شيء من التاريخ

موريتانيا.. نشأة الدولة

ما هي الظروف التي حفت بنشأة الجمهورية الإسلامية الموريتانية؟ وما طبيعة العداء الذي واجهته النخبة الموريتانية من قبل الأنظمة المجاورة؟

undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined
undefined

– استقلال موريتانيا ومعوقات قيام الدولة
– تولي ولد داده أول رئاسة في موريتانيا

– موقف فرنسا والدول المجاورة من نشأة موريتانيا

– الانقلاب ضد ولد داده وتداعياته

أسعد طه: كان من العسير أن يقوم كبلد بمقاييس التاريخ والجغرافيا والسياسة، وعندما قام ترصدته النوائب وأنكر عليه جيرانه الاستقلال والسيادة.

السلام عليكم.

مَرَّ حتى الآن أكثر من نصف قرن على نشأة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وخلال هذه الحقبة أدركت قبائل عديدة كانت تفتتها الصراعات وتفكك أواصرها أن الاستقلال واستنباط أنماط للتعايش أرحم من الاستعمار الفرنسي والتناحر الداخلي.

وخلال ستين عاماً أصبح المجتمع القائم على البداوة يحتكم إلى مبادئ دستور حديث ومجالس منتخبة، وهنا تكمن خصوصية أول جمهورية إسلامية في الوطن العربي، وهي المزاوجة بين الهياكل القديمة ذات الأساس القبائلي العشائري وبين مؤسسات الدولة الحديثة. لم يكن هذا التنافر الميزة الوحيدة لقيام الدولة الموريتانية، بل إن المحيط الدولي والعوامل الخارجية جعلت من ذلك أمراً بالغ الصعوبة، من أطروحات "حزب الاستقلال المغربي" الذي يرى في موريتانيا كياناً مصطنعاً لا جذور له، إلى السنغال الذي بدأ يرى بأن موريتانيا ليست إفريقية بجغرافيتها فحسب بل وبثقافتها أيضاً، مروراً بالجزائر التي شكلت موريتانيا في وقت ما ورقةً مهمةً في حساباتها الاستراتيجية في المنطقة.

إذن وسط محيط إقليمي شديد العداء ووسط تقلبات داخلية ما انفكت تشدها إلى الخلف كان على النخب الموريتانية أن تدرك معوقات قيام الدولة حتى تتجاوزها. على أن العودة إلى حقبة قيام الدولة الموريتانية بشكلها الحالي لا تخلو من التناقض في رواية ما حف بالتحرك الوطني من أجل الاستقلال، ثم بالنخبة التي تسلمت مقاليد الحكم. ومهما يكن من أمر فإن الموريتانيين ممن شهدوا الاستقلال أوائل الستينات لا يذكرون هذه الحقبة كما تذكرها سائر الشعوب التي عرفت الاحتلال.


استقلال موريتانيا ومعوقات قيام الدولة

شاهد عيان (1): كانت الناس تتحدث عن هاي الاستقلال والعاصمة وهو أن الإدارة ولا ندري ما أي إدارة ستتحول من (سان لوي) والسنغالية إلى نواكشوط، ومفهومنا للاستقلال آنذاك أنه سيجري حدث هام لكنا لا نعرف معناه بالضبط ولا نعرف ماذا سيكون ولا ماذا سيجري.

شاهد عيان (2): اليوم اللي قبل الاستقلال جينا صباحاً من (سيبي) وبدأت التحضريات وفي ذاك الوقت وصلت وفود، وفود يعني الشخصيات الوطنية من داخل البلد، تواجدت كلها في نواكشوط والمدعوين الأجانب، وكان اليوم قبل استقلالها تحضير، ولما كان انتصاف الليل أتذكر أن أعلن الاستقلال.

شاهد عيان (3): مساء 27 بدأت الاحتفالات وجرت.. وجرت مراسم الاستقلال في.. في كوخ جدرانه من الأسمنت، وسقفه الذي يلي الناس من قماش أخضر حريري معصأ من لون العلم الوطني وبألوان أخرى صفراء. أما عن 28 نوفمبر فقد عشته في نواكشوط قادماً من أجل نفس الغرض من مدينة (سان لوي) السنغال قادماً في موكب من السيارات أعتقد أن الحكومة الموريتانية استعارته آنذاك، ومن سيارات D.S خصوصاً، استعارته آنذاك لتنظيم الاحتفال في نواكشوط. ولم يكن هناك طريق مُعبد من (سان لوي) إلى نواكشوط.

شاهد (1): أتذكر أن مسؤولاً كبيراً جاء إلى نواكشوط، وكنا نقول أنه يبحث عن مكان سيجعل فيه مدينة، وهذه المدينة علمت بعده أنها ستكون العاصمة، لأن سنتان قبل ذلك لم يكن هناك شيء في نواكشوط يسمى مدينة، كانت هناك قرية صغيرة، كل دورها من التبن، لا أذكر أن هناك بيتاً من الأسمنت، لأني كنت أسكن في دار (ترجمان) وكان يجب أن تكون من أرقى المنازل، قلت لك أنها بيتين من التبن البسيط حتى دار الحاكم الفرنسي آنذاك، وأنا لأني كنت أسكن في دار الترجمان أتذكر جميع الموظفين الذين كانوا يحيطون بالإدارة الفرنسية وأسماءهم حتى الآن، وكانت الناس في البادية –آنذاك- يتحدثون عن هاي الأمل العظيم الذين لهم صلات بالإدارة تراجم.. عندهم تراجم أو موظفين أو مدرسين يفهمون..، أما الناس الذين يعيشون في الأرياف لا يفهمون شيئاً عن هذا.

