حقوق الملكية الفكرية
الشريعة والحياة

حقوق الملكية الفكرية في الشريعة الإسلامية

تتناول الحلقة أهم المعايير الشرعية التي تحفظ لكل ذي حق حقه، وهل يصح تمليك الأفكار؟ وهل يدخل منع نشر الكتاب إلا بإذن ضمن كتم العلم المنهي عنه شرعا؟

– حقوق الملكية الفكرية ومجالاتها
– بين الشرع الإسلامي والقانون الوضعي
– المؤلفات الشرعية وحقوق الملكية


undefinedتوفيق طه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقول الله تعالى في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم {وقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} صدق الله العظيم، فالعلم يُستمَد من عند الله وفوق كل ذي علم عليم وقد اعتبرت السنة النبوية العلم النافع صدقة جارية إلى يوم القيامة، فهل يصح تمليك الأفكار بما يعني احتكارها ومنع استخدامها إلا بمقابل مالي؟ وهل يُعتبر ذلك دخولا في منطق الرأسمالية حيث كل شيء قابل لأن يكون سلعة لها ثمن؟ وهل يدخل منع نشر الكتاب أو نسخه ضمن كتم العلم المنهي عنه شرعا؟ وما هي المعايير الشرعية التي تحفظ لكل ذي حق حقه؟ وإذا كان المؤلف يحتكر الانتفاع بمؤلَّفه إلا بمقابل مالي فهو مدين للبشرية في أنه بنى جهده على جهود السابقين وأن مقتديات المنفعة العامة يجب أن توازَن بمقتديات المصلحة الفردية؟

حقوق الملكية الفكرية إذاً موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع الدكتور محمد عثمان شبير أستاذ الفقه وأصوله بجامعة قطر، فأهلا ومرحبا بكم مشاهدينا الكرام وأهلا بك دكتور محمد.

محمد عثمان شبير- أستاذ أصول الفقه – جامعة قطر: أهلا بكم.

توفيق طه: بدايةً دكتور محمد لو نُعرِّف المشاهدين ماذا نعني بحقوق الملكية الفكرية؟

حقوق الملكية الفكرية ومجالاتها

محمد عثمان شبير: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أهله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، إن موضوع حقوق الملكية الفكرية من الموضوعات المهمة في هذا العصر حتى أصبح هذا الموضوع من أبرز مميزات هذا العصر وأصبح لهذا الموضوع أهمية كبرى في رسم سياسات الدول من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والتجارية وجميع النواحي، مفهوم حقوق الملكية الفكرية، نبدأ ببيان معنى الحق.. الحق هو إقرار الشارع وإضفاء الحماية عليه، أن يقر الشارع الحق لإنسان في كذا وكذا وإضفاء الحماية عليه وبعبارة أخرى اختصاص يقرر به الشرع سلطة على شيء وفي القانون هو مصلحة مالية يقررها القانون للفرد والحقوق قسَّمها القانون إلى أقسام، حقوق سياسية وحقوق مدنية والمدنية تنقسم إلى حقوق خاصة وحقوق عامة، العامة تتعلق بالحقوق الملازمة للشخصية مثل حقوق الإنسان والحقوق الخاصة منها حقوق مالية وحقوق الأسرة.. حقوق الأسرة ما يتعلق بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق وغير ذلك، الحقوق المالية وهي التي يمكن تقويمها بالمال، هذه الحقوق المالية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، حقوق عينية وحقوق شخصية وحقوق معنوية.

توفيق طه: في أي قسم من هذه الحقوق يقع حق الملكية الفكرية؟

محمد عثمان شبير: حق الملكية الفكرية يقع في القسم الأخير الحقوق المعنوية وهي سلطة يمنحها القانون لشخص على شيء غير مادي.. يعني شيء معنوي وهو ما يتعلق بالفكر والنتاج الفكري وغير ذلك، إذاً نستطيع أن نُعرِّف مفهوم الملكية الفكرية بأنها حق الإنسان في إنتاجه العلمي والأدبي والفني والتِقَني ليستفيد من ثماره وآثاره المادية والمعنوية وحرية التصرف فيه والتنازل عنه واستئثاره، فهذا حق إيه؟ الحق الملكية الفكرية..

توفيق طه [مقاطعاً]: هذا الحق دكتور محمد يعني فيه جزء مادي وفيه جزء معنوي؟

محمد عثمان شبير [متابعاً]: لا شك..

توفيق طه: أليس كذلك؟

محمد عثمان شبير: نعم.

توفيق طه: يعني الورق والأفكار هي الجزء المادي، الحق في عدم تغيير هذا الشيء هو الجزء المعنوي، أيضا المقابل المادي أو التعويض المادي الذي يستفيد به من المنتفع.

