يوسف القرضاوي
الشريعة والحياة

تهذيب النفس

تناقش الحلقة كيفية اتخاذ الهوى إلها وسبل التحرر من سلطانه؟ وكيف يتم تهذيب النفس لمعالجة غرائزية الثأر والتشفي، وأمراض الشهرة والاستعلاء على الآخر.

– أنواع الأنفس وطرق تزكيتها
– أمراض النفوس وكيفية علاجها
– حساب النفس وتقوى القلوب
– صفات العلماء الأجلاء وحكم طلب الشهرة


عبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم إلى برنامج الشريعة والحياة، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكِيلاً} صدق الله العظيم، إن الخُلق الحسن من صفات المؤمنين وأعمال الصديقين وهو شطر الدين وثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين وكما قال الإمام الغزالي لا يخلو قلب من القلوب عن أسقام لو أهملت تراكمت وترادفت العلل وتظاهرت، فيحتاج العبد إلى تأنق في معرفة علمها وأسبابها ثم إلى تشمير في علاجها وإصلاحها، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} وأمراض النفوس كثيرة كأمراض الأبدان وعللها ومع اختلاف الأزمات أو الأزمان والثقافات طرأت تغيرات عديدة على بعض الأخلاق والقيم لدى المسلمين، فثمة أخلاق كانت بالأمس القريب من المذمومات في الثقافة الإسلامية، نجد كثيرا من المسلمين اليوم يتخلقون بها، فكيف يتخذ الهوى إله؟ وما هي سبل التحرر من سلطانه؟ وكيف يتم تهذيب النفس لمعالجة غرائزية الثأر والتشفي وأمراض الشهرة والاستعلاء على الآخرين؟ تهذيب النفس موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، أهلا بك فضيلة الشيخ..

يوسف القرضاوي – داعية ومفكر إسلامي: مرحبا بك أخ عبد الصمد..

أنواع الأنفس وطرق تزكيتها

عبد الصمد ناصر: مرحبا بك، لو بدأنا فضيلة الشيخ بقوله تعالى {ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا} ماذا نفهم من هذه الآية؟

"
في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب
"

يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد فلابد لمثل هذا البرنامج أن يدع في بعض الأحيان الفقهيات والأحكام والسياسة ومشكلات العالم الإسلامي والأمة الإسلامية ليدخل في أغوار النفس الإنسانية، من حق هذه النفس أن نهتم بها لأن بصلاحها يصلح الإنسان، هذه النفس تسمى أحيانا النفس، تسمى أحيانا القلب، تسمى أحيانا العقل، تسمى أحيانا الفؤاد، هي جوهر الإنسان "ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" هذا الكائن الباطني الذي هو حقيقة الإنسان.. حقيقة الإنسان ليست يعني هذه الأجهزة التي يشتمل عليها الجسم، الجهاز العظمي والجهاز الدموي والجهاز التنفسي والجهاز الهضمي والجهاز البولي والجهاز.. يعني وما تتركب فيه من أعضاء وخلايا، هذا الجسم عند الحيوانات بل ربما كانت بعض الحيوانات عندها جسم أضخم من جسمنا.. الثور يعني أو الجمل أو الفيل يعني ولذلك أهم ما يجب أن يهتم به الإنسان هو نفسه التي بين جنبيه كما قال الشاعر

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران أقبِر على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان الشاعر أبو الطيب المتنبي يقول

وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام

فيه نفوس كبيرة وفيه نفوس صغيرة فيه نفوس منحطة وفيه نفوس عالية وفيه نفوس كريمة وفيه نفوس لئيمة.. تتعدد النفوس، هذه النفس الإنسانية هي موضع الحديث في هذه الحلقة، كيف نهذب النفس؟ أنا كنت أفضل نقول كيف نزكي النفس، التزكية لعلها أقرب إلى الكلمات القرآنية كما ذكرت في المقدمة {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، القرآن يقول في الآية التي الآن سألت عنها في سورة الشمس تقول {ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا}، أقسم الله بعدة.. {وَالشَّمْسِ وضُحَاهَا والْقَمَرِ إذَا تَلاهَا والنَّهَارِ إذَا جَلاَّهَا واللَّيْلِ إذَا يَغْشَاهَا} السماء والأرض وبعدين قال {ونَفْسٍ ومَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} أقسم الله بهذه النفس وهو الذي سوى هذه النفس لأن الله هو خالق كل شيء ومسوي كل شيء وهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، سوى هذه النفس وجعلها مستعدة للخير والشر، للرشد وللغي، للهدي وللضلال {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا} حتى هنا قدم الفجور على التقوى، يعني يمكن لعل هذا فيه إشارة إلى أن النفس عندها استعداد لقبول الفجور أكثر من قبولها للتقوى وهذا ما جعل القرآن يقول {إنَّ الإنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} {إنَّ الإنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} {إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً} لو تُرك الإنسان وحده وترك لغرائزه يرتكب الموبقات حتى رأينا الإنسان في العصر الأول والعالم عبارة عن أسرة واحدة، أب وأم أو زوج وزوجة وأولادهما أدم وحواء وأولادهما، في هذه الحالة قتل الإنسان الشرير أخاه الطيب الخير بدون ذنب إلا أن هذا قدم قربان إلى الله فقبل وهذا لم يقبل، {قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ} وخوفه ووعظه وزجره فلم يزدجر {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ} هذا قبل أن يوجد مجتمع في الجماعة الاجتماعيين والجماعة علماء الجرائم يقول لك ده تأثير المجتمع، الإنسان ضحية المجتمع، الفرد دمية يحرك خيوطها المجتمع، ما فيش مجتمع لسه ما تكونش.. هي النفس الإنسانية فيها الشر وفيها الخير، فيها الفجور وفيها التقوى، هذا استسلم لنفسه وما فيها من استعداد للفجور فقتل أخاه ولذلك القرآن يقول بعد أن قال {َأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} إنما يفلح الإنسان.. الفلاح أن تدرك ما تحب وتسلم مما تكره، إذا زفرت بما تحبه وسلمت مما تكرهه أفلحت، في فلاح في الدنيا وفي فلاح في الآخرة، في ناس كل مهمتها إنه يفلح في دنياه يقول ده لك رجل ناجح حقق أهدافه في الحياة يعني من الناحية المادية، إنما من ناحية السكينة النفسية من ناحية السعادة الروحية من الناحية الأخلاقية من ناحية رضا الناس حتى عنه من حوله أو كذا.. لا يبالي بهذا، إنما الفلاح الحقيقي يشمل فلاح الدنيا وفلاح الآخرة {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (14) وذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} هنا يقول {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} من قام بالتزكية.. التزكية كلمة في اللغة العربية لها معنيان معنى الطهارة ومعنى النماء، الزكاة مأخوذة من كلمة زكا يزكوا زكاة، زكا أي طهر ونمى، أحيانا يقال عنها طهر وقد نمى وقد تجمع الأمرين زي الزكاة الإسلامية الفريضة الإسلامية الركن الثالث من أركان الإسلام هي طهارة ونماء، فالإنسان إذا أراد أن يزكي نفسه عليه يطهر نفسه أولا وينميها ثانيا كما يقول الصوفية في تخلية وفي تحلية، يخليها من الشرك ويحليها بالتوحيد، يخليها من النفاق ويحليها بالإيمان، يخليها من الرذائل ويحليها من الفضائل، فالتزكية عمل طويل النفس ليس مجرد كلام ده منهج طويل على الإنسان أن يتبعه، من زكا نفسه فقد أفلح في الدنيا وأفلح في الآخرة..

