مصر وأزمة "لم شمل" السوريين.. عينتان من الجيزة

المفوضية المصرية للحقوق والحريات طالبت في تقرير لها الحكومة المصرية بالتوقف عن سياسة منع استقبال طالبي اللجوء السوريين الصورة لبنر التقرير الذي أصدرته المفوضية وهو مأخوذ من صفحتهم الرسمية
المفوضية المصرية طالبت الحكومة بالتوقف عن سياسة منع استقبال طالبي اللجوء السوريين (مواقع التواصل الاجتماعي)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

لم يكن عزم أبو اليمان يتوقع حين نزوحه القسري من بلدته "الغوطة الشرقية" المتاخمة للعاصمة السورية دمشق هو وعائلته عام 2013، أن تفرق ظروف المعيشة بينه وبين باقي أفرد الأسرة، وتصبح غاية مناه أن يلتئم شمل العائلة مرة أخرى.

ثلاثة أشهر قضاها أبو اليمان مع عائلته المكونة من والديه وزوجته وأبنائه الأربعة بمدينة السادس من أكتوبر التابعة لمحافظة الجيزة في مصر، بعد أن نجح في الوصول إليها أواخر فبراير/شباط 2013، معتمدا على مساعدات لأقارب له ميسورين يعملون في السعودية، قبل أن ييمم وجهه إليهم بحثا عن فرصة عمل مناسبة تغنيه وأسرته عن غيرهم.

ومع تغير الأوضاع السياسية بمصر منتصف عام 2013 ووقوع الانقلاب العسكري، الذي كان أحد آثاره التضييق على السوريين المقيمين بمصر، ومن ذلك فرض تأشيرة دخول على جميع السوريين القادمين إليها، باءت محاولات أبو اليمان المتكررة من حينها للعودة إلى مصر والاجتماع بأسرته مرة أخرى بالفشل.

يحكي أبو العزم لمراسل الجزيرة من خلال أحد مواقع التواصل الاجتماعي، كيف أن سعيه لإيجاد وسيلة العودة لمصر والاجتماع بأسرته، ترك أثره على جميع تفاصيل حياته، حتى دفعه ذلك للاستغناء عن أكثر من فرصة عمل على أمل تحقيق هدف اللقاء، الأمر الذي كلفه الكثير من المال والجهد بلا نتيجة.

معاناة أبو العزم تحاكي معاناة الكثير من السوريين الذين تزداد أحوالهم تأزما مع عدم توفر مساع حقيقية من قبل النظام لتحقيق آمالهم في "لم الشمل"، وهو ما رصده تقرير نشرته المفوضية المصرية للحقوق والحريات مؤخرا، وطالبت فيه الحكومة المصرية بالتوقف عن سياسة منع استقبال طالبي اللجوء السوريين.

أحد أماكن تجمع السوريين بمدينة السادس من أكتوبر(الجزيرة نت)
أحد أماكن تجمع السوريين بمدينة السادس من أكتوبر(الجزيرة نت)

رصد وتوثيق
التقرير -حسب المفوضية- عمل على رصد المخاطر التي يتعرض لها الساعون للجوء إلى مصر عبر طرق غير رسمية، بهدف لم الشمل مع أسرهم، بعد قرار الحكومة المصرية في 2013 بمنع دخول حملة الجنسية السورية إلى مصر إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول مسبقة إجراءاتها صعبة ومكلفة، ووثق العديد من قصصهم.

وأوضحت المفوضية للجزيرة نت أن واقع السوريين بمصر مر بمراحل تغير كبيرة منذ بداية توافدهم لمصر في 2011، وزادت عمليات التضييق ضدهم بعد إلغاء قرار معاملتهم معاملة المصريين في أغسطس/آب 2013، لافتة إلى أن الحكومة المصرية لا تلتزم في علاقتها مع اللاجئين بالمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها بهذا الصدد.

وترى المفوضية أنه لا يمكن فصل مسؤولية مصر في تقديم مصالحها عن ضرورة التزامها بما وقَّعت عليه، مشددة على إمكانية تقليل الوافدين السوريين بشكل غير رسمي عن طريق السماح لهم بالدخول من المنافذ الرسمية بعد فحص طلباتهم بشكل سريع بما يتناسب مع طبيعة وضعهم كنازحين بالإجبار من بلادهم.