محمد عثمان شبير: نعم، بس قبل أن أدخل أو أجيبك عن هذه النقطة يعني أريد أن أبيِّن مجالات الملكية الفكرية، مجالاتها تدخل في الأمور الصناعية مثل براءة الاختراع، اختراع دواء لمرض معين يُسجَّل لدى مؤسسات رسمية أو علمية وكذا ويأخذ براءة في هذا الأمر، حقوق التأليف والمصنفات أيضا تدخل في هذا الجانب، الحقوق التجارية أيضا الاسم التجاري والعلامة التجارية كلها حقوق معنوية وذهنية تحتاج إلى إبداع وفكر وكيفية جلب الزبائن إلى إيه؟ إلى المحل التجاري، فإذاً يعني مجالات الملكية الفكرية واسعة ولا تقتصر فقط على حقوق التأليف أو حقوق براءة الاختراع وإنما تتعدى ذلك إلى حق الاسم التجاري والخلو وغير ذلك، طبعا الحق الذي يكتسبه صاحب هذا الأمر مثل ما تفضلت، فيه أمور مادية وفيه أمور معنوية، الحقوق المعنوية هي عبارة عن إيه.. أن يُنسَب هذا الاختراع وهذا الابتكار للشخص الذي أنتج هذا الفكر فينبغي أن لا يُنسَب إلى غيره، الأمر الثاني اللي هو الناحية المادية يستطيع أن يأخذ مقابل هذا الحق عِوضا ماديا، طبعا هذا الشيء كما ذكرت أنه يعني يحتاج إلى تفكير ويحتاج إلى وسائل مادية للوصول إليه، يعني المؤلف في كتابه يحتاج إلى القرطاسية والورق والقلم وغير ذلك لتسجيل مثل هذه الأمور ويحتاج أيضا إلى الفكر لكن الفكر هو الغالب على هذه الناحية.

توفيق طه: هل هي ملكية حقيقية يا دكتور محمد.. يعني مثل ملكية سيارة ملكية عقار ملكية..

محمد عثمان شبير: نعم، طبعا هي الملكية.. بالنسبة للملكية الفكرية كما قلنا هي ملكية حقيقة من ناحية أن هذا تبقى نسبته إلى الشخص يعني طيلة الحياة ولا يمكن أن ينتحله إنسان آخر وينسبه إليه، لكن الناحية المادية وقضية حقوق التأليف وغير ذلك قد يكون لها مُدة معينة وتؤقَّت بوقت معين لكن نسبة هذا إلى الشخص يبقى مدى الحياة.

توفيق طه: يعني هذه الأمور نتحدث عنها من ناحية قانونية هناك هذه الأمور، هل في الشرع هناك فرق بين الحق الفكري المعنوي وبين الحق المادي بالمقابل؟

محمد عثمان شبير: في الشرع أو في الشريعة الإسلامية يعني الشريعة الإسلامية راعت مثل هذه الأمور، حتى العرب قبل الإسلام كانوا ينسبون الأشعار إلى قائليها ولا ينسبوها إلى غير قائليها وهناك مؤلفات فيما بعد يعني الفارق بين المؤلِّف والسارق جاءت في الإسلام..

توفيق طه: يسموا ذلك النَحْل..

"
العلماء حذروا من أن ينسب الكتاب إلى غير كاتبه، فالشريعة الإسلامية تراعي حقوق النسخ وتنسبها لأصحابها
"

محمد عثمان شبير: أي نعم، ثم أيضا كان منتشرا فيما بعد النسخ، أن الناسخ كان يؤلف هذه أو ينسخ الكتب وينسبها إلى قائليها ولذلك حذَّر العلماء من أن يُنسَب هذا الشيء إلى غير كاتبيه فقالوا آفة الورَّاقين هو نسبة هذا الشيء إلى غير صاحبه أو غير ذلك، فالشريعة الإسلامية تراعي هذه الحقوق لأصحابها وتنسب هذه الأمور إلى أصحابها.. يعني قضية مثلا الحديث النبوي.. الحديث النبوي هو ما يُنسَب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، حاول البعض أن يدعي أن هذه.. أو يوجد أحاديث موضوعة وغير ذلك وينسبها إلى بعض الوضَّاعين وغير ذلك لكن جاءت الشريعة الإسلامية لتحرير هذه الأمور والوقوف أمام الوضَّاعين وتنقية هذه النصوص العلمية النبوية ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم..

توفيق طه: لكن دكتور يظل هناك فرق في أن الحق المادي مثل العقار والسيارة إذا باعه الإنسان مثلا لا يستطيع الرجوع في ذلك بينما الكتاب الأفكار التي يدونها مؤلف ما يستطيع أن يغير فيها ويبدل، هل هذا يغير شيئا في مسألة الحق؟

محمد عثمان شبير: طبعا هي الحقوق حقوق الملكية الفكرية كما ذكرنا يعني مثلا براءة الاختراع.. براءة الاختراع قد تشتريها شركة وفي الحالة هذه تمتلكها ملكية كاملة ولا يستطيع أن يرجع فيها إلا إذا أدخل عليها تعديلات جوهرية وغير ذلك فهذا من حقه وأن يغير ويبدل في هذا الأمر، قضية الملكية العينية التي تقع على الأعيان المادية طبعا أمر مثلما قلنا مختلف عن الملكية الفكرية، الإنسان في كتابه في مؤلفه في براءة الاختراع في الاسم التجاري قد يغير ويبدل وغير ذلك لكن إذا انتقلت ملكية هذه الأشياء تنتقل انتقالا كليا لا شك..

توفيق طه: أي نعم، عندما نتحدث عن حق الملكية الفكرية نحن نتحدث عن قوانين جديدة في العالم لا تتعدى.. يعني لا تعود إلى أكثر من مائتي عام ربما لكن أنت أتيت على ذكر الحديث النبوي الشريف باعتباره نوعا من أنواع حق الملكية، هل هذا يعني أن لحق الملكية أصل في الإسلام في الشرع الإسلامي؟

بين الشرع الإسلامي والقانون الوضعي

محمد عثمان شبير: نعم، مثلما ذكرت بالنسبة لنسخ الكتب، نسخ الكتب ينبغي أن تُنسَخ الكتب وتُنسَب إلى قائليها، الناسخ هذا ليس له إلا أجر النسخ مقابل هذا النسخ لكن لا يستطيع أن ينسب هذا الكتاب إلى نفسه ولا يستطيع أن ينسب هذا الكتاب إلى غير مؤلِّفه، أيضا هناك مؤسسة في الإسلام نشأت لتسمى مؤسسة الحِسْبة هذه المؤسسة لو نظرنا في كتب الحِسبة لوجدنا أن هناك كانت رقابة صارمة على النسَّاخين والورَّاقين الذين كانوا يقومون بمثل هذه الأمور وإذا وقفوا على أي تحريف أو انتحال أو كذا كانوا يوقفونهم ويعاقبونهم بعقوبات معينة عقوبات تعذيرية..