عبد الصمد ناصر: طيب الإمام أبو حامد الغزالي قال عن الناس.. تحدث عن الناس بالقول حسن الخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل وكمال الحكمة وإلى اعتدال قوة الغضب والشهوة، هنا السؤال فضيلة الشيخ أليست هذه مسائل فطرية من الله ولا دخل للإنسان فيها أم أن الأمر مختلف؟

"
إذا استعمل الإنسان قوته العقلية في ضبط غرائزه الشهوية والغضبية استطاع أن يرتقي إلى أفق مثل أفق الملائكة وربما سما على الملائكة
"

يوسف القرضاوي: لا هو الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان ثلاث قوى، قوة الشهوة.. القوة الشهوية، شهوة البطن وشهوة الفرج وهناك شهوات أخرى يعني شهوة الظهور شهوة كذا وهناك القوة الغضبية، قوة الغضب.. الإنسان حينما يغضب لا يبالي، يشتم، يسب، يقتل، يدمر، يعني ولذلك الإنسان في حالة إذا استسلم للقوة الشهوية يصبح أشبه ما يكون بالبهيمة التي تريد أن تشبع غرائزها وحسب وإذا استسلم للقوة الغضبية يصبح سبع مفترس، هناك قوة أخرى القوة العقلية، الإنسان ليس كالحيوان، الحيوان أعطي الغريزة فقط سواء كان غريزة الشهوة أو غريزة الغضب ولكن الله ميز الإنسان بأنه أعطاه العقل.. القوة العقلية، فإذا استعمل الإنسان قوته العقلية في ضبط غرائزه الشهوية والغضبية استطاع أن يرتقي إلى أفق ربما مثل أفق الملائكة وربما سما أحيانا على الملائكة، إذا صار عقله هو الذي يسير شهوته هو الذي يتحكم في غضبه، إنما إذا كان الأمر بالعكس أصبح الإنسان أسير شهوته، إذا اشتهى شيء يفعل ما يشاء، لا يبالي لا يقول حرام حلال.. يعني فضيلة رذيلة لائق غير لائق، هو يريد أن يحقق شهوته..

عبد الصمد ناصر: هنا يتخذ إلهه هواه..

يوسف القرضاوي: إلهه هواه وهنا يقول القرآن {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} هؤلاء الذين يتبعون أهوائهم ويركضون وراء شهواتهم..

عبد الصمد ناصر: تقودهم أهواهم وشهواتهم..

يوسف القرضاوي: يصبح كالأنعام بل أضل سبيلا، ليه أضل سبيلا من الأنعام ليه؟ لأن الأنعام لم تأت ما أوتي الإنسان..

عبد الصمد ناصر: من هذه القوة نعم..

يوسف القرضاوي: لم تأت العقل، لم تأت المواهب الروحية لم تأتى هذه الملكات لم يبعث لها رسول ولم ينزل عليها كتاب ومن ناحية أخرى الأنعام لم تتمرد على مهمتها في الحياة، أرأيت حمار تمرد على أن يُركب؟ أرأيت بقرة تمردت على أن تُحلب؟ الحيوانات تؤدي مهماتها، فهؤلاء أصبحوا شرا من الحيوانات والأنعام بل أضل سبيلا..

