الصندوق الأسود

حرب الديمغرافيا.. الحملة الممنهجة على الأغلبية السورية

يكشف فيلم “حرب الديمغرافيا” ضمن سلسلة “الصندوق الأسود” الاستقصائية سياسة العبث المنهجية بالتركيبة السكانية في سوريا التي يتبعها النظام وحلفاؤه عبر التهجير وإحلال أجانب وموالين مكان السوريين الرافضين له.

أحياء هجرها ساكنوها، ومدن خالية من الحياة لا يبدو فيها سوى البيوت المدمرة، وشعب في هروب مستمر من الموت.

منذ انطلاق الثورة في سوريا أظهر نظام الأسد وحشية غير مسبوقة بالتعامل مع المتظاهرين فقصف المدن بشكل عشوائي وشرد سكانها في أصقاع الأرض، مما تسبب في إحداث تغيير كبير بالمكونات السكانية للمجتمع السوري.

هل يتعرض الشعب السوري لعملية تهجير ممنهجة؟ وهل باتت ديمغرافية سوريا المعروفة منذ مئات السنين مهددة بالتغيير؟ وما هي أبرز المناطق التي تغيرت تركيبتها السكانية بشكل لافت؟

الفيلم الاستقصائي "حرب الديمغرافيا" الذي بثته الجزيرة الأحد (2017/1/8) ضمن سلسلة "الصندوق الأسود" تتبع خيوط هذا الملف للإجابة عن هذه التساؤلات.

قدم الفيلم مجموعة من الوثائق تثبت أن التلاعب الديمغرافي لم يبدأ مع اندلاع الثورة، فقد تناوله الناشطون منذ قدوم آل الأسد إلى سدة الحكم، لكنه تجلى للعيان وبدا واضحا منذ تسلم بشار الأسد مقاليد الحكم في سوريا.

بحسب إحصائية رسمية، فإن عدد السكان يناهز 23.6 مليونا، ونشرت إحصائية أخرى عام 1985 تحت عنوان "سوريا بالأرقام" نسب توزع الطوائف وكانت كما يلي: يشكل السنة 76.1% والعلويون 11.5% والمسيحيون 8% والدروز 3%، والشيعة بطائفتيهم الإسماعيلية والجعفرية 1.4%.

يقول المستشار الإعلامي والمعارض السوري أحمد كامل إن السوريين يعرفون النزعة الطائفية عند النظام لكنهم لم يتخيلوا أن يصل الأمر إلى مرحلة التهجير والتطهير العرقي والطائفي.

نفوذ شيعي
في منتصف عام 2000 تسلم بشار الأسد السلطة، ومنذ توليه الحكم أظهر تقاربا كبيرا مع النظام الإيراني، حيث فتح الباب للسفارة الإيرانية في دمشق وسمح لها بتصدير الثقافة ومبادئ التشيع.

سمح نظام الأسد لدعاة التشيع بفتح المزارات والحوزات التي تعلم العقيدة الشيعية، وكان مركز دعوتهم في دمشق، وأصبحت السفارة الإيرانية الفاعل الحقيقي في السياسة الداخلية والخارجية.

يسلط الفيلم الضوء على جهود بشار الأسد التي أتم فيها مشروع والده المثير للجدل، والذي يتمثل بنقل العديد من العوائل العلوية إلى المدن الرئيسية وتوطينها فيها.

في مطلع مارس/آذار 2011 انتفض الشعب السوري في وجه الآلة القمعية التي صنعها آل الأسد مغتنمين هبوب رياح الربيع العربي بالمنطقة.

لم يكن مفاجئا ما قام به النظام من ممارسات وحشية ضد الشعب السوري بأكمله، فقد كان هذا متوقعا نتيجة التاريخ الدموي للجيش.

استيراد المليشيات
لكن ما كان صادما للجميع هو استعانة الأسد بمليشيات شيعية مسلحة من الخارج، وتشير التقارير إلى أن هذه المليشيات ناهزت الثلاثين فصيلا على الأراضي السورية.

يقول المتخصص في الدراسات الإسلامية الشيعية خالد السنداوي إن إيران بمساعدة نظام بشار الأسد تحاول المحافظة على مناطق العلويين المحاذية للساحل وطرطوس واللاذقية وصولا إلى دمشق وحتى الحدود اللبنانية.

وأوضح أن هذه المناطق لو وصلت بين بعضها بخط على الخريطة لأصبحت بشكل مثلث، وهذا ما يسمى اليوم في المصطلحات الجيوسياسية الحديثة المثلث الشيعي.

49 مجزرة
كانت المجازر الوحشية التي ارتكبها النظام في الأحياء والمدن السنية السلاح الأساسي لدفع السكان إلى الهروب خارج بلادهم، فقد نفذ النظام والمليشيات الشيعية التابعة له 49 مجزرة منذ اندلاع الثورة.

يقول المستشار الإعلامي السابق لأسماء الأسد (زوجة بشار) أندرو تابلر إن النظام يستخدم الحصار للمناطق التي لم يستطع دخولها ويستمر بالقصف، ومع مرور الوقت وبعد تفشي الجوع والأمراض يضعف الناس وبشكل مفاجئ يدعو النظام لوقف إطلاق النار، مما يسمح للسكان بالمغادرة ثم يفرض سيطرته على المنطقة.

مثلت داريا النموذج الأوضح لعملية التفريغ السكاني التي يقوم بها النظام من خلال القصف والمجازر ثم الحصار والتجويع انتهاء بتفريغها بشكل تام من سكانها.

وظهرت فكرة الهدن التي يعقدها النظام مع مقاتلي المعارضة منذ مطلع عام 2014 بهدف إخلاء المدن من سكانها، وإجبارهم على النزوح لشمال سوريا وتحديدا إلى محافظة إدلب أو إلى الحدود التركية خارج مناطق سوريا التي يريدها الأسد.

وتبقى مفاوضات فك الحصار عن منطقة الزبداني في ريف دمشق المحاصرة من حزب الله اللبناني وقوات النظام المفاوضات الأكثر دلالة على نية النظام التلاعب بالتركيبة السكانية للبلاد.

تمت هذه المفاوضات بين الفصائل السورية المعارضة والنظام الإيراني بعيدا عن أي تدخل من قبل النظام السوري.

اشترط الإيرانيون تفريغ الزبداني من سكانها ونقلهم إلى شمال سوريا ونقل سكان بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين من الشمال إلى المدن التي يرى النظام أنها تمثل "سوريا المفيدة".

لمصلحة من؟
يبقى التساؤل الأهم: لماذا ينفذ نظام الأسد هذه الحملة المسعورة لتغيير ديمغرافيا البلاد؟ وما مصلحة النظام الإيراني بذلك في دعمه لهذا التغيير؟

يقول الناشط الحقوقي عبيدة فارس إن من يشكك في التغيير الديمغرافي عليه أن يذهب إلى أي مخيم للاجئين من دول الجوار ويسأل الناس ليتأكد أنهم جميعا ينتمون إلى طائفة واحدة ومناطق محددة.

يذكر أنه بحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن عدد سكان سوريا الحالي تناقص من 23.5 مليونا إلى 18 مليونا، وثمة خمسة ملايين لاجئ سوري يتوزعون حول العالم، أغلبيتهم من الطائفة السنية.