الواقع العربي

"الحركى" الجزائريون.. من يعتذر لمن؟

سلط برنامج “الواقع العربي” الضوء على ملف “الحركى” وهم الجزائريون الذين خدموا في صفوف الاستعمار الفرنسي للجزائر وكالوهم التجسس والوشاية، بل القتال أيضا، ويعيش الآلاف منهم في فرنسا.

تعرف الثورة الجزائرية التي قامت في وجه الاستعمار الفرنسي (1830-1962) جيدا فئة "الحركى". إنهم جزائريون انحازوا إلى باريس فخدموا إدارتها وجيشها وناصبوا المجاهدين الجزائريين العداء وكالوهم التجسس والوشاية، بل القتال أيضا.

استقلت الجزائر في وقت ولى الأدبار نحو فرنسا من اعتبروا خونة، ثم أذاقتهم فرنسا لاحقا من كؤوس التهميش حتى إن بعضهم تمنى لو بقي في بلاده ونال جزاء ثورتها العادل بدل أن تتوارث أجيالهم لعنة "خيانة الآباء والأجداد".

الباحث السياسي الجزائري الحواس تقية قال إن هناك التباسا في مفهوم "الحركى"، فهناك من كان يقاتل مع الجيش الفرنسي، إذ الجزائري تحت الاستعمار كان يخدم في الجيش بوصفه فرنسيا، وهناك من التحق طواعية.

مساعدو فرنسا
ولفت في حديثه لبرنامج "الواقع العربي" حلقة (16/6/2016) إلى أن فرنسا -وطوال عقود- لم تعترف بهم بوصفهم جنودا بل بوصفهم مساعدين، وأنه لم يجر الاعتراف بهم كفئة خدمت فرنسا إلا في عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك.

أما عن كيفية الدفع بهذا الجزء من الشعب الجزائري فقال إن الفرنسيين استفادوا من التجربة الأميركية في فيتنام، وإن قتال الفيتناميين بعضهم بعضا يثمر أكثر من الحرب التقليدية، وعليه دفعت فرنسا الجزائريين الموالين لفرنسا من مرحلة الدفاع إلى الهجوم وقتال الثوار.

من ناحيته قال الباحث في قضايا العالم العربي والإسلامي صلاح قادري إن الحركى كانوا يقدرون في عام استقلال الجزائر بمئة ألف، وإن الحركى الذين استقبلتهم فرنسا بعد اتفاق إيفيان للسلام مع الجزائر لم يتجاوزوا الثلاثين ألفا، أما الآن فإن عددهم تسعة آلاف.

يواصل قادري أن الحركى الذين وصلوا إلى فرنسا أعدت لهم معسكرات في الجنوب وعوملوا بتهميش واضح، حتى إن شخصية بارزة منهم كتب كتابا عام 1962حول "الإهانة والخيانة" التي تعرض لها رغم الخدمات التي قدمها لفرنسا التي يؤمن بها.

إنكار فرنسي جزائري
ووفقا للحواس تقية، فإن حالة من الإنكار يعاني منها هؤلاء من قبل فرنسا وكذلك من قبل الجزائر التي تصفهم بالخونة، كما أن الحركى يستخدمون في الجدل السياسي بين البلدين، حين تطلب الجزائر الاعتذار عن الاستعمار فتطلب فرنسا اعتراف الجزائر بما وقع للحركى والاعتذار لهم.

تقية لا يرى في هذه النقطة أن الحركى مشكلة جزائرية، بل فرنسية. فهم تخلوا عن مواطنتهم وقاتلوا في الجيش الاستعماري بوصفهم فرنسيين.

أما التلويح الفرنسي بالضغط على الجزائر عبر فتح ملف الحركى الذين تعرضوا لأعمال انتقامية بعد الاستقلال، فقال تقية إن أي ملف فرعي يفتح سيهدد بفتح الملف الأصلي والخطيئة الكبرى ألا وهي الاستعمار.

هذا الاستعمار -كما يقول قادري- صودق عليه في البرلمان الفرنسي بوصفه دورا إيجابيا في شمال أفريقيا، لكن الأنكى من ذلك أن أطرافا حكومية وأمنية جزائرية سحبت قانونا من البرلمان الجزائري يجرم الاستعمار.