كيف تصبح وعود المناخ مؤثرة؟

Smoke streams from the chimneys of the E.ON coal-fired power station in Gelsenkirchen, Germany, Monday night, Nov. 24, 2014, and with a capacity of around 2300 MW of power it is one of the most powerful coal-fired power stations in Europe. Coal power plants are under pressure due to the German targets for reducing carbon-dioxide emissions. (AP Photo/Martin Meissner)
انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لا تزال في تصاعد مستمر رغم المحاولات الدولية للحد منها(أسوشيتد برس)

ستيفان ديون، وإيلوي لوران-أوتاوا

إن عامنا هذا سيكون الأكثر دفئاً في التاريخ المسجل على الإطلاق. فعلى مدى العقد الماضي، تسارعت وتيرة انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي، وازداد تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في العام الماضي بأسرع معدل في نحو ثلاثة عقود من الزمان، فبلغ مستوى أعلى بنسبة 15% مما كان عليه في عام 1990.

وكما يؤكد التقرير الأخير الصادر عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ فإن الانقطاع بين أزمة المناخ المتزايدة الحِدة والمفاوضات الدولية المتوقفة لم يكن في أي وقت مضى أعظم مما هو عليه اليوم.

وغني عن القول إن الكثير يتوقف على مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي تستضيفه باريس العام القادم، والذي قد يشكل إستراتيجيات الحد من الانبعاثات الغازية العالمية المسببة للانحباس الحراري العالمي حتى عام 2050. ولكن من غير المرجح أن تتمكن القمة من التوصل إلى الاتفاق العالمي الذي نحتاج إليه أشد الحاجة، ما لم يوسع قادة العالم تركيزهم بحيث يشمل ليس فقط خفض الانبعاثات بل وأيضا تسعير الكربون.

الواقع أن عددا متزايدا من الخبراء -بما في ذلك أولئك في صندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والبنك الدولي- يتفقون على أن أي خطة مناخية من غير الممكن أن يتحقق لها النجاح من دون الاستعانة بنظام يتسم بالفعالية والكفاءة لتسعير الكربون.

وقد خلص الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ إلى أنه إذا لم يتم تأسيس سعر عالمي موحد للكربون قريبا، فسيكون من المستحيل تقريبا منع تجاوز الانحباس الحراري العالمي حد الدرجتين المئويتين فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة العتبة التي قد تصبح تأثيرات تغير المناخ المدمرة عند تجاوزها لا سبيل لاجتنابها.

إن النهج الأحادي البُعد الذي يستند بشكل كامل على أهداف خفض الانبعاثات يمنع حتى المناطق التي كانت الأكثر نشاطا في التعامل مع تغير المناخ، مثل الاتحاد الأوروبي، من تحقيق القدر الكافي من التقدم. ولكن في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، وافقت بلدان الاتحاد الأوروبي على إطار عمل سياسي جديد في التعامل مع المناخ والطاقة لعام 2030، وهو الإطار الذي يفتقر إلى الأساس المتين، مثله في ذلك كمثل حزمة 2020 للمناخ والطاقة في الاتحاد الأوروبي.

إن هدف الاتحاد الأوروبي الراسخ المتمثل في خفض انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي بنسبة 40% بحلول عام 2030 لا تدعمه سوى أهداف كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة غير الملزِمة. وفي غياب إصلاح حقيقي لتسعير الكربون، فإن الصفقة تعتمد على نظام مقايضة الانبعاثات المهجور في الاتحاد الأوروبي. والنتيجة هي مجموعة من الالتزامات المبهرة في ظاهرها ولكنها تفتقر إلى أدوات التنفيذ الفعالة.

وبوسعنا أن نقول الشيء ذاته عن الاتفاق الثنائي الجديد الذي حظي بترويج واسع النطاق بين الولايات المتحدة والصين، الكيانين الأكثر إطلاقا للانبعاثات الكربونية في العالم. ونظراً للجمود الذي ساد سابقاً فإن هذه الصفقة تشكل تقدما محمودا، ولكنها أيضاً تفتقر إلى الأدوات الكافية لدعم طموحاتها.

