بعد عقود من الصراع.. حكم ذاتي جديد لمسلمي الفلبين

لحظة الإنتهاء من نسخة القانون التأسيسي لبنغسامورو بحضور زعماء الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ وجبهة تحرير مورو الإسلامية الأربعاء مساء.الصورة من حساب السيناتور زوبيري
السيناتور زوبيري نشر هذه الصورة بعد الانتهاء من نسخة القانون التأسيسي بحضور نواب مجلسي النواب والشيوخ وجبهة تحرير مورو

صهيب جاسم-جاكرتا

بعد أكثر من أربع سنوات على توقيع اتفاقية سلام بنغسامورو بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية، والتي سبقتها مفاوضات ومعارك طوال 17 عاما، توصل أعضاء من مجلسي النواب والشيوخ يوم الأربعاء إلى "القانون التأسيسي لمنطقة الحكم الذاتي لبنغسامورو في مينداناو المسلمة".

وتأتي هذه الخطوة "التاريخية" بعد 42 عاما من أول اتفاق وقع بين مسلمي مورو والحكومة الفلبينة في طرابلس الغرب عام 1976، و بعد مداولات دامت شهورا للوصول إلى الصيغة التوافقية بين نسختي مجلس الشيوخ ومجلس النواب، مقابل النسخة الأولى التي تقدمت بها هيئة بنغسامورو الانتقالية قبل نحو عام التي تضم قيادات جبهتي مورو الإسلامية والوطنية وممثلين عن شعب مورو.

وقال زعيم الأغلبية في مجلس النواب رودولفو فاريناس إن الدستور يمنح الكونغرس -بمجلسي النواب والشيوخ- حق إصدار قوانين تأسيسية أو تنظيمية تخص مناطق بعينها، وإن المنطقة التي تعيش فيها أغلبية مسلمة ستسمى "منطقة الحكم الذاتي لبنغسامورو". وتعني كلمة "بنغسامورو" شعب مورو الذي يضم قوميات مسلمة عديدة تقطن جزيرة مينداناو والجزر الصغيرة القريبة منها.

ويفترض أن يرسل الكونغرس النسخة النهائية إلى الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي اليوم لدراستها قبل التصديق عليها لتصبح تشريعا صباح الاثنين المقبل.

‪مشاعر الفرح لحظة الانتهاء من نسخة قانون شعب مورو في مؤتمر لجنتي مجلسي الشيوخ والنواب‬ (الجزيرة)
‪مشاعر الفرح لحظة الانتهاء من نسخة قانون شعب مورو في مؤتمر لجنتي مجلسي الشيوخ والنواب‬ (الجزيرة)

استفتاء شعب مورو
وتتبع ذلك خطوة تاريخية منتظرة، وهي تنظيم استفتاء في المناطق ذات الأغلبية المسلمة جنوبي الفلبين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل إن لم يتعثر الجدول الزمني المتفق عليه، إذ سيستفتى المسلمون هناك بشأن موافقتهم على أمرين، وهما اعتبار ما جاء في القانون التأسيسي الجديد دستورا لمناطقهم، وضم مناطقهم للنظام السياسي الجديد الذي سيحل محل الحكم الذاتي الحالي المعروف بمنطقة الحكم الذاتي في مينداناو المسلمة القائم منذ العام 1990.

وخرجت مسيرات منذ مطلع الشهر الجاري في الأقاليم المسلمة، وامتدت إلى مانيلا خلال الأيام الماضية، تطالب بتعجيل إقرار القانون التأسيسي لشعب مورو بعد سجالات لأكثر من عامين في الكونغرس.

وتطمح غالبية شعب مورو -حسبما أظهرته مؤتمرات مليونية عدة- إلى تحقيق ما جاء في مسودة القانون التأسيسي لمنطقة الحكم الذاتي لبنغسامورو من حقوق وصلاحيات يفترض أن تكون ترجمة لمعظم ما جاء في اتفاقية السلام الشاملة، وليتأسس حكم ذاتي جديد يحل محل الحكم الذاتي الحالي.

ومن خلال تسميته يتضح اعتراف بحق شعب مورو التاريخي والثقافي، إذ سيكون اسم المنطقة أو الكيان الجديد "منطقة الحكم الذاتي لبنغسامورو"، على أن يعني ذلك المزيد من الحقوق السياسية والصلاحيات الاقتصادية والتشريعية والقانونية.

ويشمل الحكم الذاتي لبنغسامورو جغرافيا المناطق الخاضعة للحكم الذاتي الحالي، وهي: طاوي طاوي، وبازيلان، وماغنداناو، ولاناو ديل سور. وكان يضم إقليما خامسا هو إقليم الشريف كابونسوان لكنه فقده بحكم قضائي عام 2008.

ومن المفترض أن يحدد الاستئناف مصير المناطق الأخرى ذات الأغلبية المسلمة التي تخضع إداريا لأقاليم زاد عدد المسيحيين فيها بسبب الهجرة من الشمال. ومنها ست بلديات و39 قرية في إقليمين دار حولهما خلاف لمرحلة التهديد من بعض الأطراف بالسعي لإفشال القانون التأسيسي لشعب مورو برمته لو ضمت لمناطق الحكم الذاتي الجديد دون استفتاء.

