القاديانية وجائزة نوبل تُطيحان بمكانة عالم باكستاني

مركز الفيزياء 8
البرلمان يقر تغيير اسم مركز عبد السلام للفيزياء بسبب خلفية العالم الدينية إذ إنه ينتمي للطائفة القاديانية (الجزيرة)

براء هلال-إسلام آباد 

بعد 22 عاما على وفاته، يعود العالم الباكستاني الحاصل على نوبل في الفيزياء الدكتور محمد عبد السلام لإثارة الجدل من جديد في باكستان بسبب خلفيته الدينية، إذ إنه ينتمي للطائفة الأحمدية القاديانية، وبسبب حصوله على جائزة نوبل من جهة أخرى التي باتت تهمة لدى شريحة واسعة من الشعب الباكستاني.

ففي مطلع الشهر الجاري طرح حزب الرابطة الإسلامية الحاكم قضية في البرلمان بشأن تغيير اسم المركز الوطني للفيزياء الذي يحمل اسم الدكتور عبد السلام منذ ديسمبر/كانون الأول 2016 إلى "مركز الخازني للفيزياء"، ونجح نواب الحزب في تمرير القرار الذي أثار زوبعة من الجدل في الشارع الباكستاني.

ففي مقابل الآراء التي تنظر إلى الدكتور عبد السلام بعين الإكبار من منظور إسهاماته العلمية الكبيرة في الفيزياء النظرية بعيداً عن خلفيته الدينية، فإن العقيدة الأحمدية "القاديانية" التي ينتمي لها عبد السلام  أثارت لغطا، إذ لا تعتبر القاديانية طائفة مسلمة في الدستور الباكستاني لأنها لا تؤمن بعقيدة "ختم النبوة".

مجموعة من طلبة الفيزياء في مركز عبد السلام في جامعة قائد أعظم (الجزيرة)
مجموعة من طلبة الفيزياء في مركز عبد السلام في جامعة قائد أعظم (الجزيرة)

أحزاب
واعتبر الناطق باسم الجماعة الإسلامية الشيخ عبد الغفار عزيز أنه لا يمكن إهمال جانب العقيدة عندما يتم تقديم القدوات للأبناء الذين يدين جلهم بالإسلام.

وأوضح عزيز للجزيرة نت أن المركز الوطني للفيزياء هو مشروع ضخم يرمز إلى القدرات البحثية والفيزيائية النووية في البلاد، ويجب أن يظل مسماه فوق الخلاف.

وقد ارتأت الأحزاب الوطنية "المخلصة" أن تطلق عليه اسم أبي الفتح الخازني، وهو العالم المسلم الذي برع في الفيزياء في مدينة مرو الواقعة بتركمانستان حاليا قبل خمسة قرون.

وكانت حكومة نواز شريف قد أقرت في نهاية 2016 إطلاق اسم الدكتور عبد السلام على المركز الوطني للفيزياء الذي يقع في جامعة قائد أعظم في إسلام آباد، والتي تعتبر أهم جامعة في باكستان، وذلك نظرا لإسهامات عبد السلام العلمية والفيزيائية وتقديراً لدوره الفعال في بناء القدرات النووية الباكستانية.

وكان الدكتور عبد السلام قد غادر باكستان عام 1974 احتجاجا على قرار البرلمان الذي يعتبر الجماعة الأحمدية "ليست مسلمة" وأقام في بريطانيا إلى أن توفي عام 1996. وفي قرار مماثل سحب البرلمان مؤخرا اسم الدكتور عبد السلام من المركز.

ويؤيد الناشط الاجتماعي سليمان خان قرار البرلمان، ويعلل ذلك بقوله "لماذا نعترض على شركة تجارية تسرق شعار شركة أخرى أو اسمها، ولا نعارض سرقة اسم دين الإسلام وإلصاقه بدين يؤمن بنبي آخر وشريعة أخرى؟ كيف سنثق بعد ذلك في علوم عبد السلام وإنجازاته وقد كان متحيزا جدا لطائفته؟".

همايون شجاع اعتبر أن الحكومة تتخبط في قراراتها (الجزيرة)
همايون شجاع اعتبر أن الحكومة تتخبط في قراراتها (الجزيرة)

تناقض
ويرجع الباحث في علم الاجتماع الدكتور همايون شجاع هذا التناقض الظاهر في تصرفات الحزب الحاكم الذي أقر الاسم قبل عام ونصف العام ويحاول الآن سحبه إلى أنه يمارس الآن الهروب للأمام ليظهر للجماهير أنه معها أيضاً في تأييد عقيدة ختم النبوة، وذلك بعد الاحتجاجات العنيفة التي قادتها حركة "لبيك يا رسول الله" ضد الحزب الحاكم نهاية عام 2017 احتجاجا على قيام وزير العدل آنذاك زاهد حميد بحذف عبارة الإيمان بختم النبوة من القسم الدستوري، مما اضطر الحكومة لإقالة وزير العدل.

ولكن ظلت تبعات هذه الخطوة تتتالى إلى اليوم حيث قام ناشط مؤيد لحركة لبيك بمحاولة اغتيال وزير الداخلية أحسن إقبال قبل أيام قليلة.

كما لا يستبعد شجاع أن الحصول على جائزة نوبل -بحد ذاته- يجعل الشخص مثاراً للجدل في باكستان كسائر دول المشرق، وذلك أن الحاصلين على نوبل كانوا أناسا مميزين فعلا ويفكرون خارج الصندوق ويقومون بإنجازات تبدو غريبة عن مجتمعهم استحقوا عليها نوبل، أو أنهم قاموا بما يرضي الذوق الغربي ولا يرضي بلادهم وشعوبهم من جهة أخرى. فلذا ينظر أكثر من نصف المجتمع إلى هؤلاء بعين الريبة وليس الدكتور عبد السلام أو ملالة يوسف زئي استثناء.

مركز الفيزياء الذي يحمل اسم مركز عبد السلام (الجزيرة)
مركز الفيزياء الذي يحمل اسم مركز عبد السلام (الجزيرة)

المجتمع العلمي
ومن الواضح أن تغيير الاسم لم يلق قبولاً لدى المجتمع العملي داخل المركز، إذ أنكر تغيير اسمه مما أحدث حالة من الارتباك لدى وسائل الإعلام بشأن ما إذا كان قد تم تغيير اسم المركز البحثي نفسه أو تغيير اسم كلية الفيزياء في جامعة قائد أعظم لتحمل اسم الخازني وظل المركز يحمل اسم الدكتور عبد السلام.

لكن أستاذ الفيزياء في الكلية قيصر عباس نفى نفيا قاطعا تغيير اسم الكلية، إذ إنها تتبع للجامعة وتحمل اسمها، ورفض محاكمة العلماء والمبدعين على أسس أخرى غير المجالات التي أبدعوا فيها، مشيدا بإسهامات الدكتور عبد السلام وخاصة "نظرية القوة الكهروضعيفة " التي حاز عليها جائزة نوبل.

ويتذمر الأكاديمي محمد عبد الرحمن، الباحث في نظريات الدكتور عبد السلام، من هذه الحملات التشويهية التي يتعرض لها المبدعون في العالم الثالث قائلاً إنه "يمكن للدولة أن تسحب الجنسية من هؤلاء المبدعين إن كانوا لا تتشرف بهم"، مؤكدا أن على الدولة أن تنظر إلى مواطنيها بعين المساواة بعيدا عن خلفياتهم الدينية والمذهبية والعرقية، لئلا يكتب على المبدعين أن يظلوا مثار جدل حتى بعد عقود على وفاتهم.

المصدر : الجزيرة