عبد الصمد ناصر / مقدم البرنامج + د. طه جابر العلواني / الشريعة و الحياة
الشريعة والحياة

إصلاح التعليم الديني

كاد يضيع مطلب إصلاح التعليم الديني، بما يولد قيم النقد والابتكار والتجديد، فما مشكلات التعليم الديني؟ وكيف ينتج علماء يعيشون هموم عصرهم ومشكلاته؟

– مفهوم العلوم الدينية
– سبل إصلاح التعليم الديني

– تحول المناهج الدينية لمضامين تربوية

undefined

عبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامج الشريعة والحياة، في السنوات الأخيرة تم الإلحاح كثيراً على مسألة علاقة التعليم الديني بما يُسمى الإرهاب غير أن الدراسات العلمية الحديثة تُثبت أن المناهج الدينية لا علاقة لها بذلك ولذلك سنُخصص هذه الحلقة لمناقشة مطلب إصلاح التعليم الديني بعيداً عما يسمونه الإرهاب وإصلاح التعليم بما يولد قيم النقد والابتكار والتجديد فهناك مشكلات جوهرية وحقيقية في مناهج التعليم الديني وفي طرائق تدريسه وربما تصل المشكلات إلى أخلاقيات العالِم والمُتَعَلِّم أو الشيخ والمُريد وكذلك ينشأ الخلل أيضاً في القيم التي يتم إرساؤها في التعامل بين المختلفين في الرأي والاجتهاد والعملية التعليمية تشتمل على مجموعة من الأركان هي المُعلِّم والمُتعلِّم والعلم الذي يُدَرَّس وطرائق التعليم وأمكنته من جامعات ومعاهد إلى غير ذلك، سنحاول في حلقة اليوم أن نتناول ثلاثة محاور رئيسية وهي؛ حالة علوم الدين التي يتم تدريسها والمشكلات التي تعاني منها وكيف يتم إصلاح علوم الدين؟ وإلى أي مدى تحتاج مناهج التعليم الديني إلى تطوير لتواكب متغيرات العصر ولتلبي حاجات المجتمع الذي نعيش فيه فلا تبقى محصورة في هموم ومشاغل زمن ماض وهو ما نسميه المعاصرة؟ المحور الثالث وهو أخلاقيات العالِم والمُتعلِّم وكيف نحرر طالب العلم من القيود التي تكبِّل عقله ليمارس قيمة النقد والابتكار على علم وأن يساهم في تطوير وإصلاح علوم الدين؟ إذاً إصلاح التعليم الديني هو موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الدكتور طه جابر العلواني وهو رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في الولايات المتحدة الأميركية وأستاذ أصول الفقه الإسلامي، دكتور طه جابر العلواني مرحباً بك معنا في حلقة اليوم.

طه جابر العلواني- رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في الولايات المتحدة الأميركية: مرحباً بكم حياكم الله.

مفهوم العلوم الدينية

عبد الصمد ناصر: بداية حتى كمدخل ما هي العلوم الدينية حتى نفصل بينها وبين باقي العلوم؟

طه جابر العلواني: الحمد لله نستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ونصلي ونسلم على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وأهله وسلم ونستفتح بالذي هو خير، بداية أود أن أشكر الجزيرة على هذه الفرصة أهنئها بالسلامة وكما يقال زعم الفرزدق أن سيقتل مِرْبَعٌ أبشر بطول سلامة يا مربعُ ثم أقول العلوم التي تفضلتَ بالإشارة إليها وأسميتها بالعلوم الدينية حملت عدة تسميات العلوم الدينية والعلوم الإسلامية والعلوم النقلية والعلوم الشرعية ولا مشاع حتى في الاصطلاح وإن كنت أفضل وأرجح أن نطلق عليها العلوم النقلية باعتبارها اعتمدت منهجاً نقلياً والرواية في عملية تكوينها، هذه العلوم بدأ التدوين الرسمي لها على ما ذكر الذهبي في تاريخ الإسلام والسيوطي في تاريخ الخلفاء في عام 143 هجرية لكن هناك تدويناً نعرف أنه قد بدأ قبل ذلك كالتدوين الذي حدث من قِبَلِ عبد العزيز والد الخليفة عمر ابن عبد العزيز ثم ما استكمله عمر ابن عبد العزيز بالنسبة لعلوم الحديث وللروايات، هذه العلوم تطورت بعد عصر التدوين أو مرحلة التدوين الأولى والتي استمرت من 143 هجرية حتى القرن الرابع الهجري وأصبح لكل علم منها مبادئ عشرة يعرفها المتخصصون تتناول تعريف العلم ومصادره وموارده وفوائده والغاية منه وأهم مدارسه إلى غير ذلك وقد قسمها المهتمون بتصنيف العلوم إلى قسمين أساسيين، قسم سموه بعلوم المقاصد وهي علم العقيدة أو الكلام أو التوحيد وعلم الفقه وعلم أصول الفقه وعلم التفسير وعلم الحديث وعلوم أخرى سبعة أسموها بعلوم الوسائل كعلوم اللغة والمنطق وما تحتاجه علوم المقاصد من معارف، أجيال أمتنا بالنسبة لهذا النوع من المعرفة يمكننا أن نقسمها إلى ثلاثة أجيال، جيل التلقي الذي كان يتلقى من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة والرسول يتلقى من لدن حكيم خبير..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: الصحابة..

