عالم الجزيرة

مسلمو الجبل الأسود

تروي حلقة (9/7/2015) من برنامج “عالم الجزيرة” قصة المسلمين في الجبل الأسود والمصاعب التي مرّوا بها في الماضي، وصولا إلى معاناتهم اليوم واندماجهم في المجتمع المتعدد الأعراق.

يبلغ تعداد سكان الجبل الأسود نحو660 ألف نسمة، بينهم عشرات الآلاف من المسلمين. وبحسب بعض الأرقام، فإن المسلمين يشكلون نحو 21% من السكان، ويتوزعون في جميع أنحاء هذا البلد المهمل من الخارطة الإعلامية العالمية.

وتشهد المدينة القديمة بالعاصمة بورغوريتشا على ذاكرة المسلمين في الجبل الأسود، حيث كانت هناك سبعة مساجد، ومنزل تاريخي مهم بني عام 1826 وكان يجتمع فيه الناس خلال شهر رمضان ويقدمون الطعام للذين لا يملكون نقودا للإفطار والسحور.

يقول إمام مسجد "عثمان آغيتش" إسماعيل داتستش لحلقة (9/7/2015) من برنامج "عالم الجزيرة" إن المسلمين يعملون على إعادة إحياء هذا الجزء من التاريخ من حياتهم، حيث شرعوا منذ رمضان الفائت في تحضير الإفطار في نفس المنزل.

ويعود تاريخ انتشار الإسلام في الجبل الأسود إلى حكم السلطنة العثمانية في أرض البلقان وتحديداً في عهد السلطان محمد الفاتح الثاني، إذ اختار عدد من السكان اعتناق الدين الإسلامي والالتزام بتعاليمه.

لكن مع رحيل السلطة العثمانية وقبيل الحرب العالمية الأولى، عرف المسلمون مرحلة سوداء طبعت حياتهم وعانوا خلالها من القهر والخوف والاضطهاد، حيث إن ازدياد عددهم مقارنة مع المسيحيين المقيمين -كما يؤكد المؤرخ سيربو راستودير- لم يعجب الدولة الناشئة التي قامت بترحيلهم.

إجبار على المسيحية
ويكشف المؤرخ أن 12.5 ألف مسلم أجبروا على اعتناق المسيحية، لكن مفتي العاصمة بورغوريتشا جمال جيماتوفيتش يقول إنهم لم يتقبلوا تلك الديانة بالقلب والروح، فعندما كان البطريرك يمشي أمام الطابور ويمسك بيده الصليب والمياه لينصّر المسلمين كان أحدهم يصرخ من الخلف ويقول أسرع سنتأخر على موعد الصلاة، وهذا يدلّ على أنهم كانوا مضطرين لقبول المسيحية وإلا فالقتل والقمع والاضطهاد.

وعند وصول الشيوعيين إلى السلطة عام 1945، لم يغير المسلمون طقوس عبادتهم، وإنما انخفضت لديهم قابلية الجهر بالعقيدة، فكانت هناك -يضيف راستودير- قلة قليلة من الناس فقط ترسل أبناءها إلى المدارس.

ثم جاءت الحروب الأهلية المريرة والدامية التي شهدتها منطقة البلقان بين عامي 1991 و1999 ونتج عنها تفكّك جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية إلى سبع جمهوريات مستقلة، من بينها جمهورية الجبل الأسود.

وقد أدت تلك الحرب -كما يقول رئيس تحرير مجلة "مونيتور" أسعد كوتشان- إلى اضطهاد الأقليات، حيث رُحّل المسلمون في بوكوفيتشا وبليفليا بالجبل الأسود وبعضهم قتل، كما هُدمت جميع المساجد وسُوّيت بالأرض.

اندماج
ومع حصول جمهورية الجبل الأسود على استقلالها عام 2006، تغيرت المعطيات السياسية وصار للمسلمين نواب يمثلونهم، بينما شغلت شخصيات مسلمة أخرى مناصب مهمة في أجهزة الدولة، مثل المحامية عزرا جازافيك التي عملت في وزارتي العدل والصحة.

المسلمون اليوم يعملون على الحفاظ على هويتهم وعاداتهم، ولكنهم يسعون أيضا إلى الاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه، وهو ما تشير إليه المحامية جازافيك التي لها أصدقاء من مختلف الديانات. وكذلك إمام مسجد عثمان آغيتش الذي يقول "نحن كأفراد من الأقلية إذا استطعنا أن ننفتح ونثبت قدرتنا على حمل الهوية الخاصة بنا، سنستطيع أن ننتقل إلى ما بعد حدود الجبل الأسود.. يمكننا أن نكون خلاقين جدا حساسين جدا وبطريقة ما نسوغ قيم التسامح في المجتمع".

وقد نجح المسلمون عام 2008 في افتتاح أول مدرسة دينية تقع على بعد ثمانية كيلومترات من العاصمة بودغوريتشا، يقدم المدرسون فيها صورة جيدة وجميلة عن الإسلام، كما يدرّسون الطلاب بقية العلوم الأخرى. 

ويؤكد راستودير أنه يوجد اليوم 158 مسجدا في الجبل الأسود، وبحسب الإحصائيات فإن 120 ألف نسمة هم مسلمون.