عبد الصمد ناصر: والمصيبة أكثر حينما يعجب المرء بنفسه فضيلة الشيخ وتعمى بصره عن رؤية عيوبه، هنا السؤال فضيلة الشيخ يعني كيف يمكن لهذا الإنسان مسلم كان أو غير مسلم أن يجعل بينه وبين نفسه مسافة تمكنه من رؤية عيوبه؟ كيف يمكن أن ينفصل عن ما يسمى بنرجسيته يدرك عيوبه؟

يوسف القرضاوي: هو من التذكية المطلوبة {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} تزكية فيها مراحل وخطوات متدرجة ومنهج طويل، من هذا المنهج الطويل إن تخلى الإنسان عن عبادة نفسه ومعنى اتخذ إلهه هواه يعني عبد نفسه، يعني هذه وثنية جديدة، الإسلام جاء ليخضع الوثنيات ولكن ممكن تخضع وثنية الحجر وتبقى وثنية البشر، هناك من يعبد ذاته، كثير من الناس.. هو معنى اتخذ إلهه هواه {وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} هذا أحياناً يصبح هذا الإنسان شيطاناً أو شراً من الشيطان، يصبح من المفسدين في الأرض، من المستكبرين في الأرض خصوصاً إذا أتي القوة، إنما الإنسان المؤمن الذي يريد أن يقف مع نفسه وقفات ليسمو بها في واحد بيهبط بنفسه كما قال تعالى {ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} {واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ (175) ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} بالآيات {ولَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ} بدل ما يعلو هبط إلى الأرض، فالإنسان لأنه فيه يعني قبضة من الطين ونفخة من الروح، قبضة من الطين يعني من الأرض من أسفل فهذه القبضة الطينية تنزع به إلى الأسفل، الشهوات والغرائز تنزل به..

عبد الصمد ناصر: بينما الروح..

يوسف القرضاوي: إنما الروح المفروض تعلو به {ولَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ}..

عبد الصمد ناصر: إن الروح هنا قوة، النفس تستمد قوتها من الروح.

يوسف القرضاوي: طبعاً الجزء الروحاني الرباني السماوي الذي أودعه الله هذا الإنسان وبسببه يعني استحق التكريم، يقول {سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}، نفخة الروح هي اللي جعلتهم الملائكة تسجد لهم مش الطين ولا الحمأ المسنون ولا الصلصال ولا هذا الشيء، فالإنسان عليه أن يقف مع نفسه، ينظر إليها، يفتش عن عيوبها، فيه كثير من الناس كل همه أن يبحث عن عيوب الآخرين وينسى عيوب نفسه، عندنا من الآثار طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، لازم الإنسان.. وورد عن المسيح إن أحدكم ينظر القذى في عين أخيه ولا ينظر الخشبة في عينه، الشيء يشوف عيوب الآخرين اللي تحتاج إلى يعني منظار معظم حتى يراها شايفها تمام وهو عيوبه ما شاء الله ضخمة يراها الناس من بعيد وهو في غفلة عنها.. في عمى عنها، التفتيش عن عيب النفس دائماً وهذا شان المؤمنين دائماً، أول ما يبحث يبحث عن نفسه ويعتقد نفسه أقل الناس، الآخر.. من المعجبون بأنفسهم، يرى النفس أفضل من الآخرين، أذكى منهم، أنبغ منهم، أكثر مالاً منهم، أكثر مركزاً اجتماعياً منهم، هو أفضل من الآخر.. لا المؤمن لا يرى هذا، يرى نفسه دائماً مقصراً في حقوق الناس، مفرطاً في جنب الله مهما فعل يقول أنا..

عبد الصمد ناصر: لأنه نفسه لوامة.

يوسف القرضاوي: آه هو هذا، انتقلت النفس من مرتبة إلى مرتبة لأن النفس أصلها إذا تُركت لحالها أماّرة بالسوء كما قالت امرأة العزيز {لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ(52) ومَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي} بعض الناس بيقولوا نزل سيدنا يوسف إنما السياق يقول إن الكلام سيدنا يوسف انقطع وهذا كلام امرأة العزيز لأن كان بوادر الإيمان عندها.. {إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي} النفس الأمارة بالسوء ممكن بالمجاهدة وبالرياضة، مش الأجسام تراض، مش في رياضة جسمية، واحد يروض جسمه لكي يصبح بطلاً من أبطال حمل الأثقال..

عبد الصمد ناصر: هنا رياضة النفس.

يوسف القرضاوي: جاء نتيجة رياضة، يعمل تدريبات وينتقل مش في الأول يشيل خمسين كيلو وبعدين مائة ومش عارف مائة وخمسين ومائتين وبعدين يقول لك مائتين وخمسين كيلو ضرب الرقم القياسي في العالم، دية نتيجة.. كما أن الأجسام تراض وتقوى بالرياضة وتنتقل من مرحلة إلى مرحلة من الضعف إلى القوة إلى قوة أقوى، كذلك النفس الإنسانية تحتاج إلى رياضة، يسميها القرآن المجاهدة الله تعالى يقول {والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ}..

