الإخوان والسعودية.. احتضنهم الأجداد وانقلب عليهم ابن سلمان

كومبو يجمع بين السعودية والإخوان
تدرجت العلاقة بين السعودية والإخوان من "التحالف" ابتداء إلى المواجهة الشاملة في السنوات الأخيرة (الجزيرة)
أمين محمد حبلا-الجزيرة نت

في العام 1936 كتب مؤسس الدولة السعودية الحديثة وأول ملوكها ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإمام حسن البنا أول سطر في سفر العلاقة بين الدولة والجماعة، وفي العام 2018 تعهد الحفيد محمد بن سلمان بكتابة آخر سطر فيها.

وبين العامين 1936 و2018 نحو ثمانية عقود مرت فيها العلاقة بين الطرفين صعودا وهبوطا بمراحل كثيرة، توثقت فيها الروابط فترات طويلة، ثم تقطعت الأواصر سنين عددا، وانقلب صفو الوداد إلى كدر وجفاء ثم إلى خصومة وعداء.

والواقع أن ما بين "مبتدأ" اللقاء منتصف ثلاثينيات القرن الماضي و"خبر" إعلان الحرب على الجماعة من لدن ابن سلمان لا يقاس فقط بالسنوات والأيام بل بالأحداث المفصلية التي كتبتها الأيام وخطها الطرفان في دفتر العلاقة الحافل بالمتغيرات الجسام خلال العقود الفارطة.

"قمة" التعارف والتحالف
لم تمر العلاقة بين الطرفين في بداياتها بالتدرج المعتاد في العلاقات بين الدول والحركات ذات الطبيعة السياسية؛ فبدأت "رسمية" من أيامها الأولى، خلال لقاء تاريخي جرى في العام 1936 بين المؤسسيْن الملك عبد العزيز آل سعود ومؤسس الجماعة الإمام حسن البنا، واستمرت تنمو بهدوء واطراد.

وقد أسلمت هذه المرحلة زمام العلاقة إلى المرحلة الأهم في تاريخ الطرفين، وهي مرحلة التحالف الوثيق حين وجد كل من الطرفين أن التحالف يحقق له مصلحة خاصة مؤقتة أو دائمة، فقد وجد الإخوان في الحضن السعودي حمى وملجأ من السياط "الناصرية" التي أدمت ظهورهم، ووجدت السعودية في الإخوان حليفا قويا لمواجهة المد القومي الذي انتشر في مختلف الأقطار العربية حاملا بذور الصراع مع المملكة سياسيا ودينيا.

وعلى المستوى الدولي كانت رياح الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي تدفع نحو هذا التحالف الذي جاء في بعض حيثياته انعكاسا لحالة الصراع القائمة بين السعودية المدعومة من الغرب الأميركي ومصر المدعومة من الشرق السوفياتي.

وهكذا تكامل التحالف بين دولة ناشئة تنام على أنهار من الثروة تحتاج يدا عاملة وأقلاما منتجة لتصوغ رؤيتها للتعاطي مع العالم الجديد، خصوصا في مجال وضع إستراتيجيات التعليم وصياغة المناهج، وتجديد الخطاب الديني الذي كان وقتها بحاجة إلى تحديث وتطوير.

وترجمت تلك الحاجة السعودية في استلام الإخوان من عدة أقطار عربية في هذه الفترة قطار التحديث والبناء في عدة مؤسسات سعودية، خصوصا في مجال التعليم الذي كان مجال البصمة الإخوانية المتناغمة مع الأرض السلفية، وهنا تكامل الطرفان: الباحث عن مأوى ومستقر والباحث عن عقول وكوادر، وقد استمر هذا المسار طيلة الفترتين الناصرية والساداتية؛ حيث ساهمت السعودية بعد رحيل عبد الناصر في الإفراج عن قياديي الإخوان المسجونين في مصر، واستضافت بعضهم بكثير من الحفاوة والترحاب.