أسعد طه: يبدو أن دهشة الموريتانيين أمام قيام دولتهم لا تستند في الواقع إلى حقيقة أن الاستعمار الفرنسي كان مهيمناً على المجتمع هيمنة تامة كما هو الحال في مستعمراته الأخرى، بل إلى غرابة هذا المفهوم الدخيل وهو "الدولة المستقلة" على مجتمع بدوي تنتظم حول القبيلة والعشيرة، وهذا ما يجمع عليه مختلف الباحثين والمهتمين بشؤون هذه البقعة من العالم.

أحمد بابا مسكي (مثقف وجامعي موريتاني): موريتانيا يعني طبعً تتكون من قبائل، لكن أيضاً من طبقات، القبائل نفسها كانت طبقات كل قبيلة كانت طبقة إلى حد ما، والطبقات القائدة كانت.. للمجتمع الموريتاني كانت أغلبيتها موالية للحزب اللي يتعاون مع.. مع الإدارة الاستعمارية، لأنه لم يكن فهموا أن الوقت حان لتغيير الأمور وللتخلص من المستعمر.

ماربيلادي بوفي (باحثة في شؤون موريتانيا): كان شيوخ القبائل يعتقدون أن الخروج من حلقة العنف المتواصل بين القبائل يمر حتماً عبر الإشراف الأجنبي، وتحديداً الاستعمار الفرنسي، وعليه فقد كان هؤلاء الشيوخ ليس في (تريزا) وحسب بل وفي وسط موريتانيا بصفة عامة يقولون: "إن السبيل الوحيد لإحلال السلام في البلاد هو القبول بالمحتل الفرنسي".

أحمد بابا مسيكي: هناك ازدواج غريب وتناقضات أيضاً قوية لم تظهر في البداية، لأن النخبة التي كانت تقود البلاد منذ الاستقلال وحتى ما قبل الاستقلال كانت في أغلبيتها الساحقة تمثل هذه القيادات الطبيعية، أي شيوخ القبايل أو الوجهاء في القبايل أو في المجتمع أيضاً الغير عربي، لكنه تقريباً نظامه مثل نظام القبايل.

ماربيلادي بوفي: اتسمت سياسات الرئيس (المختار ولد دادة) منذ البداية بالرغبة في إقامة نظام سياسي يوحد الاتجاهات كلها في البلاد، على أن هذه الوحدة لا تتحقق إلا بإنكار وجود الأقليات العرقية، وعليه فإن الشعب الموريتاني واحد ولا وجود للانتماء القبلي، لأن القبائل بالنسبة إليه لا تعني غير الفوضى والتخلف. إنها الطريقة الغربية في الحكم على واقع الأمور في مثل هذه المناطق الصحراوية وفي موريتانيا تحديداً.

وبما أن المختار نفسه ينتمي إلى إحدى هذه القبائل فإنه أدرك –دون شك- أن هناك تناقضاً صارخاً بين النظام السياسي الذي كان يرغب فيه إرسائه في موريتانيا وواقع المجتمع، إذ أن الانتماء إلى جهة ما دون أخرى أو قبيلة ما دون أخرى يمثل إحدى أهم خصوصيات موريتانيا.

أحمد بابا مسكي: كانت طبيعة النظام الحديث.. النظام السياسي الحديث الذي أدخله المستعمر تتغلب شيئاً فشيئاً على الطبيعة التقليدية الطبيعية، إذا أمكننا القول، وكنا نرى هذا يعني كان الشباب والنخبة المتنورة ترى تقدم كبير في هذا وطبيعي، إلى حد أنه كثير من الشباب كان يرفض.. كان يرفض مقومات المجتمع التقليدي كأشياء متخلفة تجاوزها التاريخ، وهذا –إلى حد ما- شيء صحيح، لكن في نفس الوقت شيء أيضاً غريب وصعب، عليه كان أن يستمر بشكل إيجابي، لأن المجتمع بقي غائباً تماماً عن الصورة.

[ضيوف البرنامج]

أسعد طه:

*با أمادو سامبولي، كان وزيراً للإعمار والصناعة في أواخر الخمسينات ثم وزيراً للمالية حتى عام 1963م، من عائلة أرستقراطية من الزنوج الأفارقة.

*محمدن ولد باباه، أحد أول الجامعيين الموريتانيين، كان من أكثر الشباب ارتباطاً بالمختار ولد داده، تقلد وظائف في حزب الشعب الحاكم أوائل الستينات وعمل أيضاً وزيراً للتعليم.

*الحظرمي ولد خطري، تلقى تعليماً فرنسياً وعمل ترجماناً، كان من أبرز مناضلي ثم أطر "حزب الوفاق" الذي أسسه حرمة ولد بابانه.

*إعلي ولد علاف، كان من الطلاب الموريتانيين الذين تربطهم علاقة مميزة مع المختار ولد داده، عمل وزيراً للإعلام والمواصلات ثم وزيراً للتعليم.

*سيد أحمد ولد الدي، عمل وزيراً للشباب والرياضة حتى نهاية حكم المختار ولد *داده، كان من أبرز المثقفين الموريتانيين المتعربين.