عبد الصمد ناصر: طيب فضيلة الشيخ قبل قليل.. عفوا للمقاطعة، تحدثت عن الغفلة والمتصوفة يتحدثون عن الغفلة كما يتحدث القرآن الكريم عن قوم {رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} هنا السؤال، الكثيرون لا يعيون أنهم في غفلة وقد يستنكرون عليك أنك تصفهم أحيانا بالغافلين، مما تحصل الغفلة وكيف يمكن أن يشعر به المرء ويتجاوز هذه الحالة؟

يوسف القرضاوي: الغفلة أن يستغرق الإنسان في حب ذاته أو في حب الدنيا، حب الذات، يدور حول نفسه، هو صنم بيعبد هذا الصنم أو حول الدنيا.. الدنيا وشهواتها وما فيها من مال وما فيها من نساء وما فيها من متع وما فيها وتختلف يعني تطلعات الناس، فيه واحد همه أنه مثلا يجمع أكبر كمية من المال وواحد همه أن يتمتع بأكبر كمية من النساء وواحد همه شرب الخمر وواحد هم.. هذه الدنيا، من يعيش للدنيا يغفل عن أهم شيء يغفل عن أعظم قضية في الوجود اللي هي القضية المصيرية، أعظم قضية مصيرية هي إيه؟ قضية الآخرة، إننا لسنا في هذه الدنيا مخلدين، كلنا خارجون، سنترك هذه الدنيا ولو أن إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي ولكن إذا متنا بُعثنا فُنسأل بعدها عن كل شيء، يا ريت بقى نموت ونستريح إنما لا.. ده بعد الموت فيه بعث وبعد البعث فيه حشر وبعد الحشر فيه حساب وبعد الحساب فيه ثواب أو عقاب، جنة أو نار، الناس غافلون عن هذا، القرآن يقول {ولَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ والإنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ولَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا ولَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا} كل الأدوات التي أعطاها الله الإنسان ليعرف بها ليتطلع بها إلى الأفاق من حوله ليعرف نفسه ويعرف العالم وبهذا يعرف ربه لأن من عرف نفسه عرف ربه {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ} إنما كيف يعرف هذا وهو قد حطم دمر الأجهزة التي يمكن بها أن يطلع بها على الحقائق ويعرف بها الواقع، فلذلك قال {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} لا ينتفع بقلب ولا ينتفع ببصره ولا ينتفع بسمعه، عطل هذه..

عبد الصمد ناصر: ولكن هذه.. عفوا..

يوسف القرضاوي: ثم قال {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ}.

أمراض النفوس وكيفية علاجها

عبد الصمد ناصر: هذه الأجهزة فضيلة الشيخ لا تُدمر وإنما تُعطل ويمكن أن يصلح العطل، هنا نسأل كما تمرض الأبدان تمرض النفوس ولكل حالة ربما لها علاجها الخاص، لا يمكن أن نعمم العلاج على كل الأمراض، أسأل هنا هل هناك قاعدة عامة لمعالجة أمراض النفوس قبل أن نخوض في علاج كل مرض؟

يوسف القرضاوي: طبعا أمراض النفوس أشد خطرا وأبعد أثرا من أمراض الأبدان، أمراض الأبدان..

عبد الصمد ناصر: وقد تمرض الأبدان بفعل مرض النفوس..

"
المعاصي نوعان: معاصي جوارح ومعاصي قلوب، فمعصية آدم عليه السلام كانت معصية جوارح لأنه أكل من الشجرة وهي معصية ظاهرة، أما معصية إبليس فهي معصية باطنة فهو أبى واستكبر
"

يوسف القرضاوي: أحيانا، فكثير من الناس مرضى بسبب شرب الخمر، بسبب تناول المخدرات، بسبب الزنا، بسبب ارتكاب الموبقات يمرضون أمراضا عضوية، إنما أنا أقول أمراض النفوس، أمراض القلوب، هذه هي أخطر الأمراض وهي السبب في معاصي القلوب، العلماء يقسّمون المعاصي إلى نوعين؛ معاصي جوارح ومعاصي قلوب، قالوا أن معصية آدم عليه السلام أول معصية للبشر كانت معصية جارحة لأنه أكل من الشجرة، اشتهت نفسه يأكل من الشجرة.. هذه معصية ظاهرة، على حين كانت معصية إبليس معصية باطنة، مش معصية جوارح.. أبى واستكبر، { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} شوف تحدي لله الذي خلق.. خلقتني، يعني عارف أنه هو خلقه هو خالقه ومع هذا يتحداه ويرفض الأمر، فرق بين الواحد يعصي الأمر نتيجة الضعف والقرآن يقول {ولَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} ما تذكرش النهي الإلهي حينما يعني الشهوة اشتدت عليه نسي إنه ربنا قاله {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} ومن ناحية أخرى {لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} ضعف العزم، المعاصي الظاهرة عادة تأتي من نسيان الأمر ومن ضعف العزم، إنما المشاكل الأمراض النفسية والأمراض القلوب الأخرى الخطرة التي يمكن أن تأخذ بالإنسان إلى {سَقَرُ (26) ومَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} هي أمراض النفاق، أمراض الكبر، أمراض الحسد البغضاء والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، الرياء حب الجاه..

عبد الصمد ناصر: التشفي والانتقام..

يوسف القرضاوي: حب الدنيا، العُجب، الغرور، كل هذه الأمراض الخطرة..

عبد الصمد ناصر: على كل حال نحن سنعود إلى هذه الأمراض ولكن سنتقي بعضها وهي التي تكاد تكون منتشرة بين الناس لنقف على بعض طرق العلاج التي تصلح لعلاج هذه الأمراض فضيلة الشيخ نعود إلى هذه النقطة بعد أن نأخذ فاصل ونعود إليكم مشاهدينا الكرام فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

عبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم إلى برنامج الشريعة والحياة مرة أخرى في هذا الجزء من البرنامج الذي نخصصه لتهذيب النفوس أو لتزكية النفس كما قال فضيلة الشيخ، فضيلة الشيخ تحدثنا قبل قليل عن هذه الأمراض التي قد تصيب الإنسان.. تصيب النفوس ونحن نعلم أن الإنسان إذا لم يتدارك نفسه ويعي ويشعر فعلا أنه مريض ويهب لإنقاذ نفسه قد يهلك في الدنيا وفي الآخرة، هنا نسأل في ضوء الآية الكريمة {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} ما هي وسائل التغيير المطلوبة هنا لما بالأنفس لأن الكثير من الأشخاص لديهم رغبة في أن يغيروا ما بأنفسهم ولكن لا يعرفون السبيل كيف؟

يوسف القرضاوي: التغيير له مناهجه وأساليبه، أي تغيير.. عايز واحد يغير شيء بالكلام؟ لا التغيير بالعمل والعمل مع النفس يحتاج إلى..