طه جابر العلواني [متابعاً]: وجيل ثاني هو جيل الرواية، رواية ما جرى تلقيه والجيل الثالث هو جيل الفقه وهذه المعارف والثقافة التي تشكلت بمقتضاها مرَّت بأطوار عديدة طور أول نستطيع أن نسميه طور الثقافة الشفوية التي يجري تداولها نقلاً ورواية شفاه، الطور الثاني حينما كتبت وأصبحت من المقروء ومن المكتوب والطور الثالث حينما أصبحت تُروى كمجاميع وكتب ومصنفات والطور الرابع طور الثقافة المدونة القائمة عليها والمنبثق عنها، الطور الخامس هو الطور الذي نعيشه اليوم طور الثقافة المرئية والمسموعة وهي ومعاصرة وطور سادس أيضاً معاصر وبدأ وهو طور الثقافة المرموزة يعني تحويل الثقافة إلى نوع من الرموز وهو ما يجري في الوقت الحاضر العمل عليه، هذه العلوم والثقافة التي بُنيت عليها تستند إلى مرجعية القرآن الكريم والسُنّة النبوية المُطهَّرة فهذه العلوم الأصل فيها أن تستند إلى هذه المرجعية وأن تقوم بخدمتها وأن تقوم عليها فالقرآن الكريم هو كتاب للحياة وللأحياء لا للآخرة والأموات أعتمد لإيصال رسالته إلى الناس طريقين أساسيين الطريق الأول هو طريق المعرفة والعلم والتعلُّم {يُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والْحِكْمَةَ} والطريق الثاني هو طريق التشريع ولكل من الطريقين دعامتان جاء القرآن الكريم بهما دعامة المنهج ودعامة الميزان المنهج لضبط هذه المعارف والميزان لوزن قيمتها وتأثيرها ومدى استفادة الإنسان المُستخلَف فيها.

عبد الصمد ناصر: نعم حتى لا نستهلك الوقت الكثير في الحديث عن هذه الخلفية التاريخية للعلوم، ماذا عن العلوم الشرعية الآن باختصار؟

طه جابر العلواني: بالنسبة لهذه العلوم لكي نعرف ما يحدث في عصرنا هذا لابد من النظر في الخلفية التاريخية أيضاً واسمح لي بالرجوع قليلاً إلى الوراء..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: بإيجاز حتى هناك الكثير من الكلام نريد أن نتحدث عنه..

طه جابر العلواني [متابعاً]: هذه المعارف من القرن الرابع وما تلاه بدأ بعض العلماء عمليات نقد لها، الخطيب البغدادي مثلاً حينما رأى نوعاً من الفُصام بين العلم والعمل كتب كتابه المعروف اقتضاء العلم العمل هناك بعد الخطيب البغدادي جاء كثيرون، الإمام الغزالي كتب نقداً مستفيضاً في كتابه.. الإحياء.. لهذه العلوم وناقش نتائجها وآثارها..

عبد الصمد ناصر: بما أنك جئت نعم عفواً على المقاطعة بما أنك جئت على كتاب الإمام الغزالي إحياء علوم الدين هذا الكتاب أعتقد في القرن الخامس الهجري حينما قال إحياء علوم الدين هل كانت وقتها وصلت هذه العلوم إلى طور الموت؟

طه جابر العلواني: الحقيقة الإمام الغزالي لم يعني حينما سمى كتابه.. إحياء علوم الدين.. أن هذه العلوم ميتة وإنما كان يوحي إلى أمور ثلاثة سبقه بالإشارة إليها ناقدون آخرون مثل ابن حزم الظاهري وسواه، كان الإمام الغزالي يرى أن هذه العلوم انفصلت وهي نتاج بشري فكري مرتبط بمرجعية القرآن والسُنّة قد حصل نوع من الانفصال أو البعد بينها وبين النص الذي يُفترض أنها قامت لخدمته ولتحقيق أهدافه ورأى أن عِصمة النص عِصمة القرآن الكريم وعصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ظروف السجال المختلفة قد حاول بعض أصحاب هذه العلوم تعصُّباً لها حاولوا أن يسحبوا قداسة الأصل على الفرع أو قداسة النص على هذه المعارف، الظاهرة الأخرى التي لاحظها الغزالي ولاحظها ابن حزم ولاحظها ابن خلدون وابن تيمية وأبو شامة المقدسي بعد ذلك كل هؤلاء قد لاحظوها هو الفُصام الذي حدث بين القيادتين السياسية والعلمية أو الفكرية.

