انتخابات 2018.. الربيع بنكهة ماليزية

People pass posters of Malaysian Prime Minister Mahathir Mohammad and politician Anwar Ibrahim, who was granted a royal pardon, at a rally in Kuala Lumpur, Malaysia May 16, 2018. REUTERS/Lai Seng Sin
أنور إبراهيم ومهاتير محمد نجحا معا في إسقاط حزبهما السابق وتجاوز نجيب فهل يتجاوزان تاريخا أكثر ما فيه الخصومات (رويترز)
عبد الرحمن المعمري-ماليزيا
شكلت الانتخابات الماليزية التي جرت في الأيام القليلة الماضية منعطفا تاريخيا في التاريخ الماليزي المعاصر، فللمرة الأولى منذ أكثر من 60 عاما وعلى مدار 14 جولة انتخابية يطاح بالتحالف الحاكم في انتخابات أشبه ما تكون بثورة ناعمة.
 
والواقع أن المعارضة الماليزية تقطف ثمار سنوات من العمل والجهد المناوئ للحكومة، ظهرت بواكيرها جديا منذ الانتخابات الثانية عشرة في البلاد التي أقيمت عام 2008، ثم تصاعدت وتيرتها في السنوات التي تلتها.
 
ففي انتخابات 2008 تمكنت المعارضة ولأول مرة في تاريخ البلاد من الفوز بخمس ولايات (من أصل 13 ولاية) بالإضافة للعاصمة كوالالمبور. وكانت تلك أول مرة منذ 40 عاما أن يخسر الحزب الحاكم نسبة الثلثين التي كان محافظا عليها منذ انتخابات العام 1969.
 
وفي الانتخابات الثالثة عشرة عام 2013 واصلت المعارضة حصد مكاسبها، وتمكنت من الحصول على أكثر من 50% من أصوات الناخبين، لكن ولأن النظام الانتخابي يعتمد القائمة الفردية لم تحصل إلا على ما مجموعه 89 مقعدا فقط من 222 هي العدد الكلي للبرلمان الماليزي بنسبة تساوي 40% تقريبا من إجمالي عدد مقاعد البرلمان.
‪نجيب عبد الرازق ما زالت تقاومه مظاهرات النظافة والنقاء حتى أجبرته على مواجهة تهم بغسل الأموال بعدما أطاحت به الانتخابات (رويترز)‬ نجيب عبد الرازق ما زالت تقاومه مظاهرات النظافة والنقاء حتى أجبرته على مواجهة تهم بغسل الأموال بعدما أطاحت به الانتخابات (رويترز)
‪نجيب عبد الرازق ما زالت تقاومه مظاهرات النظافة والنقاء حتى أجبرته على مواجهة تهم بغسل الأموال بعدما أطاحت به الانتخابات (رويترز)‬ نجيب عبد الرازق ما زالت تقاومه مظاهرات النظافة والنقاء حتى أجبرته على مواجهة تهم بغسل الأموال بعدما أطاحت به الانتخابات (رويترز)

مظاهرات وتنديد
وعلى صعيد آخر وتجاوبا مع أجواء الربيع العربي فقد انطلقت مظاهرات واسعة في العاصمة الماليزية كوالالمبور في يوليو/تموز 2011، ونددت بفساد الحكومة وطالبت بالتطهير وتنظيف المؤسسات من الفساد. ورغم أن هذه المظاهرات لم تستمر طويلا فقد أصبحت تقليدا سنويا تحشد له المعارضة أنصارها للنزول والتظاهر ضد الحكومة.

وقد أطلق على هذه المظاهرات السنوية اسم "برسيه"، أي النظافة أو النقاء، في إشارة لمطالبهم بمكافحة الفساد وتطهير المؤسسات، ومثلت استنهاضا وتحريكا للشعب للوقوف والمطالبة بالتغيير. فلم تأت الانتخابات إلا وأنصار التغيير في أوج استعدادهم لمعركة تغيير مصيرية.

مهاتير محمد يواجه الفساد والدولة العميقة وذكريات الخصومة مع حليفه أنور إبراهيم (رويترز)
مهاتير محمد يواجه الفساد والدولة العميقة وذكريات الخصومة مع حليفه أنور إبراهيم (رويترز)

مرشح الشباب
وقد مثلت استقالة رئيس الوزراء مهاتير محمد من الحزب الحاكم في العام 2016 والتحاقه بالمعارضة لاحقاً دفعة معنوية لمطالب المعارضة بضرورة التغيير.

مهاتير محمد (الذي يحتفل بعيد ميلاده الـ93 في 10 يوليو/تموز القادم) رفع سقف المعارضة عاليا، واستطاع أن يسد الثغرة التي خلَّفها غياب زعيم المعارضة المخضرم أنور إبراهيم الذي كان يقبع في السجن منذ عام 2014.

وانتخابيا مثّل الشباب الفئة الأهم في الانتخابات الأخيرة، فقد وصل عدد من بلغ السن القانونية وسجل للاقتراع للمرة الأولى ما يقارب خمسة ملايين ناخب بنسبة تصل إلى 34% من إجمالي من يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات.

وبذلك لعل هذه الفئة من رجحت وحسمت النتائج لاحقا. رغم أنها لم تعش الفترة الأولى من حكم رئيس الوزراء مهاتير محمد (1981-2003) الذي استقال قبل أكثر من 15 عاما، فقد ساند الشباب مطالب أحزاب المعارضة وذهب كثير من أصواتهم لدعمها ودعم قياداتها استجابة لوعودها في مكافحة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي وإعادة الدعم لبعض المشتقات النفطية.