*شيخنا ولد محمد الأغظف، عمل وزيراً في الحكومة الانتقالية أواخر الخمسينات، أسندت إليه مهمة التحضير للاستقلال والدفاع عنه في الخارج. اختلف مع المختار في بداية السبعينات وكان منسقاً للجناح المدني الذي قاد الانقلاب على المختار.

*مصطفى ولد بدر الدين، تأثر بالفكر القومي وكان من أوائل الناصريين في موريتانيا قضى أغلب فترة حكم ولد داده في السجن أو مختبئاً.

*محمد العربي المساري كان في الستينات يُعد برنامج (صوت الصحراء) وهو البرنامج الذي يمثل دعاية المغرب بشأن مطالبها في موريتانيا، كما كان مسؤولاً عن صحافة حزب "الاستقلال".

*الطاهر بلخوجة، أول سفير للرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة إلى عدد من الدول الأفريقية ومنها موريتانيا منذ أوائل الستينات.

*محيي الدين عميمور، كان مستشاراً إعلامياً للرئيس الجزائري السابق الهواري بومدين) ويمثل الجناح المتصلب في السلطة آنذاك، ومن الرافضين لأي تحالف بين المملكة المغربية وموريتانيا خصوصاً بشأن الصحراء.

منذ بداية القرن التاسع عشر تحول اهتمام الاستعمار الفرنسي إلى شمال نهر السنغال في زمن كانت فيه الكلمة للتناحر القبلي، وكان من اليسير إقناع زعماء القبائل بقبول الإشراف الفرنسي أو الحماية الفرنسية، غير أن فرنسا لم تستكمل احتلالها لما كانت تسميه "أرض الموريين" إلا قبل الحرب العالمية الثانية، ولا يختلف المؤرخون في تفسير أسباب ذلك، معنى هذا أنه لم يكن ثمة استعمار فرنسي بقدر ما كانت فرنسا مضطرة إلى وضع اليد على منطقة مجاورة لمستعمرات أكثر أهمية، أي شمال أفريقيا الفرنسي وأفريقيا الغربية الفرنسية.

محمدن ولد باباه (وزير سابق خلال حكم المختار ولد داده): فرنسا عندما نطالع المنشورات والكتب المكتوبة عن موريتانيا في تلك الظروف تقول –بكل صراحة- أنها لم تأتِ إلى هذا الإقليم لاستعماره بمعنى الاستعمار أي الاستيطان والاستثمار، لأنها صحاري قاحلة، وأنها غير مأهولة حكماً، لكنها مصدر قلق لهم سواءٌ للشمال، سواء للجنوب.

سيد أحمد ولد الدي (وزير سابق خلال حكم المختار ولد داده): كانت القبائل الموريتانية والإمارات الموريتانية على صلة كبيرة بالسنغاليين، وكان هذا يعكر –إلى حد كبير- الاستعمار.. الفكرة الاستعمارية والسيطرة الاستعمارية في السنغال.

مصطفى ولد بدر الدين (من أبرز معارضي الرئيس السابق ولد داده): كان يعتبرونها –من حيث الأساس- صلةً بين الشمال الأفريقي وأفريقيا السوداء، ولكن لم يكن يتخذون منها مقراً يريدونه أبدياً، وذلك واضح في الآثار التي تركوها.

سيد أحمد ولد الدي: إذا نظرنا إلى حصيلة المنجزات الفرنسية في موريتانيا نكاد نجدها صفراً، فهذا يعضد أنها لم تكن تريدها مستعمرة إعمار بقدر ما كانت تريدها منطقة هادئة.

محمدن ولد باباه: كانت فيه مشاريع حول الصحراء تهم الفرنسيين لأنها أصبحت تكتشف ما تحتضنه هذه الأرض القاحلة من المعادن ومن المواد التي تريد فرنسا أن تستفيد منها فيما بعد مثل (..) ومن الفوسفات.. "الصحراء" ومن الحديد.. "الزبيرات" إلى آخره.

أسعد طه: أدركت فرنسا تمام الإدراك أن عليها أن تتخلى عن السيادة الكاملة على بعض المستعمرات، خاصةً وأن الحرب العالمية الثانية قد أنهكتها، وبدا لها أن المرحلة الأولى في هذا المسار تكمن في انتخاب ممثلين عن المستعمرات في البرلمان الفرنسي، كان انتخاب (حرمة ولد بابانه) –المدعوم من الاشتراكيين السنغاليين، وعلى وجه الخصوص من قبل الرئيس السنجالي السابق (سنجور)- مثار خلاف، خصوصاً حول ولاءات هذا السياسي العصامي، وتحديداً تجاه المملكة المغربية.

سيد أحمد ولد الدي: أعتقد أن (حرمة) كان على وعي كبير بصعوبة إنشاء دولة موريتانية، وكان على رغبة كبيرة بتخليص موريتانيا من نير الاستعمار الفرنسي.

محمدن ولد باباه: حرمة كان رجلاً مستقلاً، جرئ، وشجاع، وبدأ يتكلم باسم العروبة، باسم الإسلام، وبدأ أيضاً يعد الجو لحركة وطنية في هذا البلد.

سيد أحمد ولد الدي: أدى به اجتهاده في ذلك الوقت إلى أن يعتقد أن المخلص لموريتانيا، المخلص الوحيد لموريتانيا من الاستعمار هو انضمامها إلى المغرب.