عبد الصمد ناصر: يعني إذا فهمنا هذا الكلام جيداً تقصد أنه حدث انفصام بين هذه العلوم وبين أصولها الدينية؟

طه جابر العلواني: للأسف الشديد أستطيع أن أقول إنها بعد أن بدأت في بعض مسائلها منبثقة عن النص عاملة على خدمته حوَّلت النص القرآني وصحيح السُنّة النبوية في كثير من الأحيان إلى شواهد بدلاً من أن تكون مصادر استنباط، فيأتي الفقيه وقد يُفتي في مسائل معينة أو يشرح أمور معينة باجتهاده وباستنباطه وبرأيه ثم يبحث عن الدليل ولعلي أضرب لهذا مثلاً ما رووه عن الإمام الشافعي رحمه الله وهو يحاول بيان حُجِّية الإجماع فاعترض عليه مُعترض ما دليلك من الكتاب والسُنّة على حُجّية الإجماع؟ فيُروى عن الإمام الشافعي أنه قال ذهبت وقرأت القرآن ثلاثة مرات كاملاً من الفاتحة إلى الناس حتى استطعتُ أن أصل إلى قول الله تعالى {ومَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءَتْ مَصِيراً} وبقطع النظر عن كيفية الاستدلال بهذا الدليل ومناقشته لكن القصة بكاملها تشير إلى أن الإمام قد قال قوله في الإجماع وأعلن حُجّية الإجماع ثم سئل عن الدليل فجاب بالدليل والشاهد وكذلك حين قال القائلون بحُجّية القياس وطولبوا بدليل جاؤوا بقول الله تعالى {هُوَ الَذِي أَخْرَجَ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} فأخذوا {فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} هذه وفسّروا الاعتبار بأنه أن يكون هناك أصل وأن يكون هناك فرع وأن يعمل المجتهد على إلحاق الفرع بالأصل إلى غير ذلك.. ذلك يعني أن الأدلة الشرعية التي كان يُفترض بهذه العلوم ألا يقال في أي جزئية من جزئياتها إلا استناداً إلى الدليل واستنباطاً منه حَوَّلت الدليل إلى مُساند لها ومُعرِّض أما هي فقد بدت لدى الكثيرين ولا أستطيع أن أعمم لدى الكثيرين تنشأ خارج النص وباجتهاد عقلي وباستنباط إنساني ثم تبحث عن السند والدليل من الكتاب الكريم ومن السُنّة النبوية وهذه ظاهرة خطيرة.

عبد الصمد ناصر: طيب يعني إذا فهمت من مقدمتك الطويلة هذه الخلفية التاريخية..

طه جابر العلواني: هي ليست طويلة بالنسبة للموضوع..

عبد الصمد ناصر: على كل حال هي طويلة بالمقارنة مع وقت البرنامج وقتنا ضيق جداً الأزمة إذاً قديمة وليست حديثة كما يقال الآن؟

طه جابر العلواني: هذا صحيح ولكن هناك فرق بين الإحساس بالأزمة من منطلق الالتزام في التراث ومحاولة تصحيحه ليكون وسيلة للنهوض بالأمة وبين أولئك الذين يحاولون أن يوجدوا بين الأمة وبين تراثها قطيعة معرفية ثم يزودونها بثقافة يُخلِّقونها هم بعيداً عن تراث هذه الأمة ومصادر تكوينها الأساسية، نحن من منطلق الالتزام بمصلحة الأمة وبهذا التراث والتزاماً به نستشهد بأئمتنا أمثال ابن حزم وابن خلدون والشافعي وإمام الحرمين والغزالي إلى غير ذلك.

عبد الصمد ناصر: حتى نتكلم بكلام واضح المقصود أننا لم نتحرك بفعل ذاتي لكي نصلح تعليمنا مناهجنا الدينية الإسلامية وإنما بعد أن طُلِبَ منا، هذا ما تريد أن تقوله فضيلة الشيخ؟

طه جابر العلواني: لا أحب أن يعني أصحح قليل الشعور بأزمتنا مع هذه العلوم بدأ عند دخول نابليون مصر، عند دخول نابليون مصر كانت معه حملة كبيرة من العلماء وقابلهم شيخ الأزهر آن ذاك الشيخ حسن العطار الشافعي المتوفى 1255 هجرية على ما أذكر، الشيخ العطار شيخ الأزهر قال ما نصه.. لقد اكتشفت بعد مقابلة هؤلاء أننا ندرس في الأزهر علوم لا فائدة فيها وأننا تخلينا عن علوم فيها الفائدة كلها في إنشاء العمران.. لو أردنا وهي العلوم التي طرحها عليه الفرنسيون..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: أنا لا أريد أن أدخل معك في جدل..

طه جابر العلواني [متابعاً]: فذلك الإحساس بالأزمة يعني من فترة لا بأس بها..

عبد الصمد ناصر: يعني أنت ضد من يقول بأن هذه أن هذا المطلب هو مطلب مفروض على العالم الإسلامي من الولايات المتحدة ومن الغرب وبالتحديد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

طه جابر العلواني: نعم.

سبل إصلاح التعليم الديني

عبد الصمد ناصر: نعم طيب ما هي برأيك لأن الوقت قصير ما هي الجوانب التي تقتضي فعلاً الإصلاح في التعليم الديني أو التعليم الشرعي أو العلوم النقلية كما تشاء تريد أن تسميها أنت؟

"
الإصلاح في التعليم الديني يقتضي إعادة المعارف إلى أصولها. فكل ما لم ينبثق عن القرآن أو السُنّة علينا أن نجعله موقع نقد ونظر
"

طه جابر العلواني: أولاً يجب أن نعيد هذه المعارف إلى أصولها فنصدق ونهيمن بالقرآن عليها فكل ما خالف القرآن أو لم ينبثق عن القرآن أو السُنّة علينا أن نجعله موقع نقد ونظر وتساؤل وحتى الذي استند إلى الكتاب والسُنّة بمجرد اللغة وحدها دون أن يجمع بين القراءتين قراءة الكون وقراءة الوحي لابد لنا من إعادة النظر به وفق منهجية الجمع بين القراءتين قراءة الوحي وقراءة الكون وقراءة الواقع لأن كما قلت القرآن جاء للحياة والأحياء وليحقق أهدافاً ثلاث، التوحيد لله تعالى، التزكية والتطهير للإنسان، العمران للطبيعة أو للكون.

