مدعٍ عام غير مسلم بماليزيا.. العين على محاربة الفساد

مهاتير محمد ونائبته عزيزة إسماعيل بعد الفوز في الانتخابات وأثناء مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة.jpg
رئيس الوزراء الجديد مهاتير محمد (وسط) تعهد بمكافحة الفساد (الجزيرة)
 

 

سامر علاوي-كوالالمبور
تجنبت الحكومة الماليزية أزمة دستورية بإقناع الملك محمد الخامس بالموافقة على تقلد شخصية غير مسلمة منصب المدعي العام الجديد، وواضح من أول تصريح لتومي توماس بعد تسلمه منصب المدعي العام أن هدف تعيينه هو التحقيق في قضية الفساد الشهيرة (شركة ماليزيا واحدة للتنمية 1MDB)، والشبهات التي تدور حول رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، لكن ديانته المسيحية وتاريخه المهني يجعلاه غير مؤهل دستوريا برأي منتقدي تقليده المنصب.
لقد جمدت الحكومة الجديدة عمل المدعي العام السابق أبندي علي بعد انتخابات التاسع من مايو/أيار الماضي، وطلب منه رئيس الوزراء الجديد مهاتير محمد الحصول على إجازة، ورشحت مكانه توماس الخبير القانوني المخضرم البالغ من العمر 66 عاما.

مخاوف مبررة
أثار ترشيح الحكومة لأول مدع عام غير مسلم مخاوف على مكانة الملك والإسلام، وهي المكانة التي ينص الدستور على أن الحفاظ عليها من واجبات من يتقلدون مناصب حساسة في الدولة، والمعروف دستوريا أن الملك يمثل وحدة البلاد وقداسة الإسلام وحمايته.
 
وقد أشيع أن الملك رفض قبول تعيين توماس لهذا المنصب، وتبع ذلك موجة قلق على مصالح وامتيازات العرقيات المنضوية تحت ما يعرف باسم "بومي بوترا" أو أبناء الأرض، وهم غالبية السكان من المالاويين المسلمين وغيرهم.
السقاف يرى أن قلق المالاويين له ما يبرره
السقاف يرى أن قلق المالاويين له ما يبرره
ورغم أنه لا خيار للملك دستوريا سوى تنفيذ توصيات رئيس الحكومة فإن محللين سياسيين يرون أن مخاوف الملك والمالاويين لها ما يبررها، ومن وجهة نظر السياسي المخضرم عبد الرزاق السقاف، تعود هذه المخاوف إلى تاريخ وخلفيات المدعي العام الجديد، حيث تولى توماس الدفاع في المحاكم عن تشين بينغ قائد المسلحين الاشتراكيين الذين خاض الجيش الماليزي ضدهم حربا ضروسا انتهت عام 1989م.
 
ويضيف السقاف في حديثه للجزيرة نت -وهو عضو برلمان سابق- أن الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الماليزية، ويستشعر تضحيات آلاف الجنود وعناصر الشرطة الملكية الماليزية في حربهم مع المسلحين الاشتراكيين ضد من كان يعتبر توماس قائدهم أنه بطل.
كما أن توماس تولى الدفاع عن رئيس حزب العمل الديمقراطي -وزير المالية الحالي ليم غوان إنغ- في قضية فساد ما زالت معروضة أمام المحاكم الماليزية، وطالب بإسقاط تهمة الفساد عنه بعد تكليفه بوزارة المالية، وهو ما بعث شعورا واسعا بأنه غير محايد وموال لتحالف الأمل الحاكم حاليا بقيادة مهاتير محمد.

إنقاذ الموقف
لكن رئيس المعارضة السابق ومستشار الحكومة الحالي أنور إبراهيم سارع إلى لقاء الملك محمد الخامس وغيره من سلاطين الولايات لطمأنتهم بأن حقوق المالاويين لن تمس، وقال بعد لقائه بالملك إنه أخبره بأن الحكومات تتغير لكن الدستور باق، وأن العائلات المالكة عملت مع حكومات الجبهة الوطنية على مدى أكثر من ستة عقود وأن الوضع قد تغير الآن.

أنور إبراهيم أقنع الملك الماليزي بالقبول بأول مدع عام غير مسلم
أنور إبراهيم أقنع الملك الماليزي بالقبول بأول مدع عام غير مسلم
ونظرا لأن مهمة المدعي العام تقديم النصح والاستشارة للملك فقد أقر أنور إبراهيم بأن مدعيا عاما غير مسلم لن يكون بإمكانه تقديم نصيحة لهما بما يتعلق بقضايا الشريعة، وقد طالب السلاطين السبع الذين التقاهم أنور إبراهيم بتقديم ضمانات بألا تمسح حقوق المالاويين والإسلام.
 
وكان لافتا أن من تولى إقناع الملك بصلاحية المدعي العام الجديد هو أنور إبراهيم وليس رئيس الوزراء مهاتير محمد، حيث إن الأخير لا يجد قبولا من قبل السلاطين، ووصف أسلوب تعامله مع الملك بعد الانتخابات بالإملاءات، حيث قال يجب عليه أن يكلفني أنا بتشكيل الحكومة.

استهداف الملك
ما إن حسم أمر تعيين مدع عام غير مسلم بموافقة الملك محمد الخامس، حتى ظهر تقرير صحفي يتحدث عن نفقات خيالية تصرف على القصر الملكي، وكتب الصحفي عبد القادر جاسم أن الحكومة الماليزية أنفقت على خدمات القصر نحو 260 مليون رنغيت منذ يناير/كانون الثاني 2017 أي ما يعادل أربعين مليون دولار.
 
وربط التقرير الذي نشرته صحيفة "ذا مالاي ميل" بين المبالغ الكبيرة التي تنفق على السلاطين وادعاءات حفاظهم على حقوق المالاويين وحمايتها، وانتقد بشكل غير مباشر ولاء أنور إبراهيم للملك بالقول "إنه معتاد على تقبيل يديه".
 
وهذه هي المرة الثانية التي يجري التعرض فيها للملك وأنور إبراهيم وأسرته، حيث انتشرت شائعة الأسبوع الماضي بنية الملك محمد الخامس الزواج من نور العزة أنور إبراهيم، علما بأن كليهما مطلقان، وهو ما فسر على نطاق واسع بأنه استهداف متعمد للملك وأنور إبراهيم وأسرته في إطار صراع خفي على السلطة.
 
بينما بدا أنور إبراهيم مقربا جدا من الملك الذي استقبله فور خروجه من السجن، مقابل تلكؤه في استقبال مهاتير محمد وتكليفه بتشكيل الحكومة بعد إعلان فوزه في الانتخابات، كما تعرضت نور العزة لأكثر من موقف يهدف إلى تشويه سمعتها، منها اتصال من قبل مجهول في برنامج إذاعي يعرض بأخلاقها.
 
لم يفوت أنور إبراهيم الهجوم على الملك ووصف التقرير الذي تحدث عن نفقاته بأنه غير لائق ومهين، علما بأن عبد القادر جاسم الكاتب الصحفي الذي نشر التقرير عضو في المجلس الأعلى لحزب وحدة أبناء الأرض الذي أسسه ويتزعمه مهاتير محمد، والمتحدث باسم مجلس كبار الشخصيات الذي أسسه مهاتير فور تسلمه السلطة.
المصدر : الجزيرة