با أمادو سامبولي (وزير سابق في الحكومة الانتقالية وبعد الاستقلال): ناضلنا طويلاً سوياً داخل حزب "التفاهم" ولم ألمس في أفكاره ما يشير إلى هذا التوجه.

مصطفى ولد بدر الدين: حرمة ولد بابه لم يكن فقط يمثل معارضة الاستعمار الفرنسي، ولكنه أيضاً كان يمثل مطامح المستضعفين في موريتانيا.

سيد أحمد ولد الدي: اختلاف المشارب، اختلاف القبايل، كثرة النعرات بين هاي القبايل كثرة النعرات في داخل القبيلة الواحدة، كل هذا جعل الموريتانيا.. كل هذه التيارات وكل هاي الحساسيات تجتهد في إقامة كيان موريتاني، إما مستند إلى المغرب، وإما مستند إلى "فيدرالية مالي" في ذلك الوقت وهي "السنغال ومالي"، وهو تقسيم.. حتى هنالك كان من يدعو إلى تقسيم موريتانيا، جزء يُضم إلى المغرب، وجزء يُضم إلى الدول المجاورة في الجنوب.


تولي ولد داده أول رئاسة في موريتانيا

أسعد طه: هكذا إذن بدا أن القناعة قائمة لدى الكثيرين أن قيام دولة موريتانية ليس بالأمر الهين، وعليه فإن الانضمام إلى هذا الطرف أو ذاك يشكل الضمان الوحيد للتخلص من المستعمر الفرنسي. وانقسم الموريتانيون على أنفسهم أمام تبني الملك (محمد الخامس) لطرح زعيم حزب الاستقلال (علال الفاسي) بشأن تبعية موريتانية للمكلة المغربية. وأضحى حلم الانضمام إلى المملكة يراود البعض منهم من أمثال (حرمة ولد بابانه) وحزبه "الوفاق الموريتاني"، وتحديداً بعد الهزيمة التي تكبدها ولد بابانه في الانتخابات التشريعية لعام 56 أمام (سيدي مختار نداي). وفي الوقت الذي كانت فيه موريتانيا على أهبة الحصول على استقلالها يزداد وضع النخبة تفككاً بعد أن سافر حرمة ولد بابانه إلى المملكة، وتضامن معه في العام 58 اثنان من الوزراء.

با أمادو سامبولي: تم تعييني في الحكومة في يناير عام 58، وفي أوائل فبراير كان علينا أن نشارك في مؤتمر يعني بالسياحة في موريتانيا، وفي أثناء ذلك كلف الدي بمهمة في فرنسا، انتقلنا معاً إلى (داكار) وفي المطار أدلى بتصريح لا يُستشف منه أنه يعتزم الذهاب إلى المملكة المغربية، غير أننا اكتشفنا فيما بعد أنه في المملكة مع حرمة ولد بابانه والأمير ولد عُمير.

محمدن ولد باباه: هؤلاء الوزراء خاصة الأمير محمد بابه والأمير محمد المختار كانوا يناضلون حقيقة من أجل استقلال موريتانيا، لا من أجل الانضمام إلى المغرب، بينما الدي ولد سيدي بابه وأحمد ولد حرمة.. في النهاية كانوا يناضلون من أجل الانضمام للمغرب، وكانوا يقعون تحت نفوذ علال الفاسي المباشر.

مصطفى ولد بدر الدين: فعلاً هؤلاء لجؤوا إلى المغرب في البداية، لكي يستعينوا به ضد الاحتلال الفرنسي، ولكنهم هناك اصطدموا بنظرة المغرب تجاه موريتانيا، وهو أن المغرب آنذاك.. وهي أن المغرب آنذاك يعتبر موريتانيا جزءاً لا يتجزأ منه. وكان عليه أن يختاروا.

محمد العربي المساري (مكلف بإعلام في حزب الاستغلال المغربي): اعتبرنا وجود هؤلاء التلاتة تأكيداً للشعارات التحررية التي كان ينفرد بها المغرب من بين قلةٍ من الدول المناهضة للاستعمار التي اجتمعت في مثل هذا الوقت منذ أربعين سنة في الدار البيضاء لتأسيس جبهة إفريقية معادية للاستعمار.

محمدن ولد باباه: كم من مرة المغاربة يقولون لنا فيكم الجماعات اللي جاءتنا على نوعين: نوع جاء للدفاع عن استقلال موريتانيا، ونوع جاء لينضم وليكون من رعايا الملك، وليكون.. وليكونوا مواطنين مخلصين للمغرب.

أسعد طه: طال الاختلاف أسباب اختيار السلطات الفرنسية للمحامي الشاب المختار ولد داده لتشكيل أول حكومة حكم ذاتي تمهيداً للاستقلال التام. والحق أن ولد داده انتصر لتحالف القوى السياسية بعد أن دعى في مايو من العام 58 إلى مؤتمر وحدة وطنية، وأنشأ على إثره حزب التجمع الموريتاني. وبعيداً عن الاختلافات الأيدولوجية علينا أن نذكر في هذا السياق أن الانتماء القبلي يعد أمراً بالغ الأهمية في تحديد الرتب الاجتماعية في هذا البلد، ولم يكن المجال السياسي لينأى عن هذا الاعتبار. ولد داده ينتمي إلى قبيلة (أولاد بياري) وإلى عائلة الشيخ (سيديه) ووجد في بعض قبائل (البيضان) المتحالفة مع قبيلته دعماً كبيراً، غير أن عائلته لا تحتل مرتبةً رفيعةً ضمن التراتب القبلي. ولكن هل كان مجال الاختيار ضيقاً أمام السلطات الفرنسية؟ وهل كان المختار يمثل كل الاتجاهات في البلاد؟

مصطفى ولد بدر الدين: أعتقد أن الاختيار كان واضحاً، أولاً: كان هناك.. كانت هناك الجماعة الموالية لفرنسا، لم تكن لتستطيع أن تتفق على شخص منها، كان الأمراء والوجهاء متخاصمين فيما بينهم، ولم يكونوا يقبلوا أن يكون من بينهم من يقود موريتانيا.