عبد الصمد ناصر: أين الخلل؟

طه جابر العلواني: الخلل أشرت إلى الجزء الأول منه وأشرت إلى الجزء الثاني عدم الجمع بين القراءتين وأشرت إلى الجزء الثالث أشير إلى الجزء الثالث وهو ترجمة المنطق الأرسطي وإدخاله في تكوين هذه العلوم ونشأتها والمنطق الأرسطي منطق في غاية الخطورة حاول ابن تيمية رحمه الله نقده وكتب كتابيه.. نقد المنطق.. وكتابا آخر في هذا الأمر، المنطق الأرسطي يعتبر أن مصادر المعرفة تقوم على تصور وتصديق فالتصور هو عبارة عن مجموعة ألفاظ نضعها لرسم صورة الشيء بشكل تعريف حد ورسم وفصل وخاص وجنس إلى آخره وأن البرهنة عليها تكون أيضاً بأدلة لفظية هي الأشكال الأربعة التي طرحها أرسطو، لما أخذ علماؤنا بهذا وأدخلوها في علومهم بعد ترجمة هذا التراث الأرسطي فَسَدَ كثير من قضايا هذه العلوم وأصبحت في حاجة إلى مراجعة ولذلك راجع ذلك ونَقَدَهُ ابن خلدون في المقدمة في مواد كثيرة وراجع ذلك ابن تيمية ونقده وهو الذي كتب كتابه المعروف.. درء تناقض العقل والنقل.. وراجع قبلهما أبو شامة المقدسي درء تعارض النقل والعقل وكذلك أبو شامة المقدسي المؤرخ المشهور كتب كتابه.. في وجوب الرد إلى الأمر الأول.. خروجاً مما جناه المنطق الأرسطي وسواه.

عبد الصمد ناصر: طيب أعيد مرة أخرى الموضوع أنت تريد أن نعزل النص القرآني المقدس أن نعزل الأحاديث الشريفة الصحيحة منها فقط؟ ماذا بعد؟ ثم نضع جانباً كل ما كتب طيلة هذه العقود ونعيد القراءة من جديد أو نبني حياتنا بناءاً فقط على ما..

طه جابر العلواني: أولاً أنا لست ممن يخلطون بين القرآن الكريم والسُنّة النبوية الصحيحة وبين التراث هما تراث إلهي وليس تراثاً إنساني {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} ولكن هي ليست تراثاً إنساني والذي يسميها بتراث إما أن يكون لا يعرف حقيقتهما وإما أن يكون متآمر يريد أن يوجِّه النقد إلى الكتاب وإلى السُنّة وكأنها جزء من التراث هي ليست تراثنا هي تراث إلهي أما تراثنا فهو تراثنا العقلي والفكري الذي دار حول هذا النص وهو تراث غير معصوم نخطئ فيه ونصيب وهو في حاجة إلى كثير من وسائل النقد والمراجعة وحبذا لو قامت الجامعات الإسلامية نفسها بإنشاء أقسام تعلم طلابها نقد هذه المعارف وفق منهج معين وفق المنهج والميزان.

عبد الصمد ناصر: سنعود إلى هذه النقطة بعد الفاصل دكتور طه لكن نأخذ فاصل ونستأنف نقاشنا هذا فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

عبد الصمد ناصر: أهلاً بكم من جديد موضوع الليلة هو إصلاح التعليم الديني وضيفنا هو الدكتور طه جابر العلواني وهو رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في فيرجينيا بالولايات المتحدة وأستاذ أصول الفقه الإسلامي، فضيلة الدكتور كنا قبل قليل نتحدث عن الجوانب التي تقتضي الإصلاح لو نركز برأيك عن الأخطاء التي تشوب هذه العلوم الدينية أو هذه الكتب التي تسمى بالصفراء أو الموروث الإنساني كما سميته؟

طه جابر العلواني: أولاً نحن نتكلم عن ما يقرب من ستة ملايين كتاب.

عبد الصمد ناصر: ستة ملايين!

طه جابر العلواني: ستة ملايين كتاب ثلاث ملايين منها قد طبعت وثلاث ملايين أخرى مخطوطة أو لم يعرف مصيره، نتكلم عن تراث حورب مرتين وجرت عمليات تحريف متعمد لبعض كتبه وصدرت بعض النصوص والأدلة على ذلك وألقي بعضه في نهر دجلة في غزو التتار والصليبيون نهبوا الكثير منه ولازالت مكتباتهم عامرة في الكثير من هذا التراث، هذا التراث الملايين الستة من الكتب في مختلف فروع المعرفة الإسلامية ويشكل جانباً كبيراً من الملايين الستة والجانب المتعلق بعلوم الكلام والفقه والتفسير والحديث وأصول الفقه، من أهم الأمور التي يمكن ملاحظتها أن هذا التراث في حاجة إلى تحقيق فكل من مارَس التحقيق مثلي حققت كتاب.. المحصول.. للإمام فخر الدين الرازي بستة مجلدات وجدتُ الكثير من الأخطاء القاتلة في هذا والتي لو بقيت كما هي لكانت كارثة.