توفيق طه: نعم، لدينا ياسر الريِّس خبير قانوني، لنسأل السيد ياسر عن مسألة الحق في الملكية الفكرية.. يعني قلنا في هذه الحلقة إن المؤلَّف سواء كان.. أو الاختراع ربما يكون بناءً على جهد بشري قام قبل ذلك قبل أن يأتي به هذا الإنسان الجديد أو يخرجه إلى الوجود فهو إذاً ليس جهدا خالصا له، هل هذا ينتقص من حق الملكية الفردية له؟

ياسر الريس – قانوني ومتخصص في حقوق الملكية الفكرية – القاهرة: إطلاقا هذا لا ينتقص من حق الملكية لأنه الملكية الفكرية هي جائزة للإبداع فإذا ما كان فيه حقوق ملكية فكرية وضع طبيعي إنه مش ها يبقى في حافز على الإبداع، الدنيا كمان يعني ربنا سبحانه وتعالى هو الوحيد اللي خلق من الفناء إنما الناس بتبني فوق اللي بنوه الأجيال السابقة عليها..

توفيق طه: لكن عندما يكون هذا الحق ربما ينتقص من منفعة الناس العامة بهذا، مثلا الدواء عندما نأتي على براءة اختراع لدواء معين ونمنع دولا فقيرة مثلا من إنتاج هذا الدواء محليا مثل دواء الإيدز الذي حاولت بعض الدول الأفريقية أن تنتجه محليا أو بعض الدول النامية، عندما تُمنَع من هذا الحق أليس هذا يتناقض مع مصلحة المجتمع ومصلحة البشرية؟

ياسر الريس: هي مسألة الدواء في الحقيقة مسألة حساسة لأنها فعلا في تناقض بين مصلحة جماعية ومصلحة فردية لملك ابتكار أو اكتشاف الدواء إنما إحنا بصفة عامة ما في قوانين ينفع إنها تحد من حريات الأشخاص وحريتهم في تملك أفكارهم وحريتهم في استغلال ناتج عملهم في مجال معين يعني.. مش مجال بعينة ويطلَق العنان للآخرين في المجالات الأخرى أنهم يستغلوا عائد مجهوداتهم يعني استغلالا مطلقا..

توفيق طه: نعم، هنا أريد أن أسألك عن إذا كان هذا الحق يُتَوارَث حق الملكية الفكرية هل يُتوارث؟ هل يمكن أن يحتكره الوارث كحق مش أي شيء آخر مثل أي شيء مادي؟

ياسر الريس: حقوق الملكية الفكرية بصفة عامة بتتوارث طبعا مثلها مثل الأشياء المادية أو الملكيات العينية إنما هي في النهاية القوانين حددت مدد للملكية الفكرية للاحتكار يعني، المُدَد هذه تختلف بحسب النوع اللي إحنا بنتكلم عليه.. بحسب نوع الملكية الفكرية اللي إحنا بنتكلم عليها فالملكية الفكرية في المصنفات الفنية غيرها في المصنفات الأدبية غيرها في براءات الاختراع وفي النهاية هي لها مُدَد هي ما هياش مطلقة..

توفيق طه: يعني إذا كانت ضمن المدة المحددة يمكن أن تُورَّث لوارث شرعي أو لمُوصَلَه؟

ياسر الريس: هذا صحيح طبعا..

توفيق طه: شكراً جزيلاً أستاذ ياسر الريس من القاهرة شكراً لك، نعود إليك دكتور محمد، إذاً كنا نتحدث عن هذه الملكية من منطلق قانوني، المنطلق القانوني الذي نتحدث عنه يأتينا من الغرب، ما نقوله الآن يعني بناءً على قوانين غربية موضوعه البعض يرى أن ما يفعله الفقه الإسلامي الآن عندما يحاول أن يتعاطى مع هذه القضايا إنما هو عملية تشبه الترقيع في قوانين الشرع لأن البيئة التي نتحدث عنها في موضوع حق الملكية لم تكن موجودة في زمن نزول الشرع الإسلامي؟