محمدن ولد باباه: لا شك أن القوة الوطنية آنذاك بما فيها سيدي المختار ولد (حجاج) وبما فيه الأطر، وبما فيه الشباب، وبما فيه الطلاب، وبما فيه النقابات، لا شك أنها اتفقت أن المختار هو رجل الساعة، وعليه فرنسا يمكن أن تكون ساعدته ولكن صادفت توجه من القوى الحية السياسية في موريتانيا إلى اختيار هذا الرجل.

إعلي ولد علاف (دبلوماسي وزير سابق): لا أظن أن فيه تمثيل حقيقي بالمفهوم الديمقراطي للتمثيل، في الحقيقة هو كان الهدف المطلوب هو إنسان في قدرته جمع مصالح.. مكونات الشعب الموريتاني.

مصطفى ولد بدر الدين: كان المختار ولد داده شخصاً في ذلك التاريخ يتميز بعدم البُعد القاعدي من حيث القاعدة، كان مجرد موظف فرنسي وكان طالباً، ولم يكن له بعد اجتماعي كبير، وبالتالي رأت فيه فرنسا عنصر وسط يمكن للوجهاء التقليديين أن يقبلوا به.

الحظرمي ولد خطري (دبلوماسي وزير سابق): في ذلك والوقت كان يمثل.. يمثل حساسيات لأنه هو الداعي الوحيد للتكتل السياسي، هذه حقيقة شيء يعترف له به، أعتقد للأمانة أنه هو وحده اللي كان آنذاك بده يترشح وبده يرشح كان ثم عنده مصداقية للترشيح لأنه كان صادق في تكتلاته، وكان هم اللي يغاروا منه أنه عنده نزعة وطنية.

شيخنا ولد محمد الأغظف (أول وزير للخارجية الموريتانية): المختار الجيل اللي كان مع معاه الاستقلال، جيل متعارف. وهو.. نظراً لأنهم حتى مدرسة واحدة، مدرسة (إسلامية) هاي وتقرا بالعربية والفرنسية، وكان يقال لها هيك (الساعة) مدرسة الشيوخ والوجهاء.

با أمادوا سامبولي: عندما وحدنا الأحزاب في أواخر الخمسينات وبداية الستينات ظن الجميع أن المختار يمثل كل طبقات المجتمع الموريتاني، بعد ذلك اعترضنا في أحيان كثيرة على سياسة ولد داده، خصوصاً أنه لم يكن يستشير معاونيه، ولم يكن يأخذ بآراء معارضية.


موقف فرنسا والدول المجاورة من نشأة موريتانيا

أسعد طه: كان على الدولة الناشئة أن تواجه أمراً بالغ الخطورة خلال الخمسينات وحتى بعد الاستقلال التام، وهو إصرار المملكة المغربية على ارتباط موريتانيا بها وفق أطروحات علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال منذ بداية العام 53. وكانت مهمة جيش التحرير الذي أنشأته المملكة هي تحرير بلاد (الشيقيت) أي موريتانيا، وتحريرها يعني إعادتها إلى المملكة.

محمد ولد باباه: لأن المطالبة الموريتانية كانت.. كانت بند أساسي من الأيدولوجية الفاسية.. حزب الاستقلال، ولا أعتقد أنها كانت قناعة من العرش. وإذا رجعنا إلى الوثائق نرى (الحسن الثاني) 58 وهو ولي العهد يُصرح لجريدة "اللومند" أنه ليس في إمكان المغرب ولا من مصلحته ضم موريتانيا إليه.

محمد العربي المساري: رافع في هذا الشعار كان هو زعيم التحرير المغفور له علال الفاسي، وكانت قيادة الحزب.. حزب الاستقلال في ذلك الوقت معه في هذا الطرح. ولكن بعد الانفصال الذي حدث في الحزب في 59 بدأت بعض المقاربات المختلفة تظهر في هذا الموضوع، ولكن ظل الطرح الذي كان ينادي به هو طرح الدولة المغربية بكاملها.