عبد الصمد ناصر: مجاهدة..

يوسف القرضاوي: قوة لأن بناء الإنسان أشد من بناء الأبراج والعمارات والسدود وهذه الأشياء..

عبد الصمد ناصر: الجهاد الأكبر تزكية النفس..

يوسف القرضاوي: تغيير الإنسان، تقدر تغير في الطبيعة، الناس اخترقوا الجبال وعملوا فيها أنفاق وعملوا فيها كذا وعملوا الأنفاق في البحار وعملوا أشياء هائلة في الكون، ردموا البحار.. يعني ولكن تغيير الإنسان، النفس الإنسانية أخطر شيء وأصعب شيء ولذلك لابد أن نعد له العدة، من هذه العدد المعرفة.. العلم حتى يكون الإنسان على بصيرة، يعرف نفسه جيدا، اعرف نفسك، قالوا إنه كان فلسفة سقراط تقوم على هذه الكلمة.. اعرف نفسك، وجدها مكتوبة على أحد المعابد القديمة واتخذها شعارا له.. اعرف نفسك والإسلام يقول أعرف نفسك فعلا حقيقة المعرفة العلم، قبل العبادة العلم لأنك لو تعبدت على غير علم لا تقبل عبادتك، اعرف أن هذه النفس قابلة لأن تتزكى مهما أصابها ما أصابها لأن الإنسان خلقه كما قلنا قبل ذلك {إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِراً وإمَّا كَفُوراً} {وهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} الطريقين طريق الخير وطريق.. فأنت حاول أنك تأخذ نفسك من نجد الشر إلى نجد الخير، من سبيل الكفر إلى سبيل الشكر.

عبد الصمد ناصر: ويصبر..

يوسف القرضاوي: يصبر، أول حاجة يعرف وثاني الشيء الإرادة اللي هي يمثلها كلمة الصبر، الإرادة الصبر، الملول.. الإنسان الذي يمل يمشي خطوتين وبعدين يعني يسأم ويمل.. لا، كما قال الله تعالى {رَبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ومَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ واصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} اصطبر لعبادته {وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا} لابد من الصبر {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ والصَّلاةِ} فلابد من قوة الإرادة التي تتمثل في الصبر، لابد للإنسان أيضا أن يستعين بالصالحين، أن يضع نفسه في محيط أهل الخير..

عبد الصمد ناصر: أن يختار بيئة صالحة..

يوسف القرضاوي: البيئة الصالحة مهمة جدا، النبي عليه الصلاة والسلام ضرب لنا مثلا بحامل المسك ونافخ الكير، الجليس الصالح والجليس السوء، الجليس الصالح زي حامل المسك إذا يعني فوت من عليه.. يعني إذا جلست معه من غير حتى ما يديك رائحة الرائحة، إنما نافخ الكير.. الحداد، زي ما بيقولوا إن من جاور الحداد يبتلي بناره، القرآن يقول {ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا ويْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولاً} الواحد يتخذ خليله صديقه من أهل الخير حتى يدله على الله، حتى يحثه على سلوك طريق الآخرة..

عبد الصمد ناصر: ينصحه..

يوسف القرضاوي: حتى يبعده عن كل شر ويحببه في كل خير..

عبد الصمد ناصر: ويهديه..

يوسف القرضاوي: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المُتَّقِينَ} كل الأصحاب والأصدقاء يوم القيامة أعداء إلا أهل التقوى بعضهم لبعض.. لأن كل واحد يقول أنت اللي أضللتني أنت اللي عملتني، يكفروا بعضهم ببعض ويلعنوا بعضهم بعضا إلا المتقين، الواحد يحاول أن يجعل له أخوة من المتقين يساعدونه على الخير، هؤلاء يعني سيكونون قوة له إذا ضعف، سيذكرونه إذا نسي، سينبهونه إذا غفل، سيعملونه إذا جهل، سيقونه إذا ضعف، فهذا شيء.. اللي يعيش في صحبة الصالحين هم أيضا هيعرفوه عيوبه..

حساب النفس وتقوى القلوب

عبد الصمد ناصر: إذاً قوة الإرادة، الصبر، البيئة الصالحة ومعرفة النفس ما بها وما عليها، طيب فضيلة الشيخ هناك مشاركات أو أسئلة ربما من السادة المشاهدين، نسمع إلى بعضها ثم نستأنف نقاشنا، مهني عطابه من الجزائر تفضل..

مهني عطابه – الجزائر: ألو السلام عليكم ورحمة الله.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخ مهني تفضل..

مهني عطابه: كل عام وأنتم بخير ومشاهدين الجزيرة بخير.

عبد الصمد ناصر: كل عام وأنت بخير أخي تفضل..

مهني عطابه: تحية إلى الجزيرة وإلى فضيلة الشيخ دكتور يوسف القرضاوي الذي أحبه في الله وكل عام وهو بخير إن شاء الله..