محمد عثمان شبير: يعني هذا العلم ملك لكافة الناس وليس خاصاً بفئة معينة بالغرب أو بالشرق، الغرب كان يستفيد من علوم المسلمين في الماضي يعني كثير من الدارسين كانوا يدرسون في الجامعات الإسلامية في الأندلس وغير ذلك فهذا العلم هو موجود لخدمة كافة الناس وليس خاصاً بفئة معينة من الناس هذه حقيقة لابد أن نقررها، فإذاً يأتي دور الإسلام في القضايا المستجدة والقضايا الجديدة التي تظهر في هذا العصر، ما موقف الإسلام من هذه القضايا المستجِدَّة، الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها سواء ظهرت في الشرق أو في الغرب لكن لابد من أن يضفي عليها الشرعية الإسلامية، الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى المجتمع العربي الجاهلي ووجد معاملات كانت موجودة في العصر الجاهلي ثم هذه المعاملات بعضها أقرها على ما هو عليه وأخذ بها واعتبرها شرعي وبعضها ألغاها كلياً ولم يعتبرها وبعضها أدخل عليها تعديلات تتعلق بالمعاملة وغير ذلك.. مثلاً، أضرب مثال على ذلك، السَلَم قال من أسلم أو أسلف فليُسلِف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم، مثال السَلَم هو بيع سلعة آجلة تُسلَّم في المستقبل بسعر الحاضر الآن يُدفع إلى البائع، الناس كانوا في الجاهلية يتعاملون بهذه المعاملة فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى المدينة ورأى هذه المعاملة لم يلغها كلياً وإنما عدَّل ما يحتاج إلى تعديل بحيث تتفق مع المنهج الإسلامي ومع الشرعية الإسلامية فأي قضية تأتي من الغرب أو من الشرق وبخاصة لا تتعلق بالعقيدة الإسلامية والعبادة الإسلامية لأنه العبادات والعقائد هذه مأخوذة مباشرةً من الشرعية الإسلامية لكن الأمور..

توفيق طه: لكن في المعاملات دكتور شبير.. يعني نحن ننطلق من معاملات غربية تقوم على مفهوم الرأسمالية الذي يتضمن قيما لا تتفق مع الإسلام مثل الربا وربما القمار والتغالب وشيء من هذا فعندما يحاول الفقيه المسلم أسلَمَت هذه المعاملات البعض يقول إنه يقع في مسألة التعامل مع الشكل فقط من غير اعتبار هذه القيم التي تنطوي على هذه المعاملات، ما رأيك في هذا الكلام؟

محمد عثمان شبير: نحن.. يعني أنا في سياق الكلام الذي ذكرته قلت إنه هذه المعاملات إذا الإسلام نظر إليها ونقاها تنقية سليمة وأضفى عليها شروطاً وقيوداً شرعية فهذه تصبح معاملة شرعية وجائزة ولا ضير في أن يأخذ بها المسلمون اليوم، فالقضية قضية إن هذا الفكر وهذا الإنتاج هو عالمي وليس خاصا بفئة معينة أو بيئة معينة.

توفيق طه: يعني تريد أن تقول إن البيئة التي ينشأ فيها هذا القانون ليست مُعتَبَرة في الفقه الإسلامي عندما نتحدث عن تطبيق للقوانين؟

محمد عثمان شبير: هي معتبرة إذا دخلها..

توفيق طه: في حقوق الملكية الفكرية بالذات؟

محمد عثمان شبير: هي معتَبَرة إذا دخلها شيء من الشوائب يعني مثلاً خليني أضرب مثالا على ذلك، الآن بالنسبة للملكية الفكرية لو نظرنا على فلسفتها وإلى حقيقتها لوجدناها تنطلق من المصلحة الشخصية للشخص أو للمؤسسة أو للشركة، شو اللي بيحقق الأرباح ويحقق الفائدة لهؤلاء الناس؟ نجد أن الملكية الفردية تؤطر وتُقنَّن في هذا السياق فتقوم على أساس المصلحة الشخصية والاحتكار أيضاً وكذلك تقوم على أساس الرأسمالية الغربية والفكر الرأسمالي، لكن هذه القضية نستطيع أن ننقيها ونستطيع أن نستخرج منها.. نستخرج ما فيها من شوائب ونطبقها تطبيقاً سليما في المجتمع الإسلامي، الملكية الفكرية في المجتمع الإسلامي تنطلق من أساس من العقيدة الإسلامية عقيدة الاستخلاف أن الله عز وجل خلق الإنسان واستخلفه على هذا الكون وكل ما في هذا الكون مخلوق لله تبارك وتعالى والإنسان مستَخْلَف فيه ويستثمره بما يحقق الفائدة والنفع للمجتمع، فإذاً من حيث الفلسفة فيه خلاف فنستطيع أن ننقي هذه القوانين والأنظمة ونطبقه في مجتمعاتنا الإسلامي فلا ضير في ذلك.

توفيق طه: نعم، لكنه يظل.. حق الملكية الفكرية حقاً قانونياً أوجده القانون الوضعي فهو حق قانوني وضعي يختلف عن الحق الشرعي الذي لا يتغير، هذا الحق يمكن تعديله وتغييره، إذاً كيف يمكن أن يصبح حقاً شرعياً؟

"
مجمع الفقه الإسلامي أقر الحقوق المعنوية والملكية الفكرية واعتبرتها حقوقا شرعية تُراعَى وتُحمَى ولا يجوز الاعتداء عليها من قِبل الناس
"

محمد عثمان شبير: هو يعني مجمع الفقه الإسلامي بحث هذه القضية واعتبر هذه الحقوق، حق التأليف، حق براءة الاختراع، حق الاسم التجاري، حقوق مملوكة لأصحابها لا يجوز الاعتداء عليها بحال من الأحوال كما يجوز لصاحبها أن يتصرف فيها بالبيع والهبة وتُورَّث عنه لكن مع مراعاة الضوابط الشرعية، عدم وجود ضرر، عدم وجود غش، عدم وجود مُحرَّم، عدم وجود ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية فمجمع الفقه الإسلامي التابع للمؤتمر الإسلامي في جِدة نظر في هذه القضية وأصدر قراره في هذا فالشريعة الإسلامية في هذا الوقت يعني أقرت الحقوق المعنوية والملكية الفكرية واعتبرتها حقوقاً شرعية تُراعَى وتُحمَى ولا يجوز الاعتداء عليها من قِبل الناس..