عبد الصمد ناصر: ما هي؟

طه جابر العلواني: أخطاء في اللغة أخطاء في الكلام مثلاً إذا كان لو فرضنا أنه لا يَحِلُّ أن يُعْمَل كذا وحُذِفَت لا فيصبح يَحِل أليس كذلك؟ فإذاً هذه الكتب حينما نقرر تداولها لا يكفي أن تُطبع يعني تذهب من مخازن المخطوطات إلى دور النشر والطباعة بل لابد من أن يحققها علماء مختصون بتلك الفنون للتعليق عليها ولتنقيتها هذا واحد..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: إذاً هذا لغوياً وليس..

طه جابر العلواني: لا عقلية وعلمية، نأتي إلى كتب التفسير كتب التفسير وفي مقدمتها ما يُسمى بالتفسير المأثور أقرأ نصاً لابن خلدون هنا حول التفسير بالذات هذا النص على طوله سنأخذ منه قليل..

عبد الصمد ناصر: سطرين أو ثلاثة لأن الوقت..

طه جابر العلواني: حاضر.. فماذا يقول ابن خلدون في المقدمة يقول إن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية وإذا تشوفوا إلى معرفة شيء من أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم من يهود ونصارى ويستفيدون منهم وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى وأهل التوراة الذين كانوا بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب والقرآن أشار إلى هذا {ومِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الكِتَابَ إلا أَمَانِيَّ} ومعظمهم من حِمْيَر الذين أخذوا بدين اليهودية فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تَعَلُّقَ له بالأحكام الشرعية وأمثال ذلك وهؤلاء مثل كعب الأحبار..

عبد الصمد ناصر: على كل يقصد الإسرائيليات وما نسميه الآن بالإسرائيليات.

طه جابر العلواني: يعني أدخلوا ثقافة أخرى غير ما جاء به الكتاب والسُنّة أدخلوها إلى التفسير لأنهم لم يستطيعوا أن يخترقوا النص فاخترقوا تفسيره.

عبد الصمد ناصر: اسمح لي هل هذا الكلام ينطبق على كل هذه الأسماء الرنانة التي طبعت هذا الموروث الإنساني التي تتحدث عنه في العلوم الدينية الإسلامية؟

طه جابر العلواني: الإسرائيليات القديمة شاعت في أصول الفقه..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: هناك كتب كثيرة نقحت..

طه جابر العلواني [متابعاً]: أنا أعرف أن هناك عشرين رسالة دكتوراه كتبت في تفسير الطبري فقط لتنقيته من الإسرائيليات ولم تفرغ بعد وكذلك تفسير ابن كثير وهذه تفاسير يفترض فيها أنها أخذت بالأثر وبالنقل وبالرواية عن الصحابة والتابعين وبعضها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا جانب التفسير، جانب الحديث طبعاً نعرف قضايا الأحاديث الموضوعة ونعرف بعض الأحاديث التي مرت من جميع الشباك والعوارض التي وضعها علماء الحديث لتُحدِثَ شروخاً في بنائنا الفكري والعقلي وأهمها فيما يحضرني الآن هو حديث افتراق الأمة حديث الأمة تداولته واعتقدت أنه صحيح وفي الحديث يقول إنه.. ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة.. وهي الفرقة الناجية هذا الحديث عززته جميع الفرق الإسلامية ولكن حينما تنظر في سنده ومتنه وتدرس العشرين طريقاً التي أورده المُحَدِّثون فيها وتدرس متنه لا يصمد هذا الحديث للنقد ومع ذلك فقد قام على أساس منه علم كامل ندرسه في كليات أصول الدين علم الفِرَق والمِلَلَ والنِحَل.

عبد الصمد ناصر: طيب حتى لا نحول حلقتنا إلى محاكمة للموروث الإسلامي نريد أن نبقى في إطار الحديث عن التعليم الديني ولكن بعد أن نأخذ مداخلة لفضيلة الشيخ دكتور عبد الله بن بية وهو وزير العدل الموريتاني السابق.

طه جابر العلواني: مرحباً بشيخنا.

عبد الصمد ناصر: شيخ عبد الله تفضل شيخ عبد الله بن بية هل تسمعني؟ لا أعتقد أن شيخ عبد الله جاهز الآن على كل حال لو عدنا إلى موضوعنا وهو العلوم الدينية الآن لأننا نحن تشعبنا في الموضوع حتى ربما تحولنا إلى كما قلت محاكمة هذا الموروث الإسلامي الإنساني وليس الجانب منه الإلهي أو النبوي، ما هي الجوانب الآن في العلوم التي تُدَرَّس الآن لأبنائنا لطلبتنا التي يجب أن نعجل بإصلاحها؟ هل في المضمون؟ هل في المناهج هل في اختيار نصوص معينة وتوظيفها لتوجيه الطلبة نحو قناعات وتيارات فكرية معينة؟