عبد الصمد ناصر: بارك الله فيك تفضل أخ مهني لضيق الوقت تفضل يا أخي بالسؤال مباشرة من فضلك..

مهني عطابه: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه وهواه وتمنى على الله عز وجل" فضيلة الشيخ سؤالي هو كيف أعرف بأني من الصنف الذي يدين نفسه..

عبد الصمد ناصر: لو أعدت السؤال من فضلك كيف أعرف؟

مهني عطابه: كيف أعرف بأنني من الصنف الذي يدين نفسه والله عزة وجل يقول {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ}؟

عبد الصمد ناصر: طيب شكرا مهني، أم عبد الرحمن من السعودية.

أم عبد الرحمن – السعودية: السلام عليكم.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أم عبد الرحمن: من فضلك فضيلة الشيخ الكريم المفكر القرضاوي كل عام وأنتم بخير..

يوسف القرضاوي: وأنتي بالصحة والسلامة..

أم عبد الرحمن: الله يبارك فيك عند قراءتي لكتاب الله سبحانه وتعالى وجدت فيه فرق بين الروح وبين النفس وقمت بتفسير هذا الكلام عن طريق الهندسة الإنشائية في بحث للتفريق بين النفس الإنسانية والروح يعني..

عبد الصمد ناصر: تحدث عن ذلك فضيلة الشيخ قبل قليل..

أم عبد الرحمن: أيوه فأنا كنت أتمنى إن البحث ده يقرأه الشيخ القرضاوي كعالم مفكر، فهل ممكن الشيخ القرضاوي أعرف عنوانه اللي أرسل عليه البحث عشان أتناقش معه فيه لأني طلعت بنتائج..

يوسف القرضاوي: أرسلي على جامعة قطر..

أم عبد الرحمن: أفندم؟

يوسف القرضاوي: جامعة قطر صندوق بريد 2713.

أم عبد الرحمن: 2713 جامعة قطر؟

يوسف القرضاوي: نعم.

أم عبد الرحمن: بس كده؟

عبد الصمد ناصر: شكرا لكي أم عبد الرحمن، أبو بدر من السعودية.

أبو بدر – السعودية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أبو بدر: فضيلة الشيخ جزاك الله عنا خير وأدامك الله وأطال عمرك إن شاء الله.

يوسف القرضاوي: بارك الله فيك يا أخي.

أبو بدر: فضيلة الشيخ هي مداخلة بسيطة، مش بسيطة بالضبط يعني هي إن الآن الصراع الذي يدور هو سياسي وعكسوه أو جلبوه إلى مذهبي طائفي، فما هو السر؟ أعتقد إن السير الذي سيس المذاهب لصالح السياسة هو علماء في الظاهر وهم من الداخل منافقين، يبتغون عزة والعزة من السلطان وعلى ذلك يعملون بينما والعلماء الحقيقيين يطول الله في عمرك هم الذي يبتغوا الجاه والعزة من الله ولا يدخل في قلوبهم غل ولا أذى للآخرين..

عبد الصمد ناصر: السؤال أبو بدر؟

أبو بدر: السؤال طال عمرك، لماذا لا تحددوا صفات العلماء الأجلاء الذي يتحملوا مسؤوليتنا أمام الله حتى يعرف المنافقين وتحل القضايا؟

عبد الصمد ناصر: شكرا لك أبو بدر، هل لديك أي تعليق فضيلة الشيخ؟

يوسف القرضاوي: نعم.

عبد الصمد ناصر: هل لديك أي تعليق وباختصار.

يوسف القرضاوي: يعني الأخ اللي هو ذكر الحديث الذي رواه الترمزي "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" يعني مَن حاسب نفسه وحاكمها ولم يستسلم لها، هذا أمر مهم جدا وهذا يجب أن يجعل نفسه تصبح من النفس اللوامة..

عبد الصمد ناصر: قال هو كيف أعرف أنني من هذا الصنف؟

يوسف القرضاوي: هو الأخ ذكر كلمة جيدة يعني قال أنا مش عاوز أكون من الذين قال الله فيهم {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} إنما يعني بحسب الإنسان أن يبدأ في الطريق.. يمشي في الطريق ولا يظن إن هو أكمل الطريق، يعني هو ماشي في الطريق وعليه أن يستمر لا يأتي وقت ويقول أنا خلاص حاسبت نفسي وزكيتها وأصبحت نفسي 100%.. لا، لا يمكن أن يصل الإنسان إلى هذا لأنه مهما قدم الإنسان سيظل يشعر بالتقصير كما قال بن عطاء الله في حكمه ربما فعلت الطاعة أو ربما وفقك الله للطاعة وما وفقك للقبول وربما قدر عليك المعصية فكانت سبباً في الوصول، يفتح الله لك باب الطاعة ولا يفتح لك باب القبول وربما قدر عليك المعصية فكانت سبب في الوصول، معصية أورثت ذلاً وانكسار خير من طاعة أورثت عجباً واستكبار، المعصية اللي تنكد على الإنسان وتخليص يقول يا رب اغفر لي هذه المعصية خير من الطاعة اللي الإنسان يقول الحمد لله عملت كذا وعملت كذا وعملت كذا، ما يدريك أنها قُبلت؟ كان بعض الصالحين يبكي، قيل له ما يبكيك يا فلان؟ أنت اللي تصدقت وأنت اللي صمت وأنت اللي صليت وأنت اللي بذلت المال وأنت اللي عملت كذا، فيقول لهم وما يدريني أن شيئاً من هذا قد قبله الله مني والله تعالى يقول {إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} وما يدريني.. هو المتقين.. التقوى هنا، مش تقوى بالمظهر إن لحيته طويلة أو ثوبي قصير.. لا، التقوى تقوى القلوب فلذلك يظل الإنسان خائفاً راضياً كما قال الله تعالى {يَحْذَرُ الآخِرَةَ ويَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} الحذر والرجاء دائماً.. هذا شأن الإنسان المؤمن يسير على هذين النهجين نهج الرجاء في رحمة الله ونهج الخوف من عذاب الله عز وجل.