توفيق طه: الشرعية الإسلامية إذاً أخذت من القوانين الوضعية وشرَّعتها وجعلتها حقاً شرعياً، لماذا؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عليه في ما يلي من الحلقة بعد فاصل قصير، ابقوا معنا مشاهدينا نعود إليكم بعد فاصل قصير.

[فاصل إعلاني]

توفيق طه: أهلا بكم مرة أخرى مشاهدينا الكرام إلى هذه الحلقة من الشريعة والحياة وموضوعنا حقوق الملكية الفكرية ووصلنا مع ضيفنا الدكتور محمد شبير إلى أن الشرع الإسلامي أخذ من الحقوق.. من القوانين الوضعية مسألة الحقوق الفكرية.. حقوق الملكية الفكرية وجعلها حقا مشروعا لا يجوز التعدي عليه طالما لا يتعارض ذلك مع الشرائع.. مع الشريعة الإسلامية، لكن لماذا أصلا نبحث هذا الموضوع؟ ما هي دواعي البحث في مسألة حماية حق الملكية الفكرية، دكتور محمد، لماذا؟

محمد عثمان شبير: يعني الآن أصبح هذا الموضوع سمة العصر قضية الملكية الفكرية وتدخل فيه كثير من المجالات فهو يعني موضوع حيوي لا نستطيع أن نغمض الأعين عن هذا الموضوع فهو موضوع يحتاج في الشريعة الإسلامية إلى أن يُتَنَاول ويُبَيَّن الحكم الشرعي فيه والحكم الشرعي الحقيقة بالنسبة لهذا الأمر لابد أن نتناوله من جانبين، الجانب الأول الجانب الفردي والجانب الثاني الجانب الجماعي، بالنسبة للجانب الفردي أقصد بالنسبة لحق المؤلف حق المبتكر حق المكتشف فهذا حق فردي، أما بالنسبة للحق الجماعي ويتمثل في الشركات التي تستأثر بهذه الملكية الفكرية وتحتكرها وغير ذلك، فبالنسبة للأمر الأول اللي هو قضية الحكم الشرعي في الحق الفردي الشريعة الإسلامية أقرت للفرد للمؤلِّف للمبتكِر للمخترِع هذه الحقوق وأعطته حقين، الحق الأدبي أن يُنسَب هذا الابتكار إليه والحق المالي وهو المعاوضة عن هذا الأمر وأخذ المقابل المادي عن هذا الأمر فيجوز في الشريعة الإسلامية أن يأخذ الإنسان المقابل أو العِوَض عن ثمار تفكيره سواء ظهر في شكل مؤلفات أو في شكل براءة اختراع أو في شكل ناحية تجارية، فإذاً هذه الأمور هذه معتبرة ومجتمع الفقه الإسلامي كما ذكرت أقر مثل هذا الأمر واعتبره حقا خالصا لأصحابه، بالنسبة للنقطة..

توفيق طه [مقاطعاً]: الحق الجماعي حق الشركات..

محمد عثمان شبير: حق الشركات، بالنسبة للشركات في الغرب اليوم نجد أن هذه الشركات تستأثر بهذه الملكية الفكرية وتحتكرها وما يترتب عليها من نتاج صناعي كأدوية وغير ذلك تحتكر هذه الأدوية..

توفيق طه: هي تشتريها من صاحبها الفرد..

محمد عثمان شبير: هي تشتري براءة الاختراع من الفرد لا شك لكن حينما هي تستغلها وتُصنِّعها تُنزل هذه الأدوية بأسعار مرتفعة وباهظة يعني تصور أن ثمن دواء مرض الإيدز يصل إلى ثلاثين ألف دولار.. ثلاثين ألف دولار ولذلك مانديلا رفض أن يتعاطى مع هذه القوانين التي تحتكر ورُفعت عليه قضية في الغرب..

توفيق طه: إذاً هنا دكتور مسألة حق الملكية لا يعود حقا فرديا مطلقا في هذه المسألة، عندما يتعارض الموضوع مع مصلحة المجتمع خصوصا في مسألة الدواء، أليس كذلك؟

محمد عثمان شبير: أي نعم، فيعني بس أكمل هذا وقف.. رُفعت عليه قضية في الغرب وتظاهر الفقراء أمام هذه المحكمة ورفعوا شعار الأرواح قبل الأرباح، يعني هذه الشركات التجارية التي تقصد تحقيق أرباح باهظة من وراء هذه الملكية الفكرية لا يهمها أرواح الناس ولا يهمها مصالح الناس ولذلك لابد من مراعاة هذه الأمور، الإسلام حرَّم الاحتكار واعتبر المحتكِر خاطئا ومَن احتكر سلعة من السلع التي يحتاج إليها المسلمون فهو خاطئ ويصاب بالإفلاس وغير ذلك كما ورد في الآثار والتاريخ..

توفيق طه: وهذا ينطبق على حق الملكية الفكرية؟ يعني يظل حقا مشروعا للفرد لكنه لا يعتبر حقا إذا كان يعني الاحتكار..

محمد عثمان شبير: لكن هنا لابد أن تتدخل القوانين لصالح الفقراء.. لابد أن تتدخل القوانين لصالح المصلحة العامة لابد أن تتدخل القوانين لحماية الناس كافة لكن للأسف نجد أن القوانين في الغرب تقف مع الأقوى ولا تقف مع الفقير والضعيف فهي تقف إلى جانب الشركات الغربية الكبرى الرأسمالية متعددة الجنسيات وغير ذلك وتضع من التشريعات ما تحمي تلك الشركات وغير ذلك فنحن بحاجة..