تتمثل الخطوة الأولى بإطلاق مناقشة تدعمها البحوث الأكاديمية والأدلة العلمية وتهدف إلى تحديد سعر عالمي مرغوب للكربون ووضع الخطوط العريضة للروابط بين أسعار الوقت الحاضر وأسعار المستقبل

تسعير الكربون
وينبغي لقمة باريس في العام المقبل أن تنتج اتفاقا أكثر جوهرية، حيث يتم دعم أهداف خفض الانبعاثات الوطنية من خلال الأدوات الكافية والجيدة التنسيق اللازمة للتنفيذ، بما في ذلك سعر عالمي تجريبي للكربون. ولا مجال للغموض ببساطة في قضية ملحة مثل تغير المناخ.

تتمثل الخطوة الأولى نحو إنشاء مثل هذا الاتفاق في إطلاق مناقشة تدعمها البحوث الأكاديمية والأدلة العلمية وتهدف إلى تحديد سعر عالمي مرغوب للكربون ووضع الخطوط العريضة للروابط بين أسعار الوقت الحاضر وأسعار المستقبل، مع وضع العدالة والكفاءة والفعالية في الحسبان. وسوف تكون مثل هذه المناقشة -وليس أهداف خفض الانبعاثات التي لا تضمنها سوى "الإرادة السياسية" لكل دولة- علامة على نجاح القمة.

الواقع أن أي نتيجة لن تكون أسوأ من التوصل إلى اتفاق "باعث على الارتياح" ويتألف من أهداف غامضة غير قابلة للتطبيق. وتمثل تصريحات الحكومة الأميركية الأخيرة لصالح الاتفاق "السياسي" وليس الاتفاق "الملزم قانونا" دليلا آخر على أن التصريحات الرسمية وحدها لن تسفر إلا عن هذه النتيجة على وجه التحديد.

وفي الأمد الأبعد، قد يعمل الحوار البنّاء في باريس حول سعر الكربون العالمي اللائق على تمهيد الطريق إلى وضع نهج جديد متعدد الجوانب لإدارة المناخ يثمن المبادرات الإقليمية والمحلية، بالإضافة إلى الجهود الوطنية. وعند هذه النقطة، يصبح من الممكن أن تتقارب أسعار الكربون المنفصلة تدريجيا نحو سعر موحد، كما حدث مع أسعار السلع الأساسية مثل النفط.

كثيراً ما يتباهى زعماء الاتحاد الأوروبي أمام شركائهم العالميين بالتزامهم بتخفيف تغير المناخ. ولعلهم على حق، ولكن حتى الآن كانت بلدان الاتحاد الأوروبي بارزة في هذا الصدد لأن بقية دول العالم كانت متأخرة كثيراً وليس لأنه صمم إستراتيجية فعالة حقا في التعامل مع المشكلة، والواقع أن الاتفاق المبرم مؤخرا من الممكن أن يخدم في واقع الأمر كنموذج مضاد للقمة في العام المقبل.

إن سعر الكربون يرقى فعليا إلى سعر رفاهة الإنسانية على هذا الكوكب. وإذا كانت أوروبا راغبة حقا في قيادة المعركة ضد تغير المناخ، فيتعين عليها أن تجلب قضية نظام تسعير الكربون المنسق إلى طاولة المفاوضات. وبهذا يصبح بوسعها أن تطلق تحولا حاسما نحو اتفاق مناخي شامل وفعال لأول مرة.
_______________
** ستيفان ديون: عضو مجلس النواب في كندا، ووزير البيئة السابق في كندا.
** إيلوي لوران: كبير خبراء الاقتصاد لدى المعهد الفرنسي للبحوث الاقتصادية/معهد العلوم السياسية، ومدرس في جامعة ستانفورد.

المصدر : بروجيكت سينديكيت