صفات العلماء الأجلاء
وحكم طلب الشهرة

عبد الصمد ناصر: بالنسبة للأخ الذي سأل أبو بدر ولو أنه خارج إطار حلقة اليوم يسأل عن العلماء وكيف تحدث..

يوسف القرضاوي: لا هو يعني هذا يتصل بحلقة اليوم إن كثير من مشاكلنا السياسية وكثير من مشاكلنا الاجتماعية وكثير من هذه المشكلات العامة إذا حللتها تحليلاً دقيقاً ترجع إلى أسباب نفسية، ترجع إلى عوامل نفسية أمراض نفسية أمراض القلوب، هؤلاء العلماء الذين.. هؤلاء مصابين بأمراض القلوب، كان الإمام الغزالي يسميهم علماء الدنيا حتى يمكن عالم في الفقه يقول لا هؤلاء علماء الدنيا مش علماء الدين ويقول يا أيها العلماء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد، فالمشكلة أيضاً عند هؤلاء هي مشكلة أمراض القلوب، فإذا أردنا إننا نصلح العلماء ونصلح الساسة نصلح قلوب الناس، إذا أردنا أن نغير المجتمع نغير من الأنفس..

عبد الصمد ناصر: المشكلة حينما يصبح العلم وسيلة لطلب الرزق فقط.

يوسف القرضاوي: إحساناً طلب الرزق وطلب الجاه، خذ من أهل السلطان كما يقول الأخ.. بيقول صفات العلماء الأخ.. صفات العلماء ذكرناها جعلناها شعاراً لنا، قِسْ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، اتخذنا شعار هذا الاتحاد قول الله تعالى {الَذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ ويَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أَحَداً إلاَّ اللَّهَ} هؤلاء هم علماء الآخرة الذين يرجون الله وحده ويخافون الله وحده ولا يخافون من زيد ولا من عمرو ولا يرجون ما عند فلان ولا علان، ثلاث صفات.. يبلغون رسالات الله، لا يكتمون ما أنزل الله، يقولون الحق، لا يبالون، لا يخافون في الله يوم تلاقي تبليغ الرسالة، الخشية من الله والخشية هي أساس التقوى قال النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى صدره وقال "التقوى ها هنا التقوى ها هنا التقوى ها هنا" التقوى هنا يعني إيه؟ خشية الله، هي اللي تدعوك إلى عمل الصالحات وإلى اجتناب السيئات وإلى أداء الفرض وإلى اجتناب المحارم، كل هذا.. الخشية، الأمر الثالث ولا يخشون أحداً إلا الله، لا يخشون حاكماً، لا يخشون صاحب سلطة، لا يخشون صاحب ثروة، لا يخشى أحداً إلا الله هؤلاء هم العلماء الذين {الَذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ ويَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أَحَداً إلاَّ اللَّهَ وكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً}.

عبد الصمد ناصر: كم عددهم في هذا الزمان فضيلة الشيخ للأسف؟

يوسف القرضاوي: نعم.

عبد الصمد ناصر: كم عددهم في هذا الزمان للأسف أصبحنا نسمع عن علماء السلاطين الذين يذكون..

يوسف القرضاوي: والله في موجود لا يزال الخير قائماً "ولا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" وفيه ناس ليسوا يعني من أهل الأضواء، لا يأتون للتلفزيونات ولا.. من الأتقياء الأخفياء كما جاء في الحديث "الذين إذا حضروا لم يُعرفوا وإذا غابوا لم يُفتقدوا".

عبد الصمد ناصر: هناك مشارك ينتظر على الهاتف منذ وقت ليس قليل سامي الهجرسي من ألمانيا، أخ سامي تفضل وباختصار من فضلك.

سامي الهجرسي – ألمانيا: السلام عليكم فضيلة الدكتور.

يوسف القرضاوي: عليكم السلام ويا أخي ورحمة الله.

عبد الصمد ناصر: سلام ورحمة الله وبركاته تفضل سامي.

سامي الهجرسي: مسجد النور في مدينة ماينتس الألمانية يحيي حضرتك، سؤالي إن شاء الله..

يوسف القرضاوي: حياك الله.

سامي الهجرسي: سؤالي إن شاء الله ونتمنى أن إحنا نشوف حضرتك في ألمانيا قريبا.. السؤال إن شاء الله هل الكره في الله هو مرض من أمراض القلوب؟ وكيف يستطيع الإنسان يعني أن يحاول أن يتخلص من هذا ولكن إذا كان يعني كرها في الله فهل هو مرض أم هو حالة طبيعية؟ وجزاكم الله كل خير.

عبد الصمد ناصر: واضحة الفكرة سامي فضيلة الشيخ.

يوسف القرضاوي: لا البغض في الله أو الكره في الله..

عبد الصمد ناصر: البغض في الله أو الحب في الله..