طه جابر العلواني: في المنهج وفي المضمون وفي طريقة التعليم وفي أماكن التعليم كل عناصر العملية التعليمية في هذه الموضوعات تحتاج إلى إعادة نظر وإلى تقييم، أما فيما يتعلق بالمنهج فكما قلنا هذه علوم كان ينبغي أن لا تدور خارج مدار النص القرآني بشكل من الأشكال والسُنّة النبوية المبينة اللي هي المصدر الوحيد المبين على سبيل الإلزام فالقرآن مصدر منشئ والسُنّة مصدر مبين على سبيل الإلزام خرجت عن هذا فلابد أن تجري عمليات نقد ودراسة لإعادتها إلى موقعها الأساس كعلوم تدور حول محورها وهو القرآن الكريم والسُنّة الصحيحة، الأمر الثاني هذه العلوم انفصلت عن الواقع نحن نعرف أن القرآن الكريم حين كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل مُنجمَّاً ومُفَرَّقاً وأجاب عن وقائع عصر النبوة وأسباب النزول ما سماه علماؤنا بأسباب النزول هي تشير إلى هذا، الآن القرآن كله بين أيدينا من الفاتحة إلى سورة الناس، هل نستطيع أن نعمل أسباب نزول؟ لا ولكن نستطيع أن الأسئلة التي نصوغها هذه الأسئلة ندرس الواقع وندرس السقف المعرفي الذي نعيش فيه ثم نصوغ السؤال صياغة علمية ونأتي به إلى القرآن الكريم بحثاً عن كلياته وبحثاً عن غاياته وبحثاً عن القيم الأساسية فيه التي ذكرنا أنها التوحيد والتزكية والعمران، فإن نحن فعلنا هذا فإننا سوف نستطيع أن نعيد هذه العلوم للتعامل مع الواقع وأذكر لتركيا شيء يُحمد لها قبل سقوط الخلافة في عام 1924 كانت تكلف القضاة بأن يعملوا قضاة لسَنَة ويذهبوا إلى التدريس، تدريس العلوم الدينية التي جربوها في القضاء سَنَة أخرى فالقاضي سَنَة يدرس وسَنة يشتغل في القضاء وفي هذا محاولة..

عبد الصمد ناصر: يحتكم الواقع لينقل رؤيته لهذا الواقع..

طه جابر العلواني: بالضبط محاولة جدا ناجحة ومتميزة..

عبد الصمد ناصر: شيخ عبد الله أعتقد هو جاهز معنا عفواً للمقاطعة.

طه جابر العلواني: مرحباً به.

عبد الصمد ناصر: شيخ عبد الله بن بية هل تسمعني؟

عبد الله بن بية – وزير التعليم العالي سابقاً في موريتانيا: ألو السلام عليكم.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام فضيلة الشيخ كنت أسألك عن رؤيتك لسبل وأساليب إصلاح التعليم الديني الآن؟

عبد الله بية: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اسمح لي أولاً أن أوجه تحية لأخي الدكتور طه جابر العلواني.

طه جابر العلواني: وعليكم السلام.

عبد الله بية: الذي أعتبره عقلية اجتهادية فذة ذا رؤية شرعية شمولية وتوجهات مقاصدية كلية وهو صاحب مشروع كبير أسأل الله له التوفيق.

طه جابر العلواني: جزاك الله خير وبارك فيك.

عبد الله بية: بالنسبة لإصلاح التعليم إنه موضوع له أهمية كبرى لا بسبب ضجته الآن ولكن لأنه أساس من أسس التجديد والتجديد فرض على هذه الأمة، ثم إن ما نشاهده من خلل واضح في مناهجنا يتجلى في انكماش مساحة الاجتهاد الفقهي مما نتج عنه عجز عن مواكبة مستجدات العصر في المعاملات وضحالة في الإنتاج الفكري في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية ومن باب أولى بالتكنولوجيا كل هذا يبرر إجراء عمليات كبيرة عمليات جراحية إن صح التعبير لمناهجنا ولتعليمنا بالإضافة إلى ما ذكره فضيلة أخي الدكتور طه من أن التراث في أصله فيه عيوب كثيرة تحتاج إلى ملاحقة وملاحظة، لكن المسألة فيها صعوبة كبيرة هو أن إصلاح التعليم لا يمكن إلا أن يكون بعقليات إسلامية وهي عقليات يجب أن تكون متفتحة لأن الإصلاح والتجديد ليس مرادف للتدمير عقليات متفتحة واعية بعصرها وفي نفس الوقت متجذرة في تاريخها لأن الإصلاح عندنا ليس كالإصلاح الديني عند الغربيين الإصلاح عندنا ينطلق من أساس شرعي وهو يتناول علوم شرعية من تفسير وحديث وأصول ونحو ولغة ومنطق أيضاً الذي كان يعتبر معيار للعلوم لكن الشرعية وهي شاملة لا يمكن أن نقوم بإصلاح فيها إلا بناء على استراتيجية تربط ربط واصب بين ثوابت الشريعة وبين الواقع الذي نعيش به، هذا الربط الواصب هو الذي أسميه تجديداً، الآليات أو الأدوات التي تقوم على الإصلاح هي الجامعات والمراكز والمجامع الفقهية فإذا توفرت هذه الإرادة عند الأمة أو عند بعض الجهات النافذة في هذه الأمة أعتقد أنه يمكن نضع قدمنا على بداية الطريق ولهذا فإني أشد على يده وأؤيد ما ورد في كلامه من أهمية الإصلاح الذي هو إصلاح يربط بين المصالحة الكلية والجزئية يرى الجزئيات في ضوء المقاصد الكلية ويرى الجميع في ضوء الواقع الذي نعيشه..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: شكراً لك فضيلة الشيخ..