توفيق طه: يعني هنا يختلف موقف الشرع عن موقف القانون الوضعي؟

محمد عثمان شبير: طبعا اختلف موقف الشرع..

توفيق طه: كان سؤالي لك دكتور عن لماذا الآن نبحث في مسألة الملكية الفكرية لم تكن واردة في السابق قبل مئات السنين، البعض يرى أن مسألة التقليد أو النَسخ كانت تأخذ وقت طويل لمَن يريد أن يتعامل معها بحيث لا تعود تستحق العناء، أما الآن فمع مسألة التصوير الضوئي الـ (Photo Copy) والمسائل التي تسهل عملية النَسخ هذه أصبح الأمر يستحق مثل هذا البحث.

محمد عثمان شبير: لا شك الآن أصبح فيه سهولة في قضية نقل العلم والتكنولوجيا وغير ذلك وأصبحت قضية التقليد والغش وغير ذلك موجودة على مستوى الدول والشركات حتى القرصنة التجارية وغير ذلك موجودة على مستوى الشركات العالمية وعلى مستوى الدول فلابد من وضع قوانين تحفظ لأصحاب الحقوق حقوقهم ولذلك وُجدت اتفاقيات دولية لحمايتها لكن للأسف مثلما قلت هذه الاتفاقيات وهذه القوانين انحازت إلى جانب القوي على حساب الضعيف والفقير..

توفيق طه: نصل دكتور إلى مسألة المؤلَّفات الشرعية، كتب الحديث والسُنة والفقه والتفسير هذه المؤلفات تدخل في باب العلم الشرعي العلم الذي يجب أن يُنشَر وهي كانت تسمى من الباقيات الصالحات، ما هو موقف الشرع من الحقوق.. حقوق الملكية الفكرية في هذه المؤلفات؟

المؤلفات الشرعية وحقوق الملكية

محمد عثمان شبير: بالنسبة للمؤلفات الشرعية من فقه وحديث وتفسير وغير ذلك الحقيقة فيه اتجاهان الآن في هذا الوقت، اتجاه يتبنى عدم أخذ المقابل المالي مقابل نشر الكتاب بأي حال من الأحوال وذلك لأن الحق المالي أو أخذ المقابل المالي على نشر الكتاب يتنافى مع نشر العلم ويؤدي إلى كتمان العلم فلا يُنشَر الكتاب إلا بمقابل مالي وقد نهى الإسلام عن كتم العلم، قال تعالى {إنَّ الَذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ والْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم "من سُئل عن علم ثم كتمه أُلجِم بلجام من نار يوم القيامة " فيعني هذا الدليل الأول لأصحاب هذا الفريق الأول لأصحاب هذا الفريق قالوا إن هذا يؤدي إلى كتمان العلم ثم اعتبروا العلم الشرعي قربى من القُربات مثل الصلاة مثل الصيام مثل كذا وكذا..

توفيق طه: البذل..

محمد عثمان شبير: فأخذْ أو طلب الأجر على هذه القربى لا يجوز يعني لا يجوز للإنسان أن يصلي ويطلب أجراً على صلاته، الأمر الثالث القياس على حق الشُفعة لأن حق الشفعة لا يجوز للشخص أن يأخذ مقابل التنازل عن حق الشفعة في.. عند بعض الفقهاء هذا فريق وهذا اتجاه، الاتجاه الثاني يرى عكس الاتجاه الأول إنه يجوز أخذ المقابل المالي على هذه المؤلفات الشرعية واستدلوا لذلك بأن العُرف العام اعتبر حق المؤلِّف حقاً مالياً مكتسباً له فلا يجوز.. فيجوز له أن يعاوض عليه ويجوز له أن يأخذ المقابل المالي، أيضاً الشريعة الإسلامية اعتبرت المنافع أموالاً يعني المنافع التي تترتب على الإنسان مثل العمل وغير ذلك هذه تعتبر من قبيل الأموال، الأمر الثالث قوله صلى الله عليه وسلم "إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله" يعني الإنسان يُدرِّس كتاب الله ويأخذ أجرا عليه فأيضاً في المقابل إذا نشر كتاباً في التفسير في الحديث فله أن يأخذ أجراً على هذا ويأخذ عِوضاً مالياً على ذلك وأيضاً.. يعني الرسول صلى الله عليه وسلم..

توفيق طه: هل يدخل في هذا.. عفواً، هل يدخل في هذا مسألة أن يعني حفظ حقوق النشر حتى في المؤلفات الشرعية..

محمد عثمان شبير: أي نعم.

توفيق طه: يعني يُحفِّز المؤلفين والكتاب والمفكرين والعلماء وينشر روح التنافس بينهم؟

محمد عثمان شبير: يعني هو.. يعني هذا الشيء مثلما قلنا إن إعطاء الحق المالي يدفع الناس إلى التأليف وإلى السهر والتعب والجمع والبحث المضني وغير ذلك والصبر على مشاق البحث هذا يحفزهم على هذا الأمر، أيضاً التأليف يعني يُعمَل بالقاعدة الأصولية اللي هي المصلحة المرسَلة إن فيه مصلحة مِن وراء هذا مصلحة للمؤلف ومصلحة للمجتمع، المجتمع تنتشر فيه العلوم وتنتشر فيه الكتابات والمؤلَّفات الشرعية وغير ذلك ففيه مصلحة وأنا مع الرأي الثاني الحقيقة أنه هذا لا مانع من أخذ المقابل المالي على التأليف في هذا الجانب في الأمور الشرعية..