في المقابل كانت للسعودية مطالب واحتياجات من نوع آخر؛ فقد بادرت وبالشراكة مع باكستان والولايات المتحدة لتأسيس وإنشاء ما تسمى ظاهرة الأفغان العرب، واستغلت تحالفها الوطيد مع الإخوان للاستفادة من خبراتهم وكوادرهم في التعبئة القوية وإدارة البنى التنظيمية للتجنيد وجمع التبرعات لتحقيق هذا الهدف، ويقول العديد من كتاب ورموز الإخوان إنهم استجابوا بحماس للطلبات السعودية في هذا الملف ليس من منطلق التحالف مع السعودية فحسب وإنما وفاء للأخوة الدينية كما يقولون.

اختلاف فصراع
كان تغير أنماط وأشخاص الحكم في السعودية من أسباب المواجهة بين الإخوان وحكام السعودية، خصوصا بعد وفاة الملك فيصل، حين بدأ الحكام ينظرون بعين الريبة إلى مخرجات المناهج التعليمية التي صاغها الإخوان، ورأوا فيها بوادر قوة معارضة في بلد حسم وجهته السياسية بالولاء التام للملك والعائلة المالكة.

وقد أضيفت عناصر أخرى إلى مائدة الخلاف الممتد بين الطرفين تتمثل من بين أمور أخرى في التباين في الرؤية للموقف من حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، ورفض الإخوان الاستعانة بالقوى الغربية في تحرير الكويت من الغزو العراقي.

ثم استوت على جودي التأزيم سفينة العلاقة بين الطرفين بعد أن وجه من يعرفون حينها بمشايخ الصحوة -وفي مقدمتهم الشيخ سفر الحوالي– "مذكرة النصيحة" إلى الملك خروجا بذلك عن مبدأ الطاعة والتسليم، وكجزء من تأثيرات الحضور الإخواني في البلد.

وقد انضافت إلى هذه العوامل كلها عودة العرب الأفغان الذين آبوا إلى بلدانهم -ومنها السعودية- يحملون طموحا جامحا إلى التغيير السياسي، خصوصا عبر الوسائل التي عملوا بها في أفغانستان وهي السلاح والتنظيم، ثم تكاملت أضلاع الأزمة مع ظهور تنظيم القاعدة بقيادة السعودي أسامه بن لادن ليتشكل من كل ذلك مشهدا من التأزيم لم يطل انتظار نتائجه التي ظهرت تفجيرات في مناطق مختلفة وتفكيك خلايا وأذرع جهادية في مناطق متعددة، وهي عوامل ساهمت كلها في مباعدة الشقة بين السعودية وتيارات الإسلام السياسي، وفي صدارتها الإخوان الذي سارعوا في كل مرة لإعلان براءتهم ورفضهم لكل أساليب العنف ووسائل التغيير المسلح.

ومع بداية القرن الحادي والعشرين شهدت العلاقة بين الطرفين منعطفا مؤثرا؛ فقد تردد صدى أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في السعودية بإيقاع متسارع قبل أن ينقشع غبارها في المملكة عن تغيير واضح في سياسة التعاطي مع الإخوان، والواقع أن تلك الأحداث لم تكن أكثر من سبب اشتعال في موقد كان تحت رماده وميض نار كثير، فتحت الضغط الغربي الهائل على السعودية بدأت سياسة جديدة تجلت أكثر في قبض يد العون عن بعض الهيئات والمؤسسات الإسلامية -من بينها المحسوبة على الإخوان- وبسط لسان الحرب الإعلامية عليهم في مختلف وسائط الإعلام السعودي.

وترجمة لذلك جاءت تصريحات وزير الداخلية السابق الأمير نايف بن عبد العزيز في مقابلة مع جريدة السياسة الكويتية في العام 2002، حيث حمل بشدة على جماعة الإخوان، ووصفها بأنها "أصل البلاء"، وقال إنها سبب المشاكل في العالم العربي وربما الإسلامي.

الاستهداف الشامل
وقد استمر ذلك المسار لعشرية كاملة قبل أن يتأجج أكثر مع ما بات يعرف بالربيع العربي، وقبل اندلاع الثورات لم تكن السعودية مرتاحة للصعود السياسي لقوى محسوبة على الإخوان في السودان وتركيا وفلسطين، ولكنه ازداد بشدة مع رياح الربيع العربي حيث وقفت السعودية بوضوح في مواجهة هذا الربيع، وسعت للحيلولة دون سقوط بعض الأنظمة مثل مصر واليمن.