وتشير المفوضية إلى أن لم شمل العائلات المنفصلة في حالات النزاع المسلح هو حق من الحقوق الواجبة بموجب القانون الدولي، وأن اتفاقية جنيف الرابعة تنص بوضوح على أنه ينبغي على الحكومات اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لتيسير جمع شمل العائلات المنفصلة.

"الواجب الأخلاقي" يفرض على مصر باعتبارها جارة ودولة شقيقة لسوريا فضلا عن الاتفاقات الدولية التي تنص على حقوق اللاجئين، المسارعة في حل مشكلة طالبي اللجوء من الباحثين عن "لم شمل العائلة" حسبما تراه مسؤولة الملف المصري في منظمة هيومن رايتس مونيتور، سلمى أشرف.

وتشير سلمى في حديثها للجزيرة نت إلى أن اتفاقية حماية اللاجئين الخاصة بالأمم المتحدة تنص بوضوح على منع الدول الموقعة عليها من فرض عقوبات جزائية بسبب دخول لاجئين، أو وجودهم غير القانوني، أو فرض غير الضروري من القيود على تنقلاتهم.

وترى مسؤولة الملف المصري بـ"رايتس مونيتور" أن عدم وجود مخيمات لاجئين للسوريين بمصر يعني أنها لا تتحمل تكاليف تواجدهم بها، وهو ما قد يعد ميزة للسوريين تحول دون نفيهم في مكان معزول أو حرمانهم من التجول.

القائم بأعمال السفارة المصرية في دمشق، ثروت سليم، تعهد أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي بالسماح للسوريين ممن لهم قرابات من الدرجة الأولى بإصدار تأشيرات "لم الشمل"

وعود رسمية
وكان القائم بأعمال السفارة المصرية في دمشق، ثروت سليم، قد تعهد أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي بالسماح للسوريين ممن لهم قرابات من الدرجة الأولى بإصدار تأشيرات "لم الشمل"، إلا أن حقوقيين ومراقبين أكدوا رفض أغلب الطلبات المقدمة للحصول على هذه التأشيرة.

الحقوقية نيفين ملك -عضو جبهة الضمير- اعتبرت عدم تفعيل العمل بقرار إصدار تأشيرات لم الشمل، تحت أي ذريعة أمنية سيؤدي إلى ازدياد نسب الدخول الغير شرعي عبر التسلل ورواج تجارة التهريب، مشددة على ضرورة أن تتعامل السلطات المصرية مع الأمر انطلاقا من البعد الإنساني والواجب الأخلاقي تجاه السوريين.

بيد أنها رأت في حديثها للجزيرة نت "مفارقة" في تعهد السلطات المصرية بالسماح للسوريين بلم شملهم مع أسرهم المتواجدة بمصر، في الوقت الذي يعاني فيه آلاف المصريين "المعارضين" لها من المطاردة التي دفعتهم للخروج من مصر، وحرمانهم حق زيارة مصر والالتقاء بأسرهم وأهلهم خشية التنكيل بهم.

بينما في المقابل، يرى المحامي والحقوقي أسعد هيكل أن منح حق اللجوء له ضوابط دستورية، يقابلها ضوابط تتعلق بالحفاظ على الأمن القومي المصري، مشددا على أنه "ليس من حق أي جهة حقوقية أو سياسية أن تملي على الدولة المصرية أن تستقبل أو لا تستقبل لاجئين من أي دولة كانت".

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن قبول طالبي لجوء سوريين لمصر في الفترة الحالية يخضع لتقدير الجهات الأمنية المختصة، في ظل تطورات الوضع بسوريا، خاصة بعد نجاح النظام السوري في السيطرة على أغلب أماكن النزاع، وهزيمة الجماعات المسلحة وفرار العديد من أفرادها، ما يوجب التحقق والتدقيق في طالبي اللجوء لمصر.

المصدر : الجزيرة