بالنيجر ابحث عن دوائك عند الباعة المتجولين

أحد الزبائن أثناء اقتناءه للدواء من البائع المتجول
مواطن نيجري يشتري حاجته من الدواء من بائع متجول في نيامي (الجزيرة)

رميساء خلابي-نيامي

على غرار الشباب الذين يجولون في حي "كراند مارشي" بعاصمة النيجر نيامي لبيع الأكياس البلاستيكية أو السجائر، نجد آخرين يبيعون أدوية طبية، يقولون إنها للصداع وآلام المعدة وإنها أقل ثمنا مما يباع بالصيدليات، رغم تعرضها للشمس الحارقة ساعات طويلة وهي مكشوفة. كما أن تلك الأدوية تباع بالتجزئة، أي أنك لست مضطرا لشراء علبة كاملة لدواء صداع الرأس مثلا، بل يكفي أن تطلب أقراصا عدة منها.

لكن الصورة لم تقتصر على هؤلاء الشباب، فخارج كراند مارشي توجد دكاكين صغيرة توفر أدوية طبية بالطريقة نفسها، تباع جنبا إلى جنب مع المواد الغذائية، فضلا عن آخرين يبيعونها على عربات متنقلة. يقول أحد الباعة المتجولين إنه يشتري أدويته من تاجر يأتي بها من نيجيريا، وإن له أصدقاء يشترونها من الجزائر أيضا.

شراؤها أم تهريبها؟.. كان هذا سؤالنا لصاحب محل لبيع الأدوية في مدينة طاو على الحدود مع نيجيريا، وقد كان جوابه صادما، إذ أكد لنا أن تجار المخدرات يستعينون بالأدوية لإخفاء بضاعتهم الممنوعة عند نقاط التفتيش في الحدود البرية. ولأن تلك الأدوية يستحيل بيعها للصيدليات هنا، فإنهم يوزعونها على أصحاب الدكاكين الصغيرة والعربات المتنقلة.

إقبال المواطنين على شراء الأدوية المهربة دون وصفة طبية شجع الباعة المتجولين على هذه التجارة (الجزيرة)
إقبال المواطنين على شراء الأدوية المهربة دون وصفة طبية شجع الباعة المتجولين على هذه التجارة (الجزيرة)
ويؤكد البائع أن الأمر قد تطوّر في المناطق المجاورة للحدود النيجرية مثل مرادي وطاو وزيندر، إذ أصبح اعتماد السكان على الأدوية المهربة أساسيا لتوفرها في كل الأزقة والأحياء. ويشرح لنا كيف أن تلك المحلات قد عوّضت قلة الصيدليات في هذه المناطق، إذ إن بإمكان كل من يملك مرآبا أو مخزنا يرغب في الاستفادة منه ماديا أن يحوّله إلى مستودع لبيع الأدوية.

وكانت نقابة الصيادلة النيجرية قد رفعت طلبا بإغلاق هذه المحلات وملاحقة التجار والباعة في عهد الرئيس النيجري مامادو تانجا عام 2002، لكن المطالبة لم تأت بنتائج تذكر.

أحد باعة الأدوية غير القانونية في كراند مارشي، قال للجزيرة نت إنهم يركزون على الأدوية غير السائلة كالحبوب والأقراص نظرا لعدم توفّر الظروف المناسبة للحفاظ عليها. أما عن نوعية الأدوية التي يقبِل الناس عليها فأكد أن "أكثرها أدوية الصداع وآلام الدورة الشهرية والإسهال، لكن هناك أدوية أخرى يطلبها بعض الزبائن لأنهم لا يمكنهم الحصول عليها إلا بوصفة طبية، كأقراص إسقاط الحمل غير المرغوب فيه، والحبوب المنومة، وحبوب زيادة الرغبة الجنسية".

باعة الأدوية المتجولون يعرضون بالأساس الأدوية غير السائلة والتي لا تحتاج إلى وصفة طبية (الجزيرة)
باعة الأدوية المتجولون يعرضون بالأساس الأدوية غير السائلة والتي لا تحتاج إلى وصفة طبية (الجزيرة)

عندما سألت البائع عن رأيه في كلام البائع الآخر الذي التقيناه في مدينة طاو، قال "ليس صحيحا، الأمر لا يتعلق بتجار المخدرات دوما، فصعوبة الحصول على بعض الأدوية جعلت بعض التجار يسافرون للدول المجاورة التي توفرها بلا رقابة، وبيعها بأثمان مرتفعة جدا". ويضيف "إنها مسألة تجارة بالأساس، تماما كشراء الأثواب من توغو وبيعها هنا".

سألته مرة أخرى: وماذا عن الضرائب؟ فقال "وهل يسمحون بمرور بضائعنا بلا مقابل؟". كان قصده أن شرطة الحدود متواطئة مع عمليات تهريب الأدوية، وأن مثل هذا الأمر لا يمكن أن يخفى على أي جهة حكومية.

لا يسمح القانون النيجري بفتح الصيدلاني أكثر من صيدلية واحدة، كما لا يمكنه أن يروّج لصيدليته في أي من وسائل الدعاية.

وقبل افتتاح كلية الصيدلة في جامعة نيامي أواخر عام 2012، كان يسمح لكل متخرج في كلية الطب بأن يفتح صيدلية، بينما يسمح اليوم لأي شخص بأن يفتح محلا لبيع الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية، بشرط أن تكون أدوية غير مهربة.

لا تشترط الحكومة النيجرية شهادة تخرج في كلية صيدلة لفتح مستودع للأدوية وهي في الغالب أدوية لا تحتاج لوصفة طبية (الجزيرة)
لا تشترط الحكومة النيجرية شهادة تخرج في كلية صيدلة لفتح مستودع للأدوية وهي في الغالب أدوية لا تحتاج لوصفة طبية (الجزيرة)

بعد الحراك النقابي عام 2002، بدأت حملات التوعية من طرف جمعيات غير حكومية، محذرة من الأدوية غير القانونية التي يقوم مروّجوها بتغيير تاريخ صلاحيتها، إضافة إلى بقائها في ظروف صحية غير ملائمة.

أحد الصيادلة في العاصمة يشرح للجزيرة نت كيفية التمييز بين الأدوية القانونية والمهربة، فيقول "كثير من الأدوية التي تباع في المحلات ليس عليها تاريخ صلاحية أصلا، بعد أن يتم مسحه، كما أن هناك أدوية كثيرة عُدّل تاريخها. ويمكن ملاحظة الفرق عند التدقيق في الكتابة الموجودة على العلبة".

لكن معلومة صادمة يؤكدها البائع الذي التقيناه في مدينة طاو، فبعيدا عن تجار الأدوية المهربة من دول مثل نيجيريا والجزائر، هناك أطباء كثر يسرقون الأدوية من المستشفيات الحكومية ويبيعونها لأصحاب الدكاكين الصغيرة والمحلات والباعة المتجولين، وهكذا يقبل الناس على هذه الأدوية الرخيصة الثمن بدل هدر المال في الصيدليات، إن لم تكن الحالة تستدعي الذهاب إلى الطبيب.

المصدر : الجزيرة