كوكب المريخ.. لقاء ينتظره المحبون

This image made available by NASA on Thursday, Nov. 5, 2015 shows an artist's rendering of a solar storm hitting the planet Mars and stripping ions from the planet's upper atmosphere. NASA's Mars-orbiting Maven spacecraft has discovered that the sun robbed the red planet of its once-thick atmosphere and water. On Thursday, scientists reported that even today, the solar wind is stripping away about 100 grams of atmospheric gas every second. (Goddard Space Flight Center/NASA via AP)
رسم يظهر عاصفة شمسية تضرب المريخ (أسوشيتد برس)

هاني الضليع*

بعد 15 سنة، يعود كوكب المريخ للظهور الساطع في سماء الأرض، إنه اللقاء التاريخي الذي لا يتكرر إلا مرة كل 15 سنة، لقاء يدعو جميع الفلكيين والهواة ومحبي النظر للسماء إلى الاهتمام بهذا الزائر خفيف الظل.

ففي عام 2003، وبمناسبة تلك الزيارة التاريخية والاقتراب الشديد بين الكوكبين إلى مسافة بلغت 55.7 مليون كيلومتر فقط، أرسلت إلى سطح المريخ سيارتان فضائيتان في يناير/كانون الثاني 2004، وهما سبيريت وأبورتشيونوتي بعد سفر دام ستة أشهر ونصف الشهر.

وأدت الأولى مهمتها لست سنوات ثم أفلت، في حين ظلت الثانية ترسل لنا البيانات والصور حتى يومنا هذا، وهي صاحبة الفضل في آخر اكتشافات المواد العضوية التي أعلنت عنها وكالة الفضاء الأميركية ناسا قبل بضعة أسابيع، فلماذا كوكب المريخ؟

ويعتبر كوكب المريخ أحد الكواكب الأرضية وأبعدها عن الشمس، فهو يملك أرضاً صلبة كعطارد والزهرة والأرض، وهو كوكب صغير نسبياً إذ يبلغ قطره 6800 كيلومتر، أي نحو نصف قطر الكرة الأرضية.

وتبلغ سنته 687 يوماً أرضياً، أي ما يقارب سنتين أرضيتين. ويومه يقارب اليوم الأرضي 24.5 ساعة، إلا أن أجمل ما يميز المريخ هو أن محور دورانه حول الشمس يميل بزاوية مقدارها 24 درجة، وهي زاوية تقارب زاوية ميلان محور الأرض 23.5 درجة، وهذا يعني أنه يمر بفصول كالتي نمر بها على الأرض، باختلاف واحد هو أن فصوله تطول إلى ضعفي مدة فصول الأرض، أي نحو ستة أشهر لكل فصل.

ومن الناحية الحياتية يعد المريخ أقرب الكواكب في ذلك إلى الأرض، وذلك بسبب درجة حرارة سطحه المعتدلة نسبياً مقارنة ببقية الكواكب، والتي تصل أعلاها سالب عشرين، وبسبب وجود غلاف جوي رقيق حوله مكون من بعض الغازات بنسب قليلة مثل ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين.

‪كوكب المريخ هو أحد الكواكب الأرضية وأبعدها عن الشمس‬ (رويترز)
‪كوكب المريخ هو أحد الكواكب الأرضية وأبعدها عن الشمس‬ (رويترز)

غلاف رقيق
وتصل كثافة هذا الغلاف مئة مرة أقل منها على سطح الأرض. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الغلاف الجوي الرقيق قادر على أن يغلف الكوكب كاملاً بعاصفة رملية تدعى العاصفة المريخية تختفي إثرها معالم سطح المريخ عن مرمى عدسات التلسكوبات والمراصد الفلكية القادرة على تمييز بعض المعالم الداكنة على سطحه، بل والقبعة الجليدية الجنوبية البيضاء التي تظهر واضحة حين يحل موسم الشتاء هناك.

بل إن تلسكوبات صغيرة هي أيضاً قادرة على فعل ذلك خصوصاً في موسمه الأعظم، وهو اللقاء التاريخي مع كوكب الأرض مرة كل 15 سنة.

ويعود سبب اللون الأحمر الذي يميز المريخ إلى وجود كمية كبيرة من أكسيد الحديد (الصدأ) على سطحه، الأمر الذي يشير إلى أن الماء كان موجوداً بوفرة هناك، هذا بالإضافة إلى العواصف الغبارية التي تعم سطحه في كثير من الأحيان.

دورة المريخ
وحيث إن المريخ يدور خارج مدار الأرض في دورة تستغرق أقل من سنتين أرضيتين، فإنه يلتقي بالأرض في نقطة قريبة بينهما مرة كل نحو سنتين (2.13 سنة) وتسمى هذه الدورة الدورة الاقترانية لأنها تقرن المريخ بالأرض والشمس على خط واحد في مسافة بينهما هي الأقل.