‪قيادات جبهة تحرير مورو الإسلامية وأعضاء من الكونغرس الفلبيني في مناقشات جانبية‬ (الجزيرة)
‪قيادات جبهة تحرير مورو الإسلامية وأعضاء من الكونغرس الفلبيني في مناقشات جانبية‬ (الجزيرة)

قيادة السلطة الانتقالية
وكان ممثلون عن جبهة تحرير مورو قد شاركوا في السجال بالكونغرس، حيث تابعوا تفاصيل الحذف والإضافات والتعديل، كما اعترضوا على بعض العبارات، وجرت تعديلات بناء على مقترحاتهم.

وقال غزالي جعفر نائب رئيس جبهة تحرير مورو "إننا راضون، صحيح أنه ليس قانونا مثاليا، لكنه بداية جيدة، وهو مهم جدا بالنسبة لنا، ليس لشعب مورو فقط بل للمنطقة بأسرها".

وكان جعفر قد هدد في اليوم الأخير بسحب التأييد للقانون إذا لم يتم تعديل عبارات تتعلق بالاستفتاء، مما اعتبره تقويضا للصلاحيات التشريعية للبرلمان الذي يفترض أن يؤسس تمثيلا لشعب مورو، وقد أخذت اعتراضاته بعين الاعتبار.

وسترأس جبهة تحرير مورو "سلطة بنغسامورو الانتقالية" التي ستتشكل أواخر العام الجاري أو مطلع العام المقبل، وستدير مناطق الجنوب حتى انعقاد الانتخابات، وستخصص لها موازنة من الحكومة باعتبارها هيئة تنفيذية وتشريعية مؤقتة أو انتقالية خلال السنوات الثلاث المقبلة.

ومع أن النسخة النهائية لم توزع على الصحفيين، لكن ما صرح به النواب يشير إلى أن سلطة بنغسامورو الانتقالية برئاسة جبهة تحرير مورو ستحل محل الحكومة الحالية ذات الحكم الذاتي، ومعظم قادتها من جبهة تحرير مورو وسياسيون مسلمون من العوائل ذات النفوذ.

ويتوقع أن تضم السلطة الانتقالية سياسيين من غير الجبهة الإسلامية، وخصوصا من بعض أجنحة الجبهة الوطنية الداعمة لمسار السلام الجديد، وأبرز من سيكون لهم دور في التحول 24 نائبا مورويا من أعضاء المجلس المحلي القائم، الذين قالت الجبهة الإسلامية إنها ستشركهم في المرحلة الانتقالية.

‪لحظة توقيع زعيمي الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ على القانون التأسيسي لشعب مورو‬ (صورة نشرها السيناتور ميغول زوبيري) 
‪لحظة توقيع زعيمي الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ على القانون التأسيسي لشعب مورو‬ (صورة نشرها السيناتور ميغول زوبيري) 

توزيع الصلاحيات
ويقول زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ ميغول زوبيري، الذي وقع على النسخة التوافقية مع نظيره من مجلس النواب، إن انتخابات ستنظم في منطقة الحكم الذاتي الجديد في العام 2022 تزامنا مع الانتخابات الوطنية بالفلبين، واصفا ذلك بـ"الفجر الجديد في منطقة بنسغامورو".

ويؤسس القانون لتشكيل برلمان لشعب مورو يضم ثمانين عضوا، نصفهم من ممثلي الأحزاب، ومن بين تلك الأحزاب حزب شكلته جبهة تحرير مورو وأحزاب أخرى، و40% من ممثلي البلديات، و10% من ممثلي القوميات غير الموروية والمستوطنين غير المسلمين، وينبثق عن البرلمان رئيس وزراء ونائبان.

وسيكون للمنطقة نظامها القضائي المستمد من الشريعة الإسلامية، مع عدم معارضة الدستور الفلبيني، بالتوازي مع المحاكم المدنية، وباستثناء الحالات التي ترتبط بغير المسلمين الذين يخيرون بين النظام القضائي الإسلامي أو الوطني.

وسيمنح القانون الجديد 75% من إيرادات المنطقة لشعب مورو، والبقية للحكومة المركزية، مقارنة بنسبة 70% ممنوحة للحكم الذاتي الحالي، إضافة إلى تخصيص 5% من إيرادات الحكومة المركزية للحكم الذاتي الجديد من دون شروط مسبقة، وموازنة تنموية أخرى قيمتها خمسة مليارات بيسو فلبيني سنويا ولمدة عشر سنوات.

ومما تسرب عن القانون التأسيسي سيادة شعب مورو على مياهه الإقليمية في بحر صولو وخليج مورو بمسافة تبلغ 19 كيلومترا من سواحل الجزر، وكانت جبهة تحرير مورو قد طالبت بمسافة 22.2 كلم.

ويستثنى من حقوق وصلاحيات الحكم الذاتي الجديد الجيش والشرطة، حيث ستظل المنظومة الأمنية والدفاعية من خصائص الحكومة المركزية، كما ستبقى موارد الطاقة المتجددة والطاقة الكهربائية المولدة مائيا تحت إدارة مشتركة مع الهيئات المركزية.

المصدر : الجزيرة