توفيق طه: لكن هنا دكتور يعني مسألة وضع حقوق ملكية تمنع.. يعني يرى البعض أنها تحد من انتشار هذا الكتاب إذا كان بمقابل وتضيِّق من مساحة استخدام أو استعمال الناس والاستفادة منه خصوصا كتب التراث وكتب العلم الشرعي، يعني هنا يتناقض ذلك مع المصلحة الاجتماعية مصلحة المجتمع؟

محمد عثمان شبير: هو أخي الكريم يعني إذا قلنا إن المؤلِّف لا يأخذ مقابلا ماليا على تأليفه مَن الذي سيستفيد في المقابل؟ دور النشر.. دور النشر هي التي تأخذ كل ما يتعلق بهذا المؤلَّف وبالتالي دور النشر يعني هي المستفيدة في هذا الأمر ولذلك لماذا لا يكون مقابل التعب والجهد الذي بذله المؤلِّف مقابل مالي على ذلك وهذا فيه مصلحة للمجتمع ومصلحة للفرد لكن هذا أيضا ينبغي أن لا يسري على كتب التراث.. كتب التراث التي أُلِّفت قبل يعني فترة كبيرة يعني في الفقه مثل كتاب الأم للشافعي، في الأحاديث صحيح البخاري، صحيح مسلم، هذه كتب تراث أصبحت الآن يمكن أن تُنشَر ولا يستطيع أن يقول واحد أنا هذا وارث الشخص الفلاني أو المؤلِّف الفلاني فهذه تُنشَر بدون يعني مقابل مالي.

توفيق طه: نعم، دكتور معنا مداخلة من الدكتور عبد الباسط أبو الكامل من الإمارات، دكتور عبد الباسط يعني هناك مَن يقول إن فكرة يعني أن يقول الشخص أنني كمؤلف لا أسمح لغيري بالانتفاع من الكتب والمؤلفات التي أكتبها عن تفسير القرآن والحديث وما شابه ذلك إلا بمقابل مالي.. يعني هو دخول في منطق الرأسمالية، ما موقف الشرع من هذه المسألة مسألة الدخول والتعامل بمنطق الرأسمالية بغض النظر عن المنفعة التي يمكن أن تعم المجتمع في حال التخلي عن ذلك؟

عبد الباسط أبو الكامل: سيدي تحية لك وللضيف.

محمد عثمان شبير: حياكم الله يا أخي..

عبد الباسط أبو الكامل: تحية لك وللضيف أستاذ توفيق..

توفيق طه: نعم.

عبد الباسط أبو الكامل: الحقيقة أنا أوافق الدكتور على ما تحدث به من حق الابتكار بالفقه الإسلامي وهذا مؤصَّل وموجود ولكن ما يجري على الواقع استنادا إلى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "مَن كتم علما أُلجِم بلجام من نار يوم القيامة" فأنا أطلب من الدكتور أن يقول لي المخطوطات القديمة وخاصة التي سُرقت من البلاد الإسلامية وعددها يتراوح حوالي عشرة مليون وموجودة الآن في المكتبات العامة الكبيرة ومراكز البحوث فمَن يأخذ حقوق الابتكار، هي استندت إلى مَن تتأصل هذه الحقوق؟ ونحن ندفع الآن عند تصوير أي مخطوط، كذلك هناك احتكار للورثة بالنسبة للكتب فيُحرَم بها كثير من الناس من الاستفادة من هذه العلوم لغاية تجارية وهذا يعكس على ما أصَّل به في البداية، فأنا من رأيي أن تُدرَس الحالتين على حد سواء، تُدرَس تأصيل الحقوق وبالمقابل كذلك احتكار ولا ينبغي أن يكون لا يحتكر إلا خاطئ فهناك نظرية الاحتكار في الإسلام يجب أن تؤصَّل ولا تبقى فقط من باب الوعظ والإرشاد وأن تتبناها الحكومات والمجامع الفقهية.

توفيق طه: شكرا لك دكتور عبد الباسط أبو الكامل من الإمارات، دكتور هل لك تعليق على ما قاله الدكتور؟

محمد عثمان شبير: يعني مثل ما ذكر الأخ الكريم أن المخطوطات هي ملك للأمة الإسلامية، سُرقت في ظروف معينة.. يعني الغرب استطاع أن يصل إليها ويمتلكها فهذا دور الأمة الإسلامية أن تطالب بها الحقيقة اليوم، أي نعم، أما قضية يعني العلوم الشرعية اليوم يعني وأخذْ المقابل المالي فإن المؤلِّف يبذل جهدا كبيرا في الوصول إلى الكتاب وإلى المراجع والأبحاث والإنترنت وغير ذلك فهو.. يعني الكتاب الشرعي لا يأتي هكذا من فراغ وإنما يتطلب من الباحث والمؤلِّف جهودا حتى مالية بيدفعها في سبيل الوصول إلى تأليفه فلماذا نحرم هذا الشخص من الحق المالي له؟

توفيق طه: ماذا بالنسبة لاحتكار الورثة لمسألة نشر الكتب هو يعتبر ذلك دكتور عبد الباسط.. يعتبر ذلك نوعا من كتم العلم؟

محمد عثمان شبير: والله يعني هو الآن لو نظرنا إلى المكتبة بشكل عام أصبح الكتاب الإسلامي هو الغالب والطاغي على الكتب الأخرى مع وجود اعتبار حق المؤلف والورثة وغير ذلك فهذا أظن لا يمنع في الواقع من نشر العلم الشرعي.