ويدعى اصطفاف الأجرام الثلاثة معاً التقابل، حيث تقع الأرض في الوسط بين الشمس والمريخ، فإن غربت الشمس ناحية الغرب أشرق المريخ من ناحية الأفق الشرقي.

ويوافق يوم التقابل هذا تاريخ 27/ 7/ 2018 وهو التقابل الأعظم بين الكوكبين، إذ إنهما يقتربان كل سنتين، لكن المسافة بينهما هذه المرة تنقص حتى تبلغ 57 مليون كيلومتر فقط، وهي قريبة من المسافة التي كان عندها في التقابل الأعظم السابق يوم 27/8/2003، أي قبل 15 سنة.

وأبعد مسافة له عن الأرض تبلغ أربعمئة مليون كيلومتر حين يصبح في الناحية المقابلة لنا في مداره حول الشمس.

لكنه في اقترانه كل سنتين يقترب بمعدل سبعين مليون كيلومتر، وهي مسافة بعيدة نسبياً عن مرمى تلسكوبات الهواة وكاميراتهم، خاصة أن قطره يبلغ نصف قطر الكرة الأرضية فقط.

‪المريخ.. الكوكب الأحمر‬ (الجزيرة)
‪المريخ.. الكوكب الأحمر‬ (الجزيرة)

ماذا سنشاهد على سطح المريخ؟
باقتراب الكوكب من الأرض شيئاً فشيئاً، ومع حلول موعد فصل الشتاء على القطب الجنوبي منه، فقد بدأت القبعة الجليدية البيضاء بالظهور من وراء عدسات تلسكوبات الهواة الكبيرة نسبياً، غير أن اللقاء المرتقب سيتيح ذلك المنظر أيضاً للتلسكوبات الصغيرة وحتى ذات قطر ثلاث بوصات (7.5 سم).

ولأن غلاف المريخ الجوي رقيق، وفي حال هدوئه وعدم إثارته الغبار، فإن معالم سطح المريخ ستكون أيضاً واضحة جلية، وأهم تلك المعالم معلم ضخم أطلق عليه اسم الجزيرة العربية (Arabia) لشبهه بها، وهي منطقة فاتحة اللون ملاصقة لمعلم داكن اللون يدعى باللاتينية "سيرتس ميجور" وهو الخليج الليبي الواقع على ساحل سدرا الموجود في ليبيا على الأرض.

ولهذا فإن اسم ليبيا موجود كأحد المعالم المدونة على خريطة المريخ، وكذلك سوريا وعدن ومؤاب وسيناء. أما إن تفحصنا الخريطة جيداً فسنجد مدناً وقرى عربية منتقاة عشوائياً تم إطلاق أسمائها هناك من قبل الاتحاد الفلكي الدولي على فوهات نيزكية مريخية، وهي:

 

فوهات سطح كوكب المريخ بأسماء مدن وقرى عربية

البلد

الأردن

فلسطين

قطر

الكويت

سلطنة عمان

سوريا

لبنان

العراق

المعلم

فقّوع وسوف

اللد

دخان

الوفرة

ضنك  ومنح وطيوي

ماري

حلبة وإهدن

هيت وكوت وكفري

البلد

تونس

الجزائر

السودان

المغرب

ليبيا

البحرين

مصر

السعودية

المعلم

جاما وكسرة وصفاقس

إرحارين ومدريسة وميله

مليط وشامبي وسنجه

تازة

سرت والقفرة

سترة

نعر

حرض وليلى

أخيراً، فإن كوكب المريخ يلمع دائماً بين النجوم بلونه الأحمر القاني، ويسير متحركاً بينها بسرعة ملحوظة بين اليوم والثاني، وهو أفضل الكواكب التي ترينا ظاهرة تحير الكواكب وذلك لأنه كوكب ذو مدار خارجي بالنسبة للأرض، فأثناء حركته من الغرب إلى الشرق يتوقف فجأة ويبدأ بالتحرك من الشرق إلى الغرب أي بعكس اتجاه حركته الأولى، ثم بعد بضعة أيام يتوقف مرة أخرى ليعاود حركته الأولى كما كان.

ويشاركه في هذه الظاهرة كل الكواكب الخارجية التي تليه لكنها أقل ظهوراً وملاحظة.

وبهذه المناسبة الفلكية، تنتظم في أكثر الدول العربية أنشطة رصد للكوكب الأحمر ابتداءً من يوم الجمعة 27 يوليو/تموز وحتى نهاية الشهر في مختلف المدن العربية وذلك باستخدام التلسكوبات التي ستتيح للناس رؤية بعض معالم هذا الكوكب الذي من المتوقع أن يصبح وجهة للزوار القادمين من الأرض والآهلين له خلال عقدين قادمين من الزمان.
________________
* عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك.

المصدر : الجزيرة