هكذا عمّقت الحدود بين المغرب والجزائر معاناة الشعبين

منطقة بين الجراف الحدودية بين المغرب والجزائر (3)
الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ 1994 (الجزيرة نت)

وجدةـ الجزيرة نت

لم تكن عائشة اليوسفي، السيدة المغربية البالغة من العمر 87 عاما، تتوقع أن تنقطع صلتها بأقاربها في الجزائر بهذا الشكل، قبل خمس أو ست سنوات.

فرغم إغلاق الحدود بين البلدين الجارين عام 1994، فإن صلة الرحم بين الشعبين استمرت، عبر اختراق الحدود في كلا الاتجاهين، بمساعدة أشخاص لهم دراية بالطرق السرية عبر الحدود بين البلدين.

حالة "خالتي عيشة" كما يحب أقاربها مناداتها، لا تختلف عن حال الآلاف من المواطنين في البلدين، الذين تجمعهم علاقة قرابة ومصاهرة، فهم يتألمون في صمت، ويمنون النفس بانجلاء سحابة التوتر الداكنة، التي تخيم على العلاقات المغربية الجزائرية، أملا في غد أفضل يمكنهم من التنقل عبر الحدود البرية لتبادل الزيارات دون عناء وتكاليف باهظة.

وبين آمال هؤلاء المواطنين القاطنين بالخصوص في مدن الغرب الجزائري والشرق المغربي، هناك واقع أكثر قتامة على الأرض، فالدولتان ماضيتان في إحكام القبضة على الحدود، بتشييد خنادق في الطرف الجزائري، والسياج الحديدي في الطرف المغربي، ما يضع آمال المواطنين في صلة رحم عادية، مجرد أماني وأحلام قد يطول تحققها.

‪عائشة اليوسفي سيدة تحلم بزيارة أقاربها في الجزائر دون عناء‬ (الجزيرة نت)
‪عائشة اليوسفي سيدة تحلم بزيارة أقاربها في الجزائر دون عناء‬ (الجزيرة نت)

مرور مستحيل
زيادة على أن الوضع الحالي للحدود جفف منابع التهريب المعيشي الذي كان يمارسه سكان الشريط الحدودي، في كلا الاتجاهين، وما يعنيه ذلك من فقدان الآلاف لمصدر دخلهم الرئيسي، فإن الآثار الإنسانية على العلاقات بين الأصهار والأهل في كلا الجانبين كانت أعمق.

فقبل خمس أو ست سنوات، كان بإمكان "خالتي عيشة" وبعض أقاربها التنقل عبر الحدود، وزيارة الأهل في ولاية "عين تموشنت" غرب الجزائر، التي لا تبعد عن الحدود المغربية سوى 150 كيلومترا.

لكن بعد الخنادق التي شيدتها الجزائر والتي يصل عمقها إلى سبعة أمتار وعرضها إلى أكثر من ثلاثة أمتار، ولجوء المغرب من جانبه إلى تشييد سياج على طول 110 كيلومترات، بارتفاع مترين تقريبا، بدد كل الآمال وأصبح المرور مستحيلا.

أغلب الذين كانوا يعبرون الحدود بشكل سري قبل الوضع الجديد، كانوا يلجؤون إلى خدمات أشخاص يطلق عليهم اسم "الكراسة"، لهم دراية بالمنافذ التي يمكن عبرها التسلل، يقدمون خدماتهم مقابل المال، لكن يبقى مالا قليلا مقارنة مع ما يجب أن يدفعه المواطنون اليوم لشراء تذاكر السفر عبر الطائرة لبلوغ وجهاتهم في كلا البلدين.

ويعدد هواري، ابن "خالتي عيشة" -في حديث للجزيرة نت- ما يلزم العائلة إن هي رغبت في تسفير والدته إلى أقاربها في الجزائر، منها ارتفاع ثمن التذاكر والانتقال من مدينة وجدة إلى مطار الدار البيضاء الذي يبعد ستمئة كيلومتر، ومن هناك إلى الجزائر العاصمة، ثم إلى وجهتها داخل الجزائر، فضلا عن حاجتها إلى مرافق لأنها طاعنة في السن، وهو ما يضاعف التكاليف.

هكذا، يتحول مشوار لا تزيد مدته برا عن ساعتين أو ثلاث إلى مشوار يتطلب قطع آلاف الأميال، وبتكاليف تصل إلى نحو ألف دولار، بفعل الوضع الجديد على الحدود. 

فكم من صديق وأخ وصهر لم يشاركه أهله في أحد طرفي الحدود أفراحه، وكم من هؤلاء لبوا نداء الله، وحال السياج والخنادق دون أن يشاركهم الأهل في الجهة الأخرى في تشييعهم إلى مثواهم الأخير.

‪الناشط زبوح: قرار فتح الحدود هو قرار سياسي‬ (الجزيرة نت)
‪الناشط زبوح: قرار فتح الحدود هو قرار سياسي‬ (الجزيرة نت)

حل غير كاف
ومنذ أن فرضت السلطات المغربية التأشيرة على المواطنين الجزائريين، ورد الجزائر على هذا الإجراء بإغلاق الحدود البرية، ظلت الخطوط الجوية من العاصمة الاقتصادية للمغرب إلى المدن الجزائرية هو الحل القانوني الوحيد، ومنذ ذلك الحين أيضا، والحديث عن إيجاد حلول بديلة موضوع نقاش بين المجتمع المدني في كلا الدولتين.

ويرى مراد زبوح، وهو ناشط حقوقي، بمحافظة بركان التي تملك مجالا ترابيا حدوديا مع الجزائر -في حديث للجزيرة نت- أن الوضع الطبيعي يقتضي فتح الحدود، وتمكين شركات النقل من خطوط برية عبر الحافلات لربط مدن الشرق المغربي بعدد من مدن الغرب الجزائري، لكن تبقى هذه الخطوة رهينة بقرار يتجاوز الناشطين في كلا البلدين، وهو قرار سياسي.

لكن بعض الحلول الممكنة التي تبقى غير كافية حسب زبوح، تكمن في خلق خطوط للنقل الجوي في الوجهات المذكورة، وبالتحديد خطوط للطيران المنخفض التكلفة، وهو إجراء في حال تحقق على أرض الواقع يمكنه أن يخفف نسبيا تكاليف السفر ومشاقه.

وحتى على مستوى مجلس جهة الشرق بالمغرب (محافظة)، طرح هذا الموضوع للنقاش أكثر من مرة، كان آخرها قبل أشهر قليلة، عندما قرر أعضاء المجلس البحث عن سبل خلق خط جوي يربط مدينة وجدة عاصمة الجهة، بمدينة وهران الجزائرية.

وبحسب مصدر من المجلس فإن هناك تقدما في إخراج هذا الخط إلى حيز الوجود، وتحقيق حلم الآلاف من المواطنين الذين تعوزهم الإمكانيات المالية لاقتناء تذاكر السفر من الدار البيضاء إلى الجزائر العاصمة، وفي الاتجاه المعاكس.

المصدر : الجزيرة