقتلاع من الجذور بالقتل لو أدى الأمر وأن إحنا قدام هذا معناه هذا نحن أمام صراع بالسلاح وهو صراع بالغ العنف، وأنا أعلم في هذا الوقت كأننا كنا يعني كأن الأخبار اللي إحنا بنينا عليها كل هذه الآراء كانت داخلة من جانب داخل صنع القارئ الإسرائيلي لأنني أعلم كل الناس بعد كده والوثائق قدامنا معروفة أنه بالفعل في فترة كان رئيس الوزارة الإسرائيلي فيها ليفي إشكول كان مترددا -ورح أتكلم فيها بعدين بالتفصيل- وأن العسكريين قاموا واعتبروا أن هذه هي اللحظة المناسبة وقالوا إنهم يعرفون كيف يتصرفون وأن الجيش المصري قدامهم في هذه اللحظة لسه في سيناء لا يزال بيأخذ مواقع لم يتأكد منها بعد وأن في تحركات كبيرة قوي ولو انتظرنا في هذا الوقت أكثر من هذا الوقت لو انتظرنا فهذا الجيش قد يثبت في مواقعه ولا بد أن نضربه وأن نضرب الآن وأن نضرب بأقصى قوة وأن نضرب بأقصى عنف، وألاقي في المحاضر يعني حتى يعني بيتكلموا على شكل المعركة الجاية مع مصر وأنها يجب أن تكون بالغة القسوة لكي يتعلم الجيش المصري درسا لا ينساه في سلامة أفراده وفي سلامة جنوده وفي سلامة ضباطه ثم أن يهان أمام العالم العربي وأمام الأمة إلى درجة لا تسمح له بأن تقوم له قائمة فيما بعد. هنا أنا بأعتقد أن إحنا مش بس الإعلام في ذلك الوقت مش بس حرص على أن يكون الرأي العام بشكل ما متابعا وعارفا الحقائق إلى آخره لكن أيضا حذّر من شكل ما هو قادم، وبالفعل من الحاجات المحزنة ويعني أنا.. لما ساعات، بعد الحرب بعد ما جرت الحرب وأنا حأتكلم بالتفصيل على ما جرى في المعارك كلها من أول لحظة لغاية آخر لحظة وأظن أن هذا الوقت هذا هو الوقت وأنا قصدت أن أقدم له بدوره عن الإعلام لأني اعتقدت أن هذه اللحظة ولكن على أي حال أردنا أو أراد يعني إعلام كثير أنا أو كثير غيري كتبوا قوي كثير غيري عرفوا قوي ولكن أردنا أن يكون هناك رأي عام يعرف مش بس شكل المعركة القادمة، أن يعرف العقلية الإسرائيلية التي تملي هذه المعركة لأن هذه مسألة مهمة جدا خصوصا أنه مع الأسف الشديد بعض الدول العربية وبعض الوسائل في العالم العربي، وأنا المرة الجاية حأجيب معي وثائق حلف بغداد أو في مرة قادمة حأجيب وثائق حلف بغداد وأوري كيف كانت هناك حرب نفسية على هذا البلد تتجه بالدرجة الأولى إلى خلق هوة بين الجيش المصري وبين الشعب المصري وتسعى إلى خلق جفوة بين الاثنين وتحاول مع الأسف الشديد أنها تركز على الجوانب الإنسانية. كمية الناس اللي كتبوا على.. وأنا ما أعرفش إزاي كتبوها وطاوعهم قلبهم يكتبوها أو كيف لم يطلعوا بأوسع من كده وهم بيبدوا آراء لأنهم ركزوا قوي على أن في فرق أو في كتائب أو في أفراد في الجيش المصري لبسوا جلابيبهم ومشيوا بعد كده رجعوا في المعركة إلى.. سابوا المعركة ومشيوا. كل الجيوش بما فيهم أول الجيش الألماني والجيش الفرنساوي والجيش الإنجليزي وكل واحد عند لحظة معينة ممكن جدا عندما يترك الجندي وينفك عنه النظام العسكري بشكل أو آخر أن يلجأ إلى حفظ سلامته وهذا ليس عيبا، عايز أقول إنه علينا ونحن ننقد أنفسنا ونحن نقرأ صفحة ماضي فات ونقرأ صفحة معركة فاتت مع الأسف الشديد معركة لم نكسبها ولكن علينا ونحن ننظر إليها، واحد أن ننظر واحد إلى حقائقها حقائق الصراع فيها، اثنين إلى ما جرى ووقائعه، ثلاثة إلى ما هو القصد المقصود مما فعله العدو، أربعة كيف يمكن أن نصحح، خمسة كيف يمكن أن نستبقي لهذا البلد قيمة خصوصا بالنسبة لقدرته في الدفاع عن نفسه بالنسبة لقدرته في الدفاع عن أمنه بالنسبة لقدرته في الدفاع عن وطنه وعن أمته. في هناك في أشياء في محظورات تتعدى الأشخاص مش لأني عايز أتكلم عايز أهاجم فلان وأحط عليه مسؤولية حاجة، آه أهاجم فلان وأحط عليه مسؤولية ما يستحق من مسؤولية وأحاسبه ولكن وأنا أفعل ذلك في بلد قبلي وقبل كل الناس لا يملكها لا جمال عبد الناصر ولا حسني مبارك ولا أنور السادات ولا أي أحد يملكها، هذا بلد يملكه شعبه وهذه أمة تملك مستقبلها وينبغي أن تملكه ومن حقها أن تحاسب ومن حقها أن تراقب ومن حقها أن تحكم لأن هي صاحبة الحق في الحكم، لكن ونحن نحكم لا بد أن نضع حقائق وأن نراعي اعتبارات الوطن وليس الأفراد، كل فرد باعتقادي كل فرد إلى زوال لكن في قضايا أبقى من كل الناس. الموضوع ليس موضوع أن نشهر بالماضي، أنا هنا ركزت على موضوع الإعلام لأن موضوع الإعلام أنا اعتبرته موضوع السجل المهني في قصة حياة رجل حاول وحاول غيره كثير قوي ولكن وأنا أنظر إلى هذه الصفحة بالنسبة لمهنة الإعلام وبالنسبة لمهنة الصحافة أنا وجدت أن هذا الجسر بين رواية الوقائع اللي كانت موجودة في العالم كله وبين الانتقال لميدان قتال حديث ميدان قتال لا بد أن أقف هذه الوقفة أمام دور الصحافة لأني بأعتقد أنها قضية في منتهى الأهمية، وأظن أنه إذا روجعت السجلات أظن أظن أن الإعلام في ذلك الوقت على الأقل فيما يتعلق بالإعلام اللي أنا كنت قريبا منه، بأعتقد لا قلنا تل أبيب بكره الصبح ولا قلنا إلقاء إسرائيل في البحر ولا بشرنا بانتصار ليست هناك مقدمات حقيقية له وإنما خبر صحيح، تحليل لهذا الخبر بكل معانيه وأبعاده، تعليق على هذا الخبر لكن تعليق على أساس خبر لأنه لا يمكن أن يكون هناك رأي إلا على قاعدة خبر. هذا قد يبدو تدخلا مهنيا قد يبدو شخصيا قد يبدو ذاتيا وأرجو أن يغفر لي لكنها كلمة أردت أن أقولها قبل أن أدخل إلى حديث ميدان القتال. تصبحوا على خير.