عبد الله بية [متابعاً]: ولدينا فقر كبير في الفلسفة لدينا فقر كبير في العلوم الإنسانية لدينا فقر في التواؤم بين مفاهيمنا وبين هذه العلوم وأشكرك.

تحول المناهج الدينية لمضامين تربوية

عبد الصمد ناصر: شكراً لك فضيلة الشيخ عبد الله بن بية وزير العدل الموريتاني السابق، فضيلة الشيخ قبل أن نستكمل نقاشنا لنا فقط وقفة مع بعض الآراء حول مدى معاصرة التعليم وحالته إلى التطوير التي تحدثنا إليها استطلعنا أراء مجموعة من طلبة ومدرسي كلية الشريعة بجامعة دمشق لنرى وكيف ينظرون إلى مناهجهم وكيف يُشَخِّصون حالته نتابع هذه الآراء.

[شريط مسجل]

هشام منور- طالب دراسات عليا – جامعة دمشق: المنهاج يتعرض لفترة طويلة من الزمن من دون ممارسة أي نوع من الإصلاح أو التجديد عليه لابد أن تكون عليه بعض المقررات المبنية أساساً على معلومات تاريخية وإحصائيات تاريخية لابد أن تقوم الكلية بإعادة النظر فيها.

صهيب الزهران- طالب دراسات عليا- جامعة دمشق: كلية الشريعة تُخَرِّج مدرسين في النهاية لمادة التربية الإسلامية فتطوير المناهج ينبغي أن يُنظر إليه باعتبار أن نطور المنهاج لا أن نطور المقرر الدراسي يعني فيه نحن عندنا هون مناهج كلية الشريعة خاصة اللي درسناها نحن في هذه الكلية لا يصدق عليها اسم منهاج وإنما هي مقرر دراسي.

عصام عبد المولى- طالب ماجستير بكلية الشريعة- دمشق: بداية إن الركود العام في المجتمع ينعكس عن كل المفاصل ومفاصل المنهاج، النقطة الثانية لكل مجتمع توازناته الخاصة فأي مشروع للتطوير والتحديث يجب أن ينطلق من هذه الرؤية الخاصة فلذلك نحن يعني لا مانع عندنا من تطوير إذا كان منبثقاً من الرؤية الخاصة والتراثات الخاصة في المجتمع الإسلامي.

بديع السيد اللحام- وكيل كلية الشريعة- دمشق: عندي رافد رئيسي وعندي روافد فرعية الآن إذا تطورت هذه الروافد الفرعية فأصبحت هي الرافد الأساسي للمتلقي وأصبح ينظم منظومته المعرفية وفكره بناء على هذه الروافد الفرعية فأصبح عندي ما هو فرع أصل وما هو أصل فرع، هنا تكمن المشكلة الحقيقية التي نعاني منها اليوم مع التوسع الإعلامي هذا ووصول الإعلام إلى كل مفاصل الحياة أصبح هذا المفصل الإعلامي الأساسي هو بمثابة المزوِّد الأساسي لهذا المتلقي فأصبح التلقي من خلال الجامعات أو من خلال الكليات أو من خلال المعاهد الشرعية تحديداً أصبح فيه شيء من الضعف هذا الضعف هو الذي أظهر لنا الآثار السلبية عند هؤلاء المتلقين عند هؤلاء المتخرجين فالأثر السلبي الحقيقي أتى لهذا المتلقي ليس من المصادر التي هي أساساً كنا نزوِّدها للطالب في المؤسسات التعليمية وإنما الأثر الكبير الذي أصبح يأتيه من الروافد الأخرى، إذاً هنا يجب علينا أن نعيد نحن طريقة أدائنا بما يتناسب مع هذا التطور.

عماد الدين رشيد- رئيس قسم علوم القرآن والسُنّة- دمشق: المؤسسة الدينية مؤسسة تسير في معظم المنطقة العربية والإسلامية دون رعاية، دون رعاية رسمية وتأجيج التوجه السياسي وتسييس هذه الناحية تسييس المؤسسة الدينية أبعد عنها المرجعيات الصحيحة في التاريخ كله كانت المؤسسة الدينية تقوم ضمن مرجعيات شعبية تعمل بثقلها التاريخي لا تعمل بقرارات ولا بالمراسيم ولا بضغوط أمنية وإنما تحمل المرجعية من خلال ثقلها التاريخي، الشعب اختار هذه المرجعية الدينية الشعب يُسقط هذه المرجعية الدينية.