يوسف القرضاوي: هذا من عرى الإيمان كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" ويقول "من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان"، أبغض لله يعني إيه يبغض الأشرار، يبغض الفجار، يبغض الذين يؤذون الناس ويستكبرون في الأرض بغير حق ويهلكون الحرث والنسل، هؤلاء كيف تحبهم؟ أنت تكرههم ولكن لا تكرههم لمصلحة عندك ولا لغرض شخصي، أنت بتكرههم للشر الذي يصيب الناس من ورائهم، فهذا هو البغض في الله ومثل هذا الحب في الله.. تحب الناس لما يقدمونه من خير للبشرية، لما يقدمونه من مساعدة للضعفاء، لما يقدمونه يعلمون الجاهل، يطمعون الجائع، يكسون العريان، يقومون على خير الناس تحبهم من أجل ذلك فهذا الحب في الله والبغض في الله هذا ليس مرض لا.

عبد الصمد ناصر: نعم هناك نقطة فضيلة الشيخ لا نريد أن نمر عليها دون أن نتوقف عندها، نحن نعرف في الثقافة الإسلامية ما يقال أن طلب الشهرة مذموم، لكن المشكلة نحن في أيامنا هذه هناك ثقافة أخرى تمجد الشهرة وتحث على طلبها وطلب الانتشار وغير ذلك، ما هو الموقف الشرعي الحقيقي الواضح من مسألة طلب الشهرة؟

يوسف القرضاوي: المؤمن الحقيقي لا يركض وراء الشهرة، ممكن هو يحاول الاختفاء والشهرة تأتيه، يعني هو..

عبد الصمد ناصر: نعم صحيح كالعالم الذي يقضي وقته في طلب العلم..

يوسف القرضاوي: الأئمة الأربعة مثلا هم جروا وراء الشهرة؟ الخلفاء الأربعة الصحابة الكبار هؤلاء مثال أبو عبيدة بن الجراح وقادة خالد بن الوليد، خالد بن الوليد اشتغل أميرا.. عُزل اشتغل جندي مع الأمير، لم يثر فتنة لأنه يعمل لله، إن وضع في الساقة كان في الساقة وإن وضع في المؤخرة كان في المؤخرة، يعني هذا الإنسان المؤمن وكما جاء في الحديث يعني سيدنا معاذ بن جبل كان يبكي عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فرآه عمر، قال له ما الذي يبكيك؟ قال له حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن اليسير من الرياء شرك وإن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء" بنسميهم في عصرنا الجنود المجهولين، يبني من غير ما يظهر، خفي الأساس عن العيون تواضعا من بعد ما رفع البناء مشيدا، الأتقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يُعرفوا وإذا غابوا لم يُفتقدوا قلوبهم مصابيح الهدى ينجون من كل غبراء مظلمة، لا ينبغي أن إحنا نستسلم لأمراض الحضارة الوافدة علينا ويكون همنا كله الشهرة الأضواء ولا نبالي بشيء آخر.. لا هذا مرض.

عبد الصمد ناصر: طيب فضيلة الشيخ هذا مرض ولكن المشكلة كما قلت قبل قليل هناك أشخاص لم يطلبوا الشهرة لم يجروا ورائها ولكن هي التي طلبتهم كيف يتعاملون إذا مع الأمر؟

يوسف القرضاوي: هؤلاء لا خطر عليهم، مادام..

عبد الصمد ناصر: كيف يحصنون أنفسهم من مرض الشهرة؟

يوسف القرضاوي: يعني يحصنون أنفسهم بحيث لا يغره يعني مدح المداحين ولا إطراء المطرئين..

عبد الصمد ناصر: ولا أضواء الإعلام..

يوسف القرضاوي: لأن بعض الناس أنتفخ ولا.. لابد دائما يظهر ينظر لنفسه أن الله هو الذي وفقه وأن الله الذي هو جعل له هذه الشهرة أو ضع حبه في قلوب الناس أو كذا، يكون دائما يعلم أن هذا من الله عز وجل، أما هو فهو عبد مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، إذا عرف نفسه بهذه الصورة لن يضره الشهرة ولن يضره المجد ولن يضره مدح المادحين مادام هو مع الله ومادام الله معه.

عبد الصمد ناصر: طيب حين يعتقد الشخص أنه.. أحيانا أنه خير من يقوم بهذا العمل أو خير من يتحدث في هذا الموضوع أو خير من هو مختص في هذا المجال هل يدخل هذا في العُجب المنهي عنه؟ وباختصار فضيلة الشيخ باختصار.

يوسف القرضاوي: لا إذا كان يعرف أنه هو يقوم بهذا العمل وحتى يقدم نفسه أنا أقدر أقوم بهذا أنا عندي خبرة في زي سيدنا يوسف حينما قال ملك مصر {إنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} لك مكانة ومقام عندنا {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} أنا حفيظ ويعني أمين، أحفظ الأشياء ولا أفرط فيها وعليم عندي خبرة بهذه الأمور الإدارية والاقتصادية والمالية {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ} مدح نفسه أهو إنما مدح نفسه ليعرف الآخرين حتى يستطيع أن يقوم بالدور الذي لا يستطيع غيره أن يقوم به، فإذا كان الأمر يتطلب مثل هذا يقول ولا يعد الحق.. لا يبالغ، هذا شأن الإنسان المؤمن.

عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ بارك الله فيك، على كل حال الحديث ربما يقتضي المزيد يقتضي المتابعة في حلقة أخرى أو حلقات أخرى لربما، بارك الله فيك وشكرا لك وفي الختام لكم مشاهدينا الكرام تحيات منصور الطلافيح في الإخراج ومعتز الخطيب في الإعداد ومني عبد الصمد ناصر وباقي الطاقم الفني، شكرا وإلى اللقاء بحول الله.