الطاهر بلخوجة (أول سفير لتونس في موريتانيا): أتى ولد العهد محمد.. الحسن الثاني وكان حسن أما كان ولي العهد كان ولي عهد، وكان محملاً برسالة خاصة من أبيه (محمد الخامس) في ذلك الوقت الملك محمد الخامس، قال آخر أمر إلى بورقيبة أن لا تفهم المغرب ولا يفهم محمد الخامس كيف لا.. لا تساعد بصفة آلية تونس المغرب، ولا توافق بصفة آلية على كل مطالب المغرب، لأن الشأن كان يكون كذلك من طرف المغرب بالنسبة إلى تونس. قال له بورقيبة: "الموضوع مش هذا، الموضوع موضوع مبدئي، هذي بلاد بيش تخرج منها فرنسا وبيش تاخد استقلالها، إذا ما نكون معاها، على أساس بعدين تعمل اتفاقات معها وترجع بها، ثم فرنسا لا تعطيها أبداً إلى المغرب. والواقع أن فرنسا ستطعي الاستقلال عام (..) في.. في.. إلى موريتانيا، ومن الأصل.. ومن الأحسن أن تكون.. أن تكون المغرب سباقة، وتعترف بموريتانيا أول من.. من أول البلدان. لم يقتنع الحسن الثاني، واليوم يمكن القول، وأنا عند الخروج في.. قبل الخروج كان الحسن الثاني يقول إلى بورقيبة: "سيدي الرئيس، أريد أن.. سنستدعيك إلى تناول الشاي المغربي تحت الخيمة في نواكشوط".

محمد العربي المساري: المغرب حينما رفع شعار مغربية موريتانيا لم يكن ضد الشعب الموريتاني. كان هذا الشعار شعاراً تحررياً، بمعنى افتكاك موريتانيا من يد الاستعمار الفرنسي، أما وقد تحررت موريتانيا، واختار أهلها أن يكون لهم كيان مستقل ومنفصل عن المغرب، فكانت لابد من احترام هذه الإرادة.

الحظرمي ولد خطري: وبعد تولي الملك الحسن الثاني للعرش نعرف بأن هذا الأخير ما كان حقيقة حسب ما يقال وحسب ما أرى أنه ما كان حتى مقتنع بضرورة انضمام موريتانيا للمغرب، ما استطاع يعارض والده في حياته، ولكنه يظهر وحسب ما سمعنا أنه كان هو غير مقتنع.

الطاهر بلخوجة: أربعة أيام قبل الاستقلال كلف الحبيب بورقيبة وزيره.. وزير الخارجية (الصادق مقدم) ليصرح علنياً: "بأن تونس تنوي الاعتراف بموريتانياً.

محمدن ولد باباه: وبدأ المسلسل بجهود.. بجهود طبعاً غير معلنة ولكن فعالة من فيصل.. رحمه الله، ومن جمال عبد الناصر طبعاً وبو رقيبة تحصيل حاصل، وبعد استقلال الجزائر طبعاً انضمت لهذا التوجه اللي يعمل من أجل دخول موريتانيا الجامعة العربية.

أسعد طه: وكان على ولد داده أن يحتوي المعارضة حتى يقف موقف القوة في بحثه عن الاعتراف الدولي، وأضحت موريتانيا محل مساومات بين القوى العظمى ولم يكن العالم العربي هو المبادر إلى الاعتراف بموريتانيا باستثناء تونس، وفشلت الدبلوماسية الموريتانية في الظفر بالقبول العربي الكامل خلال ما يربو على العشرية الكاملة بعد استقلالها، على أن المملكة المغربية -أعلنت يوم الثامن والعشرين من تشرين الثاني أي يوم استقلال موريتاني يوم حداد وطني، وعملت على إقصاء هذه الجمهورية الناشئة دولياً- قد انتهت إلى الاعتراف بموريتانيا أواخر الستينات، بل ووقعت معها في حزيران من العام 70 معاهدة للتضامن وحسن الجوار والتعاون. وكغيره من أغلبية الأنظمة السياسية في الدول المجاورة والخارجة لتوها من مرحلة استعمارية قام نظام "الحزب-الدولة" في موريتانيا. وخلال عقدين من الزمان أمسك ولد داده بزمام الحكم وأصابه في ذلك الكثير من عداء الوجهاء التقليديين والخصوم السياسيين، غير أنه نجح في احتواء القوى السياسية الأهم، ولم يفته أن أغلبية المثقفين في البلاد هم من الزنوج الموريتانيين.

مصطفى ولد بدر الدين: تعيين الزنوج في الوظائف آنذاك كان أمراً يفرضه ميزان قوى داخل البلاد، لأن الزنوج آنذاك كانوا وزنهم قوياً، كانوا غداة الاستقلال.. كان من بينهم أغلب الإطارات الموريتانية وأغلب الموظفين الفنيين، كانوا يمسكون بالمالية وكانوا يمسكون بالبريد، وكانوا يمسكون بالصحة.

محمدن ولد باباه: أكثر الأطر آنذاك اللي عندهم كفاءات وتجربة كانوا من الزنوج أكثر من هم العرب، وعليه من المعقول أن توظف الكفاءات لصالح البلد. وفي تلك الظروف كانوا هم.. كانوا الأكثر الأطر يحملون شهادات وكفاءات كانوا من الزنوج. ولكن مختار لم يوفرهم أكثر مما يستحقون فيما أرى.

إعلي ولد علاف: كان فيه اعتقاد سايد عن مختار وعند الكل غير معلن أن الزنوج كل العناصر مجتمعة.. عددهم يكون تقريباً 25% من سكان البلد، وبهيك المناسبة عندهم نصيب في المناصب السياسية مقابل هذا العدد.

با أمادو سامبولي: حتى يتحقق الاستقرار كان من البديهي أن يتم تشريك كل فئات المجتمع في الحكم، وكان من الواجب أن تعكس هياكل الدولة من حكومة وبرلمان وأحزاب هذا الاختلاف داخل المجتمع، وعليه فإني أعتقد أن ولد داده قد عمد إلى هذه التعيينات حتى يضمن هذا التوازن.