توفيق طه: دكتور عندما نرى على كتاب عبارة لا يجوز نسخه أو الاقتباس منه أو تخزينه بأي طريقة من الطرق على الورق أو إلكترونيا إلا بإذن خطِّي من المؤلف أو الناشر، ما هو الموقف الشرعي من وجود عبارة كهذه على المؤلَّف؟

محمد عثمان شبير: يعني إذا وُجِدت هذه العبارة فينبغي احترامها ينبغي على الأخوة الذين يطَّلعون على هذا الكتاب احترام هذه العبارة لأن هو..

توفيق طه: لكن هذه العبارة يعني كأنها تكتم العلم، أليس كذلك؟

محمد عثمان شبير: لا.. لا يا أخي، أنت الآن تستطيع أن تقرأ الكتاب وتنتفع بما فيه من علم فلا يؤدي إلى كتم العلم تستطيع.. يعني كشخص أن تصور الكتاب ولا تُمنع من ذلك لكن أقصد إيه؟ التصوير لكي يقوم به صاحب مكتبة يصور الكتاب ليبيعه من أجل التجارة هذا الذي..

توفيق طه: إذاً هناك فرق بين النسخ للاستخدام الشخصي في موقف الشرع وبين النسخ للاستخدام التجاري من أجل الاستفادة منه تجاريا؟

محمد عثمان شبير: نعم، يعني النسخ للناحية الشخصية والانتفاع بالعلم شرعا جائز ما فيه مشكلة لكن النسخ من أجل التجارة والمتاجرة بهذا المخطوط أو بهذا الكتاب أو بهذه النسخة هذا هو الذي يمنعه الشرع.

توفيق طه: على بعض الأقراص المدمجة الآن أو الأسطوانات أو الـ(CD) كما يسمونها توجد عبارات أو رابط يقول أُقسم بالله العظيم أن هذه النسخة أصلية أو شيء يشبه هذا ولا يتم التحميل.. تحميل هذه المادة الموجودة على القرص المدمج إلا بالضغط على هذه العبارة، إذا صادف أن ضغط إنسان على هذه العبارة واستخدم المادة ولم تكن النسخة أصلية، ماذا يكون موقف الشرع من هذه المسألة؟

محمد عثمان شبير: يعني من ناحية شرعية مثل ما قلنا أنه ينبغي أن يفرَّق بين الناحية التجارية والناحية الشخصية، الناحية التجارية نسخها وبيعها للناس والمتاجرة بها ممنوع من الناحية الشرعية لأن المسلمين عند شروطهم، هو اشترط أن لا يعني تُستخدم كوسيلة أو كسلعة تباع وتشترى لكن لأجل الانتفاع الشخصي من ناحية شرعية جائز لكن وجود هذا القَسَم حتى يمنع الإنسان من الاستعمال الشخصي إلا بوجود القَسَم فإذا هو أصر على ذلك فهو مسؤول عن هذا الأمر فالحقيقة ينبغي أن لا يضع هذا القَسَم ويترك للناس أن ينتفعوا بهذا الـ(CD)..

توفيق طه: إذا لم يكن هذا القَسَم صحيحا إذا لم تكن هذه المادة أصلية، هل يرتب ذلك أي مسؤولية على مَن يستخدم هذه المادة؟

محمد عثمان شبير: طبعا، هو يعني إذا الإنسان استخدم هذا الـ(CD) وهو منسوخ غير أصلي وأقسم، المسؤولية عليه أنه حلف يمينا غموسا واليمين الغموس يغمس صاحبه في النار، اليمين الغموس لأنه الأَيْمَان ثلاثة أقسام، يمين منعقدة ويمين غموس ويمين لهو، اليمين الغموس هو اليمين الذي يكون على كذب فهو يحلف أن هذه النسخة أصلية ولم تكن نسخة أصلية وإنما كانت نسخة منسوخة وليست بأصلية فلما يحلف..

توفيق طه: هذا يعني الآثم ربما يكون واضحا على مَن وضع هذه العبارة لكن على مَن يستخدم هذا..

محمد عثمان شبير: وعلى مَن يستخدم هذا ينبغي أن لا يلجأ إلى هذا مادامت هذه العبارة موجودة وأيضا الذي كتب هذه العبارة أيضا يكون متسببا في إلحاق الآثم بالمستخدِم.

توفيق طه: نعم، قبل أن يدركنا الوقت إذا لم توجد على المصنف الفكري أي عبارة مثل أنه لا يحق لأحد استخدام هذا أو نسخه أو كذا بإذن خطِّي وهكذا إذا لم توجد هذه العبارة هل يعتبر هذا تخليا عن الحق؟ هل يجوز استخدام عندئذ المصنَّف ونسخه حتى لمسائل تجارية؟

محمد عثمان شبير: نعم، إذا لم توجد هذه العبارة فيعني هذا الأمر مسموح بالنسبة حتى للتاجر أن ينسخ هذا الكتاب أو يصور هذا الكتاب ويبيعه بطريقته..

توفيق طه: ويعتبر غياب هذه العبارة تخليا عن أي حق؟

محمد عثمان شبير: أي نعم، يعتبر غياب هذه العبارة يعني تخليا عن حقوق الملكية الفكرية وكذلك يجوز للشخص أن يستخدم هذا الكتاب ويصوّر هذا الكتاب وغير ذلك.

توفيق طه: دكتور محمد عثمان شبير أستاذ الفقه وأصوله بجامعة قطر شكرا جزيلا لك على هذه الإفادة وشكرا لكم مشاهدينا في ختام هذه الحلقة وحتى نلتقي الأسبوع المقبل إن شاء الله لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وهذا توفيق طه يستودعكم الله، إلى اللقاء.