ويبدو أن فئة الشباب كانت أكبر فئة متضررة من سياسات الحكومة السابقة وتدهور الوضع الاقتصادي، فالتضخم في السنوات الثمان الماضية بلغ حده الأعلى في العام 2017. ومعاناة الشباب ابتداء من شح الوظائف امتدادا إلى الضرائب المستحدثة مؤخرا قد وسعت دائرة السخط الشعبي، وترافق ذلك مع ما يتردد عن مزاعم الفساد الحكومي التي تصل لمليارات الدولارات.     

تصويت احتجاجي
رغم الطبيعة السائدة لدى الشعب الماليزي الذي لا يميل إلى التغيير إجمالا، فإن سوء الأداء الاقتصادي للحكومة السابقة طيلة الفترة الماضية وما نتج عنه من زيادة في الأعباء الاقتصادية على المواطنين والذي تمثل بفرض مزيد من الضرائب عليهم أو برفع الدعم عن كثير من المواد الأساسية وكذا المشتقات النفطية أدى إلى تصاعد حالة السخط والمطالبة بالتغيير.

ومما زاد من حالة السخط العام أخبار قضايا الفساد التي تسربت وراجت في السنوات الثلاث الماضية، وقد أصيب الماليزيون بالاستياء والسخط حين لم تصل التحقيقات لأي نتيجة رغم ضخامة المبالغ وتورط أطراف دولية فيها.

‪أنور إبراهيم يشبه مهاتير في استقلال الشخصية القيادية ويختلف معه في التوجهات‬ (الجزيرة)
‪أنور إبراهيم يشبه مهاتير في استقلال الشخصية القيادية ويختلف معه في التوجهات‬ (الجزيرة)

مكافحة الفساد
وقد كان شعار مكافحة الفساد من العناوين البارزة ضمن الحملة الانتخابية لتحالف أحزاب المعارضة التي ركزت على العديد من ملفات الفساد، ولعل أشهرها قضية الصندوق السيادي 1MDB.

وما إن تسلم رئيس الوزراء الجديد مهامه حتى شرع في العديد من الإجراءات التي استهدفت كافة المشتبه بتورطهم في قضايا الفساد.

وقد شملت الإجراءات منع رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق وحرمه من مغادرة البلد، وإقالة المدعي العام الماليزي، وإثر ذلك استقال رئيس هيئة مكافحة الفساد، وربما ستشمل القائمة العديد من الأسماء الكبيرة في الأيام القليلة القادمة، لتتساقط الرؤوس الكبيرة، وهو ما وعد به مهاتير محمد بعيد إعلان النتائج حين صرح قائلا بأن "رؤوسا سوف تسقط".

تحديات المرحلة
ومن أبرز التحديات الحقيقية في المرحلة القادمة تماسك التحالف الحاكم الفائز في الانتخابات حيث أطلق سراح أنور إبراهيم زعيم حزب عدالة الشعب، الحزب الرئيسي في التحالف الحاكم الجديد.

فصحيح أن تفاهمات نشأت بين كل من رئيس الوزراء مهاتير محمد وأنور إبراهيم عند خوض الانتخابات الأخيرة التي دفعت بهما من رصيف المعارضة إلى سدة الحكم، لكن هذه التفاهمات إنما قامت فقط للتعاون من أجل إسقاط الحزب الحاكم السابق، أما ما عدا ذلك فلا شيء يجمع بينهما إلا ذكريات الخصومة التي يصعب تجاوزها ونسيانها. 

ومن المستبعد أن تنجح الأحداث الأخيرة في تطبيع العلاقة بينهما بعد هذا التاريخ الحافل بالخصومة. فمما يجعل الاتفاق صعبا تشابه شخصية الرجلين في العديد من الصفات القيادية، إضافة إلى تعارض الرؤى والتوجهات.

وقد ظهرت بوادر عدم الانسجام وقلة الثقة بين الطرفين مبكرا، حين واجه رئيس الوزراء انتقادات من قبل نائب رئيس حزب عدالة الشعب لظهوره في بعض المناسبات بمعزل عن بقية أحزاب التحالف الحاكم.

ومما يلقي بظلال من الشك على العلاقة بينهما عدم وضوح الدور المستقبلي الذي سيؤديه زعيم حزب عدالة الشعب أنور إبراهيم، فقد شاعت تصريحات أنه سيستلم رئاسة الوزراء بعد فترة، لكن هذه الفترة غير محددة، وقد صرح رئيس الوزراء مهاتير محمد مؤخرا بأنه سيستمر في منصبه لعام أو لعامين قبل أن يتنازل عن منصبه.

الدولة العميقة
ويتمثل التحدي الآخر أمام التحالف الحاكم الجديد في التركة السابقة من الجهاز الإداري في مختلف مستوياته الذي ظل ممسكا بمفاصل البلاد لستة عقود، ويتوقع أن يكون له دور معرقل لعجلة التغيير التي يقودها التحالف الفائر. لكن بعض المراقبين يرى في وجود شخصية مثل مهاتير محمد على رأس السلطة التنفيذية ما يساعد على مواجهة وترويض هذه الدولة العميقة، نظرا لخبرته الطويلة بها، وهو الذي أمضى عقودا طويلة في احتكاك وتعامل مباشر معها.

وإجمالا فإن كانت نتائج الانتخابات قد أطاحت بالحزب الحاكم الذي حكم البلاد لعقود طويلة، فإن انتقال السلطة للمعارضة لا يبدو يسيرا، خصوصا على المدى المتوسط والبعيد، نظرا للتحديات والصعوبات التي تواجه الأحزاب الفائزة.

المصدر : الجزيرة