مقرئون مغاربة.. تألق بمسابقات التجويد الدولية

عزيزة بوعلام-الرباط

في بيته بالدار البيضاء، يصدح صوت القارئ المغربي معاذ الدويك عاليا وقد انسدلت جفونه في خشوع وارتفعت كفاه ليحاذيا أذنيه، بينما تحلّق حوله أصدقاؤه وأفراد أسرته ينصتون إليه بانتباه بالغ، وهو يرتل آيات من الذكر الحكيم.

بين آية وأخرى ترتفع تكبيرات أصدقائه الذين جاؤوا لتهنئته بعد فوزه بلقب القارئ العالمي نهاية الشهر الجاري تعبيرا عن جمال صوته وإبداعه في القراءة.

منذ صغره كان معاذ منجذبا لسماع القرآن، وحريصا على مرافقة والده للمحافل القرآنية. يتذكر الوالد أحمد الدويك تلك الأيام، وبفخر يحكي للجزيرة نت كيف كان ابنه مولعا بأصوات قراء صلاة التراويح (أمثال الشيخ الكبير مصطفى غربي والعيون الكوشي وغيرهما)، وكان يحاكي أصواتهم، ويحاول تقليدها بصوته الطفولي.

لا تبدو حكاية معاذ في كنف القرآن سوى قصة شغف يعيشها باستمرار منذ أن قادته هذه الرغبة العارمة التي تملّكت والده، كما هو الشأن لدى نسبة كبيرة من أولياء الأمور في توجيه أطفالهم نحو حفظ القرآن الكريم.

لم يكن طريق معاذ إلى القرآن صعبا. فالشاب الذي نشأ في بيت يحتضن مجالس تلاوة وحفظ القرآن في مناسبات عديدة، حظي برعاية كبيرة من والده الذي أشرف على تحفيظه القرآن بنفسه بشكل راتب فجر كل يوم حين بلغ الثامنة من عمره.

معاذ يتسلّم درع معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية من مديره خالد الساقي(الجزيرة)
معاذ يتسلّم درع معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية من مديره خالد الساقي(الجزيرة)

ويبلغ عدد كتاتيب تحفيظ القرآن للأطفال بالمغرب نحو 12 ألفا و241، ينتظم بها ما يقارب أربعمئة ألف طالب. وهناك أزيد من ألفي مركز لتحفيظ القرآن تشرف عليه المجالس العلمية المحلية، وينتظم بها 109 آلاف و352 طالبا، وفق إحصائيات وزارة الأوقاف المغربية.

يحكي الشيخ أحمد الدويك، وقد علت وجهه ابتسامة رضا، أن معاذ أتم حفظ القرآن خلال ثلاث سنوات، ثم أكمل المشوار مع مشايخ عدة تلقى على أيديهم مبادئ التجويد والقراءات، وارتوى من تشكيلة منوعة من المدارس الصوتية.

بدا معاذ -الحاصل على الإجازة من معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية بالرباط- متمكنا من موهبته الصوتية التي سخرها في الأداء القرآني. وبابتسامة لا تفارق محياه، حكى كيف نماها وطورها على مدار سنوات عمره الخمسة والعشرين. وقال إنه يجد متعته الوحيدة في تعلم المقامات المتنوعة على شيوخ كبار في المغرب.

تنقّل معاذ، الذي يجيد القراءة على الطريقة المشرقية والمغربية، بين مساجد حيه إماما في صلاة التراويح ولمّا يتجاوز عمره اثني عشر عاما، وبعدها قارئا للقرآن في صلاة التراويح بدولة قطر ثم الكويت فإندونيسيا على مدى ثلاث سنوات قبل أن يحط الرحال مجددا بدولة قطر للإمامة خلال شهر رمضان هذا العام.

تحفيظ القرآن باستخدام اللوح بأحد مساجد الدار البيضاء(الجزيرة)
تحفيظ القرآن باستخدام اللوح بأحد مساجد الدار البيضاء(الجزيرة)

حكاية تألق
وعلى خطى معاذ الذي يتابع دراسته العليا بمعهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، قدر للقارئ عبد اللطيف الوزكاني -وغيره من جيل حفظة القرآن- أن تكون قرارات الدولة بإعادة إصلاح التعليم العتيق، وضبط وتقنين حقل الكتاتيب القرآنية عام 2006، حافزا كبيرا لاستكمال دراسته بمعهد الإمام مالك للتعليم العتيق بعد إتمام حفظه للقرآن الكريم في سن الثالثة عشر من عمره.

وانضم عبد اللطيف، معلم المقامات الصوتية بالمدرسة العتيقة بالرباط، إلى كوكبة المقرئين الذين عبروا إلى التألق في كبريات المسابقات القرآنية العالمية من بوابة المسابقات المحلية بالمغرب.

وتنظم المجالس العلمية المحلية كل عام 243 مسابقة لها ارتباط بجائزة محمد السادس في حفظ القرآن الكريم وتجويده وترتيله. وتساهم -حسب المشرفين عليها- في تحقيق القرب من قراء القرآن بكل ربوع الوطن، وإبراز الطاقات والمواهب.

صحوة في التجويد
وفاز ثمانية قراء مغاربة بجوائز عديدة في ثلاثة فروع من مسابقة القارئ العالمي لهذا العام.

وفي غضون السنوات الثماني الأخيرة، حقق أكثر من سبعين قارئا مغربيا تألقا لافتا في مسابقات دولية ظلت حكرا على القراء الآسيويين والمصريين، وأهمها المسابقة العالمية لتجويد القرآن الكريم بماليزيا، ومسابقة القارئ العالمي بالبحرين.

ويرى الشيخ عبد الهادي حميتو، عضو اللجنة العلمية بمعهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، أن هذا التألق أصيل وله امتداد في التاريخ المغربي.

المصدر : الجزيرة