أسعد طه: ورغم هذا الجهد من قبل السلطة السياسية كانت المسألة العرقية أمراً بالغ التعقيد، وكان لتعميم اللغة العربية أواسط الستينات أثراً كبيراً في الإجماع الذي بدأ بالتشكل حول حكم ولد دادة، وقام الزنوج ممن يتكلمون (البولارية) و (اللولوف) و (السونوكي) ضد ما سموه بـ "دكتاتورية البيضان"، وعادوا إلى حلم الانضمام إلى السنجال، وبدا لهم مرة أخرى أن ولد داده يستغل اللغة العربية ورقة سياسية، وأن اتجاهه نحو العروبة قد تأكد على حساب الانتماء الأفريقي.

إعلي ولد علاف: (مشيت) وزير التعليم في بداية 66 في الظروف.. ظروف الاضطرابات اللي وقعت في موريتانيا، وبحسب اللي فهمته آنذاك هو أن قرار الحكومة بفرض اللغة العربية في الامتحانات وفي عبور (مكلاس) للوحدة كان غلط، لأن تعليم العربية في مناطق كثيرة من جنوب موريتانيا كان إما مفقود، إما ضئيل جداً.

مصطفى ولد بدر الدين: الذي حدث سنة 1966م فهو مجرد تعميم أصدره وزير التعليم الوطني يقضي بتدريس اللغة العربية في الإعداديات والثانويات، وتدريس.. وتدريس مادة الدين وخصوصاً إعطائها (ضارباً) مع أنها لم.. مع أنها لم يكن لها ضارب فيما قبل. هذا التعميمي أثار حفيظة الطلبة الزنوج وتضامن معهم الأطر، أطر الزنوج الذين التأموا داخل ما سُمي بالـ (19) "جماعة الـ 19" الذين أصدروا بياناً يستنكرون فيه تعميم اللغة العربية بالنسبة لجميع الموريتانيين.

شيخنا ولد محمد الأغظف: شافوا بأنه مصالحهم، كنا أنهم ما قط يقرؤوا بالعربية، وفجأة قال لهم: لا تعودوا، مديورين على كفة واحدة، أنتو وهم، والموريتانيين العرب اللي كانوا من بدايتهم يقرؤوا العربية، وهاي الشيء معقول، معقول على أن هم.. هذا ما يخدم مصلحتهم.

محمدن ولد باباه: عام 64 بمناسبة خطاب طرح به المتكلم إشكالية الثقافة الموريتانية، في نهاية السنة الدراسية بمناسبة حضره الرئيس المختار وسفير فرنسا، من ذلك اليوم بدأت فرنسا تحرك بعض الأوساط، لأني لا أنسى أن المختار عشر سنين بعد ذلك قال لي: عندما انتهى الحفل وخرج معي (دليو) أمرني بأن أعتقلك. فعلاً من ذلك اليوم بدأت المنشورات وبدأ التحرك ولكن هو تحرك.. تحركه اليد الفرنسية.

أسعد طه: بعد ما يربو على العشرين عاماً من الحكم بدأ نجم المختار ولد داده يتهاوى، وتحديداً عندما وقّع مع أسبانيا والمملكة المغربية اتفاق (مدريد) في الرابع عشر من تشرين الثاني من العام 1975م، وهو الاتفاق القاضي بانسحاب أسبانيا من الصحراء الغربية وتقاسمها مع المملكة دون أن يلقي أي من البلدين بالاً إلى مطالب الصحراويين التي تنادي بها جبهة (البوليساريو)، هذه الجبهة التي أعلنت عام 76 قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" وتعلن ما يشبه الحرب على موريتانيا من خلال غارات شنتها على العاصمة (نواكشوط). ولم يفلح الاتفاق الموريتاني-المغربي والدعم العسكري الفرنسي في ردم الهوة التي نشأت بين جبهة البوليساريو –المدعومة من النظام الجزائري- وبين موريتانيا التي بات الحكم فيها عاجزاً عن التعامل مع مسألة الصحراء الغربية، بعد أن صارت محل أخذ ورد بين الملك (الحسن الثاني) والرئيس الجزائري (هواري بو مدين).

سيد أحمد ولد الدي: عندما اتفق.. اتفق الموريتانيون الذين كانوا يطالبون بالصحراء منذ سنة 57 والمغرب الذي كان يطالب بها ويطالب بموريتانيا معها، عندما اتفقوا على تقاسم الصحراء كان تصور السلطات الموريتانية في ذلك الوقت أن المشكلة محلوله، ولكن دخل.. دخلت الجزائر على الخط.

محيي الدين عميمور (المستشار الإعلامي للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين): أساس الصراع –إن صح التعبير- هو أننا في الجزائر لا نؤمن بالحقوق التاريخية لأي فرد على الإطلاق. نؤمن بأن هناك دولاً قائمة أخذت شرعيتها طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، وهناك مناطق تسعى للاستقلال، وهذه المناطق من حقها أن تقرر مصيرها بنفسها، ومن حقها بالطبع أن تطلب الانضمام لمن تريد دون أن يفرض عليها أي شيء على الإطلاق. هذا هو المنطق الذي سارت عليه الجزائر منذ ثورتها، بل أقول قبل ذلك.