ثم اتخذت لاحقا موقفا "معارضا" لبعض الحكومات التي قامت بعد الثورات، ودعمت الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، قبل أن يرتفع المؤشر في 2014 إلى اعتبار الإخوان جماعة إرهابية ضمن كيانات أخرى.

وبعد مجيء الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز تبادل الطرفان إشارات إيجابية، منها تصريح لوزير الخارجية السابق سعود الفيصل قال فيه إنه لا مشكلة لديهم مع الإخوان وإنما مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة هي من في رقبتها بيعة للمرشد، ثم استقبلت المملكة لاحقا شخصيات إسلامية محسوبة على الإخوان، في مقدمتهم الشيخ القرضاوي وراشد الغنوشي وخالد مشعل.

وضمن نفس السياق بدأت مستوى من التعاطي الإيجابي مع حزب الإصلاح النسخة اليمنية من الإخوان، غير أن كل تلك الاتصالات كانت استثناء منقطعا من المشهد السياسي الرسمي الغاضب على الإخوان.

ولم تدم تلك الإشارات الإيجابية طويلا؛ فمع التغييرات الكبيرة التي تعصف بالمشهد السعودي سياسيا واجتماعيا وثقافيا بعد صعود محمد بن سلمان وليا للعهد وتحالفه الوثيق مع محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي لم تتسع الشقة فقط بين الطرفين، بل تحولت إلى حالة عداء حين هدد محمد بن سلمان بالقضاء على الإخوان، قبل أن يشن عليها هجوما جديدا بلغ حد اتهامها باغتيال عمه الملك فيصل بن عبد العزيز.

وقال في لقاء مع مجلة ذي أتلانتيك إن عمه الملك فيصل دفع حياته ثمنا لمحاولة التصدي للإخوان المسلمين، وإن بلاده دعمت الإخوان المسلمين خلال حقبة الحرب الباردة بطلب من الولايات المتحدة الأميركية.

وقبل هذا التهديد قامت السلطات الأمنية بالزج بعشرات من المشايخ والدعاة المحسوبين على تيارات إسلامية مختلفة بينها الإخوان في أقبية السجون.

خلفيات وأسباب
لا تعرف على وجه التحديد أسباب انقلاب الموقف السعودي من الإخوان؛ ولكن مقربين من السلطات السعودية يرجعون الأمر إلى أسباب عديدة، منها موقف الجماعة من حرب الخليج، ومسؤوليتها عن إدخال ما يصفونه بالفكر الحزبي والسياسي إلى الفضاء الخليجي، وعلاقتها التي يقولون إنها وثيقة مع النظام الإيراني، واندفاعها في حراك الربيع العربي.

بينما يرى مقربون من الجماعة أن الموقف السعودي يعود إلى أسباب، من بينها تأييدهم للثورات واندفاعهم في مساندتها بما فيها ثورة اليمن الأولى في العام 1948 والتي أثرت وقتها سلبيا على العلاقة الناشئة بين الدولة والجماعة، ثم جاءت المشاركة القوية للإخوان في الثورات العربية لتلقي برميلا من الزيت على نار الخلاف مع السعودية.

ولا تنظر السعودية بكثير من الود نحو المنهج الفكري والرؤية السياسية التي يتبناها الإخوان، بل يرون فيه خطرا على المرجعيات التي يقوم عليها نظام الحكم في السعودية، حسب بعض المتابعين.

يضاف إلى ذلك الرؤية الجديدة لابن سلمان القائمة من بين أمور أخرى على التخفف من الطابع الديني للمملكة، بما يقتضيه ذلك من تنصل من علائقها السابقة وتحالفاتها السالفة، والمواجهة مع الخصوم السياسيين الذين يرى في مقدمتهم الإخوان المسلمين.

ومن غير الراجح أن تمثل مرحلة ابن سلمان المحطة الأخيرة في مسار جماعة هي من أقدم الجماعات الإسلامية تأسيسا وأكثرها انتشارا وتنظيما وأقدرها على إعادة إنتاج نفسها والنهوض من كبواتها رغم تعهده بالقضاء عليها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية