زيارة خاصة

بيار هنري بونيل

بيار هنري بونيل وتعلمه اللغة العربية، أولى مهام بونيل في الأردن وعمله في التجسس هناك، زيارة بونيل لسوريا وذكرياته هناك، عمله في فلسطين كمراقب في الأمم المتحدة، زيارته لمصر وعلاقته بالإسلاميين، مشاركته في حرب الخليج الثانية.

مقدم الحلقة:

سامي كليب

ضيف الحلقة:

بيار هنري بونيل: ضابط فرنسي سابق

تاريخ الحلقة:

07/02/2003

– بيار هنري بونيل وتعلمه اللغة العربية.
– أولى مهام بونيل في الأردن وعمله في التجسس هناك.

– زيارة بونيل لسوريا وذكرياته هناك.

– عمله في فلسطين كمراقب في الأمم المتحدة.

– زيارته لمصر وعلاقته بالإسلاميين.

– مشاركته في حرب الخليج الثانية.

– زيارته للسعودية والخلافات بين العائلة المالكة.

– اتهامات بونيل للأميركيين بشن الحروب لمصالحهم المادية.

– اتهامه بالخيانة وسجنه في فرنسا.


undefinedسامي كليب: حين اتصلنا بضيفنا لهذه الحلقة من (زيارة خاصة) كان خرج لتوه من السجن الفرنسي، فهو اتُهم بالخيانة لتسليمه الجيش الصربي أسراراً وُصفت بالعسكرية، فهل كان ضحية التنافس الأميركي الفرنسي في يوغسلافيا السابقة أم أن لديه الكثير من الأسرار يكشفها لنا في هذه الحلقة، فهو كان أيضاً من بين أربعة ضباط فرنسيين فقط قلَّدهم الجنرال الأميركي (شوارسكوف) وساماً في خلال مشاركته في حرب الخليج الثانية، وهو الذي تجسس أيضاً على الجيش الأردني، وعمل في مصر، عمل في فلسطين وإسرائيل.

ضيفنا اليوم هو الضابط الفرنسي السابق (بيار هنري بونيل).

الكولونيل السابق بيار هنري بونيل، فرنسي الولادة، عربي الهوى، لكن تعلمه للغة الضاد قاده بدايةً للتجسس على الجيش الأردني حين كان في الكلية الحربية في عمان، ثم صار يجمع المعلومات والأسرار لصالح الملحق العسكري هناك منذ منتصف الثمانينات، بعد الأردن عاد إلى فرنسا لتعليم العربية، وسرعان ما عاد إلى الجيش كضابطٍ متخصص، وساعدته لغاته المتعددة ليصبح مراقباً دولياً في فلسطين وسيناء والجولان وإسرائيل والأردن، هناك جمع أسرار كثيرة قبل أن يسقط في الفخ الصربي ويُحاكم بتُهم تسليم الصرب أسراراً عسكرية، ولكن ماذا عن اللغة العربية أولاً سيد بيار؟

بيار هنري بونيل وتعلمه اللغة العربية

بيار هنري بونيل: تعلمت العربية في البداية في فرنسا، بعد 13 سنة كضابط مدفعية كنت أريد غياري إذا بالعيش ثاني عيش أخرى يعني كنت أريد الارتباط الدولية العسكرية، فكنت في حاجة إلى اللغة الشرقية، بدأت بدورات 3 شهور.

سامي كليب: في فرنسا.

بيار هنري بونيل: في فرنسا، هذا قصير كتير، وهذا..

سامي كليب: لتعلم اللغة العربية، وهي لغة صعبة طبعاً.

بيار هنري بونيل: ولكن بعدين جيت إلى الأردن لدورات الأركان وفي.. في دورات الأركان في.. في الأردن كل شيء دار بي، طبعاً أما أناقش في.. في ظروف درس وأكون فيه تمارين وكل ذلك، وطبعاً للشيء وللاستراحة كمان، ولكننا من 13 جنسية، يعني نحن في حاجة إلى لغة موحدة، اللغة العامية.. اللغات العامية مش ممكن، فهذا كويس لي، فتعلمت اللغة العربية، ولأن.. لأن.. لأن لما وصلت إلى الأردن كنت أتكلم كطالب كذلك، وكنت أقول كل التنوين.. فبعدين تعلمت اللغة المتكلم، اللي هي لغة العامية.

سامي كليب: العقيد الفرنسي بيار هنري بونيل يتقن العربية، ولكن غرقه في القضايا والاتهامات الموجهة إليه حالياً أنساه بعضاً من سلاسة اللفظ العربي، فاختار أن تكون الحلقة باللغتين العربية والفرنسية، بحيث يلجأ إلى لغتنا التي أحبها كلما استطاع، فماذا عن مهمتك الأولى في الأردن سيد بونيل؟

أولى مهام بونيل في الأردن وعمله في التجسس هناك

بيار هنري بونيل: مهمتي الأبرز التي كلفني بها الملحق العسكري تمثلت بإعادة بناء هيكلية لواء الدفاع الجوي الأردني الذي كان مكلَّفاً بحماية الجيش العربي، أي الجيش الأردني في الهجمات الجوية، كان ذلك مرتبطاً بسوقٍ هام للسلاح، الأمر الذي دفع الملحق العسكري لمعرفة أي جزءٍ من تلك السوق هو الذي يهتم به الجيش السوفيتي، بمعنى آخر فلو نظرنا بدقةٍ إلى مهمتي في الأردن فهي ارتبطت أولاً بمعرفة طبيعة العلاقات الدبلوماسية العسكرية الأردنية الباكستانية، وثانياً بمعرفة عدد مروحيات الهليكوبتر من نوع (كوبرا) لجهة كم كان منها موجوداً على الأرض، وكم كان سيصل لاحقاً، إضافةً كما ذكرت إلى تقديم المعلومات المطلوبة للملحق العسكري.

سامي كليب: كان الفرنسيون وحدهم المكلفون أو المكلفين بهذا التنظيم العسكري في الأردن، أم كانت هناك قوات أخرى أميركية أو… ؟

بيار هنري بونيل: في.. في..

سامي كليب: أين الأوروبية في الأردن؟

بيار هنري بونيل: في الأردن في.. في التعاون التقني كان بعثة.. بعثة فرنسية سوفيتي أميركي إنجليزي وألماني، وفي دورة الأركان كنا اثنين غير عرب، باكستاني وأنا، وكنت يعني من بلدان ذات سلاحٍ نووي كنت وحدي. الدورة بعد.. كنت في دورة 27 في دورة 28 كان فرنسي طبعاً، ولكن كمان أميركي.

سامي كليب: في.. في الأردن بدأت عملك أيضاً ليس فقط في عمليات التدريب ولكن أيضاً بدأت تحاول التعرف على السلاح الموجود عند الأردن بطريقتك الخاصة، لِنَقُل بطريقة فيها نوع من السرية أيضاً، ماذا فعلت تحديداً في الأردن؟

بيار هنري بونيل: كان يهمنا طبعاً ما يشتريه الأردن من سلاح، وذلك لجهة ارتباط ذلك بالتوازن العالمي وليس فقط لمجرد رغبتنا ببيع السلاح، وسوق السلاح بيننا وبينهم كان جيداً أصلاً، أما كيف قمت بذلك فهذا سهل، كنت مكلفاً بالتجسس وحين أردت مثلاً معرفة عدد المروحيات قصدت مكتب رئيس القسم التقني والمسؤول عن الصيانة أثناء زيارتي للمركز العسكري الجوي في عمان، وقد أحصيت عدد الإستيكرات المتوفرة والمرقمة، ووجدت أن هناك 15 منها، وبينها ثلاثة كانت موجودة والباقية مشغولة بالتمارين والتدريبات، ووجدت أيضاً أن 3 أماكن للأرقام كانت فارغة، ففهمت أن الأردن ينتظر وصول ثلاث هليكوبترات عسكرية.

سامي كليب: في الأردن غير هذا التجسس العسكري، هل كانت لك مهمات أخرى هناك؟

بيار هنري بونيل: لا، ولكني اكتشفت في مرفأ العقبة أموراً أخرى لم تكن لها علاقة بالأردن، وكانت مرتبطة بالنزاع في العراق، وخاصة بقضية (لوشيه) التي أحدثت ضجة فيما بعد، مفاد هذه القضية: هو أن شركة فرنسية كانت تبيع أسلحة لإيران، وذلك فيما كانت فرنسا آنذاك تمنع بيع أسلحة لهذا البلد رغم أننا كنا نبيع العراق سلاحاً، وكانت مصانعنا تصدر الدبابات والمدافع، كانت شركة (لوشيه) إذن باعت أسلحة ممنوعة لإيران بصورة سرية، واكتشفت الصحافة ذلك وأثارتها علناً، حينها تحدثت مع زملائي العراقيين، فقالوا لي: إن الأمر ليس مهماً، وطالما الفرنسيين يبيعوننا قذائف بثلث السعر الرسمي، فهذا لا يهمنا، وكانوا يدركون أن قضية المخطوفين الفرنسيين تضع العلاقات الإيرانية – الفرنسية في موضع بالغ الحساسية، وأعتقد أننا بعنا أيضاً العراق أسلحة من تصنيع شركة (لوشيه) وهي أسلحة غير تقليدية، ولكنني لا أملك أدلة.

سامي كليب: مثلاً.

بيار هنري بونيل: كيماوي، والكيماوي ممنوع في فرنسا، أظن كيماوية.. أظن ولكن.. لا أملك أدلة.

سامي كليب: في الأردن كانت مهمتك.. كان لك وظيفة، ما تسمى بجامع المعلومات، ما هي هذه الوظيفة تحديداً؟ وهل لا تزال موجودة حتى اليوم؟

بيار هنري بونيل: نعم، هي إحدى المهمات التي يُكلف بها أي جندي فرنسي يعمل على أرض أجنبية وتقضي بأن يجمع معلومات حول البلد الذي يعمل فيه وخصوصاً حول المجتمع الذي يحيطه هذا يفترض مراقبة المواطنين ومعرفة طرق عيشهم، أي أن الأمر يتعلق بتجسس سياسي، وبالنسبة للأردن كان عليَّ أن أعرف مدى تعلُّق الشعب بالملك حسين وطبيعة العلاقات القائمة بين الشركس والبدو والأردنيين والعرب الأصليين والفلسطينيين، والعلاقات القائمة أيضاً بين الفلسطينيين أنفسهم، وكلما كنت أسمع بموضوع مثير للاهتمام، كنت أسأل عنه لأفهم وقد وقعت مشكلة بين الشركس والبدو في مخيم في الزرقا، وكنت أسأل عن أسباب ذلك، وفي كل الأحيان كانت المعلومات التي أحصل عليها مفيدة لي لفهم المنطقة بشكل أفضل ولكن حين كان الملحق العسكري يسألني عن ذلك، فأجيبه بأنها كالمشاكل الموجودة عندنا بين الأتراك والعرب وبين البرتغاليين والإسبان، المهم في الأمر: أنه حين كنت في الأردن كان الجميع يحبون الملك حسين، ويثقون بأنهم يحميهم.

زيارة بونيل لسوريا وذكرياته هناك

سامي كليب: من التجسس على الجيش الأردني إلى التجسس على سوريا ومصر، كان الضابط الفرنسي بيار هنري بونيل ينسج أيضاً صداقات عديدة، فهو لم يكن يتجسس ليضر الدول التي استضافته، وإنما ليساعد بلاده ويستكشف أسواق السلاح، فإليكم مثلاً هذه القصة الغريبة التي جعلت ضابطاً سورياً عند حاجز في الجولان يقترح عليه بيعه قطعة من دبابة سوفيتية الصنع كيف حصل ذلك؟

بيار هنري بونيل: كان هذا الضابط يدرس الأدب الفرنسي، ولكنه لم يكن يتكلم الفرنسية، واقترح عليَّ أن يبيعني قطعة تصفيح دبابة وكانت تهم الفرنسيين كثيراً وهذا ما كنت قد فهمته قبل مغادرتي لفرنسا وأثناء التدريب، كان خطراً كبيراً، لا بل ومن المستحيل الحصول على تلك القطعة، وها أنا أجد أمامي ضابطاً يعرضها علي رغم أني لم أطلبها منها، فشككت بداية في الأمر، وقلت: لا إني سأرى إذا كان الأمر يهم أحداً، فأجابني بأنها لمجرد الذكرى.

سامي كليب: أنت طبعاً شكيت بأن في القضية فخ؟

بيار هنري بونيل: طبعاً.. طبعاً، شككت به، وقلت له: إني سوف أرى ما يمكن عمله، وسألته عن كيفية الاتصال به لاحقاً، فقال: إنه يكفي أن أمر إلى المكتب وأسأل عنه لدى الجندي الموجود هناك، اتصلت بالمسؤول المباشر في فرنسا، وكان آنذاك يعمل في القدس، فلم يبد اهتماماً كبيراً، وطلب مني الانتباه والحذر ومحاولة أخذ المعلومات وأنه في حال حصل اتصال أو تفاوض لاحقاً بهذا الشأن مع الضابط السوري، فإن الجيش الفرنسي الموجود في سوريا هو الذي سيقوم بالمهمة وليس أنا.

سامي كليب: لماذا؟ هل تعرف ما هو السبب الذي لم يؤد بالجيش الفرنسي أو بالضابط للاهتمام بهذه المسألة؟

بيار هنري بونيل: أعتقد أن الجيش الفرنسي كان يملك وسائل أخرى للحصول على تلك القطعة من سوريا، وكان يريد تفادي اتهامنا بالتخابر ونحن نعمل في تلك المنطقة، ولا أدري حتى اليوم إذا كان أحد قام بمتابعة المهمة بعدي.

سامي كليب: ذهبت عدة مرات إلى سوريا، ما الذي كان يهم الفرنسيين في سوريا تحديداً؟ ماذا كنتم تودون أن تعرفوا؟ ماذا يوجد لدى الجيش السوري مثلاً؟

بيار هنري بونيل: لم تكن لدي معلومات محددة عن المطلوب معرفته بالنسبة للجيش السوري، أظن أن الفرنسيين العاملين هناك كانوا مكلفين بتلك المهمة، وكما تعرف فقد كنا نتمتع بعلاقة جيدة مع الجيش السوري وكان الأمر مهماً لنا، لأن سلاح ذاك الجيش قادم من الاتحاد السوفيتي، وأذكر كم كنت سعيداً عندما استطعت الإطلاع على هيلكوبتر M24، ذلك أنه لم تكن لي معرفة مسبقة بها، وقد كنا من المعجبين بدبابات (T72)، ولكننا اكتشفنا بعد حرب الخليج أنها لا تستحق كل ذاك الإعجاب، فقط حصلنا بعد حرب الخليج على كل ما نشاء من قطع تلك الدبابات؟

سامي كليب: من.. من العراق.

بيار هنري بونيل: من العراق طبعاً، وأما في سوريا، فقد كان يهمنا بناء علاقات جيدة معهم، وكان جيشهم مهماً للغاية.

سامي كليب: ولكن بالنسبة لك، هل الجيش السوري يعني يعتبر من الجيوش القادرة على القتال فعلاً؟ هل هو جيش قوي وقادر على القيام بمعركة؟

بيار هنري بونيل: طبعاً، وشفنا ذلك في حرب الخليج، كان عندنا فرقة سورية ممتازة كتير.

سامي كليب: قبل الانتقال إلى.. ذهابك إلى القدس، أود أن أسألك إذا ما كانت لديك ذكرى شخصية لا تزال حاضرة في ذهنك الآن حول إقامتك في سوريا أو المرور إلى سوريا في بعض المرات؟

بيار هنري بونيل: أحتفظ بكثير من الذكريات الجميلة، في إحدى المرات كان الجو شديد الحرارة، فتركت نوافذ سيارتي مفتوحة، وتنبهت لاحقاً إنني نسيت حقيبتي فيها ولو حصل الأمر في فرنسا، لكنت فقدتها بسهولة، ولكني حين عدت إلى سيارتي وجدتها، وكانت على حالها لم يمسها أحد، والسيارة كانت تابعة للأمم المتحدة، ولاشك أن من رأى الحقيبة فيها كان يدرك أن بداخلها مال، وخصوصاً دولارات أميركية، لكوننا نقبض بالدولار، والحقيقة أن أحداً لم يسرقها.

سامي كليب: هذه الحادثة الأولى، الثانية..

بيار هنري بونيل: الحادثة الثانية وقعت حين كنت أسيرُ مع زوجتي وابني في سوق الحرير بالقرب من الحميدية، وانتبهنا إلى أن ابننا لم يتبعنا، حصل ذلك بعد ظهر يوم الجمعة، أي في وسط ازدحام شديد، لأن السوق تكون قد فُتحت مجدداً، اعترانا قلق لمعرفة مكان وجوده، ذهبنا نسأل وعدت مسرعاً من أين أتيت، وكم كانت سعادتي كبيرة حين وجدت ابني أمام قطار صغير، وكان الناس هناك لاحظوا قلقنا، وإذ بكل السوريين الموجودين في عين المكان يومئون لي ليرشدوني على مكان ابني، كلهم ساعدوني في العثور عليه، وكان هو مسحوراً بذلك القطار، والأهم من كل ذلك هو أنه كانت.. قد مرت ساعة كاملة بين الوقت الذي انتبهنا فيه إلى ضياع ابننا، وبين اللحظة التي وجدته فيها، وكان العثور عليه ضرباً من المستحيل، ولكني وجدته بفضل مساعدة السوريين، وهذا أمر أسعدني للغاية، ولن أنساه مطلقاً.

عمله في فلسطين كمراقب في الأمم المتحدة

سامي كليب: طبعاً سأستفيد من الصراحة التي تحدثت بها في كتبك والأسرار التي كشفتها لسؤالك عن عمل الأمم المتحدة، هل التقارير التي تقدم بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي وما يجري عبر الحدود هي تقارير بالفعل إيجابية وموضوعية، أم هناك دائماً رغبة سياسية بتزوير بعض الحقائق حتى داخل الأمم المتحدة؟

بيار هنري بونيل: السؤال صعب بعض الشيء، فالأمم المتحدة تعمل على جمع المعلومات المفيدة وليس الاستخباراتية، والعاملون في الأمم المتحدة يقومون بعمل ضخم وذي جدارة عالية، أذكر أنه خلال عملي اكتشفت معتقل (كرزيوس) الإسرائيلي، والذي كان الفلسطينيون يُزجُّون فيه دون محاكمة قانونية.

وكنا قد سمعنا عن ذاك المعتقل من قبل منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر، وحاولنا جمع معلومات بشأنه، ولم نكن قادرين على فتح تحقيق، وقد أرسلتُ المعلومات آنذاك إلى مكتب وكالة غوث اللاجئين التابع للأمم المتحدة، وأنا متأكد من أنه أرسل وتحديداً إلى السكرتيرة (روبن) التي كانت تعمل آنذاك في الأمم المتحدة، أما كيف تعاملوا هناك مع الأمر، فهذا ما أجهله.

والواقع أن الأمم المتحدة غارقة في نظام بيروقراطي معقد، بمعنى أنه حتى لو أن الموظفين قاموا بعملهم بشكل مقبول إجمالاً، فإن تعقيدات كثيرة تلي ذلك من خلال التعاطي السياسي الذي يلحق بالقضايا المقدمة أو بسبب مواقف بعض الدول الأعضاء.

سامي كليب: ولكن كمراقب سابق في الأمم المتحدة أو كضابط لدى قوات المراقبة، هل كانت لديكم تعليمات مثلاً بغض النظر عن هذه الحادثة أو ذاك المخيم أو هذه القضية؟

بيار هنري بونيل: لا، لم أتلق منها تعليمات كهذه، كان الأمر على عكس ذلك تماماً، لما كنت في طبرية قال لي قائدي من الأمم المتحدة، وكان اسمه (جون جونسي) من أستراليا قال لي: أنت عندك ارتباط في مدينة جيركو، فعندنا معلومات من (الشين بيت) عن المرور من خلال جرية، أذهب هناك وأفتش، أنا على الأقل لم أتلق أوامر كهذه، ولم يُطلب مني غض النظر، على العكس كان علينا المراقبة وقول ما نرى، كانوا يطلبون منا خصوصاً أن نتحدث عن ما نراه، وكان المسؤولون يقولون لنا يمكنكم أن تعبروا عن آرائكم وتقدموا اقتراحات، ولكن ليس عليكم الجزم بالأمر، هذا يعني أن ما نحلله يمكن أن يضاف إلى ما نراه، ونصيغ كل ذلك في إطار تقارير نرفعها إلى الأمم المتحدة بصورة معلومات.

سامي كليب: هل أنت في تجربتك الخاصة حصلت معك مشاكل تُبرهن أن إسرائيل مثلاً كانت تكذب بالمعلومات التي تقدمها، خصوصاً أنك ذكرت (أرييل شارون)، وذكرت (إسحاق شامير) على الأقل مرتين في.. في كتابك.

بيار هنري بونيل: كانت قوات الجيش الإسرائيلي تدمر البيوت بشكل منتظم عام 1988، في تلك الفترة كان الشبان الإسرائيليون يعملون لشراء جوازات سفر لمغادرة إسرائيل، وقام بعض المجندين في الخدمة العسكرية في الجيش بالتقاط صور وأفلام وبيعها للصحافة، وبدأ العالم بالإطلاع على ما يحدث، وذات مرة شاهدت تدمير منزل في أريحا، ولم يكن لذلك أي علاقة بعملية عسكرية، فقد رُشِقَ أحدُ الإسرائيليين بحجر، وبما أنهم لم يتمكنوا من القبض على الفاعلين دخلوا وأخرجوا امرأة عجوز، ثم تأكدوا من أن المنزل فارغ، ودمروه، وشاهدت المرأة العجوز البلدوزر يدمر منزلها.

في صحيفة "جيروزاليم بوست" وبناءً على كلام من حكومة شامير زعموا أن المنزل دُمِّر، لأنه منه رُشقت الحجارة، وعندما كنت في مكان الحادث حاول الإسرائيليون منعي من البقاء، وكنت أمر في القدس بالصدفة ومنعوني من متابعة السير، وحين سألت لماذا يدمر المنزل؟ قال لي جندي: بوقاحة وبلهجة فرنسية إنه دُمِّر انتقاماً، سألته عن مصدر القرار فقال: إنه الضابط، وهكذا فهمت أنهم يفعلون تماماً كما كان يفعل النازيون عندنا، وهذا ما لم يفعله البريطانيون حين كانوا في فلسطين حيث كانت توجد قوانين استثنائية تسمح بتدمير بيوت الإرهابيين اليهود، ولكن حتى اليوم هناك منزل لأحد مسؤولي الهاجانا، ولم يمس وتحول المنزل اليوم إلى مزار تاريخي يفتخر به الإسرائيليون، أنا شاهدت المنازل تُدمَّر في أريحا، وكانت الصحافة تقول إنها تُدمَّر منعاً للإرهاب، وهذا كذب.

[فاصل إعلاني]

سامي كليب: في عام 1988 إذاً كنت في المنطقة كضابط مراقب في الأمم المتحدة، وحصلت الكثير من الحوادث عبر الحدود بين إسرائيل ولبنان، لبنان لا يزال حتى اليوم جزء منه محتل، وكان محتلاً تقريباً كل جنوبه، دائماً كان يقال في التقارير أن حزب الله هو الذي يقصف إسرائيل، وإسرائيل ترد بقصف جوي، حين كنت هناك هل كانت هذه التقارير صحيحة 100%؟ وهل فعلاً هذا ما الذي كان يحصل؟

بيار هنري بونيل: نعم، هذا صحيح، ولكن عندما كنت هناك خلال ولاية شامير كان القصف الإسرائيلي أكثر بكثير من إطلاق صواريخ الكاتيوشا أو غيرها من قبل حزب الله.

زيارته لمصر وعلاقته بالإسلاميين

سامي كليب: في الأردن كان لرجل الاستخبارات الفرنسي طريقته المباشرة في التعرف على الجيش الأردني وسلاحه في سوريا لجأ الضابط بيار هنري بونيل إلى أساليب أخرى وللغرض نفسه، أما في مصر التي زارها وأقام فيها مراقباً دولياً أو ضابطاً فإنه اختار هذه المرة طريق الإسلام لكشف مدى شعبية الإسلاميين، ففي كل مرة كنت أشعر أن لدى الجالس أمامي رغبة واضحة بالانتقام من الذين استفادوا منه وتركوه لاحقاً في قاعات المحاكم؟

بيار هنري بونيل: كنت مجرد ضابط تابع للأمم المتحدة ومسؤولاً عن المحلات المعفاة من الضرائب التابع للمنظمة الدولية، وبالتالي فقد نسجت علاقات جيدة مع الجمارك، ولكني كنت أعمل لصالح فرنسا بمهمات أخرى، ومنها مثلاً التعرف على مدى شعبية التيارات الإسلامية داخل الجيش المصري، ولم تكن مهمتي عسكرية، إنما أكثر سياسية، والجمهورية الإسلامية ..متطرف.. المتطرفين الإسلاميين.

سامي كليب: التيارات الإسلامية المتطرفة أو الإخوان المسلمين أو تنظيم الجماعات الإسلامية.

بيار هنري بونيل: التنظيم نعم، ولكنها..

سامي كليب: الجماعة الإسلامية.

بيار هنري بونيل: نعم..

سامي كليب: إذاً مدى شعبية هذه التيارات الإسلامية؟

بيار هنري بونيل: لا أقول أني أصبحت نصف عربي ونصف فرنسي، ولكنني أصبحت قريباً ومتعلقاً بالعرب، كنت أشعر بالراحة في مصر، وحاولت الحصول على بعض المعلومات فيما يتعلق بالجيش المصري، وكنا نقوم بالتمارين، وكان الأميركيون يرسلون مراقبين إلى هناك أيضاً، وكنا بالتالي نجمع المعلومات من مصادر مختلفة، والأهم بالنسبة لنا كانت تلك الوحدات التي لم نكن قادرين على رؤيتها، أو اللقاء بها، وهي الوحدات الداخلية، وكان الملحق العسكري الفرنسي يسألني بعض الأسئلة التي لم أكن قادراً على جمع معلومات بشأنها نظراً لخطورتها، كنت مكلفاً بمعرفة مكان وجود الدبابات التي أرسلها الصينيون، ولكني كنت أجيب إن هذا الأمر ليس من صلاحياتي.

سامي كليب: بالنسبة لمراقبة مدى شعبية الجماعات الإسلامية أو التيارات الإسلامية المتطرفة في مصر، يعني نود أن نعرف كضابط مثلك ما هي الطرق التي كنت تلجأ إليها من أجل جمع مثل هذا المعلومات؟

بيار هنري بونيل: كان الأمر سهلاً جداً، بحيث المطلوب أن تلتقي الناس مباشرة، وهكذا كنت أذهب إلى قرب جامع الحسين الموجود في خان الخليلي، حيث توجد مكتبات عديدة يمكننا أن نجد فيها كل ما نحتاج إليه، وكنت بحاجة إلى قرآن باللغتين العربية والفرنسية، كما أني احتجت إلى ترجمة رسمية، وذهبت لأرى الإخوان المسلمين، وعندما دخلت عرفوا مباشرة أنني أجنبي، بدأت بالتكلم باللغة العربية، وكان سؤالهم الأول لي: هل أنت مسلم؟ لأ أنا مش مسلم، ولكن أنا مسيحي، ولكن..

سامي كليب: صديق المسلم.

بيار هنري بونيل: صديق المسلم، وكمسيحي أشهد الله لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لم يفهموا ما أردت قوله، ما هي المشكلة بين اليهود وبين المسيحيين؟ يقول اليهود إن ليس عيسى المسيح، فما هي المشكلة بين المسيحيين والمسلمين؟ يقول المسيحيين ليس محمداً رسول الله، ولماذا أشهد أن محمداً رسول الله، إذاً سألوني: لماذا أنت لست مسلماً؟ فقلت لهم: الدين للرجل هذا زي السلاح للجندي، ليس للجندي سلاح يذهب يشتري الأحدث، ليس دين للرجل يسلم، ولكن ببندقية قديمة ممكن.. ممكن الرماية الضبط.

سامي كليب: الرماية الصحيحة.

بيار هنري بونيل: الصحيحة، أنا مسيحي، أسلك قرار الله، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) كنت بحاجة إلى قرآن حقيقي، وعرضوا عليَّ أن أتكلم بحرية أكبر، وهكذا كان.. كانوا يعرفون أني مسيحي، ولكنهم أدركوا كم أحترم الإسلام، وقد كان لابد لي من التعمق بالإسلام، لأنه لا يمكن فهم الحضارة العربية دون دراسة القرآن والإسلام، هذا لا يعني أن كل العرب مسلمون، أنا أعرف عرباً يهود، وعندما يتكلم الناس العربية في إسرائيل وفي بيوتهم، فذلك لأنهم جاءوا من العراق واليمن، وهم يهود ويستمعون إلى الموسيقى العربية، هذا مختلف عن يهود السفرديم القادمين من شمال إفريقيا أو إسبانيا.

سامي كليب: إذاً هكذا بدأت الاتصالات بالتيارات الإسلامية في مصر بالإخوان المسلمين؟

بيار هنري بونيل: بدأت بإقامة اتصالات مع الإسلاميين، وما كان يهمني في ذلك هو الوصول إلى العسكريين متوسطي الرتب، فصرت أشرب الشاي معهم في سيناء ونتحدث، كانوا يخبرونني عن ردة فعلهم مثلاً عن مقتل السادات أو عن مشاكل المنيا في الصعيد، حيث كان الأقباط يقتلون على أيدي المسلمين أو العكس.

سامي كليب: ولكن ما هي النتيجة التي خرجت بها؟ هل أن التيارات الإسلامية لها قاعدة شعبية كبير في مصر أم لا؟

بيار هنري بونيل: نعم، لهذه التيارات شعبية، ولكنها غالباً ما ترتبط بحدث آني، بحيث أن شعبيتها تزداد عند المشاكل، ليس فقط داخل مصر، ولكن أيضاً على المستوى العالمي، وفي كل الأحوال عندما ننظر إلى العلاقات الدولية وتأثيرها على العنف والإرهاب، ولا أتحدث هنا عن المتطرفين الإسلاميين فقط، ذلك أنه سبقهم إلى ذلك كثيرون نلاحظ أنه حين يصبح المال الحاكم الأوحد ينتفض الشعب ويلتفت صوب الحركات الثائرة السياسية والتي تحترم الإنسان.

مشاركته في حرب الخليج الثانية

سامي كليب: قد يبدو للبعض غريباً ما يقوله لنا الكولونيل بيار هنري بونيل، ولكن الرجل الذي شهدت محاكمته في فرنسا الكثير من المديح من قبل كبار الضباط الفرنسيين كان من بين أربعة ضباط فرنسيين فقط حصلوا على أوسمة في حرب الخليج الثانية، لا بل أن القائد العسكري الأميركي الجنرال (شوارسكوف) ميزه عن غيره لقدراته الكبيرة.

هل كنتم تتحدثون عن صدام حسين -آنذاك- مع شوارسكوف أم مع الجنرال قائد القوات الفرنسية حول احتمال إسقاط صدام حسين؟

بيار هنري بونيل: كان كل الجنرالات يتحدثون عن صدام حسين، وكان هو العدو الأول الذي ينبغي الإطاحة به، ولكن الجنرالات كانوا أكثر عقلانية من السياسيين، إذ أنهم لم يعتبروا قط أن صدام هو خليفة (هتلر)، الأمر كان مختلفاً تماماً.

سامي كليب: هل الجيش العراقي كان يخيفكم آنذاك؟

بيار هنري بونيل: في البداية نعم، كنا قليلاً أمامهم، هذه صورة مع الكوماندوز، هنا اقتربنا من المقاتلين العراقيين، لم نكن نرَ معهم أسلحة واجهتنا عاصفة رملية، وحين اقتربنا لاحظنا أنهم يملكون سلاحاً، فقلت لهم: خلاص الحرب لكم، حاول الأربعة الوقوف، وقف ثلاثة منهم، والرابع لم يتمكن من تلك، لأن رجله كانت تؤلمه، كانوا خائفين للغاية، أخذت سلاحهم ووضعته جانباً، ثم عدت إليهم، وقلت نحن فرنسيين، فابتسموا وارتاحوا، فقالوا لي: مش أميركي فرنسي؟ فقلت لهم: طبعاً أنا فرنسي أكتب هيك، ولكن غير أنهم لم يلاحظوا العلم الفرنسي على ثيابنا العسكرية، سألتهم عن هويتهم، فأعطاني أحدهم بطاقته العسكرية، هنا ظن رجال الكوماندوز أنه يخرج سلاحه، فكادوا يقتلونه، أمرتهم بالتوقف عن ذلك، فأخرج العسكري العراقي بطاقته ومحفظته ورسائل لعائلته وصوراً لزوجته وأطفاله، ومدها نحوي، أخذت الهوية العسكرية فقط، وأرجعت له الباقي، عندها وصل الجنرال الفرنسي (روشكوف) الذي ترونه على هذه الصورة، سمحنا لهم بالوقوف، فهمُّوا بتقبيل يد الجنرال، حينها اقترب واحد مني وقبَّلني فقبَّلته، هذا كان صعب الفهم بالنسبة للأميركيين، لم أكن عربياً ولكني تصرفت مثلهم.

سامي كليب: هل كان من أميركي معكم؟

بيار هنري بونيل: لا.. لا، كنا فرنسيين بس، هذه ذكرى قوية أحتفظ بها، وكان هؤلاء الجنود قد أمضوا ثلاثة أيام في الصحراء كادوا يموتون من العطش، وحين وضعناهم في الهليكوبتر وأشربناهم الماء ناموا من التعب والعياء حتى الجنرال شوارسكوف سعى لإنقاذ أحياء أبرياء، وهنا لابد من التذكير بأن الحلفاء الغربيين رموا قنابل سامة على الأراضي العراقية، هذا ما قتل من قواتنا شخصين وجرح 26 آخرين، هذا كان عملاً بشعاً، لذا عندما هبطت الهليكوبتر كنا أمام خطر تسليم ذلك السلاح، وسعينا جاهدين لتفادي تلك القنابل، في الواقع إننا خاطرنا بحياتنا، والجنرالان شوارسكوف وروشكوف كانا جنديين حقيقيين، وكان يعرفان إنه حين يتوقف القتال علينا أن نوقف العداء والبغض حيال الجيش العراقي، هذه ذكرى جديدة ومؤلمة أحتفظ بها من حرب الخليج.

زيارته للسعودية والخلافات بين العائلة المالكة

سامي كليب: فقط سؤال لو سمحت عن المملكة العربية السعودية، تقول في كتابك أنك شعرت في خلال إقامتك في المملكة العربية السعودية بوجود خلافات بين أهل العائلة المالكة، تحديداً بين بعض الأمراء، ما هي هذه الخلافات التي استنتجتها؟

بيار هنري بونيل: كان هناك خلاف قويٌ بين الأمير سلطان والأمير عبد الله، وقد لاحظنا وجود مشكلة عائلة بحيث فهمنا أن الأمير سلطان هو من سليل آل سعود، أما الأمير عبد الله فهو من سليل آخر من شُمَّر.

سامي كليب: ولكن كيف كنتم تلاحظون ذلك؟

بيار هنري بونيل: تعرضت الفرق الفرنسية لسلسلة من الاتهامات في ينبع، وكذلك كان الأمر بالنسبة للفرق التابعة للأمير سلطان، تفيد بأن الفرنسيين خرجوا من المنطقة المخصصة لهم في السعودية، وحين قمنا بإجراء تحقيقات حول الموضوع تبيَّن لنا أن الأمر لم يكن صحيحاً.

سامي كليب: هل تعتقد أن الأميركيين كانوا ضالعين في ذلك؟

بيار هنري بونيل: لا، وليس مباشرة على ما أظن، وما حدث هو أن الحرس الوطني التابع للأمير عبد الله وجَّه اتهامات باطلة للفرنسيين، ولكن ليس لإيذائهم مباشرة، بل لزرع فتنة داخل فرق الأمير سلطان (وزير الدفاع)، وقد تأكدنا من ذلك من خلال كولونيل في الشرطة العسكرية السعودية في ينبع، ولم تكن الاتهامات صحيحة هذه هي المسألة الأولى، وقد كان هناك شك بأن الفرق الفرنسية تذهب وحدها إلى المنطقة الخاضعة للشرطة العسكرية، بينما كان من المفترض ألا ينتقل رجالنا بدون شخص من الشرطة العسكرية، هذا أثار الشرطة التابعة للأمير عبد الله، وأظن أن الفرنسيين كانوا مخطئين بذلك، ولكنهم لم يتخطوا الحدود المرسومة لهم.

اتهامات بونيل للأميركيين بشن الحروب لمصالحهم المادية

سامي كليب: في كتابك "جرائم حرب في حلف شمال الأطلسي" تتهم مراراً الأميركيين بأنهم بسبب مصالحهم المالية في الواقع يحاولون أن يثيروا حروباً في العالم، هل من أمثلة محددة على ما حصل في هذه الناحية مثلاً في يوغسلافيا السابقة، حيث عملت أنت أيضاً في حلف شمال الأطلسي؟

بيار هنري بونيل: نعم، لقد استخدم الأميركيون أسلحة الدمار الشامل المغلفة بقنابل تقليدية في يوغسلافيا السابقة، وقصفوا المدن طول أحد عشر أسبوعاً دون مس المقاتلين الموجودين في كوسوفا، وغادر المقاتلين المكان دون التعرض لأي قصف.

عمَّ كان يبحث الأميركيون؟ كانوا يريدون تدمير أكبر قدر ممكن، وتزامن ذلك مع بداية ظهور العملة الأوروبية اليورو، الأمر الذي يبرهن أنهم شاءوا التخلص من الأسلحة التي بين أيديهم للتمكن من توقيع الاتفاقات العسكرية مع الروس، بحيث يسمح لهم التخلص من الأسلحة التي عندهم من تصنيع أسلحة جديدة، وكما تعلم فإن التخلص من قذيفة عبر رميها هناك لم يكن يكلف شيئاً، وأرادوا بعد يوغسلافيا متابعة الأمر نفسه في العراق للتخلص من القنابل التي بين أيديهم، ولسوء حظ العراق عام 1998 أخرج (ميلوسوفيتش) قواته من كوسوفو، وبقي لدى الأميركيين 419 قذيفة قاموا بعد ذلك برميها على العراق، كل هذه العملية تفسر أنه بكل بساطة كان على الأميركيين التخلص من كل هذه القذائف قبل الحادي والثلاثين من ديسمبر، ولم يكن بإمكانهم رميها كلها على يوغسلافيا، فأفرغوها على العراق، ولأنه كان يتوجب عليهم أن يتخلصوا من كل القذائف وتصنيع غيرها، قصفوا يوغسلافيا خلال أحد عشر أسبوعاً بما يفوق 800 قذيفة.

سامي كليب: أيضاً تتهم الولايات المتحدة الأميركية في هذا الكتاب أنهم باعوا أو أنها بالأحرى الولايات المتحدة باعت فرنسا أيضاً قنابل.. قنابل عنقودية، ولم تكن هذه القنابل صالحة 100%، هل ذلك صحيح؟

بيار هنري بونيل: نعم، هذا صحيح، هي القنابل العنقودية نفسها التي استخدمناها ضد العراق، والتي قتلت الأطفال العراقيين، رميناها على يوغسلافيا، والمشكلة تكمن في أننا اشترينا منهم كميات كبيرة من هذه القذائف، وبما أنه لم يكن من الممكن استخدامها على الصعيد البري تم استخدامها من الطائرات، ولكن المشكلة التي واجهتنا أنه لم يكن بالإمكان الهبوط ومعنا تلك القنابل، ولذلك فالقنابل التي لم ننجح في رميها على مواقع محددة ألقينا بها لاحقاً في البحر الإدرياتيكي، واليوم يتم استخراجها من قبل الصيادين.

اتهامه بالخيانة وسجنه في فرنسا

سامي كليب: كنت … أنك خرجت توك من السجن أيضاً هنا في فرنسا، سُجنت بتهمة الخيانة وفق الاتهام الرسمي أنك سلمت معلومات أو خطط حربية، وخرائط حرب تابعة لحلف شمال الأطلسي إلى الاستخبارات الصربية عام 98، أود أن تشرح لنا ما هذه القضية الضبط؟ لماذا اتهمت فعلاً؟ وهل أن الأميركيين وقفوا خلف هذا الاتهام، ولو باختصار لو سمحت؟

بيار هنري بونيل: قبل كل شيء لم يتهمني القضاء الفرنسي بأنني أعطيت خرائط حربية، بل لأني سلمت معلومات سرية كانت موجودة في وثيقة مطبوع منها 300 نسخة، إذاً لم تكن الوثيقة سرية تماماً نظراً لهذا العدد من الطبعات، أما لماذا تم توقيفي؟ فقد طلب مني جهاز فرنسي أن أقنع ميلوسوفيتش بإخراج قواته قبل الشتاء من كوسوفو، لأن قواته الخاصة كانت تخيف الكوسوفيين، وقد غادر خمسون ألفاً منهم على الأقل صوب الجبال، وكادوا يموتون من البرد إذا لم يعودوا إلى منازلهم قبل الشتاء، هذا كان موقف حلف شمال الأطلسي.

وحين طُلب مني ذلك فإن الأمر لم يشكِّل لي أية مشكلة، وصودف أن قابلت أحد الضباط، وظننته دبلوماسياً، فقلت ما قلته، وأعطيته معلومات صحيحة، وكان بإمكانه التأكد من صحتها، يبدو أن ميلوسوفيتش صدقه، لأنه في السابع عشر من أكتوبر خرجت قوات ميلوسوفيتش من كوسوفو، ولكن تلك القوات عادت فيما بعد، وفي كل الأحوال لم يكن حينها من الضروري أن نقصف كوسوفو ويوغسلافيا. هنا تمكن المسلمون من العودة إلى بيوتهم والبقاء فيها، وأعتقد أنها خطيئة لا تغتفر بأن تخرج مؤمناً من بيته، لذلك فإني لم أخن المسلمين بإعطاء تلك المعلومات للصربيين، ولم أخن الشعب الصربي الذي أحبه، وأكن له احتراماً كبيراً، ولا علاقة للشعب بحاكمه السياسي، أنا لم أخن أحداً، وقمت بما طلب مني القيام به.

سامي كليب: أنت ممنوع من مغادرة فرنسا طبعاً بسبب الملاحقة القضائية، لو سُمح لك بذلك لاحقاً، هل ستختار دولة عربية للعيش فيها، وما هي تلك الدولة؟

بيار هنري بونيل: لن أترك فرنسا لأي بلد آخر حتى ولو كان عربياً، ولكن زياراتي الأولى للدول العربية ستحصل فور توفر الظروف والمال، سأزور دمشق، ثم بيروت التي لا أعرفها، وعمان حيث تركت قطعة من قلبي، وبغداد إذا سمحوا لي بذلك، ثم بلجراد.

سامي كليب: ما الذي تشتاق إليه في تلك المنطقة؟

بيار هنري بونيل: روائح البهارات والزعتر الطازج، والحلويات وكتابات الأطفال الذين يلعبون في الشوارع، والمدارس العربية في سوريا والأردن، حيث نسمع النشيد الوطني الذي يفتخرون به، أو باختصار أنا أشتاق لبلد يشبه ما كانت عليه فرنسا، وما لم تعد فيه اليوم، بلاد ناسها مستقيمون ويحترمون كلمتهم، لاشك أن الفساد موجود في كل مكان، ولكنني التقيت في كل الدول بشعوب أشعر بأني قريب منها.

حين كان الفرنسيون يذهبون إلى الهند الصينية التي صارت فيتنام كانوا يصابون بما نسميه بالفيروس الأصفر، أي أنهم يتعلقون بالبلد، وأنا مصاب اليوم بالفيروس العربي.

سامي كليب: عند دمعته هذه توقف حديثنا مع الكولونيل بيار هنري بونيل، غادرته غارقاً بذكرى البهارات والزعتر الطازج والهوايات الشرقية، وأنا حائر بين أن أفكر بالرجل الذي أحبنا وتعلق بلغاتنا وعاداتنا، أم بالضابط الذي جاءنا مراقباً فتجسس على الجيوش والمجتمعات، لعله محق بالجانبين، فهو خدم بلاده، بينما نحن نترك بلادنا مشرَّعة، وفي هذا بعض محنتنا.