عبد الصمد ناصر: أراء من مختلف المشارف في الجامعة السورية حول إصلاح التعليم الديني طيب فضيلة الشيخ قلت قبل قليل بأن القيم العليا القرآنية الحاكمة في الكون يجب أن تكون حاضرة وهي التوحيد التزكية والعمران لكن هناك من أدخل أو عدَّل مناهجه الدينية بحيث تصبح المضامين السائدة أو الغالبة عليها هي مضامين تربوية ليس إلا أليس هذا أيضاً عيباً؟

"
برامج التربية والتعليم يجب أن يكون لديها تصور عن الإنسان المسلم الصالح المطلوب وفقاً للنصوص الشرعية في القرآن الكريم والسُنّة النبوية، ووفقاً للغايات الأساسية والقيم العليا الحاكمة
"

طه جابر العلواني: هذا عيب كثير الإنسان كل لا يتجزأ والغرب أقرَّ الآن بأنه قد أخطأ حينما فرَّق بين التخصص الدقيق والتخصص الواسع وفصل بين المعارف وفصل بينها وبين القيم وبينها وبين التربية، الآن أصبح يعود ناظراً إلى الإنسان في كليته نفسه جسمه عقله روحه فالعلوم الاجتماعية مع الكنيسة مع الدين مع الثقافة كل هذه تتضافر لإيجاد صورة الإنسان المطلوب، نحن بالنسبة لنا نحن المسلمين الله تبارك وتعالى قد رسم لنا نموذج الإنسان المسلم الصالح المطلوب في الحياة في أربع آيات من سورة النحل من الآية 73 إلى الآية 79 هذه الآيات رسمت لنا أعطتنا صورة الإنسان المطلوب إنشاءه فيُفترض ببرامج التربية والتعليم عندنا أن يكون لديها تصوُّر عن الإنسان المطلوب أنا لا أريد إنسان مُستنسخ من كيان آخر أريد الإنسان الذي أرسمه وفقاً للنص الشرعي كما جاء في القرآن الكريم والسُنّة النبوية ووفقاً للغايات الأساسية والقيم العليا الحاكمة من توحيد وتذكية وعمران.

عبد الصمد ناصر: نعم أريد أن أنتقل إلى المحور الثالث في الدقائق القليلة المتبقية وهو أخلاقيات العالِم والمُتَعَلِّم وكيف نحرر الطالب من القيود التي تكبل عقله ليمارس قيمة النقد وابتكار غيرها كيف يمكن أن نصل إلى هذه المرحلة؟

طه جابر العلواني: هذه المرحلة كما أشار أخي وصديقي الأستاذ بن بية أننا محتاجون إلى جهود جبارة لمراجعة كل هذا التراث وقد يأخذ منا عقود من السنين وليس سنين فقط ويحتاج أول ما يحتاج إلى أن يتضافر أهل السيف وأهل القلم نحن في تاريخنا قد حصل فُصام نكد بين عنصري أو مكوني أولي الأمر منكم ألا وهم أهل السيف وأهل القلم وأصبحنا نعرف هذا المصطلح وشاع في تراثنا ولذلك قال أبو تمام.. السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب.. ليبرهن على بداية ظاهرة استهجان الفكر والتقليل من شأنه وقال آخر.. الرأي قبل شجاعة الشجعان إلى غير ذلك، فهذا الفُصام بين أهل السلطان وبين أهل العلم والفكر يجب أن ينتهي لأنه لا سلطان لأهل السلطان بدون العلم والفكر ولا قوة لأهل العلم والفكر وقدرة على إيجاد الإصلاح المطلوب بدون أن يمد الجسر بين الاثنين.

عبد الصمد ناصر: شيخ حضرة بن بية قال قبل قليل هذا الإصلاح لا يجب أن يتم إلا بعقليات تكون منفتحة.

طه جابر العلواني: هذا صحيح.

عبد الصمد ناصر: من هذه الفئة التي يُفترض أن تتولى هذا الأمر؟

طه جابر العلواني: هذه الفئة التي ينبغي أن تتولى هذا الأمر يجب إعدادها هي ليست جاهزة.

عبد الصمد ناصر: ليست جاهزة الآن؟

طه جابر العلواني: ليست جاهزة.. الذين لما تشوف نماذج مثل ابن بية وأخونا الحبيب الشيخ يوسف القرضاوي وآخرين هؤلاء جاؤوا بمبادرات فردية وواتتهم ظروف معينة جعلت منهم هذه الشخصيات ولذلك لا تجد لهم أمثال كثيرين لم توجد عندنا جامعة تستطيع أن تُخَرِّج هؤلاء..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: لإفراز المناهج..

طه جابر العلواني [متابعاً]: إذاً نريد أن نستنسخ نريد أن نكثر نريد أن نقيم مؤسسات بدل أن يوجد شيخ يوسف قرضاوي واحد نريد أن نشوف ألف يوسف قرضاوي ألف بن بية إلى سواه والله أعلم.

عبد الصمد ناصر: بارك الله فيك.

طه جابر العلواني: شكرا جزيلاً.

عبد الصمد ناصر: دكتور طه جابر العلواني رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في فيرجينيا بالولايات المتحدة الأميركية وأستاذ أصول الفقه الإسلامي بارك الله فيك شكراً لك.

طه جابر العلواني: شكراً لك.

عبد الصمد ناصر: وشكرا لمتابعتكم وفي الختام تحيات المخرج مصطفى طلافيح والمُعِد معتز الخطيب ولنا لقاء آخر في الأسبوع المقبل بحول الله.