أشتال الأمل تهزم أشواك الألم في غزة

أشتال الأمل تهزم أشواك الألم بغزة
منظم المهرجان يقول إنه يعكس توسع وانتشار ثقافة اقتناء الورود وأشجار الزينة بين الغزيين (الجزيرة)

محمد عمران-غزة

يقلب الفلسطيني مصطفى المخللاتي بعض أصص ورود الجوري والقرنفل والغزاوي بعناية فائقة، قبل أن يقترب ليشتم روائحها الزكية ويلمسها بيديه ليتيقن من جودتها، خصوصاً في ظل عرض أصناف كثيرة بذات الاسم والمواصفات الشكلية، تقدمها المشاتل المشاركة في مهرجان الزهور والصبار ونباتات الزينة المنعقد على مدار ثلاثة أيام بمدينة غزة.

يتنقل الستيني المخللاتي ببطء شديد بين المعروض من الورود وهو يتفحصها كما المريض بين يدي الطبيب، ليقترب من بعض أصحاب المشاتل مبدياً إعجابه بحفاظهم على أصناف الورود الأصلية "البلدية" ببعض كلمات الإطراء، بينما لا يبدي اهتماما كبيراً بمشاهدة الأصناف المهجنة أو الأجنبية.

يجلس المخللاتي على مقعد صغير بين الورود وأشجار الزنية، وملامح الرضى والحبور تسيطر على محياه، وهو يستعيد ذكريات حالة العشق بينه وبين الزهور الممتدة منذ أربعة عقود، ليبدو كأنه ارتوى من الورود حتى الثمالة بعد عطش طويل للخضرة وروائحها المفعمة بالطيب.

بيد أن مبعث السرور البادي على هذا الفلسطيني لم يكن عشقه للورود فحسب، فالأهم بالنسبة إليه هو انعقاد مهرجان يعنى بجمال الزهور والزينة في ظل أوضاع غزة البائسة، وهو ما يعتبره مفارقة كبرى "فالناس جوعى لكنهم أكثر شوقاً إلى الأمل والحياة"، حسب قوله.

‪المهرجان حظي بعدد كبير من الزوار رغم الحالة المعيشية البائسة‬  (الجزيرة)
‪المهرجان حظي بعدد كبير من الزوار رغم الحالة المعيشية البائسة‬ (الجزيرة)

حالة ارتياح
ولذات المفارقة، كانت الفلسطينية أم محمد الوادية أكثر إعجابا وهي تتجول بين مكونات وأقسام المعرض، لتثني على فكرته بموازاة سؤالها لباعة الورود عن النباتات الموسمية والسنوية وكيفية العناية بها.

تحمل أم محمد بين يديها بعض النباتات العصارية والشوكية بألوانها الزاهية، وتتبادل أطراف الحديث مع صديقتها حول لهفتها لشراء مزيد من الورود بألوان متعددة كالأحمر والأرجواني والأصفر، ولو كان على حساب ما تبقى معها من أموال مخصصة للتبضع باحتياجات منزلها الأساسية.

لم تكتف أم محمد بما اشترته، لتدنو مندفعة من بعض أحواض نباتات الزينة المتسلقة والممتدة والمعلقة، فتشتري منها ما يشبع حاجاتها لتزيين مداخل وشرفات منزلها، علها تمنح نفسها وعائلتها أجواء أكثر ارتياحاً أملاً في الخروج من شرنقة ظروف الحياة الصعبة بغزة.

"غزة تكره الحرب والموت وتحب الفرح والحياة" تقول أم محمد وهي تهم بمغادرة المعرض، قبل أن ترنو بناظريها إلى الورود الموزعة في الداخل وتتحدث عن أمل منبعث بكل زاوية من المعرض، ورسالة تعبر عن قوة أهل غزة وقدرتهم على الانطلاق نحو المستقبل من بين ركام الألم، وفق تعبيرها.

حالة الارتياح والسعادة هذه كانت بادية على زوار المعرض كباراً وصغاراً، وهم يستمتعون بشراء أصناف ورود ونباتات زينة خبروها وأخرى جديدة تعرض لأول مرة في غزة، كالصبار المهجن بألوانه المتعددة المعروض بطريقة جذابة ومتناسقة الطول مع تباين ألوان الزهرات.

وبذات الجمال وحسن الترتيب، برزت في المعرض أصناف أخرى كالعصاريات والشوكيات والعصويات والورقيات والمعلقات، إضافة إلى نباتات الزينة مثل: البيتونيا والبرموليا والأدينيوم والأوليفيرا وغيرها.

وإلى جانب الورود بأنواعها، حظيت أشتال الفواكه الجديدة ونحوها بجانب من المعرض، حيث عرض فني النباتات خليل البراوي أشتالا لأول مرة كالعنب بنكهة الشمام أو المانغا، وأشجار فاكهة توتيت وكرمبولة وإيتشي وفجويا، وهي أشجار تثمر فواكه غير معروفة في القطاع.

‪‬ مهرجان الزهور والأشتال يمتد لثلاثة أيام(الجزيرة)
‪‬ مهرجان الزهور والأشتال يمتد لثلاثة أيام(الجزيرة)

إقبال كبير
ورغم تزامن تنظيم المعرض مع أوضاع معيشية متردية لدى الغزيين، فإنه حظي بزوار كثر وحركة شرائية مناسبة بحسب فني النباتات، مما يعكس إصرار الغزيين على صناعة التفاؤل وتقديم صورة جميلة عن حياتهم تزاحم مشاهد البؤس المستشرية في كل مكان.

وبقدر ما يحمله مهرجان الورود من رسائل إيجابية بغزة، فإنه يعكس توسع وانتشار ثقافة اقتناء الورود وأشجار الزينة بين الغزيين وفقاً لمنظم المهرجان عماد الريس، خصوصاً أن غزة تزرع وتصدر الورود للعالم منذ نحو ثلاثة عقود.

وبينما يتحدث الريس عما يمثله المهرجان من حالة التفاؤل والجمال المنتصرة على واقع الدمار والحصار، يعتقد أن انعقاد المهرجان بنسخته الرابعة يمثل تحدياً كبيراً، مع الحرص على توسعه ليشمل جوانب أخرى تتعلق بالورود كأغراض البستنة والعناية بالحدائق والاستشارات الزراعية وغيرها.

ولأن المعرض كان بمثابة حلقة وصل بين عشاق الورود وأصحاب المشاتل، فإن التعويل -وفقاً لمنظم المهرجان- لا يقتصر على بيع آلاف الأشتال والنباتات داخل المعرض، وإنما على استمرار التواصل بين الطرفين مستقبلاً لنشر ثقافة البستنة المنزلية.

المصدر : الجزيرة