برامج متفرقة

نافذة على الميدان

كانت الجزيرة هناك، من نافذة تطل على ميدان التحرير يوم 25 يناير 2011 إلى إغلاق المكتب وبثها من وسط الميدان وصولا إلى إسقاط أساطير ظن الناس أنها لا تسقط أبدا.

من نافذة مكتب قناة الجزيرة المطل على ميدان التحرير في العاصمة المصرية القاهرة، كان يبدو صباح الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 صباحا عاديا هادئا، لكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة.

عاد الفيلم التسجيلي الذي بثته الجزيرة يوم أمس 28/2/2015 بعنوان "نافذة على الميدان" ليصور ثورة 25 يناير من خلال الأرشيف الحي في الذاكرة، ودور كاميرات وطواقم التحرير في نقل الحدث بمسافة واضحة عن باقي وسائل الإعلام التي توافرت إبان 18 يوما من الثورة.

شهادات عديدة مختلفة تحدثت عن يوميات الميدان التي لا تعد كباقي الأيام، واسترجاع لقاءات ميدانية مع رموز سياسية معارضة كان الميدان وجهتها، حيث كان هناك شباب الثورة الذين تجاوزوا ليس ترهل نظام حسني مبارك فحسب، بل ترهل خريطة المعارضة التقليدية أيضا.

عقب الثورة التونسية، بدأ الحراك الشعبي المصري يتساءل عن الفرق بين تونس ومصر، فهل تحدث الثورة في الأولى رغم قبضة زين العابدين بن علي القوية ولا تحدث في مصر؟

فضاء آخر
انطلقت التحركات الاحتجاجية، فكانت وقفات حركة كفاية مشهدا يوميا، غير أن المدونين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي بدؤوا يرسمون المشهد بفعالية كأنهم رسل الثورة من فضاء آخر لا يعرف القمع.

وائل قنديل:
الشخصية المصرية اغتسلت في المد الثوري لـ25 يناير، بعد أن تكفل النظام طوال ثلاثين عاما بتعليم المواطن الفساد

من نافذة مكتب الجزيرة، بدأت الكاميرا تصور لأول مرة مظاهرات بعشرات الآلاف بدلا من العشرات والمئات، وصارت الرغبة في النزول إلى الميدان حوارا يشغل كل بيت، وفق أحد ناشطي الثورة.

قبل ذلك، كانت عناوين الأخبار بقناة الجزيرة لا تضع أخبار الاحتجاجات في صدارة الأخبار، وبدأ مكتب الجزيرة يتلقى اتصالات محتجة على تجاهل المسيرات، بل بدأت الاتصالات ترد إدارة القناة في الدوحة.

لم يمر سوى وقت قصير حتى بدت مصر على وشك النفير، فبثت الجزيرة خبرا على استحياء بعد أن وصلت الأمور إلى وضع يصعب تجاهله.

يحيل عضو ائتلاف شباب الثورة ياسر الهواري ذلك إلى "عدم استيعاب" ما كان يجري، فلا أحد يتخيل أن ما يحصل في مصر ثورة، كما قال.

اتخذت السلطات قرارها بالحل الأمني، وتلت ذلك جمعة الغضب التي وصفها الكاتب الصحفي وائل قنديل بأن عبور هذه الجمعة لم "يكن أقل إبداعا من عبور خط بارليف" مضيفا أن الشخصية المصرية اغتسلت في هذا المد الثوري، بعد أن تكفل النظام طوال ثلاثين عاما بتعليم المواطن الفساد، على حد قوله.

ضد الجزيرة
تكثف العمل الإعلامي للجزيرة التي أصبحت موردا لكل من ينخرط في المشهد المصري، حتى أركان النظام المخلوع كانوا يتابعونها بشكل حثيث.

غير أن حضور الجزيرة لن يمر دون إجراءات تعكس حجم الارتباك الذي وقع فيه نظام مبارك، فبدأت حملة شيطنة القناة، وقطع الإنترنت عنها قبل قطعها عن مصر، ومحاولة قطع الكهرباء، وصولا إلى إغلاق المكتب.

إغلاق المكتب نقل النافذة التي تطل من بناية على الميدان إلى الميدان ذاته. وتذكر شهادات العديدين أن الشاشة العملاقة لقناة الجزيرة كانت تبث من وسط "التحرير" تحت حماية شباب الثورة، وكانت مشاهد موقعة الجمل من أبرز مفاجآت الثورة والتي نقلتها كاميرا الجزيرة وأحدثت نقلة كبرى في مسار الأحداث.

تشبث شباب الثورة بميدانهم فكانت جمعة الرحيل التي يصفها وائل قنديل بأنها أطول أيام ميدان التحرير، حيث قرر شباب الثورة التوجه إلى القصر لإخراج مبارك بالقوة.

أخيرا تنحى مبارك وكلف المجلس الأعلى العسكري لإدارة شؤون البلاد، وفتحت نوافذ كثيرة كانت قد أغلقت، وأُسقطت محرمات وأساطير ظن الناس أنها لا تسقط أبدا.