محمدن ولد باباه: المختار قبل مبدأ التقسيم على أساس تفويض من بومدين قال له يوم مؤتمر تأسيس.. المؤتمر الإسلامي في الرباط وهذا مُسجل –وهو عندكم هون في الإذاعة- قال له هو والحسن الثاني: "كل ما اتفقتما عليه فأنا أباركه". والمختار أعتقد أنه لو لم تكن له هذه الإشارة، إشارة الضوء الأخضر، لم يُقدم على ما قَدِم عليه، لأن علاقته ببومدين كانت وطيدة.

الحظرمي ولد خطري: المختار كان يتفاهم مع بو مدين حتى بسبب ربما يعود خلافه مع المغرب، وكانت الجزائر هي من تخطط دائماً لأنها تكتسح.. تأخذ معها موريتانيا كحليف لمثلاً خشية التواصل بينها هي والمغرب في المنطقة، وإن شاء الله إن حرب الصحراء هي عادت السبب في.. في الخلاف اللي ظهر بين مختار و بومدين.

محيي الدين عميمور: هناك من كان يقول أن الجزائر تحاول إضعاف جيرانها بهذا. أنا قلت: أننا ضد نظرية الحقوق التاريخية أولاً، نؤمن بالحدود الموروثة وبضرورة احترامها، ونؤمن بأن من واجبنا أن ندعم قوة جيراننا، هذا ليس عملاً طوباوياً أو مجرد حب في الجيران. لكننا نرى أن الجار القوي التعامل معه سهل جداً، الجار الضعيف يضعك في موضع الابتزاز، إن أعطيته ما استرحت، إن منعته ما استرحت.

سيد أحمد ولد الدي: الجزاير لم.. لم تكن ترغب في أن تدخل حرب مع موريتانيا، والمرحوم الرئيس بومدين قد زاره المختار ولد داده واجتمعا في (بشَّار) قبل اندلاع الحرب بشهر. وقال المرحوم مدين للرئيس ولد داده إن هذه.. نحن لا نتحدث عن التاريخ قال له: "إن هذه قضية بيني وبين الحسن الثاني، فإذا وقفت هذا الموقف أعتبرك.. أعتبرك في نفس الخط.. في نفس الخندق معه وسأحاربكما معاً، وسأحاربك أنت بالذات".


الانقلاب ضد ولد داده تداعياته

أسعد طه: كان من العسير على الرئيس ولد دادة أن يجاري المناورات السياسية بين المملكة المغربية والجزائر، وأضحى يراوح في ولاءاته بين هذا وذاك وفقاً لما تمليه الظروف، وفي العاشر من شهر يوليو/تموز من العام 87 اجتمع الضباط بقيادة الكولونيل (مصطفى ولد محمد سالك) على إبعاد ولد داده عن الحكم وإقامة مجلس عسكري سُمي بـ "اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني".

والحق أن العديد من الأطراف في الداخل والخارج قد أصبحت تمتعض من وجود ولد داده في الحكم، ولعل هذا ما شرع الاختلاف في تحديد الأدوار بشأن هذا الانقلاب.

شيخنا ولد محمد الأغضف: أسبابه ظاهرة هو حرب الصحراء، موقف موريتانيا ما كان.. حقيقة.. ما تم فيه انسجام حقيقي بين موريتانيا والمغرب.

سيد أحمد ولد الدي: لم يكن لنا أي علم بتحضير انقلاب، ويبدو أن الرئيس قد أحيط علماً بحوالي 36 ساعة قبل تنفيذ الانقلاب أحيط به علماً، ولكنه لم يتحرك، لست أدري هل لأنه لم يكن مقتنعاً وأنه هنالك انقلاب، خاصةً بأنه قال لبعض خلصائه بعد الانقلاب إن.. إنه لم.. إن منذ سنة 66 كان من حين لآخر لم تكن تمر أشهر إلا وهناك تقرير من أن هناك انقلاباً كان سيحضر.

مصطفى ولد بدر الدين: جاء إليَّ رجال لا يزالوا موجودين.. لن أسميهم، وقالوا لي: "إن هناك انقلاباً يحضّر ضد المختار ولده داده، نريد منك أن تنضم إليه أنت وجماعتك". قلت لهم: إنني وجماعتي لا نوافق على الانقلابات كطريقة لتغيير الحكم.

سيد أحمد ولد الدي: لا أتصور أن فرنسا كانت تجهل أن هناك انقلاباً يحضر، أولاً: لقوة مخابراتها وخاصة.. خاصة وأن المستشارين العسكريين الفرنسيين في قيادة الجيش وفي مختلف المناطق العسكرية كان لها تواجد.. كان لهم تواجد كبير.

با أمادو سامبولي: عندما يصبح أي حزب في إفريقيا شبيهاً بحزب الشعب الموريتاني في الستينات فإنه يحمل في داخله عناصر إندثاره.

أسعد طه: لم يكن الانقلاب على نظام ولد داده وإقامة نظام آخر بديل نهاية المطاف في متاعب البناء التي عرفتها موريتانيا بل على العكس كان دليلاً على هشاشة هذا البناء، وليس أدلَّ على ذلك من سلسلة الانقلابات العسكرية التي ميزت مرحلة ما بعد ولد داده وتواتر الصراعات العرقية التي امتدت لتشمل دولاً أخرى صارت طرفاً فيها مثل السنغال.

السلام عليكم.